
المحلة الكبرى .. مدينة العرب
تأسست المحلة الكبرى عام641 م. لتكون معسكرا للجيش العربي الفاتح على الضفة الغربية لفرع النيل مقابل قرية فرعونية قديمة تدعى ديدوسيا وقرية إغريقية تدعى هورين بهرمس على الضفة الشرقية وظلت معزولة عنهما حتى القرن العشرين.
وارتبطت المدينة منذ يومها الأول بعشائر الأنصار وعلى رأسهم عدد من الولاة وهم مسلمة بن مخلد ورويفع بن ثابت وسعد بن قيس صاحب الضريح المعروف في وسط البلدة القديمة (سيدي سعد الأنصاري) .
وعرفت أول الأمر باسم محلة أسفل الأرض حيث نشأت لتكون عاصمة إدارية وعسكرية لوسط الدلتا واكتسبت أهميتها بعد محاولة الروم غزو البرلس عام 672 م. ثم عرفت في القرن الثاني الهجري باسم محلة شرقيون بعد أن سيطر عليها عرب الحوف الشرقي ..
وشهدت المدينة أحداثا تاريخية كبرى في العصر العباسي مثل ثورة عبد العزيز الجروي زعيم جذام الذي اتخذها مقرا له وتعرضها للنهب على يد الوالي أحمد بن السري عام 822 م. وثورة أبي ثور اللخمي وثورة جابر بن الوليد المدلجي الكناني عام 867 م.
وتعرضت المحلة لحصار القرامطة عام 974 م. ثم سقوطها بيد ناصر الدولة بن حمدان الذي تزعم طيء ولواته وحكم الدلتا أثناء الشدة المستنصرية ثم دورها الفعال في الحروب الصليبية عن طريق مهاجمة سفن الفرنجة من بحر المحلة ..
وأطلق عليها منذ العصر الفاطمي اسم محلة الكبراء نسبة إلى شيوخ العرب المقيمين بها حيث توسعت باتجاه الجنوب وعاش بها عدد كبير التجار والأعيان والعلماء والشيوخ والأمراء والشعراء.
وفي عام 1320 م. أصدر السلطان محمد بن قلاوون قرارا بجعل المحلة عاصمة للأعمال الغربية (ولاية الغربية بعد ذلك) وكانت تضم كافة أراضي وسط الدلتا بين فرعي دمياط ورشيد وجزء من المنوفية لتشهد المدينة عصرها الذهبي طوال خمسة قرون (عصر المماليك والعثمانيين) ..
عمر المماليك الجانب الشرقي منها (المنشأة) وازهرت بعدد كبير من أئمة العلم والتصوف أمثال الشيخ الحنفي والطريني والحريثي والغمري أصحاب المساجد المعروفة فيها بالإضافة إلى مئات غيرهم.
واستمر العمران التجاري والصناعي في المحلة طوال تاريخها خاصة في مجال صناعة الحرير والمنسوجات حتى تعرضت للتدمير والتخريب على يد الحملة الفرنسية ، بعدها قرر محمد علي باشا إعادة إعمارها ودعم الصناعة فيها عام 1808 م. وإنشاء الفابريقة المعروفة للنسيج ..
وفي عام 1836 م. قرر والي الغربية عباس الأول نقل العاصمة إلى طنطا لتتراجع أهمية المدينة من الناحية الإدارية لكنها ظلت ثالث أكبر مدينة مصرية في عدد السكان بعد القاهرة والإسكندرية.
واستعادت مكانتها في مجال الصناعة عندما تأسست فيها شركة مصر للغزل والنسيج على يد طلعت باشا حرب حيث تحولت إلى أكبر مركز صناعي وعمالي في دلتا مصر وهو ما جعلها دائما في بؤرة الأحداث السياسية والتي بلغت ذروتها عام 2008 م. في أولى موجات الثورة ..
وتقع المدينة العربية اليوم في المنطقة المحصورة بين مقابر سيدي خلف شمالا ومقابر سيدي حسن البدوي جنوبا لكن في القرن العشرين ردم فرع النيل واتصلت بها قرية صندفا القديمة ثم محلة البرج (بهرمس) ثم توسعت المدينة باطراد شرقي بحر الملاح لتتكون معالم المدينة الحالية.

الأعمال الغربية
في عام 470 هـ / 1078 م. قرر أمير الجيوش الوزير بدر الجمالي إجراء أهم تغيير في التقسيم الإداري للقطر المصري طوال تاريخه عندما ألغى نظام الكور الصغرى واستبدل بها نظام الكور الكبرى ، وظهرت في هذا التقسيم لأول مرة الأسماء الجديدة المستحدثة لمناطق الدلتا مثل الشرقية والدقهلية والغربية والمنوفية والبحيرة والتي استمرت بعد ذلك حيث كان هذا التقسيم هو الأساس الذي ظلت تدور في فلكه التقسيمات السياسية والإدارية إلى يومنا هذا.
وكانت مصر قبل هذا الإجراء خاضعة للتقسيم الإداري الروماني والمشتق بدوره من العصور الأقدم حيث قسمت مصر إلى أبروشيات منها أربعة في الدلتا وأربعة في الصعيد ، وكانت مقراتها في الدلتا بيلوز (الفرما قرب بور سعيد) وليونتو (تل المقدام قرب ميت غمر) وكباسا (شباس الشهداء مركز كفر الشيخ) والإسكندرية ، وكان الصعيد مقسما إلى كل من أركاديا وطيبة السفلى والوسطى والعليا وعواصمها أوكسرنيخوس وأنصنا وبيتوليمايس وأسوان.
وكل أبروشية تحوي عددا من الأقسام الصغيرة تسمى (نوم) ويحكمها حاكم يسمى (نومارك) وهي تماثل المراكز الآن ، وعندما دخل العرب مصر استعملوا كلمة (كورة) بدلا من (نوم) فكانت مصر مكونة من حوالي ثمانين كورة صغيرة ، وقسم الدلتا إلى الحوف الشرقي (وعاصمته متبادلة بين بلبيس والعباسة التي أسسها الطولونيون) وبطن الريف (وعاصمته متبادلة بين سخا والمحلة) والحوف الغربي (وعاصمته متبادلة بين دمنهور والإسكندرية).
تم ضم الكور الصغرى الآتية مع بعضها وهي طوه ومنوف وسخا وتيدة والأفراجون والبشرود ونقيزة وديصا من كور بطن الريف وكورتي صا وشباس من كور الحوف الغربي لتكون معا (كورة الغربية) وعاصمتها المحلة ، وتكون في الدلتا 14 كورة هي الأبوانية والمرتاحية والدقهلية والشرقية والسمنودية والغربية والمنوفية وبني نصر وجزيرة قويسنا والنستراوية وفوه والمزاحمتين والبحيرة وحوف رمسيس ورشيد ، وفي الصعيد 9 كور.
وقسمت الدولة إلى ست ولايات كبرى مقراتها في كل من القاهرة وعسقلان وبلبيس والمحلة والإسكندرية وقوص وذلك للإشراف على الكور ، وفي عهد محمد بن قلاوون تحولت الكور إلى الأعمال حيث تكونت (الأعمال الغربية) بعد أن ضمت للمحلة كل من جزيرة قويسنا والسمنودية والدنجاوية (وهي مستحدثة في عهد صلاح الدين وتضم نبروه وشربين) بالإضافة إلى كورة الغربية السابقة كما تم فصل القليوبية عن الشرقية وضم المرتاحية إلى الدقهلية.
وفي هذا التقسيم كانت الغربية أكبر الأعمال في الدلتا حيث كانت تتبعها 477 ناحية تليها الشرقية وتتبعها 396 ناحية ثم البحيرة وتتبعها 231 ناحية ثم الدقهلية والمرتاحية وتتبعها 214 ناحية ، وفي العصر العثماني تم إلغاء الأعمال وإنشاء ولاية الغربية وعاصمتها المحلة وضمت إليها النستراوية (البرلس) وبني نصر (إبيار) وفوة ومطوبس وامتدت بين فرعي رشيد ودمياط وتضم ما يشغل اليوم الغربية وكفر الشيخ وأجزاء من الدقهلية والمنوفية.

المحلة الكبرى في الكتابات القديمة
ولقد نزلت من المحلة منزلا .. ملك العيون وحاز رق الأنفس
وجمعت بين النيرين تجمعا .. أمن المحاق فأصبحا في مجلس
هذه الأبيات قالها الشاعر أبو الحسن علي بن محمد المعروف بالساعاتي من رجال القرن السادس الهجري يصف فيها مدينة المحلة الكبرى .. وقد جاءت بأوصاف متعددة في كتب الجغرافيا حيث جاء في كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق للشريف الإدريسي : ” المحلة مدينة كبيرة ذات أسواق عامرة وتجارات قائمة وخيرات شاملة “.
وفي كتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي وهو من رجال القرن الرابع الهجري جاء وصفها : ” المحلة الكبيرة ذات جانبين اسم الجانب الآخر سندفا بكل جانب جامع ، وجامع المحلة وسطها وجامع تلك على الشط لطيف وهذه أعمر وبها سوق زيت حسن ، وليس بينهما جسر والناس يذهبون ويجيئون في الزواريق شبهتها بواسط “.
ووردت في كتاب الانتصار لابن دقماق باسمها القديم محلة دقلا حيث قال : ” محلة دقلا وتعرف بمدينة المحلة وهي قصبة إقليم الغربية من الديار المصرية وولايتها قديما تعرف بالوزارة الصغيرة .. وهي مدينة كبيرة ذات أسواق وبها جوامع ومدارس وقياسر وبزازين (مواضع لنسج الأقمشة) وفنادق ومنازه وبساتين ويشقها نهر من النيل “.
ويقول عن بحر المحلة : ” وهذا البحر هو الذي جعل الكامل فيه الشواني المنصورة وخرج خلف الفرنج في نوبة المنصورة فكانت الكسرة على الفرنج حتى ضرب المثل بذلك فقيل كل شيء حسبناه إلا بحر المحلة “.
ويقول عنها القلقشندي في صبح الأعشى وهو من رجال القرن الثامن الهجري : ” المحلة مدينة عظيمة الشأن جليلة القدر رائعة المنظر حسنة البناء كثيرة المساكن ذات جوامع وأسواق وحمامات ” ، وجاء عنها في معجم ياقوت الحموي في القرن السابع الهجري وصف جغرافيتها : ” المحلة الكبرى وهي ذات جنبين أحدهما سندفا والآخر شرقيون “.
ويقول عنها ابن بطوطة : ” ثم توجهت إلى مدينة المحلة الكبيرة وهي جليلة المقدار حسنة الآثار كثير أهلها جامع بالمحاسن شملها واسمها بين ، وبهذه المدينة قاضي القضاة ووالي الولاة وكان قاضي قضاتها أيام وصولي إليها في فراش المرض ببستان له على مسافة فرسخين من البلد وهو عز الدين بن خطيب الأشموني ، فقصدت زيارته صحبة نائبه الفقيه أبي القاسم ابن بنون المالكي التونسي وشرف الدين الدميري قاضي محلة منوف وأقمنا عنده يوما وسمعت منه ، وقد جرى ذكر الصالحين أن على مسيرة يوم من المحلة الكبيرة بلاد البرلس ونسترو وهي بلاد الصالحين .. “.

أعلام المحلة الكبرى
الأمير أبو جعفر أحمد بن يوسف بن إبراهيم البغدادي الكاتب 340 هـ شاعر ومؤرخ ، فضيل بن أبي آوي بن حنائيل الأمشاطي 435 هـ الرابي اليهودي ، داوود بن مقدام بن ظفر المحلي 557 هـ شاعر ، الأسعد يعقوب بن إسحق اليهودي المحلي 558 هـ طبيب ، نجم الدين عمارة بن علي بن زيدان الحكمي المذحجي اليمني 569 هـ شاعر ، بهاء الدين علي بن محمد بن رستم الساعاتي 604 هـ شاعر المحلة ، عماد الدين حسام بن غزي بن يونس المحلي 629 هـ شاعر ، شرف الدين علي بن إسماعيل بن جبارة التجيبي الكندي 632 هـ شاعر وعالم لغة ..
تقي الدين أبو طاهر محمد بن الحسين بن عبد الرحمن المحلي الأنصاري الجابري 633 هـ فقيه وقائد المقاومة ضد الصليبيين ، أبو المكارم معاني بن بركات السرياني 640 هـ من مؤلفي تاريخ الآباء البطاركة ، أبو عبد الله النفيس بن الأسعد فضائل متصوف 645 هـ ، سعد الدين يعقوب بن عبد الرحمن بن أبي عصرون التميمي 665 هـ فقيه ، شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم ابن خلكان 681 هـ مؤرخ وقاضي المحلة ، أبو العباس أَحْمد بن عِيسَى بن رضوَان بن القليوبي 691 هـ فقيه وقاضي ، أمين الدين محمد بن علي بن موسى المحلي الأنصاري الخزرجي 673 هـ نحوي وعروضي ..
ابن الرعاد زين الدين محمد بن رضوان بن إبراهيم العذري 700 هـ شاعر ، عز الدين عبد العزيز بن أحمد بن عثمان الهكاري 727 هـ فقيه وقاضي ، زين الدين عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري 735 هـ قاضي وشاعر ، محمد بن عبد الناصر الزبيري ابن تاج الرئاسة 749 هـ مقرىء ، عز الدين محمد بن عبد السلام بن إسحق الأموي المحلي ولد 750 هـ فقيه ونحوي ، أَحْمد بن عبد العال بن عبد المحسن السندفائي ولد 773 هـ شاعر ، شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير البلقيني 805 هـ فقيه ومحدث ، شهاب الدين أحمد بن يوسف الطريني صاحب مسجد المتولي 813 هـ ..
شهاب الدين أَحْمد بن يُوسُف بن مُحَمَّد السيرجي المحلي 818 هـ مؤلف في الرياضيات ، زين الدين أبو بكر بن عمر بن محمد الطريني المحلي 827 هـ متصوف وفقيه ، شهاب الدين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ ابن المصري ولد 837 هـ أديب ولغوي ، محمد بن عبد الله بن محمد بن شهاب البلقيني 839 هـ عالم النحو ، نور الدين عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله البهرمسي 841 هـ شاعر ، أحمد بن أبي بكر البلقيني الكناني 844 هـ قاضي المحلة ، أبو عبد الله محمد بن قطب الدين بن مراوح 846 هـ فقيه وأصولي ..
شمس الدين محمد بن عمر الواسطي الغمري 849 هـ فقيه ومتصوف ، بهاء الدين محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي المحلي 852 هـ من أعلام الأدب العربي ومؤلف كتاب المستطرف في كل فن مستظرف ، نور الدين مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن خلف المحلي 855 هـ شاعر ومتصوف ، قطب الدين محمد بن عمر الشيشيني المحلي 855 هـ فقيه ، شمس الدين محمد بن ولي الدين المحلي 860 هـ فقيه ومحدث ، كمال الدين أبو بكر بن عبد اللطيف بن أحمد السلمي المحلي 860 هـ قاضي ..
الإمام جلال الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم المحلي الأنصاري 864 هـ مؤلف كتاب تفسير الجلالين ، شمس الدين مُحَمَّد بن عَليّ بن خلد المحلي 865 هـ شاعر ، شمس الدين محمد بن عبد اللطيف بن أحمد الحنفي المحلي 872 هـ مؤلف في السيرة النبوية ، ولي الدين أحمد بن محمد المحلي الشافعي فقيه وواعظ 882 هـ ، شمس الدين مُحَمَّد بن عمر بن عبد الله ابن كتيلة الحنفي 887 هـ متصوف ، مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ ابن المحلي 890 هـ فقيه وأديب ، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي 892 هـ مؤرخ المحلة ومؤلف كتاب الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ..
زين الدين جعفر بن إبراهيم الجمحي السنهوري 894 هـ عالم القراءات والتجويد ، محيي الدين عبد القادر بن إبراهيم بن سليمان المحلي 907 هـ أديب ولغوي ، أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد الغمري المحلي 939 هـ متصوف ، جلال الدين أبو الفضل محمد بن قاسم السلمي المالكي 943 هـ متصوف ومؤلف في مقارنة الأديان ، أبو العباس أحمد بن يوسف الحريثي البكري 945 هـ متصوف ، أحمد بن علي بن أحمد بن زنبل الرمال 951 هـ مؤرخ ، الإمام أحمد بن محمد بن محمد بن حجر الهيتمي السّعدي الأنصاري 972 هـ فقيه ومحدث ..
القس غبريال المتطبب 998 هـ طبيب وكاهن سندفا ، أحمد المغربي القيرواني 1045 هـ شاعر فكاهي ، علي بن محمد المحلي الشافعي 1090 هـ فقيه ، عبد الرحمن بن أحمد المحلي 1098 هـ فقيه ، حسن بن محمود بن يوسف أبو شوشة العطوي البدوي 1132 هـ متصوف ، جمال الدين يوسف بن عبد الله المحلي 1153 هـ عالم الفلك والرياضيات ، حسين بن محمد المحلي 1170 هـ عالم الرياضيات ، حسن بن علي الكفراوي المحلي 1202 هـ مؤلف كتاب شرح الأجرومية ، محمد عبد الرحمن عيد المحلاوي الحنفي 1341 هـ القاضي الشرعي.

من أعيان المحلة الكبرى .. الأمير بدر بن حازم الطائي
فارس المحلة المغوار وواحد من أهم القادة العسكريين الذين كان لهم دور بارز في التطور العمراني والإداري للمدينة وهو الأمير بدر بن حازم بن علي بن مفرج بن دغفل بن الجراح الطائي ، وينتسب إلى قبيلة طيء العربية المعروفة والتي استقرت في بادية الشام وشرق الأردن وفلسطين منذ الفتح الإسلامي وكانت لهم إمارة عربية سنية مقرها مدينة الشراة في الفترة الزمنية من عام 350 هـ وحتى عام 566 هـ أسسها جده الأمير دغفل بن الجراح وخضعت لحكم الفاطميين.
وفي عام 466 هـ قدم بدر بن حازم إلى مصر على رأس ثلاثين ألف مقاتل من قبيلة طيء بصحبة حليفه والي عكا بدر الجمالي الذي استنجد به الخليفة المستنصر الفاطمي للقضاء على الفتن الداخلية التي تسببت في أحداث الشدة العظمى ، وقد كلفه الجمالي بإخضاع قبيلة لواتة التي تسبب احتلالها للمحلة ووسط الدلتا من قطع المؤن عن القاهرة فأتم تلك المهمة في عام 467 هـ ثم لحق بالجمالي في حملته على الصعيد عام 469 هـ لإخضاع قبائل جهينة والثعالبة والجعافرة وربيعة والكنوز.
وأثناء ذلك تعرضت المحلة لهجوم غادر قام به والي دمشق من قبل السلاجقة الأمير أطسز حيث استهدف الريف محاولا تكرار ما فعله ناصر الدولة الحمداني قبل ذلك ، وقد جاء في كتاب تاريخ الآباء البطاركة أن السلاجقة الغز وصلوا صهرجت وملكوا الشرقية ثم عبروا إلى المحلة ونهبوها وقتلوا أكثر أهلها ووصلوا إلى برما ، وذكر ابن ميسر في كتاب المنتقى أنهم احتلوا الوجه البحري ثلاثة أشهر حتى كلف الجمالي بدر بن حازم بحشد الجيوش والمؤن والزحف على المحلة برا وبحرا.
وفي صبيحة يوم الثلاثاء 18 رجب عام 469 هـ الموافق 20 فبراير عام 1077 م. دارت رحى المعركة الكبرى في المحلة والتي أسفرت عن انتصار الأمير بدر بن حازم وسحق السلاجقة الأتراك والاستيلاء على أموالهم ، وفي ذلك يقول المقريزي في كتاب اتعاظ الحنفا : ” وكان المتولي لكسرة أطسز بدر بن حازم بن علي بن دغفل بن جراح ، فلما جلس أمير الجيوش بدر الجمالي للهناء بنصرته قرأ ابن لفتة أحد القراء : ولقد نصركم الله ببدر ، ولم يتم الآية يعني بدر بن حازم “.
بعد ذلك تولى بدر بن حازم معاونة أمير الجيوش في إخضاع قبائل وسط الدلتا قيس وسليم وفزارة حتى استتبت الأمور وسكنت كل قبيلة في نواحيها فصارت لواتة في الجزء الشمالي الشرقي ناحية البراري والقيسية في جزيرة بني نصر (إبيار) واستقرت طيء في الوسط حيث نزلت في وراق العرب جنوب المحلة (الضاحية الفاطمية / منطقة الوراقة حاليا) ، ومنذ هذه اللحظة تغير اسم المدينة القديم من محلة شرقيون ومحلة دقلا إلى اسمها الجديد (محلة الكبراء) نسبة إلى شيوخ العرب.
وبناء على ذلك تقرر في عام 470 هـ إعادة التقسيم الإداري لوسط الدلتا فتم إلغاء الكور الصغرى في طوه ومنوف السفلى وسخا وتيرة والبشرود وديصا وشباس وصا الحجر ونقيزة وضمهم جميعا لتأسيس كورة الغربية وعاصمتها محلة الكبراء ، ومنذ هذا التاريخ ظهرت أسماء الكور الكبرى الشرقية والدقهلية والبحيرة والمنوفية والتي ظلت حتى يومنا هذا ، وفي فترة تالية تم ضم السمنودية وجزيرة قويسنا والدنجاوية وجزيرة بني نصر إلى كورة الغربية لتأسيس (الأعمال الغربية).
وبسبب العمران الحاصل في المحلة قام الوزير الأفضل بن بدر الجمالي في شهر محرم من عام 508 هـ ببناء مسجد جامع في وسط الضاحية الجديدة وكلف به القاضي أبو الفتح المسلم بن علي بن الحسن متولي الحكم الشريف في الغربية وهو المسجد الذي يعرف حاليا باسم (الغمري القبلي) نسبة إلى الشيخ شمس الدين الغمري الذي نزل به في القرن الثامن الهجري ، وفي الناحية الأخرى من النهر استقرت عشائر من قبيلة بني البرج بن مسهر بن جلاس بن الأرت (قرية محلة البرج).
وقد أدى تواجد عشائر طيء في المحلة وأجوارها إلى فرض لهجتها على المنطقة حيث عرف عن شيوخ طيء التعصب الشديد للتكلم باللغة العربية وفرضها بالقوة ، ولا زالت معالم لهجة طيء موجودة في ريف وسط الدلتا حتى اليوم ممثلة في تحويل حرف الشين إلى سين (سمس وسجرة) واختفاء الحرف الأخير عند النداء (يا وله ويا به) ونطق القاف ألفا مثل الشوام وكسر أوائل الفعل الماضي وعدم تعطيش الجيم مما جعلها مختلفة عن بقية أرياف الوجه البحري المتأثرة بلهجات البادية.
وقد انتشرت طيء في وسط الدلتا (كفر خزاعل وكفر السنابسة) ومن المحلة إلى جديلة (في المنصورة حاليا) ومنها إلى الشرقية وسيناء وبادية الشام حتى مدينة الحلة في العراق ومن أنطاكية شمالا حتى جبل شمر في نجد جنوبا (شمر وجديلة وخزعل وسنبس فروع من طيء) حتى قيل عن منازلها أنها (من الحلة إلى المحلة) ، ومن أشهر شخصيات القبيلة حاتم الطائي وزيد الخيل وأوس بن حارثة وابن مالك صاحب الألفية وابن عربي المتصوف والشاعر معلي الطائي وصفي الدين الحلي.