

بغداد .. مدينة أبي جعفر المنصور
في عام 762 م. قرر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور إنشاء عاصمة جديدة لدولته بعد أن استقرت له الأمور في أعقاب سنوات من الاضطرابات والمعارك التي صاحبت ظهور الدعوة العباسية وانتصارها على الأمويين وسقوط عاصمتهم دمشق في أيديهم ، وقد تنقل مقر قياة العباسيين بين الحميمة والكوفة والهاشمية والأنبار والتي كانت مقرات مؤقتة قريبة من مناطق نفوذهم في العراق وفارس وخراسان لكنها جميعا لا تواكب التغير الكبير الحادث ..
وبعد بحث دقيق للموقع المنشود عثر المنصور على بغيته على الشاطىء الغربي لنهر دجلة بالقرب من سوق تجاري موسمي عرف عند التجار والعامة باسم سوق بغداد (وهي لفظة فارسية تعني البستان) وذلك في منطقة تتوسط وادي الرافدين حيث أضيق مسافة بين دجلة والفرات وتتصل بسهولة بكل من فارس من ناحية دجلة وتشرف على البادية العربية من ناحية الفرات وتقع جغرافيا في منتصف المسافة بين الموصل شمالا والبصرة جنوبا ..
أطلق الخليفة المنصور على عاصمته الجديدة اسم (مدينة السلام) لكن الناس عرفوها باسم بغداد وعرفت في المصادر التاريخية بأسماء متنوعة منها الزوراء والمدينة المدورة وفقا لتصميمها الدائري الذي بنيت عليه حيث أحيطت بسور ضخم وخندق مائي متصل يتخخله جسور الأبواب الأربعة الكبرى (باب الكوفة وباب البصرة وباب خراسان وباب الشام) وتتصل الأبواب بالطرق الأساسية الكبرى المؤدية إلى هذه الأقاليم مباشرة ..
وبذل المنصور كل جهده لإعمار المدينة وساعده في تأسيسها ابن أخيه وولي عهده الأمير عيسى بن موسى وهو شخص حازم من عقلاء القوم ، وعمرت المدينة في زمن قياسي ثم توسعت في عهد المهدي بن المنصور حيث أنشأ على الضفة الشرقية المنطقة التي عرفت باسم الرصافة في مقابل الجزء الغربي الذي عرف باسم الكرخ ومنهما معا تكونت المدينة التاريخية والتي صارت حاضرة العالم القديم وأكبر مدينة في العصور الوسطى ..


البصرة .. مدينة عتبة بن غزوان
في أعقاب معركة القادسية وحصار المدائن عاصمة الفرس تنبه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى ثغرة قد تستغلها الحاميات الفارسية في الأحواز والأبلة وميسان للالتفاف من الخلف ومهاجة الجيش ، لذا أسرع بإرسال قوة عسكرية خفيفة من ثمانمائة مقاتل إلى المنطقة بقيادة الصحابي عتبة بن غزوان بن جابر المازني في ديسمبر 636 م. وحدد له هدفين وهما حجز القوات الفارسية هناك ومنعها من التقدم شمالا وفتح الأبلة لإرباك الفرس وتخفيف الضغط على قوات سعد بن ابي وقاص ..
وقد عسكر عتبة في أقصى البر من أرض العرب وأدنى أرض الريف من وادي الرافدين في الحد الفاصل بين الصحراء والأرض الزراعية وظل هناك مرابطا لمدة شهور بسبب خوف الحاميات الفارسية من التصدي له لكنه في النهاية انتصر عليهم وتمكن من فتح مدينة الأبلة ثم ميسان والأحواز ، واقترح عتبة على الخليفة أن يحول معسكره إلى مدينة يستقر بها الجيش حيث كان موقعها متميزا فهو يشرف على جنوب العراق كله وهو بالقرب من المدن القديمة فيه ويقع على شط العرب وقريب من البحر ..
وكتب عتبة إليه (إني أرى أرضًا كثيرة القضة في طرف البر إلى الريف ودونها مناقع فيها ماء وفيها قصباء) ، فقال عمر بن الخطاب : (هذه أرض بصرة قريبة من المشارب والمراعي والمحتطب) ومعنى البصرة في اللغة العربية الأرض الحجرية الصلبة ، وهكذا تأسست مدينة البصرة التي قدر لها أن تكون أول مدينة إسلامية في العراق وقدر لها أن تكون شاهدة على الكثير من الأحداث السياسية التي دارت وقائعها في عصر الأمويين والعباسيين وأن تصبح ثالثة مدن العراق الكبرى بعد بغداد والموصل ..
وكانت البصرة منذ نشأتها واحدة من مراكز الثقافة الإسلامية حيث المنافسة الدائمة بينها وبين قرينتها الكوفة التي تأسست في زمن مقارب حيث حوت الكثير من العلماء والفقهاء والأدباء والنحويين وظهر في كل مجال مذهب الكوفيين ومذهب البصريين ، ومن أشهر أعلامها الحسن البصري وأبو الحسن الأشعري ومحمد بن سيرين والحسن بن الهيثم والأصمعي والفراهيدي ورابعة العدوية كما كانت من المراكز الهامة للمعتزلة وإخوان الصفا وازدهرت فيها الحركة الفكرية حتى وصفت بأنها قبة الإسلام ..


الكوفة .. مدينة سعد بن أبي وقاص
في عام 638 م. قرر الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص إنشاء عاصمة لولاية العراق بعد الانتصار على الفرس في معركة القادسية وذلك في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فاختار موضعا يلتقي فيه وادي الفرات مع حافة الصحرء بالقرب من مدينة الحيرة العربية القديمة ، وأطلق عليها اسم الكوفة من التكوف وهو التجمع واستمدت المدينة شهرتها من الأحداث السياسية المتعاقبة التي مرت عليها خاصة بعد أن اتخذها الإمام علي بن طالب عاصمة له فكانت ثاني العواصم الإسلامية بعد المدينة ..
وفي وسط المدينة بني المسجد الجامع ودار الإمارة التي عرفت باسم (دار سعد) كما اشتهرت الكوفة منذ نشأتها بالمساجد العديدة حيث اختطت كل قبيلة مسجدها الخاص في خطتها فبنت كندة مسجد الأشعث وبنت تميم مسجد بني عبد الله وبنت طي مسجد عدي بن حاتم وبنت هوازن مسجد بني عدي وبنت مذحج مسجد بني أود وبنت عبس مسجد بني جذيمة وبنت جهينة مسجد بني دهمان وبنت عامر مسجد بني هلال حيث كان سكن القبائل بالكوفة ملائما لهم لقربها من الصحراء على عكس المدن القديمة بالعراق ..
وحظيت المدينة باهتمام الخلفاء في كل العصور بسبب دورها السياسي وارتباطها بالثورات الدائمة فتم إعمارها في العصر الأموي وأدمجت فيها مدينة الحيرة القديمة عاصمة المناذرة وبنيت فيها القصور والجسور والأسواق والضياع ، ومنها أعلن قيام الدولة العباسية حيث كانت الكوفة أول عاصمة لها فلما تأسست بغداد فقدت الكوفة دورها السياسي لكنها احتفظت بمكانتها عاصمة للثقافة العربية مع قرينتها البصرة حيث التنافس الدائم بينهما حيث كانت لكل منهما مذهبها الخاص في الأدب واللغة والفقه والفلسفة ..
ومن أعلامها في الفقه التابعي سعيد بن جبير والإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان وفي اللغة والنحو أبو الأسود الدؤلي وعلي بن حمزة الكسائي وحماد والضبي وابن عبد الأعلى وفي الشعر الكميت بن زيد وأبو الطيب المتنبي ودعبل الخزاعي وأبو العتاهية وفي الكيمياء جابر بن حيان ، وقد ارتبطت الكوفة بالخط العربي خاصة المستعمل في أعمال الزخرفة الإسلامية والكتابة البارزة على الجداران والذي نسب إليها وفي ذلك يقول القلقشندي (الخط العربي هو ما يسمى الآن بالكوفي ومنه تطورت باقي الخطوط) ..


الموصل .. مدينة عرفجة البارقي
عندما تسمع اسم عرفجة بن هرثمة قد تتعجب من هذا الاسم البدوي الغليظ لكن هذه الدهشة سوف تزول عندما تعلم أنه رجل دولة من الطراز الأول وسياسي رفيع المستوى حيث قدر له أن يقترن اسمه بواحدة من أهم المدن العربية وهي مدينة الموصل ثاني أكبر مدن العراق ، وكان قبل الإسلام سيدا من سادات العرب ومن الدهاة المحنكين ومن الأثرياء المعدودين وزعيما مطاعا في قبائل بارق وبجيلة وسائر عشائر الأزد وكان محل ثقة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لسابق هجرته وجهاده وحسن تدبيره ..
وكان عرفجة واحدا من قادة حروب الردة ثم شارك في كافة معارك فتوح العراق وكان من ضمن المبعوثين الذين أرسلهم سعد بن أبي وقاص إلى رستم وشارك في فتح المدائن ثم عاون عتبة بن غزوان في تخطيط مدينة البصرة ثم شارك في معركة نهاوند ، وفي عام 22 هـ / 642 م. انتدبه عمر بن الخطاب ليحل محل عتبة بن فرقد السلمي في شمال العراق ليتمكن عتبة من مواصلة التحرك إلى أذربيجان بعد أن طرد الحامية الفارسية من حصن قريب من أطلال مدينة نينوى عاصمة الآشوريين التاريخية ..
وعندما وصل عرفجة إلى الحصن الواقع شرقي نهر دجلة تطلع ببصره إلى الأرض الفضاء التي تقع غرب النهر ورأى أنها تصلح لإنشاء مدينة كبيرة مثلما فعل في البصرة فانتقل إليها وبدأ في تخطيطها فأنشأ المسجد الجامع ودار الإمارة ثم اختط مبانيها ومرافقها وسورها ودورها وأسواقها وأسكن فيها القبائل العربية من الأزد وكندة وطيء وعبد القيس ثم توسع باتجاه الضفة الشرقية وبنى ضاحية سكنية عرفت باسم الحديثة جذبت القبائل القديمة في المنطقة مثل تغلب والنمر بن قاسط وربيعة وإياد وشيبان ..
وأطلق على المدينة اسم الموصل لأنها وصلت بين العراق والجزيرة وظل عرفجة واليا عليها ثلاثة عشر عاما في عهد عمر وعثمان حتى توفي عام 34 هـ واستمرت ذريته في قيادة المدينة في عصر الأمويين حيث حظيت بالاهتمام ثم صارت عاصمة ولاية الجزيرة في عهد العباسيين ، وتأسست فيها الدولة الحمدانية ثم الدولة الزنكية وكلاهما انطلق منها للجهاد ضد الروم والفرنجة وأنشأ فيها الملك العادل نور الدين محمود المستشفيات والقياسر (الأسواق المسقوفة) ومسجده الكبير الذي عرف باسم (الجامع النوري) ..


سامراء .. مدينة المعتصم بالله العباسي
في عام 833 م. تولى المعتصم بالله العباسي سدة الخلافة في بغداد بعد أخيه المأمون وانتهج سياسة جديدة للحد من المنافسة بين العرب والفرس في دواوين الحكومة وقيادة الجيوش وذلك بإضافة عنصر ثالث وهم الأتراك حيث جلب منهم الآلاف على هيئة جنود مرتزقة ومماليك اتخذ منهم حرسه الخاص وحاشيته وكان يميل إليهم بحكم أن والدته تركية لكن ضاقت عليهم العاصمة بغداد وبدأت تحدث المناوشات بينهم وبين الأهالي فقرر المعتصم إنشاء عاصمة جديدة لتكون مقرا له ولجنوده من الأتراك ..
وفي موقع شمالي بغداد بينها وبين الموصل أنشأ المعتصم مدينته الجديدة على الضفة الشرقية لنهر دجلة وبنى فيها ثكنات للجند وذلك في عام 835 م. وأطلق عليها في البداية اسم العسكر لكنها عرفت عند العوام باسم (سر من رأى) ثم حرف إلى سامراء ، ورغم طابعها العسكري إلا أنه سرعان ما جذبت الأعيان والأهالي فأقاموا فيها القصور والمنازل والأسواق والمباني الشاهقة كما جلب المعتصم إليها مختلف أنواع الأشجار المثمرة من كل مكان وغرست البساتين والحدائق في أنحائها المختلفة ..
واستمرت المدينة عاصمة للخلافة قرابة ستين عاما حيث قام الخليفة المتوكل بتوسعتها وأنشأ فيها ضاحية جديدة في عام 859 م.عرفت باسم المتوكلية وبنى فيها الجامع الكبير ومأذنته المدرجة والتي استوحى منها أحمد بن طولون مأذنة مسجده في القطائع بمصر ، ومن أهم المعالم الدينية في المدينة قبة سرداب الغيبة الواقع فوق بيت الأئمة ومرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري والسيدة حكيمة بنت الإمام الجواد والسيدة نرجس زوجة الحسن العسكري ووالدة الإمام الثاني عشر محمد المهدي ..
واتسعت الثكنات العسكرية فيها لسكن 250 ألف جندي وكذلك الاصطبلات لتستوعب 160 ألف حصان ولا تُعرف مدينة اتسع عمرانها في بضع سنوات كما اتسع عمران مدينة سامراء حتّى امتد العمران إلى مسافة 35 كيلومتراً على ضفتي نهر دجلة ، ومنها خرجت جيوش المعتصم في عام 838 م. تلبية لنداء (وامعتصماه) لتحقق انتصارا ساحقا على الروم في معركة عمورية والذي خلده الشاعر أبو تمام في قصيدته التي تبدأ بقوله (السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب) ..


الحلة .. مدينة سيف الدولة المزيدي
ارتبطت مدينة الحلة العراقية باسم مؤسسها الأمير سيف الدولة صدقة بن منصور المزيدي فوصفت في كتب التاريخ باسم الحلة المزيدية والحلة السيفية ، هو شيخ العرب سيف الدولة صدقة بن بهاء الدولة منصور بن نور الدولة علي بن سند الدولة دبيس بن الأمير علي بن مزيد الأسدي حيث منحت لهم هذه الألقاب بعد استقدامهم على رأس عشائر بني أسد من قبل العباسيين للقيام بواجبات حماية طرق التجارة والحج في بادية العراق ، وعندما تولى صدقة الإمارة قرر الانتقال من طور البداوة إلى طور الاستقرار فاختط مدينة الحلة عام 495 هـ. / 1101 م. وجعلها مقرا لدولته وشيد فيها العمران وأقام حولها الأسوار ..
قال عنه ابن الأثير يصفه : ” كان له من الكتب المنسوبة الخط شيء كثير ألوف مجلدات وكان يحسن يقرأ ويكتب وكان جواداً حليماً صدوقاً كثير البر والإحسان ما برح ملجأ لكل ملهوف يلقى من يقصده بالبر والتفضل ويبسط قاصديه ويزورهم وكان عادلاً والرعايا معه في أمن ودعة وكان عفيفاً لم يتزوج على امرأته ولا تسرى عليها فما ظنك بغير هذا .. ولم يصادر أحداً من نوابه ولا أخذهم بإساءة قديمة وكان أصحابه يودعون أموالهم في خزانته ويدلون عليه إدلال الولد على الوالد ولم يسمع برعية أحبت أميرها كحب رعيته له وكان متواضعاً محتملاً يحفظ الأشعار ويبادر إلى النادرة .. لقد كان من محاسن الدنيا ” ..
وقال عنه الذهبي : ” صاحب الحلة الملك سيف الدولة صدقة بن بهاء الدولة منصور بن ملك العرب دبيس بن علي بن مزيد الأسدي الناشري العراقي اختط مدينة الحلة في سنة خمس وتسعين وأربع مئة “.. وفي عهده توسعت الإمارة المزيدية حتى بلغت نفوذها من الفرات الأوسط إلى البطائح والبصرة وواسط جنوبا وإلى عانة وهيت وتكريت شمالا وسيطر على بني خفاجة وبني عقيل وبني عبادة وقبيلة جاوان الكردية واهتم برعاية الأدباء والشعراء حتى اشتهرت المدينة بهم ، وقال ابن خلدون عن عشيرته (كان بنو مزيد هؤلاء من بني أسد وكانت محلاّتهم من بغداد إلى البصرة إلى نجد وهي معروفة) ..
ومن أشهر أعلام مدينة الحلة الشاعر العربي الكبير أبو المحاسن عبد العزيز بن سرايا الطائي المعروف بلقب صفي الدين الحلي (677 – 752 هـ / 1277 – 1339 م) والذي كان شاهدا على انتصار القبائل العربية على المغول حيث حشدت الدولة الأيلخانية كامل عتادها وعبرت إلى الأنبار فتصدت لها القبائل العربية في الفرات بزعامة قبيلة طيء وهزمتها شر هزيمة وقال فيها أبياته المشهورة التي اشتق منها علم العروبة ذو الألوان الأربعة والتي جاءت في قوله (سلي الرماح العوالي عن معالينا .. واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا .. بيض صنائعنا سود وقائعنا .. خضر مرابعنا حمر مواضينا) ..


واسط .. مدينة الحجاج بن يوسف الثقفي
دخل الحجاج بن يوسف الثقفي إلى مسجد الكوفة فرقي المنبر ثم قال (أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني .. إني والله لأحمل الشر بحمله وأجزيه بمثله وإني أرى أبصارا طامحة وأعناقا متطاولة وإني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها كأني الآن أنظر للدماء تترقرق بين العمائم واللحى) ..
ودخل مسجد البصرة وقال (أيها الناس من أعياه داؤه فعندي دواؤه ومن استطال أجله فعلي أن أعجله ومن ثقل عليه رأسه وضعت عنه ثقله ومن طال ماضي عمره قصرت عليه باقيه .. إن للشيطان طيفا وإن للسلطان سيفا .. والله لا آمر أحدكم أن يخرج من باب هذا المسجد فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه) ..
وبعد أن استتبت الأمور رأى الحجاج أن الكوفة والبصرة لا تصلحان لإقامته وقرر بناء عاصمة جديدة لولاية العراق واختار موضعها متوسطة بين هاتين البلدتين ليسهل له مراقبتهما ولذا سميت (واسط) حيث اختارها على الضفة الغربية لنهر دجلة مقابلة قرية كسكر القديمة وشرع في بنائها عام 81 هـ وانتهى منها في عام 86 هـ ..
وذكر ياقوت الحموي فى كتابه أن الحجاج بنى في الداخل قصره الذي اشتهر بقبته الخضراء العالية التي كانت ترى من مدينة فم الصلح الواقعة على بعد سبعة فراسخ شمالي واسط وأقيم القصر فوق مساحة من الأرض مربعة الشكل أبعادها أربعمئة ذراع في مثلها وكانت له أربعة أبواب كل منها يفضي إلى طريق عرضه ثمانون ذراعاً ..
وبنى المسجد الجامع وكانت مساحته مئتي ذراع في مثلها وجعل على مقربة من القصر سوقاً عامرة كان فيها تجار لكل صنف من البضائع يتعاطون تجارتهم في قطعة خاصة لا يخالطهم فيها أحد وأمر بأن يكون مع أهل كل تجارة صيرفي لتسهيل معاملاتهم المالية وفي الجانب الغربي سجن الحجاج المعروف باسم الديماس ..
وظلت واسط عاصمة للعراق طوال العصر الأموي ثم تراجعت مكانتها الإدارية في العصر العباسي لكنها ظلت المركز الأهم لسك النقود والإشراف على الزراعة في السواد ثم تعرضت للتخريب في ثورة الزنج وتنازع عليها السلاجقة وأمراء بني مزيد ثم اضمحلت بعد انحراف نهر دجلة وموضعها اليوم بجوار الكوت في محافظة واسط ..
ومن واسط خرجت جيوش محمد بن القاسم الثقفي لفتح بلاد السند (باكستان حاليا) حتى وصلت إلى الديبل (كراتشي) والملتان في البنجاب وخرجت جيوش قتيبة بن مسلم الباهلي إلى خراسان ثم بلاد ما وراء النهر خوارزم وبخارى وسمرقند حتى وصلت إلى كاشغر على حدود الصين حيث وصفت المدينة بأنها مربط خيل الفتوحات الإسلامية ..