
بني عطية وبني سويف
تتكون مدينة بني سويف الحالية من اتحاد ثلاث قرى قديمة هي بنمسويه وبني عطية والجزيرة الغربية ، وكانت عشائر من عرب بني عطية قد نزلت في العصر المملوكي في ناحية البر الشرقي قرب منطقة بياض العرب ومنها عبروا إلى البر الغربي واستولوا على مساحات كبيرة من الأراضي بجوار كل من تزمنت وبني هارون وبنمسويه وذلك في منطقة كانت تعرف سابقا باسم جزيرة بني مانول والتي اتصلت بالشاطىء الغربي.
جاء في القاموس الجغرافي : ” ويظهر أنه بسبب جريان ماء النيل وقوة التيار تحول جزء من أطيان مانول من الشرق إلى الغرب لأنه يستفاد مما ورد في دليل سنة 1224 هـ أن أطيانها قسمت إلى ناحيتين إحداهما شرق النيل والثانية في غربيه ثم ورد في تاريخ سنة 1230 هـ أن أطيان بني مانول بجوار بني سويف أي على الشاطىء الغربي للنيل ، ولأن واضعي اليد على أراضي بني مانول الغربية هم جماعة من عرب بني عطية ففي تاريخ سنة 1266 هـ وردت باسم بني عطية.
الجزيرة الغربية هي من الجزائر القديمة اسمها الأصلي جزيرة رماد تزمنت وردت في التحفة من الأعمال البهنساوية وهي تتاخم ناحية تزمنت ثم ألغيت وحدتها من العهد العثماني وأضيفت إلى بني سويف ، وفي سنة 1906 التي فك فيها زمام مديرية بني سويف أعيد تكوينها من الوجهتين الإدارية والمالية باسم الجزيرة الغربية ، وفي سنة 1928 صدر قرار بجعلها باسم بني عطية والجزيرة الغربية من الوجهتين العقارية والمالية لاشتراكهما في زمام واحد من قديم.
وبسبب امتداد مساكن مدينة بني سويف وإقامة الكثير منها على أجزاء من أراضي بني عطية والجزيرة الغربية واتصال مساكنهما بمساكن بني سويف صدر قرار من وزارة الداخلية في 18 فبراير سنة 1935 بفصل بني عطية والجزيرة الغربية من قرى مركز بني سويف وإلحاقهما ببندر بني سويف لاتصالهما به “.
أما بنمسويه فهي قرية قديمة تأسست في العصر البطلمي باسم بوفيسا لتكون ميناء بديلا لمدينة إهناسيا العريقة ، وأطلق العرب على الزمام الزراعي الكبير لقرية بنمسويه وأجوارها اسم بني سيوف في إشارة إلى انتزاع أراضيها بقوة السيف ثم حرفت إلى بني سويف حيث إن سويف هي تصغير كلمة سيف وذلك بسبب استثقالهم لاسمها القديم.
وعرفت طوال العصر المملوكي بالاسمين معا سواء في السجلات أو في كتابات المؤرخين ثم تغيرت في القرن العاشر الهجري إلى بني سويف حيث وردت في تربيع سنة 933 هـ باسم بني سويف ووردت به في دفتر المقاطعات (الالتزامات) سنة 1071 هـ ، وفي دليل سنة 1224 هـ قال : منفسويه وهي بني سويف بولاية البهنساوية.
ذكرها كلوت بك في كتاب لمحة إلى مصر باسم بتوليمائيدون وذكر أن أهلها يقولون إنها كانت تسمى بني السيوف نسبة إلى واقعة بالسلاح الأبيض كانت هذه المدينة ميدانا لها ومن بني السيوف جاء اسمها الحالي وهو بني سويف ، وذكر السخاوي في الضوء اللامع عند الكلام على ترجمة محمد بن عبد الكافي بن عبد الله بن أحمد بن علي العبادي الأنصاري قال : ويعرف بالبنمساوي نسبة إلى قرية تعرف قديما باسم بنمسويه واشتهرت ببني سويف حتى صار يقال لها السويفي.

بني سويف في الخطط التوفيقية
هى مدينة كبيرة بالصعيد الأدنى رأس مديرية بنى سويف ، واقعة قبلى بوش بنحو ساعة ونصف على الشاطئ الغربى من النيل ، ذات أبنية وقصور مشيدة وقيساريات وفنادق ، وبها حمام أنشأه حسن بيك أبو نشانين بالشركة مع حسن أفندى نامه ، وكيل تلك المديرية سابقا ، رسمه الأمير محمد بيك عبد الرحمن مفتش الهندسة.
وبها جوامع عامرة أشهرها جامع البحر وهو جامع قديم مبنى بالحجر الدستور ، وبها مقام الشيخة حورية ويعمل لها ليلة كل سنة ، وكان بها قشلاق كبير بنى مدة العزيز محمد على يشتمل على أربعمائة أودة كان معدا لإقامة العساكر والباش بزوك ، وكان به محلات نفيسة مشرفة على البحر كان ينزل فيها العزيز وشريف باشا وأحمد باشا طاهر.
ثم هدمه المرحوم سعيد باشا وعمل محله السراى الموجودة الآن ، وجعل أمامها ميدانا للعسكر وبنى به ديوان المديرية ، وكان بها أيضا فوريقة للأقمشة جعل فى محلها الآن المدرسة ومسكن المدير ، وبها مجلس الاستئناف والمجلس المحلى والمحكمة الشرعية ومحل حكيم باشا ، وبها اسبتالية داخل البلد ، وبها محل باشمهندس وبيوت مستخدمى المديرية.
وفى جهتها البحرية محطة سكة الحديد وبها بستان بحرى الفوريقة للميرى ، وسوقها العمومى يوم الثلاثاء ، ويقابلها فى شرقى البحر ناحية بياض النصارى بجوار الجبل ، وهى جملة كفور ، وجبانة بنى سويف فى الجبل بقرب تلك الناحية ، تشيع إليها الجنائز فى المراكب.
ومحجر المرمر فى ذلك الجبل قبلى ناحية بياض فى مقابلة الناحية المعروفة بالمليحية ، وبين بياض ومحطة الورشة نحو ساعتين ، ومن المحطة إلى محل قطع المرمر مسافة اثنتى عشرة ساعة ، والطريق إليه معتدلة تمشى عليها العربات الحاملة للرخام ، وفيها آبار ماء ، وتلك الطريق توصل إلى دير المقدس أنطوان المعروف بدير بوش ، ويتوصل إليه أيضا من جهة اطفيح ، ومن جهة دير الميمون ، وذلك الدير قريب من البحر الأحمر.
والمرمر المستخرج من ذلك الجبل يوجد به كثير من السوس وتؤثر فيه العوارض الجوية ، وهو على ألوان ، فبعضه معرق وأغلب لونه الصفرة والخضرة ، وهو أقل جودة مما يستخرج من محجر أسيوط ، الذى أنعم به العزيز محمد على ، على سليم باشا السلحدار.
وإليها ينسب الشيخ محمد بن عبد الكافى بن عبد الله بن أبى العباس أحمد بن على بن محمد محب الدين الأنصارى العبادى البنمساوى القاهرى ، ويعرف كأبيه بالسويفى ، ولد تقريبا سنة سبعين وسبعمائة بالقاهرة ، ونشأ بها ، وحفظ القرآن والعمدة والتنبيه ، ودخل الإسكندرية والصعيد وغيرهما ، وحدث بالكثير وسمع منه الأئمة ، وكان عالى الهمة صبورا ، مات بالقاهرة فى ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين، انتهى
ومن مدينة بنى سويف هذه ، المرحوم مصطفى بك السراج ، ولد بها سنة ألف ومائتين وتسع وثلاثين هجرية ، وكان أبوه انكشاريا وأمه سويفية ، ودخل مكتب الديوان بها ، وأخذ منها إلى مدرسة الألسن سنة اثنتين وخمسين فأقام بها ست سنين ، ثم جعل معلم جغرافية بتلك المدرسة ، ثم أخذ إلى المعية السنية بوظيفة مترجم فرنساوى فأقام سنة.
ثم جعل مترجم قلم أفرنجى بضبطية المحروسة فى سنة ستين ، ثم تعين معلم تركى فى البلاد السودانية بالمكتب الذى أنشئ هناك تحت نظر المرحوم رفاعة بيك الطهطاوى ، فأقام كذلك سنتين ثم عاد إلى مصر ، فجعل مترجم مجلس تجارة الإسكندرية ، فأقام بهذه الوظيفة عشر سنين ثم جعل رئيس ذلك المجلس ، ثم تشرف بالرتبة الرابعة من سنة اثنتين وسبعين إلى سنة تسع وسبعين ، وأحيل عليه فى خلال ذلك تصفية تركة المرحوم محمد على باشا الصغير ، ثم أحيل عليه أيضا فى آخر تلك المدة تصفية تركة المرحوم سعيد باشا ، وأنعم عليه بالرتبة الثالثة.
وفى ربيع الأول سنة ثمانين جعل ترجمان أول فى محافظة الإسكندرية وأنعم عليه بالرتبة الثانية ، وفى أوائل سنة اثنتين وثمانين جعل رئيس المجلس الابتدائى بالإسكندرية ، وفى أثناء تلك السنة تعين لتحقيق دعوى الكنت دوبيسون الفرنساوى ، وأحيلت عليه أيضا دعوى سد أبى قير ، ورياسة مجلس الإسكندرية ، ورياسة كومسيون تفتيش المطبوعات ، ورياسة كومسيون تعديل ديوان الأهالى مع الأجانب بالإسكندرية ، ثم توفى إلى رحمة الله تعالى فى أثناء سنة أربع وثمانين ومائتين وألف.

منازل القبائل في بني سويف
تضم محافظة بني سويف عددا كبيرا من منازل القبائل العربية منها البرانقة والكواشرة (الفقاعي) وجزيرة الكواشرة وبني أحمد وبني خليل وبني عوض وكفر بني ماضي (بني ماضي) وبني محمد الشرقية وبني محمد راشد وبني محمد البحرية وبني سليمان وبني غنيم وبني نصير وكفر بني عتمان وكفر بني مؤمنة (بني مؤمنة) ورزقة المشارقة والحكامنة وبني عطية (أدمجت في مدينة بني سويف) وبني هارون وحاجر بني سليمان وكوم أبو خلاد وبني حمد وبني زايد (أدمجت في مدينة ناصر) ونزلة أبو سليم ونزلة السعادنة وبني صالح وبني منين وجزيرة الوكلية والحلابية وبني عفان وبني حلة وبني حدير وبني مسعود (المساعدة بجوار الواسطى).
وقد ورد في القاموس الجغرافي تفصيل لبعض القبائل العربية المعروفة في أرياف المحافظة استنادا إلى دفاتر التربيع العثماني وكتابات المؤرخين ومنها :
العواونة : اسمها الأصلي منشأة قاي ثم تغير في تربيع سنة 933 هـ نسبة إلى عرب العواونة المستوطنين بها ثم وردت في تاريخ سنة 1230 هـ باسم العواونة.
الضباعنة : اسمها الأصلي منشية بني ضبعان وردت في التحفة قال وهي منشية الضباعنة من الأعمال البهنساوية وجاء في كتاب الانتصار ويقال لها منية رضوان.
بني قاسم : وردت في التحفة باسم كفر بني قاسم المفردة من قنبش الحمراء من الأعمال البهنساوية ووردت باسمها الحالي في تربيع سنة 933 هـ.
طنسا بني مالو : اسمها الأصلي طنسا العامرة وردت به في التحفة والانتصار ، وباسمها الحالي في دفتر المقاطعات سنة 1071 هـ.
منيل موسى : اسمها الأصلي منيل بني موسى وردت في التحفة من الأعمال البهنساوية ووردت باسمها الحالي في تاريخ سنة 1230 هـ.
الملاحية : اسمها الأصلي المليحية نسبة إلى عرب بني مليح وهم فخذ من لخم استوطنوا هذه الجهة كما ورد في كتاب البيان والإعراب.
فزارة : نسبة إلى قبيلة فزارة القيسية حيث ذكر المقريزي أنه رصد في عام 821 هـ جماعات من عرب فزارة بالبهنساوية.
الدوالطة : اسمها الأصلي الصوالحة وردت في الانتصار من كفور بلفيا وفي تربيع سنة 933 هـ وردت باسم الضوالتة ثم حرفت إلى الدوالطة.
منشأة الأمراء : اسمها الأصلي منشأة العرب وردت في التحفة مع قاي ومن كفورها ثم تغير اسمها في تربيع سنة 933 هـ إإلى منشأة الأمراء.
منيل هاني : وردت في تربيع سنة 933 هـ باسمها الحالي وفي دليل سنة 1224 هـ باسم منيل أبو هاني لأن سكان هذه الناحية أصلهم من قبيلة بني هاني.
بني هاني : أصلها من توابع منيل هاني ثم فصلت عنها في تربيع سنة 933 هـ وأهلها أصلهم من عرب بني هاني الذين نزلوا قديما في تلك الجهة.
منقريش : اسمها الأصلي بني قريش وردت في كتاب البيان والإعراب بأنها منسوبة إلى عرب بني قريش الذين استوطنوا تلك الجهة ، وفي تربيع سنة 933 هـ وردت باسم بني قريش.
مزورة : وتنسب هذه القرية إلى عرب مزورة وهم بطن من لواتة التي نزلت بالبهنساوية كما ورد في كتاب صبح الأعشى عند الكلام عن لواتة.
بياض العرب : في موسوعة القبائل أن منازل السليمات من الصف وحتى المواضية في بياض ، وفي شرقها القبيبات ، وفي جنوبها حتى وادي الطرفة تسكن الطبابنة والحساسين.

إهناسيا المدينة
اشتق اسم إهناسيا من حات نن نسوت وهو اسم الإقليم العشرين في مصر القديمة وعرف في العصر الروماني باسم هيراكليوبوليس ، وسميت به عدة قرى هي إهناسيا المدينة وإهناسيا الخضرا ، وجاء عنها في الخطط التوفيقية : ” أهناس : اسم لثلاث قرى متجاورة من مديرية بنى سويف فى جنوب اللاهون على نحو ستة أميال ، كبراهن واقعة على جسر النويرة فى المحل المعروف بالباطن ، وهو محل اجتماع المياه قبل عمل الجسور، وكان عرضه هناك نحو تسعين قصبة وقد سدّ بعمل الجسور سنة خمس وأربعين ومائتين وألف فى عهد أحمد باشا طاهر.
والقرى الثلاثة مع قرية منشأة أهناس يظهر أنها موضوعة فى محل المدينة القديمة التى كانت تسمى أهناس أو أهناسية ، وكانت متسعة جدا مساحتها نحو ألف فدان ، وكانت قاعدة إقليم يشتمل على خمس وتسعين قرية ، وفى بعض العبارات أنها كانت كرسى المديرية ، والظاهر أنها هى المدينة التى سماها اليونان هرقليوبوليس مانيا ، وقال مرييت إن هذه المدينة ينسب إليها فراعنة العائلتين التاسعة والعاشرة ومدة الأولى مائة وتسع سنين ، ومدة الثانية مائة وخمس وثمانون سنة.
وفى بعض الأعصر كانت من إقليم البهنسا وكانت قديما ذات أسقفية وكانت على الشط الغربى لبحر يوسف ، وفى خطط الفرنساوية إن اسم هيرقليوبوليس كان لمدينتين هذه إحداهما على ما قدّره بطليموس من طولها وعرضها ، والآثار التى هناك تدل على أنها كانت مدينة مهمة كما وصفنا .. ولم يعلم سبب تسمية هذه المدينة باسم هيرقليوبوليس إلا أن يقال : إنه مأخوذ من اسم هيرقول الذى كان معدودا من الطبقة الثانية من مقدسى المصريين ، وكان علما على القوة الدافعة لجميع المضار عن أرض مصر الجالبة لخصوبتها.
وحيث إن النيل الذى به الخصوبة كان يطلق عليه إسم أوزريس ، وكان هيرقول من رؤساء جيشه ، كان ذلك الاسم دليلا على الخلجان المفرعة عنه الموجبة دخول المياه فى جميع الأراضى ، سيما الخلجان المتطرفة المجاورة للصحراء المانعة رمالها من أن تدخل أراضى الزراعة فتفسدها ، ومن أعظمها بحر يوسف ، فسميت هذه المدينة بهذا الاسم لهذا السبب ـ انتهى ـ من بعض كتب الفرنج ، وكان بإهناس شجر النبق المغربى كما فى بعض كتب التواريخ ، ولعله هو الذى عبر عنه المقريزى فى خططه بشجر اللّبخ.
وكان بجوارها دير على شاطئ النيل يقال له دير النور فيه بناء مشرف مركب من خمس طبقات عالية جميلة الصناعة وجميع الدير مستور بحائط وفى داخله أربعمائة نخلة متناسقة الشكل ، وقد أخرج من تلال أهناس طوب كثير استعمل فى أبنية كثير من الكوهرجلات التى هناك ، وفى جهتها البحرية على نحو ساعة ونصف قرية سدمنت الجبل فوق الشاطئ الغربى للبحر اليوسفى بقرب الجبل ، وعندها فى الجهة البحرية بالجبل دير عامر بالنصارى.
وتمر فى قبليه سكة حديد الفيوم الخارجة من سدمنت يسافر بها فى الجبل ساعة ونصف ، ثم ينزل على بحر قنبشة وبحر الغرق ، ومن هناك إلى مدينة الفيوم مسافة ساعتين ونصف فى طريق فى أرض المزارع ، وطريق الجبل تمر بين الجبل وبحر الغرق ، لأن البحر ملاصق للحجر .. سد منت : قرية من مديرية بنى سويف بقسم النويرة ، واقعة فى الجنوب الغربى للاهون بنحو ساعتين فى طريق بالجبل ، وهى فى أرض ذات رمل ، وفيها نخيل كثيرة وأبراج حمام ومساجد “.


النويرة
جاء في الخطط التوفيقية : النويرة قرية بالصعيد الأدنى ، كانت قديما من إقليم البهنسا ، وهى الآن من مديرية بنى سويف ، بقسم أول ، واقعة على جسر النويرة ، شرقى أهناس بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة متر ، وفى جنوب قرية قاى بقاف فى أوله وياء تحتية فى آخره ، بنحو خمسة آلاف وستمائة متر ، وبها جامعان أحدهما بمنارة ، ومصبغتان ولها سوق كل يوم أحد ، وبها قليل نخيل وأشجار ، وهى مذكورة فى كثير من كتب التواريخ ، بسبب من نشأ منها ، أو دفن بها من الأكابر “.
وفى تاريخ ابن زنبل الرمال المحلى أنه مات بهذه القرية الأمير علان أحد أمراء السلطان الغورى ، قال : وكان قد انجرح فى وقعة المطرية ، التى كانت بين السلطان طومان باى ، وعساكر ابن عثمان ، فى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة ، وكان من رجال طومان باى ، وأصله من مماليك قايتباى ، ولما انهزم طومان باى بعساكره ، اختفى هو مجروحا ، وسار حتى عدى النيل إلى بر المنوفية ، ونزل عند الأمير حسام الدين بن بغداد ، فلاقاه أحسن ملاقاة وأكرم نزله ، وأحضر له جرّاحا يعالجه.
ولكن لم يقم عنده أكثر من يوم ، لأنه رأى بعين بصيرته ، أن القوم يريدون خيانته ، والقبض عليه ، وتسليمه إلى ابن عثمان ، فعزت عليه نفسه ، وحملته همته على أن ركب جواده ، وتقلد بسيفه ، فلم يقدر أحد أن يعترضه ، مع ما به من الجراح ، وسار مصعدا ؛ حتى وصل إلى هذه الناحية ، فنقلت عليه جراحاته ، ومات بها ، وسنه نحو أربعين سنة ، ودفن بزاوية هناك ، وكان شجاعا جوادا صاحب رأى وتدبير ، وحزم وعزم ، رحمه الله تعالى.
وينسب إلى هذه القرية ، الشيخ محمد النويرى ، الذى ترجمه السخاوى فى الضوء اللامع ، حيث قال : هو محمد بن محمد بن محمد بن على بن محمد بن إبراهيم بن عبد الخالق المحب ، أبو القاسم بن الفاضل الشمس النويرى الميمونى القاهري المالكى ، ويعرف بأبى القاسم النويرى ، ولد – كما بخط والده – فى رجب ، سنة إحدى وثمانمائة بالميمون ، قرية أقرب من النويرة إلى مصر ، بنحو نصف بريد.
ولم يزل يجد فى التحصيل ؛ حتى برع فى الفقه والأصلين ، والنحو والصرف والعروض والقوافى ، والمنطق ، والمعانى ، والحساب ، والفلك، والقراءات، وغيرها ، وصنف فى أكثرها ، وشرح كلا من مختصرى ابن الحاجب الفرعى والأصلى ، والتنقيح للقرافى فى مجلد ، وسماه (التوضيح على التنقيح) ، وعمل أرجوزة فى النحو والصرف والعروض والقوافى فى خمسمائة بيت وخمسة وأربعين بيتا سماها (المقدمات) ضمنها ألفية ابن مالك ، وشرح «طيبة النشر فى القراءات العشر» ؛ لشيخه ابن الجزرى ، فى مجلدين.
وحج مرارا ، وجاور فى بعضها ، وناب فى القضاء عن شيخه البساطى ، ثم تركه وأقام بغزة والقدس ودمشق ، وغيرها من البلاد ، وانتفع به فى غالب هذه النواحى ، وكان إماما عالما متفننا ، فصيحا مفوّها ، بحاثا ذكيا ، آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر، صحيح العقيدة شهما ، مترفعا عن بنى الدنيا ، ذا كرم بالمال والإطعام ، يتكسب بالتجارة بنفسه ، وبغيره ، مستغنيا بذلك عن وظائف الفقهاء ، ولذا قيل : إنه عرض عليه قضاء القدس، فامتنع.
وابتنى بالخانقاه السرياقوسية مدرسة ، ووقف عليها ما كان فى حوزته من أملاك ، وجعل فائضها لأولاده ، وقد اجتمعت به مرارا بالقاهرة ومكة ، وسمعت من فوائده ، وعلقت من نظمه أشياء ، مات بمكة فى ضحى يوم الاثنين ، رابع جمادى الأول ، سنة سبع وخمسين وثمانمائة ، وصلّى عليه بعد العصر عند باب الكعبة ، ودفن بالمعلاة ، بمقبرة بنى النويري.


من أعلام النويرة .. شهاب الدين النويري
هو شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الدائم التيمي البكري .. عالم وباحث موسوعي غزير الاطلاع ، ولد في إخميم بالصعيد في عام 1278 م. ونشأ في قوص وتوفي في عام 1333 م. وهو من أسرة قرشية سكنت قرية النويرة شمال الصعيد (مركز بني سويف حاليا) ومنها اشتق لقبه ، ويرجع في نسبه إلى جده الأعلى الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه كما ذكر في ثنايا كتابه.
اتصل بخدمة السلطان الناصر محمد بن قلاوون حيث وكله في بعض أعماله فتولى نظارة الجيش في طرابلس وكذلك الإشراف على نظر الديوان في الدقهلية والمرتاحية (في شمال شرق الدلتا) ، تلقى العلم عن شيوخ عصره وعلى رأسهم قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة الكناني ، واشتهر بسبب كتابه الموسوعي (نهاية الأرب في فنون الأدب) والذي يعد أول دائرة معارف في العصور الوسطى.
يضم الكتاب ثلاثين مجلدًا ، وقد يُفهم من عنوانه أنه يعالج موضوعًا واحدًا وهو الجانب الأدبي ولكنه يحتوي على موسوعة ضخمة تجمع بين الأدب والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والاجتماع والعلوم الدينية ونظم الحكم والتراجم والفنون والعلوم وغير ذلك من ضروب المعرفة خاصة وقد تناول بالبحث تأثير الاقتصاد في نشأة وقيام الدول واختلاف الأقاليم وتنوعها في الثروات وتأثير ذلك على الاقتصاد.
ويحكي النويري عن سبب تأليف الكتاب فيقول : ” فامتطيت جواد المطالعة وركضتُ في ميدان المراجعة وحيثُ ذلَّ لي مركبها وصفا لي مشربها آثرتُ أن أجرِّد كتابًا أستأنس به وأرجع إليه وأعول فيما يعرض لي من المهمات عليه فاستخرت الله سبحانه وتعالى وأثبتُ منها خمسة فنون حسنة الترتيب بيّنة التقسيم والتبويب ” ، وهذه الأقسام الخمسة تتكون من الجغرافيا والإنسان والحيوان والنبات والتاريخ.
قال عنه الإدفوي : كان ذكي الفطرة حسن الشكل فيه مكرمة وأريحية وودّ لأصحابه ، وقال ابن تغري بردي : كان فقيهًا فاضلًا مؤرخًا بارعًا وله مشاركة جيدة في علوم كثيرة ، وقال ابن حبيب وقد جود في صفته : أديب تضاعف أدبه وظهر سعيه ودأبه وارتفعت منازله ورُتَبه واشتهرت مؤلفاته وكتبه كان لطيف الذات حسن الصفاء والصفات جميل المحاضرة بديع المذاكرة حصّل وجمع وأفاد ونفع.
وقال النويري في كتابه عن والده ومعلمه : هو تاج الدين ، أبو محمد عبد الوهاب بن أبى عبد الله محمد بن عبد الدائم بن منجى البكرى ، تيميّ قرشىّ يلقب بالنويرى ؛ وقد تكلمت على هذه النسبة ، عند تكلمى على ولادتى فى سنة سبع وسبعين وستمائة ، مات قبل صلاة المغرب ، يوم الخميس ، لاثنتين وعشرين من شهر الحجة ، سنة تسع وتسعين ؛ فى المدرسة الصالحية النجمية ، فى قاعة تدريس المالكية.
وكان ابتداء مرضه يوم الأربعاء ، رابع عشر الشهر ، وولادته بالفسطاط ، بمدرسة منازل العز ، سنة ثمان عشرة وستمائة ، وإلى مفارقة روحه لم يترك الصلاة ، وفى يوم وفاته توضأ أربع مرات لصلاة العصر ، وكان بالإسهال ؛ ثم صلى العصر قاعدا وقبل موته دعا لى ونطق الشهادتين ، وقد دفن فى تربة قاضى القضاة ، زين الدين المالكى ، بالقرافة رحمه الله.