
عيذاب
في المنطقة التي تقع بين حلايب ومرسى علم يوجد موضع عيذاب القديمة وهي ميناء الحجاج الأشهر في العصور الإسلامية ، جاء في تقويم البلدان لأبى الفداء وكذا فى ابن خلكان أن عيذاب بليدة على شاطئ بحر جدة ، يعدّى منها الركب المصرى المتوجه إلى الحجاز على طريق قوص فى ليلة واحدة فى أغلب الأوقات فيصل إلى جدة ، وجاء في الخطط التوفيقية : ” ومدينة عيذاب فى محل مدينة بيرنيس القديمة التى وضعها بطليموس فيلودولفوس على البحر الأحمر بينها وبين القصير القديم ألف وثمانمائة غلوة ، وفى صحرائها يوجد معدن الزمرد ومعدن النحاس “.
جاء في القاموس الجغرافي : ” عيذاب : وردت في معجم البلدان أنها ثغر على ساحل بحر القلزم التابع لمصر وورد في آخر كتاب التحفة ثغر عيذاب من أعمال القوصية ، وأقول إن هذه القرية كانت فرضة على بحر القلزم (البحر الأحمر) في صحراء لا عمارة فيها ولكنها كانت مرساة شهيرة للسفن وكانت طريق الحج المصري في القرون الوسطى يسير إليها الحجاج من قوص (بمديرية قنا) وعند عيذاب يجتازون البحر الأحمر إلى جدة ومنها إلى مكة ، ويعرف مكان عيذاب عند قبائل عرب الصحراء باسم سواكن القديمة.
واسمها الرومي ميوشورموس وتقع على عرض 22 درجة و 20 ثانية ، وأما سواكن الحالية فهي على عرض 19 درجة ، وموقع عيذاب على البحر الأحمر في أملاك الدولة المصرية بالقرب من الحد الفاصل بين مصر والسودان ويقع في اتجاهها من جهة الغرب على النيل بلدة أبو سنبل بمركز الدر بمديرية أسوان ، وأما من جهة الشرق فيقع في تجاهها على الشاطىء الشرقي للبحر الأحمر من بلاد العرب تقريبا بلدة رابغ وشرم رابغ الذي يقع في شمال ثغر جدة وعلى بعد 130 كيلومترا منها “.
وفى كتاب « درر الفرائد المنظمة فى أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة » جاء عنها : ” مدينة على ساحل بحر جدة ، غير مسوّرة ، أكثر بيوتها الأخصاص ، وفيها الآن بناء مستحدث بالجص ، وهى من أجلّ مراسى الدنيا ، بسبب أن مراكب اليمن والهند تحط فيها وتقلع منها ، زيادة على مراكب الحجاج الصادرين والواردين ، وهى فى صحراء لا نبات فيها ولا يؤكل بها شئ إلا المجلوب ، لكن أهلها يرتفقون بالحجاج والتجار ، ولهم على كل حمل طعام يحملونه ضريبة معلومة خفيفة المؤنة.
وما من أهلها ذوى اليسار إلا من له الجلبة (السفينة) والجلبتان ، تحمل الحجاج ذهابا وإيابا فهى تعود عليهم برزق واسع ، وفى بحر عيذاب مغاص على اللؤلؤ فى جزائر قريبة منها ، يستخرج منه جوهر نفيس له قيمة سنية ، يذهبون إلى تلك الجزائر فى الزوارق ، وأهل عيذاب الساكنون بها طائفة من البجاة ولهم سلطان من أنفسهم يسكن معهم فى الجبال المتصلة بها ، وربما جاء فى بعض الأحيان وقابل الوالى الذى من جانب الغز إظهارا للطاعة “.

القصير والغردقة
تضم محافظة البحر الأحمر مدينة واحدة قديمة هي القصير والتي جاءت في الخطط التوفيقية باختصار حيث يقول علي باشا مبارك : ” مينا على بحر القلزم على ثلاثة أيام من قوص فى مفازة وهى فرضة قوص أي ميناء قوص ” ، وفي العصر الحديث تأسست كل من سفاجا والغردقة لتكون سكنا للعاملين في مهام التعدين في المنطقة حيث يقول محمد رمزي في كتاب القاموس الجغرافي للبلاد المصرية :
” القصير : بقسم البحر الأحمر بمصلحة الحدود ، هي من الثغور المصرية القديمة وتعرف بالقصير الجديدة ويسميها العرب الجديدة لأنا استجدت بعد القصير القديمة التي كانت واقعة في شمال هذه واندثرت ، ورد في معجم البلدان : القصير موقع قرب عيذاب بينه وبين قوص قصبة الصعيد خمسة أيام وبينه وبين عيذاب ثمانية أيام وفيه مرفأ لسفن اليمن.
ووردت في دفاتر الروزنامة القديمة باسم بندر القصير الشامي وهي اليوم فرضة أي ميناء واقعة على البحر الأحمر للتجارة الواردة إلى مصر عن عن طريق مدينة قوص الواقعة تجاهها على النيل والتجارة الصادرة منها إلى بلاد البحر الأحمر ، والمسافة بين قنا والقصير 155 كيلومترا على خط مستقيم ، وذكر جوتييه في قاموسه أن القصير هذه اسمها المصري تاعاو والرومي ليفكوس ليمين.
الغردقة : اسمها الأصلي هرغادة وهو اسم يطلق على منطقة صحراوية تعرف بديشة هرغادة واقعة على البحر الأحمر تجاه جزائر الجفاتين الواقعة قرب الشاطىء الغربي جنوبي مدينة السويس وعلى بعد 345 كيلومترا منها على خط مستقيم ويحاذيها على النيل مدينة أسيوط.
وناحية الغردقة على جهتين إحداهما على شاطىء البحر الأحمر وتعرف بالميناء وهي قرية بها مركز قسم البحر الأحمر ، والثانية في الداخل وتعرف بالشركة وهي مكونة من مساكن كثيرة أنشأتها شركة استخراج زيت البترول لإقامة العمال المشتغلين باستخراج زيت البترول من أراضي تلك المنطقة.
سفاجا : اسم يطلق على منطقة صحراوية واقعة على الشاطىء الغربي للبحر الأحمر جنوبي مدينة السويس وعلى بعد 400 كيلومترا منها ويحاذيها على النيل مدينة طهطا بمديرية جرجا ، وقد أقيم على شاطىء البحر الأحمر بالمنطقة المذكورة مجموعة من المساكن مخصصة لإقامة عمال شركة استخراج الفوسفات من أرض تلك المنطقة التي عرفت بسفاجا ، ويتبعها داخل الصحراء نقطة تسمى أم الحويطات بها أيضا عدة مساكن أخرى لإقامة عمال الشركة المذكورة المشتغلين بعملية استخراج الفوسفات “.

حلايب وشلاتين
الخط الواصل بين سفاجا وقنا هو الحد الجغرافي الفاصل بين قبائل المعازة شمالا وقبائل العبابدة جنوبا حيث تنتشر المعازة من سواحل البحر الأحمر شرقا وحتى وادي النيل غربا وتنتهي منازلها شمالا عند الإسماعيلية ، أما العبابدة فتنتشر من أول هذا الخط حتى الحدود جنوبا وامتدت ديارهم إلى قنا وقوص والأقصر وأرمنت شرق النيل وفي إسنا وإدفو وكوم امبو شرق النيل وفي أسوان وبلاد النوبة.
ويشتهر العبابدة برقصة السيف والدرقة المشهورة باسم التربلة حيث دق الكف مع رزم القدم على الأرض من الثبات ، وتبدأ الاحتفالات عندهم بنوع من الموال الشعبي يدعى النميم يلقى باللغة العربية بينما يردد الجميع كلمة ” أبشر ” ، وفي الجزء الجنوبي من محافظة البحر الأحمر يتحدث قسم من السكان باللغة العربية وهم قبائل العبابدة والرشايدة (الرشايدة هاجرت من الجزيرة العربية في وقت مبكر واستقرت على ساحل البحر).
أما القسم الآخر من السكان فهم يتحدثون بلغتين مختلفتين هما العربية بنفس اللكنة عندما يتحدثون مع الآخرين ولغة البداويت البجاوية عندما يتحدثون فيما بينهم ، وهذه اللغة محكية تنطق ولا تكتب وهي خاصة بقبائل البشارية ، وتنتشر قبائل البشارية في حلايب وشلاتين وأبو رماد وكذلك تتنتشر مع سائر قبائل البجا في شرق السودان ، وقد تأثرت اللهجات البجاوية باللغة العربية تأثيرا كبيرا بسبب الهجرات والتنقلات المستمرة بينهم وبين الضفة المقابلة من البحر الأحمر في ساحل الحجاز واليمن.
وأسفر ذلك عن نشأة لغة البداويت والتي تجمع بين العربية والبجاوية القديمة ، وديار قبائل البجا ممتدة لتشمل مناطق واسعة من أريتريا وأثيوبيا حيث القبائل الناطقة بلغة تقري ويضم إليهم البعض لغة العفر (الدناكل) الممتدة من هناك حتى شمال جيبوتي حيث وتيرة الاختلاط العالية بين الشعوب السامية والأفريقية ومنها شعب الجبرتة وهو ناطق بالتغرينية وله صلات قوية بمصر والأزهر في الزمن القديم وتنحدر منه عائلة المؤرخ الكبير عبد الرحمن الجبرتي.
والبشارية يحرصون على ارتداء الزي الشعبي التقليدي وهو القميص المعروف باسم (السواكني) نسبة لمدينة سواكن وهو أقرب للثوب وفوقه صديرية وسروال (البوجا) ، ولهم رقصة خاصة بهم تسمى (الهوسيت) يتم فيها الاستعراض والرقص بآلات الحرب والصيد وتقليد حركات الحيوان ، وحياتهم مرتبطة كثيرا بالإبل حيث يطلقون على الجمل اسم (أوكام) ويتخذونه شعارا لهم ، وكلمة هوسيت في لغة البجا تعني الاستعداد ويقصد بها التأهب للحرب أو الصيد أو المبارزة.
وتبدأ الرقصة وسط دق الأقدام على الأرض وضرب الكفوف من الحاضرين ويجب أن يبدأ أكبر القوم سنا أو أعلاهم مقاما حيث ينزل إلى الوسط مع بدء العزف ممسكا بالسيف والدرقة (الدرع الخاص بالبجا) ويجاوبه الجمهور بهمهمات مشجعة ، ويستعمل فيها السيف (مأدد) والخنجر (شوتال) والعصا (أكوالي) والسوط (قرنتي) والدرع وهو دائري كبير ومنه ثلاثة أنواع وهي (كربياي) المصنوع من جلد الفيل و(داشكاب) من جلد التمساح و(تاسنتياي) من جلد فرس البحر.

وادي حميثرا
في أجوار مرسى علم يوجد جبل حميثرا حيث تأسست في الوادي قرية تسمى أبو الحسن الشاذلي وذلك في الموضع الذي توفي فيه ولي الله تعالى السيد أبو الحسن الشاذلي مؤسس الطريقة الشاذلية أثناء رحلته إلى الحج ، وقد استقر أولا في تونس بقرية شاذلة حيث تتلمذ على يد الشيخ عبد السلام بن مشيش ثم رحل إلى الإسكندرية واستقر بها في القرن السابع الهجري.
وقد جاء فى كتاب (المفاخر العلية فى المآثر الشاذلية) لابن عباد أن أبا الحسن الشاذلى شيخ الطريقة ومعدن الحقيقة ولد بقرية غمارة من إفريقية قريبة من سبتة ، وهى من المغرب الأقصى فى نحو ثلاث وتسعين وخمسمائة من الهجرة ، وكانت وفاته فى شهر شوال عام ست وخمسين وستمائة وعمره ثلاث وستون سنة ودفن بحميثرى فى برية عيذاب من الديار المصرية.
ويحكي عن ذلك خادمه أبو العزايم ماضي بن سلطان فيقول : لما توجه الشيخ فى سفرته التى توفى فيها ، قال : احملوا معكم فأسا ومسحاة فإن توفي منا أحد واريناه التراب ، ولم يكن لنا بذلك عادة متقدمة فى جميع ما سافرنا معه فكان ذلك إشارة لموته ، وفى ليلة وفاته جمع أصحابه وأوصاهم بأشياء وقال لهم : إذا أنا مت فعليكم بأبي العباس المرسي فإنه الخليفة من بعدي ، وبات متوجها إلى الله تلك الليلة يقول : إلهى إلهى حتى قرب الفجر فسكت فظننا أنه نام فكلمناه فلم يتكلم فحركناه فوجدناه ميتا رحمه الله تعالى ، فاستدعينا سيدي أبا العباس المرسي فغسله وصلينا عليه ودفناه بحميثرى فى واد على طريق الصعيد.
جاء في القاموس الجغرافي : ” وأما منزلة حميثرى التي توفي فيها ولي الله الشيخ أبو الحسن الشاذلي قطب الطريقة الشاذلية في سنة 656 هـ عند سفره إلى الحج في طريقه إلى عيذاب فإن هذه المنزلة تقع بقرب الحد الفاصل بين مصر والسودان في الجنوب الغربي لعيذاب وعلى بعد 140 كيلومترا منها “.
وذكر ابن بطوطة رحلته إلى تلك المنطقة فقال : ” اكترينا الجمال من إدفو فى أعلى الصعيد ، واجتزنا النيل منها إلى قرية العطوانى ، وسافرنا إلى عيذاب مع طائفة من العرب تعرف بدعيم فى صحراء لا عمارة بها خمسة عشر يوما ، وفى بعض منازل طريقها نزلنا بحميثرى حيث قبر الولى أبي الحسن.
ثم وصلنا مدينة عيذاب وأهلها من البجاة وهم قوم سود الألوان ولا يورثون البنات شيئا ، وكان إذ ذاك ثلثا متحصل مدينة عيذاب لملك البجاة ويقال له الحدري والثلث لملك مصر الناصر ، وكان ملك البجاة قدم إليها لحرب الأتراك فانهزموا أمامه وأحرقوا المراكب وحصلت فتن بين البجاة والترك ، وتعذر سفرنا منها لجدة فعدت مع العرب إلى صعيد مصر إلى قوص “.



جزيرة شدوان
تحتفل محافظة البحر الأحمر بعيدها القومي في يوم 22 يناير من كل عام وذلك تخليدا لذكرى شهداء معركة شدوان التي دارت أحداثها في حرب الاستنزاف عام 1970 م ، وشهدت الجزيرة ملحمة شعبية وتاريخية ، حيث شارك أبناء محافظة البحر الأحمر قواتهم المسلحة فى دحر العدوان الإسرائيلى الغاشم على الجزيرة وقام الأهالى من الصيادين فى ذلك الوقت بإمداد ومعاونة القوات المسلحة بكافة الوسائل والوسائط البحرية الممكنة.
وتُعد جزيرة شدوان أكبر جزيرة مصرية مرجانية في مضيق جوبال ، وتسمى أيضا باسم جزيرة شاكر نسبة للشهيد الرائد محمد شاكر الذي استشهد في العدوان الثلاثي ، وتقع الجزيرة بالقرب من مدخل خليج السويس في البحر الأحمر على بعد 35 كم من الغردقة وعلى بعد 325 كم من السويس وعلى بعد 48 كم تقريبًا جنوب غرب شرم الشيخ في شبه جزيرة سيناء ، وعلى بعد 32 كم تقريبًا شمال شرق الجونة ، ويبلغ طول الجزيرة 16 كم ، وعرضها ما بين 3-5 كم ، وتقع على ارتفاع 162 مترا.
قامت القوات الإسرائيلية بهجوم كبير على الجزيرة جوا وبحرا وهاجمت مساكن المدنيين الذين يقومون بإدارة الفنار الموجود في جنوب الجزيرة ، واستمر القتال بين كتيبة المظلات الإسرائيلية وأفراد الصاعقة المصرية الذين خاضوا المعركة ببسالة وأحدثوا خسائر جسيمة بقوات العدو ، كما تمكنت وحدات الدفاع الجوي المصري من إسقاط طائرتين للعدو من طرازي ميراج وسكاي هوك ، واستشهد في العملية ثمانين من الجنود والضباط المصريين.
ظل العدو يتقدم لاقتحام مواقع قوة الحراسة في جنوب الجزيرة ، وكانوا يطلبون من القوة المصرية أن تستسلم ، ورغم القصف الجوي العنيف ، إلا أن القوات المصرية رفضت الاستسلام وقاتلوا ببسالة وشجاعة ، واستمر العدو في محاولاته للسيطرة على الجزيرة ومنع الإمداد الذي يأتي للجنود المصريين من خلال البحر ، لكنهم فشلوا رغم تفوقهم العددي والقصف الجوي العنيف والامدادات الكثيرة التي كانت تأتي إليهم.
أدار المعركة قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية اللواء سعد الشاذلي حيث أمر بمهاجمة الجزيرة بمساعدة عدد من الصيادين من أبناء المحافظة ، ما أثمر في نقل الجنود والمعدات وسط الظلام إلى جزيرة شدوان للقيام بالهجوم على القوات الإسرائيلية واستمرت المعارك في الجزيرة 36 ساعة متواصلة ، فشلت القوات الإسرائيلية بعدها في احتلال أي موقع في الجزيرة.
بعدها اضطرت القوات الإسرائيلية التي تقدر بكتيبة كاملة من المظليين للانسحاب من الأجزاء التي احتلتها من الجزيرة ، وفي اليوم التالي للقتال والموافق الجمعة 23 يناير ، قصفت القوات الجوية المصرية المواقع التي تمكن العدو من الوصول إليها في جزيرة شدوان ، في الوقت الذي قامت فيه قواتنا البحرية بأعمال تعزيز القوة المصرية على الجزيرة ، وهو ما أدى لانسحاب القوات الإسرائيلية من الجزيرة وفشل العدوان.