
قوص والأعمال القوصية
في عام 483 هـ قرر الوزير الفاطمي بدر الجمالي إلغاء نظام الكور الصغرى وإنشاء نظام الكور الكبرى حيث تم إنشاء كورة قوص الكبرى بعد دمج عدد من الكور الصغرى القديمة في الوجه القبلي وهي كل من الدير ودندرة وهو وقنا والأقصر وقفط وقوص وأرمنت وإسنا وأسوان ، وفي عام 715 هـ قرر السلطان الناصر محمد بن قلاوون إنشاء نظام الأعمال حيث تحولت كورة قوص إلى الأعمال القوصية.
وقد أدى ذلك إلى تراجع مكانة مدينة قفط وحلت قوص محلها طوال أربعة قرون وازدهرت خلال العصر الأيوبي والمملوكي واستمرت عاصمة لجنوب الصعيد حتى العصر العثماني عندما نقلت تبعية المنطقة كلها إلى ولاية جرجا ، وهي في الأصل مدينة قديمة كرست في العصر البطلمي باسم أبوللونوبوليس فيكوس ثم سماها الرومان ديوكليتانيوبوليس نسبة للإمبراطور دقلديانوس ثم تحول اسمها بالقبطية إلى كوس بعد حذف أبوللو منها.
قال عنها ابن جبير فى رحلته أن قوص مدينة حفلة الأسواق متسعة المرافق كثيرة الخلق لكثرة الصادر والوارد من الحجاج والتجار اليمنيين والهنديين وتجار الحبشة لأنها مخطر للجميع ومحط للرحال ومجتمع الرفاق وملتقى الحجاج المغاربة والمصريين والإسكندريين ومن يتصل بهم ومنها يفوّزون بصحراء عيذاب وإليها انقلابهم فى صدورهم من الحج ..
فى كتاب تقويم البلدان أنه ليس بأرض مصر بعد الفسطاط مدينة أعظم منها وهى فرضة التجار من عدن ، وقال ابن الكندى إن فى قوص سائر أصناف التمر والحطب الكارمى الذى لا رماد له والفحم الجافى وسائر أنواع الأرطاب والكروم ومعادن الذهب والجوهر والنفط الذى ظهر سنة أربع وثلاثين وثمانمائة .. وقال إن بمدينة قوص ست مدارس وبإسنا مدرستين وبالأقصر مدرسة وبأرمنت مدرسة وبقنا مدرستين وبهوّ مدرسة وبقمولى مدرسة ..
وفى كتاب مسالك الأبصار أن قوص أكبر مدينة بالصعيد وفيها تنزل القوافل الواردة من بحر الهند والحبش واليمن والحجاز بعد مرورها بصحراء عيذاب وفيها كثير من الفنادق والبيوت الفاخرة والحمامات والمدارس والبساتين والحدائق ومزارع الخضروات ، ويسكنها سائر أرباب الصنائع والفنون والتجار والعلماء والأغنياء ذوى العقارات والأملاك وهواؤها فى غاية الحرارة ..
وجاء في الخطط التوفيقية : ” ويقال لها أيضا قوص بربر وقوص الأقصرين وسماها الرومانيون أبلوّنو بوليس باروا ، وكانت فى الأعصر الخالية من المدائن الشهيرة جدا ، وكان يسكنها – على ما قاله المقريزى – خلق من المريس من أهل النوبة ..
وبها سوق كبير دائم يباع فيه الأقمشة وأصناف العقاقير والأبزار واللحم والخضر ونحو ذلك وبها نحو خمسة تخوت لاستخراج الزيت من بذر الخس وبها وكالتان يبيت بهما الواردون ويربطون بهما مواشيهم ودوابهم ..
وبها مدارس ومساجد كثيرة جامعة وغير جامعة منها ما هو بمنارة وما هو بلا منارة ، وأطيانها نحو ستة آلاف فدان يزرع فيها القمح والشعير والجلبان وغير ذلك وفيها نصارى بكثرة ، وهى من قديم الزمان منبع للعلم والعلماء وينسب إليها البهاء زهير صاحب الظرف والأدب “.

أعلام قوص
البهاء زهير : الشاعر والكاتب أبو الفضل بهاء الدين زهير بن محمد بن علي بن يحيى بن الحسن المهلبي العتكي الأزدي (والمهلبي نسبة إلى جده الأعلى المهلب بن أبي صفرة) ، ولد في مكة المكرمة وتوفي 656 هـ ، نزحت أسرته إلى قوص وكان والده من المتصوفة من أهل الصلاح والتقوى ، تولى منصب كاتب الإنشاء في عهد الصالح نجم الدين أيوب وله مؤلفات من الشعر والنثر.
مجد الدين القشيري : شيخ علماء الصعيد الزاهد العالم العارف مجد الدين أبو الحسن على بن وهب بن مطيع ابن أبى الطاعة القشيري (نسبة لقبيلة قشير القيسية) ، صاحب المسجد والمقام المعروف بمدينة قوص والمتوفي 667 هـ ، وهو والد قاضي القضاة تقي الدين محمد بن دقيق العيد.
ابن دقيق العيد : قاضي القضاة شيخ الإسلام الحافظ الفقيه المحدث الإمام أبو الفتح تقي الدين محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري القوصي المعروف بلقب (ابن دقيق العيد) ، وهو تلميذ الشيخ العز بن عبد السلام واعتبره السبكي في طبقاته أنه مجدد الإسلام على رأس المائة الهجرية السابعة ، ولد في ينبع بالحجاز وتوفي 702 هـ ..
الشهاب القوصى : أبو المحامد إسماعيل بن حامد بن أبى القاسم الأنصارى ولد بقوص وسمع وتفقه ودرس وحدث وخرج لنفسه معجما فى أربعة مجلدات وكان بصيرا بالفقه أديبا أخباريا وتوفي 653 هـ ، سراج الدين موسى أخو الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد كان فقيها نظارا شاعرا تصدر بقوص لنشر العلوم والفتوى وصنف : (المغنى فى الفقه) وتوفي 685 هـ
تقى الدين أبو البقاء محمد القوصي كان عالما صالحا شاعرا زاهدا ورعا ولد بقوص وتولى مشيخة الرسلانية بمنشأة المهرانى وتوفي 728 هـ ، محب الدين علىّ ابن الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد ولد بقوص وكان فاضلا ذكيا شرح (التعجيز) شرحا جيدا وولى تدريس الهكارية والسيفية وهو زوج ابنة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله العباسي توفي 706 هـ
أبو القاسم وجيه الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبد العزيز اللخمي القوصي الفقيه النحوى كان متبحرا فى مذهب أبى حنيفة درس وناظر وطال عمره وله تصانيف فى علوم عديدة نظما ونثرا وتوفي 643 هـ ، محمد بن عيسى بن جعفر التميمى الإخميمى الأصل القوصى الدار كان متوليا الحكم بأرمنت ودمامين وقنا وسمهود والبلينا وناب فى الحكم بقوص وله يد فى التوثيق والحساب توفي بعد 733 هـ.
جمال الدين إبراهيم بن عبد المغيث القمنى الأنصارى القوصى الدار تولى نيابة الحكم بجيزة مصر عن قاضيها ثم قدم إلى قوص فتولى ناحية هوّ وفرشوط ثم إسنا وإدفو وتوفي 727 هـ ، شهاب الدين أحمد بن عيسى بن جعفر ابن الكنانى القوصى كان عالما فاضلا فقيها تولى وكالة بيت المال بالأعمال القوصية وتوفي 792 هـ
فتح الدين أحمد بن محمد بن سلطان القوصى كان من رؤساء قوص وعلمائها وتولى وكالة بيت المال بالأعمال القوصية وتوفي 704 هـ ، إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل القوصى كان عالما فاضلا تصدر لإقراء القرآن بجامع ابن طولون وكان أديبا شاعرا توفي 715 هـ ، عبد الكريم بن على السهروردى القوصى أديب ناظم وكان ضامن الزكاة بقوص ثم ترك ذلك وتصوف توفي بعد 700 هـ
فخر الدين عثمان بن محمد بن صالح القوصىّ كان تاليا لكتاب الله متقنا لرواية أبى عمرو من الطريقين، انتفع عليه الخلائق طبقة بعد طبقة، وتوفي 739 هـ ، عثمان بن محمد بن على القشيرى درس بالمدرسة الفاضلية بالقاهرة ودرس بقوص وولى بها، وكان له بيت المال وكان ذكى الفطنة، حاد القريحة وحاضر الجواب وتوفي 691 هـ ، نور الدين على بن إبراهيم بن عبد الملك كان أمين الحكم بقوص، توفى بمكة 659 هـ
المراجع : الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد للإدفوي والخطط التوفيقية علي باشا مبارك

ابن دقيق العيد
في سفح جبل المقطم ضريح واحد من أعلام القضاء والفتوى في مصر الإسلامية ألا وهو قاضي القضاة شيخ الإسلام الحافظ الفقيه المحدث الإمام أبو الفتح تقي الدين محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري القوصي المعروف بلقب (ابن دقيق العيد) ، وهو تلميذ الشيخ العز بن عبد السلام واعتبره السبكي في طبقاته أنه مجدد الإسلام على رأس المائة الهجرية السابعة ..
وهو نجل الشيخ مجد الدين أبي الحسن علي بن وهب القشيري شيخ أهل الصعيد في القرن السابع ، وترجع أصولهم إلى فرع من قبيلة بني قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الهوازنية القيسية والتي سكنت منفلوط ثم قوص ، ولد في ينبع أثناء خروج الأسرة لأداء مناسك الحج في عام 1228 م. وتوفي في الفسطاط عام 1302 م. وحضر جنازته نائب السلطنة والأمراء ..
واكتسب لقب (ابن دقيق العيد) من جده الأعلى الذي عرف بعمامته البيضاء الكبيرة ، تعلم على يد شيوخ عصره وجمع بين مذهبي مالك والشافعي وانتهت إليه رياسة الفقه وقام بالتدريس بالمدرسة الفاضلية والكاملية والصالحية والناصرية وهي أكبر مدارس عصره وتولى منصب قاضي القضاة ، وحظي باحترام الحكام وروي أن السلطان حسام الدين لاجين كان يقبل يده ويقف له إجلالا ..
من مؤلفاته كتاب الإلمام الجامع لأحاديث الأحكام والإلمام في الأحكام في عشرين مجلداً وشرح لكتاب التبريزي في الفقه وفقه التبريزي في أصوله ، كما شرح مختصر ابن الحاجب في الفقه ووضع في علوم الحديث كتاب الاقتراح في معرفة الاصطلاح وله تصانيف في أصول الدين وديوان شعر ، قال عنه الصلاح الكتبي : (كان إمامًا متفننًا محدِّثًا مجوِّدًا فقيهًا مدققًا أصوليًا أديبًا شاعرًا) ..
وقال عنه تلميذه أبو الفتح بن سيد الناس اليعمري الحافظ في وصف بديع : ( لم أرَ مثله فيمن رأيت ولا حملت عن أجلّ منه فيما رأيتُ ورويتُ ، وكان للعلوم جامعاً وفي فنونها بارعاً مقدماً في معرفة علل الحديث على أقرانه منفرداً بهذا الفن النفيس في زمانه بصيراً بذلك شديد النظر في تلك المسالك ، وكان حسن الاستنباط للأحكام والمعاني من السنة والكتاب مبرزاً في العلوم النقلية والعقلية) ..

البهاء زهير .. الشاعر والكاتب
هو أبو الفضل بهاء الدين زهير بن محمد بن علي بن يحيى بن الحسن المهلبي العتكي الأزدي (والمهلبي نسبة إلى جده الأعلى المهلب بن أبي صفرة) ، ولد في مكة المكرمة عام 1186 م. وتوفي بالقاهرة عام 1258 م. ، نزحت أسرته من الحجاز إلى صعيد مصر وسكنت في مدينة قوص (عاصمة الصعيد آنذاك) وكان والده من المتصوفة من أهل الصلاح والتقوى.
تعلم وظهر نبوغه مبكرا في الشعر والكتابة واتصل بحاكم قوص الأمير مجد الدين إسماعيل بن اللمطي حتى ذاع صيته فانتقل إلى القاهرة واتصل بالأمير نجم الدين أيوب بن الملك الكامل سلطان مصر ، ودامت صحبته للأمير زمنا طويلا وسافر معه إلى بلاد الشام وشهد معه كل التقلبات التي عاصرها والمحن التي واجهها وظل وفيا له باقيا على العهد.
فلما تولى الملك الصالح مقاليد السلطنة عين البهاء زهير في وظيفة كاتب الإنشاء وهي بمقام رئيس الديوان حيث يتولى الإشراف على كافة مكاتبات ومراسيم السلطنة ، وأجمع المترجمون له على أنه كان ذا مروءةٍ ولُطفٍ ومكارم أخلاقٍ وقد كان متمكنًا من صاحبه الملك الصالح ولا يتوسَّط عنده إلَّا بالخير ونَفَع خلْقًا كثيرًا وبلغ من الرِّفعة ما لم يبلغه غيره.
وقد جمع البهاء زهير بين الشعر والنثر وبلغ فيهما حد البلاغة وحسن التعبير حيث كان شعره متعدد الموضوعات قريبا من مشكلات الحياة ومتاعبها معبرا عن الواقع خاصة في ما يتعلق بالحب والعشق فلم يقلد من سبقه وإنما تناول ما يحيط بالمحبين من عتاب ولوم وما يفعله الحب في القلوب من نزوع نحو الكمال كما تأثر شعره بالموشحات الأندلسية.
أما في النثر فقد كان تقليديا على عادة الكتاب وقتها ، ومن أشهر ما كتب الرد على رسالة التهديد التي أرسلها لويس التاسع باللغة العربية بعد احتلال دمياط وهدد فيها الملك الصالح وتوعده بعظائم الأمور وكان الرجل مريضا في المنصورة فبكى واسترجع وناول الرسالة إلى البهاء زهير الذي رد عليها ردا قويا جاء فيه :
” أما بعدُ فإنه وصل كتابُك وأنت تهدِّد فيه بكثرة جيوشك وعدد أبطالك ونحن أرباب السيوف وما قُتِلَ مِنَّا قِرْنٌ إلَّا جَدَّدناه ولا بَغَى علينا باغٍ إلا دَمَّرناه فلو رأتْ عينُك أيها المغرورُ حدَّ سيوفنا وعِظَم حُروبنا وفَتْحنَا مِنْكُم الحصونَ والسواحلَ وتخريبَنا ديار الأواخر منكم والأوائل لكان لك أن تَعَضَّ على أناملك بالندَم ولا بدَّ أن تَزِلَّ بك القدم في يوم أوَّلُه لنا وآخره عليك فهنالك تسيء الظنون وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ” .

قوص في كتابات المؤرخين
جاء في الخطط التوفيقية : قال خليل الظاهرى إن مديرية قوص قبلى مديرية أسيوط وإن كرسيها مدينة قوص ، وهى أكبر مدن الصعيد ، وأشهرها وأعظمها ، وبها ينزل جميع تجار الجهات القبلية ، ويتوجهون إلى القصير فى مقابلة جدة ، وجعلها أيضا عبد اللطيف البغدادى من أعظم مدن مصر ، وقال لطرون الفرنساوى : إن معبدها يعزى إلى الملكة كليوباترة زوجة بطليموس أوبزجيت الثانى ، وأنها هى التى بنته مع ولدها بطليموس سوتير ، وقال جنيوليون : إن الذى بناه بطليموس فيلا موطور، ويوجد فى النقوش التى على جدرانه أسماء هؤلاء جميعا ، واستنبط بعضهم من الكتابة الرومية التى به أنه سابق على البطالسة ، وإنما يعزى إليهم بعض الزيادات فيه.
ثم إن المقدس أبلون المتخذ اسمها القديم من اسمه ، كان مقدسا فى مصر ، وأنه من أسماء الشمس التى كانت تقدسها أهالى الأرض جميعا بأسماء مختلفة ، كما ذكر ذلك الشاعر نونوس من أهالى مدينة إخميم ، وكذا غيره حيث قال نونوس : إن الشمس كان اسمها أمون عند أهل ليبيا ، وعند المصريين اسمها : أزريس سيرابيس ، وعند الأروام : تارة أبلون وتارة فيبوس ، وعند الفرس: ميطر، وعند من على شواطئ الفرات : ببلوّز، والعرب تسميها : سطرة ، والعراقيون : جوبيتير، وبعض جهات من الأروام يسمونها : أسكولاب أو باكوس ، والفتيكيون يسمونها : أدونيس، والصوريون يسمونها : هرقول. انتهى
وذكر المقريزى أنه كان بقوص دار ضرب للنقود، وفيه أيضا أن المفرد ما برح يخرج من قوص ببشارة وفاء النيل، وقد أوفى عندهم ستة عشر ذراعا، ولا يوفى ذلك بمصر إلا بعد ثلاثة أيام ونحوها، وقال أيضا أن فى أرضها كثيرا من شجر اللبخ ، ونقل كترمير عن : (كتاب السلوك) أن العرب قامت ببلاد الصعيد سنة ٦٦٠ ، وقتلوا الأمير عز الدين حواس حاكم قوص ، فتوجه الأمير عز الدين أفرم أمير جندار إلى هناك، وقاتل العرب وبدد شملهم بعد عناء شديد،
وفى المقريزى أيضا أن مدينة قوص كانت محلا لنفى أرباب الجرائم، وأنه نفى إليها جماعة من الخلفاء العباسيين، منهم الخليفة المستكفى بالله أبو الربيع سليمان، فقد نفى إليها ومات بها سنة ٧٤٠ ودفن بها، وكان قد نفاه إليها الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة ٧٣٧ هو وأولاده وعيالهم، وكانوا قريبا من مائة نفس.
وفى المقريزى أيضا أن مصر شرقت بقصور مد النيل سنة ست وثمانمائة ، فدهى أهل الصعيد من ذلك ما لا يوصف ، حتى إنه مات من مدينة قوص سبعة عشر ألف إنسان ، ومات من مدينة أسيوط أحد عشر ألف إنسان ممن غسل وكفن ، ومن مدينة هوّ خمسة عشرة ألف إنسان ، سوى الطرحى على الطرقات ، ومن لا يعرف من العرب ونحوهم ، وتعطل من قوص فى الشراقى مائة وخمسون مغلقا – والمغلق عندهم بستان أقله عشرون فدان – وللمغلق ساقية بأربعة وجوه، وذلك سوى ما تعطل مما هو دون ذلك، وهو كثير جدا ، حتى تلاشى أمرها، وأمر كثير من البلاد
وفى سنة ثمانمائة وثمان عشرة قامت العرب الأحمدية ، وقتلوا حاكم قوص ، وفى تاريخ بطاركة الإسكندرية ذكر اثنين من أساقفتها ، وهما تيدور ومرقورا، وفى زمن الأب سيكار كان أسقف نقادة وقفط وقوص وإبريم واحدا ، وتكلم أبو صلاح على جملة كنائس فى أرض قوص ، ثم قال : ومن خواص مدينة قوص كثرة سام أبرص بها والعقارب القتالات ، وكان يقال أن بها أكله العقرب ، لأنه كان لا يرجى لمن لسعته حياة ، واجتمع بها مرة فى يوم صائف على حائط المسجد صفا واحد سبعون سام أبرص ، وكان لا يمشى الإنسان فى حاراتها فى ليالى الصيف إلا ومعه مصباح ومشك يقتل به العقارب ، وقال إن معنى كلمة قوص باللغة القبطية الدفن ، وسميت به لأنه كان من أهلها أناس مخصوصون بدفن الملوك ، ووافقه على ذلك كترمير إذ قال إن هذه الكلمة مصرية ومعناها الدفن.
ثم إنه كان فى هذه المدينة قوم لهم معرفة تامة بصيد الثعابين والحيات والعقارب بواسطة عزائم وأقسام سحرية ، يقرءونها عليها ، ويسلطونها على من شاءوا متى شاءوا ، فتتبعه بكل جهد ولا ترجع عنه إلا إذا أمرت بالرجوع ، فكأنهم طائفة الحواة فى القطر المصرى.

المفرجية (دمامين)
المفرجية هو الاسم الحديث لقرية دمامين القديمة ، وقد ذكرها الإدريسي في نزهة المشتاق بين قوص وقمولة باسم دماميل وقال : إنها مدينة محدثة حسنة البناء طيبة الهواء كثيرة الزراعات والحنطة وسائر الحبوب ، وأهلها أخلاط والغالب عليهم أهل المغرب ، والغريب عندهم مكرم محفوظ مرعي الجانب وفي أهلها مواساة بالجملة.
وقد تغير اسمها بناء على طلب أهلها في عام 1930 م. وسميت المفرجية نسبة إلى الشيخ مفرج صاحب المقام الكائن بها ، وقد جاء في حسن المحاضرة للسيوطي أنه الشيخ أبو الغيث مفرج بن موفق بن عبد الله الدماميني المتوفي عام 648 هـ وكان من مشاهير الصالحين.
وجاء في الخطط التوفيقية : ” دمامين قرية من مديرية قنا بقسم الأقصر وأبى الحجاج فى غربى البحر الأعظم بنحو ربع ساعة ، وفى جنوب ناحية دنفيق بنحو ثلث ساعة ، وفى شمال ناحية العيايشة بنحو ربع ساعة ، وبها جامع بمنارة ، وزاوية وأبراج حمام ، وبدائرها نخيل كثير وإليها ينسب جماعة من العلماء “.
وجاء فى كتاب الطالع السعيد أن منها : الشيخ عتيق بن محمد بن سلطان المخزومى الدمامينى ينعت بالتاج ، سمع الحديث واشتغل بالفقه بقوص وحفظ التنبيه واستوطن الإسكندرية وانتهت إليه رياستها ، وكان ذكيا وله مشاركة فى التاريخ والأدب وبنى مدرسة بالثغر ووقف أوقافا كثيرة ، توفى فى آخر جمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة.
ومنها : عمر بن أبى الفتوح الدمامينى ، كان يقوم الليل إلا قليلا يقطعه بالصلاة ، قيل : إن ناظر الجيش بنى قبرا ليدفن فيه ، فقال الشيخ عمر : ما هذا له ، ما يدفن فيه إلا أنا ، ومات ودفن به فى ذى القعدة سنة أربع عشرة وسبعمائة ، ومولده سنة سبع وأربعين وستمائة.
ومنها : عمر بن محمد بن سليمان ينعت بالنجم الدمامينى ، سمع الحديث وحدث بالإسكندرية ، أخذ عن الفتح محمد بن الدشناوى ، ويوسف بن أحمد بن محمد السكندرى الجذامى ، وأحمد بن محمد بن الصراف ، وكان رئيسا وله مكارم أخلاق ، نزل عنده أبو الفتح المذكور فأكرمه وحصل له منه مال كثير وملابس ، توفى بالإسكندرية فى رمضان سنة سبع وسبعمائة.
وفى حسن المحاضرة أن منها ابن الدمامينى بدر الدين محمد ابن أبى بكر بن عمر الإسكندرى ، ولد بالاسكندرية سنة ثلاث وستين وسبعمائة ، وعانى الآداب ففاق فى النحو والنظم والنثر وشارك فى الفقه وغيره ومهر واشتهر ذكره وتصدر بالجامع الأزهر لإقراء النحو ، وصنف حاشية على مغنى اللبيب وشرح التسهيل وشرح البخارى وشرح الخزرجية ، مات بالهند سنة سبع وعشرين وثمانمائة.
وفى الضوء اللامع للسخاوى أن ابن الدمامينى هذا هو : محمد بن أبى بكر بن عمر بن أبى بكر بن محمد بن سليمان بن جعفر بن يحيى بن حسين بن محمد بن أحمد بن أبى بكر بن يوسف بن على بن صالح بن إبراهيم البدر القرشى المخزومى السكندرى المالكى ، ويعرف بابن الدمامينى ، وهو حفيد أخى البهاء عبد الله بن أبى بكر شيخ شيوخنا ، وأخيه محمد شيخ الزين العراقى ، وسبط ناصر الدين بن المنير مؤلف المقتفى والانتصاف من الكشاف ، والثلاثة من المائة الثامنة.
وإليها ينسب أيضا كما فى الضوء اللامع : محمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر بن المعين بن التاج الدمامينى ثم الإسكندرى المالكى ، ولى حسبة القاهرة فى رمضان سنة سبع وتسعين وسبعمائة ، وولى وكالة بيت المال ونظر الكسوة ، ثم ولى نظر الجيش ونظر الخاص ثم ولى قضاء الإسكندرية وبقى بها حتى مات فى السابع والعشرين من المحرم سنة ثلاث وثمانمائة ، وكان صاحب حدة وكرم عارفا بالعلوم الديوانية.

قمولة وبني قصاص البكريين
يضم مركز نقادة قبائل عرب قصاص التي تعود في نسبها إلى طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق التيمي القرشي ، وكانت القبيلة في القرن العاشر الهجري تقود حلفا يسمى حلف السبعة قبائل وهم قصاص والجعافرة والعبابدة وخزام وحرب وجهينة ورفاعة ، وفي القرن الثاني عشر الهجري دخلت في الحلف الكبير مع هوارة لمساندة شيخ العرب همام في حربه ضد المماليك ..
وتمتد منازل عرب قصاص من أول محافظة الأقصر في المطاعنة بإسنا والرزيقات بأرمنت مرورا بمركزهم في القامولات الأربع (قمولة مركز نقادة) وحتى المراشدة بالوقف ومعظمها يقع على البر الغربي للنيل ، وجاء في موسوغة القبائل العربية : ” أما عند قوص فإننا نجد عرب دنفيق وعرب القمولات (البحري قمولا والأوسط قمولا والغربي قمولا والقبلي قمولا) وعرب خُزام وعرب شنهور وعرب الحجيرات “.
وقد جاء عن قمولة في الخطط التوفيقية : ” قمولى : بفتح القاف وميم مضمومة وواو ولام ألف بلدة بالصعيد الأعلى من بر الغرب كثيرة البساتين وقصب السكر وهى فوق قوص وعلى بعض مرحلة ، انتهى من كتاب (تقويم البلدان) .. وهى من قسم قوص بمديرية قنا واقعة غربى البحر الأعظم بنحو ربع ساعة وفى جنوب بيبان الملوك بنحو ساعة وكانت فيما مضى رأس قسم ..
وبها جامع بمنارة وكان بها مكتب أهلى على شاطئ البحر من المكاتب التى أنشأها العزيز محمد على بالمديريات سنة تسع وأربعين ومائتين وألف ، وأغلب أبنيتها بالآجر وبها أبراج حمام كثيرة وجنان ذوات فواكه ولها سوق كل أسبوع وبها نخيل وشجر دوم قليل وفى قبليها أراض غير صالحة للزرع ينبت بها الحنظل بكثرة وتأخذ منه الأهالى للبيع وغيره “.
وجاء في القاموس الجغرافي : الأوسط قمولا هي من النواحي القديمة اسمها الأصلي قمولة والقبطي كامولي كما ورد في جغرافية أميلينو ، وذكرها الإدريسي في نزهة المشتاق بين المدن الكبيرة بالصعيد الأعلى فقال : قرية قمولة ـ وفي نسخ أخرى منها قمنولة ـ هي كالمدينة جامعة متحضرة مكتنفة لكل نعمة وفضيلة وفيها جميع أنواع الفواكه على اختلاف أسمائها.
ووردت في قوانين ابن مماتي وفي تحفة الإرشاد قمولة من أعمال القوصية ، ووردت في معجم البلدان قمولة بليدة بأعلى الصعيد من غربي النيل بمصر كثيرة النخل والخضرة ، ووردت في كتاب الطالع السعيد وفي قوانين الدواوين والخطط المقريزية غرب قمولة لوقوعها على الجانب الغربي من النيل.
وفي التحفة وردت محرفة باسم عزب قمولة من الأعمال القوصية ، وفي الانتصار وردت محرفة أيضا باسم عرب قمولة قال : وهي بلدة كبيرة وبها قاض ، وفي سنة 1231 هـ غرب قامولا وفي تاريخ سنة 1240 هـ قامولا ، وفي سنة 1259 هـ قسمت إلى ثلاث نواح : وهي البحري قمولا والأوسط قمولا وهي الأصلية هذه والقبلي قمولا ، وأصبحت كل ناحية منها قائمة بذاتها من ذاك التاريخ.
والأوسط قمولا والبحري قمولا تابعتان لمركز قوص وأما القبلي فهي تابعة لمركز الأقصر ، ويجب أن يلاحظ القارىء أنه في سنة 1925 أنشىء في زمام القبلي قمولا التي بمركز الأقصر ناحية رابعة إدارية باسم الغربي قمولا وهي ناحية جديدة غير غرب قمولة الأصلية هذه.

أعلام قمولا
جاء في حسن المحاضرة للجلال السيوطى أن من علماء هذه البلده نجم الدين أبا العباس أحمد بن محمد بن أبى الحرم مكى القمولى الشافعى ، كان إماما فى الفقه ، عارفا بالأصول العربية صالحا متواضعا ، صنف : (البحر المحيط فى شرح الوسيط) ولخصه كالروضة فى كتاب سماه : (الجواهر) ، وله : (شرح كافية ابن الحاجب) و (شرح الأسماء الحسنى) ، ولي حسبة مصر ، مات فى رجب سنة سبع وعشرين وسبعمائة.
وفي الطالع السعيد أن من علمائها خالد بن محمد بن جلال القمولى ، سمع عن الحافظ أبى الفتح القشيرى ، واشتغل بالفقه ، وكان كريما جوادا ، توفى ببلده فى حدود سنة عشر وأربعمائة ، رحمه الله تعالى.
ومنهم عبد العزيز بن يحيى بن أبى بكر القمولى ينعت بالعز ، كان فقيها مالكيا ، وكان من الصالحين ، كثير التعبد والخلوة والانقطاع بالمدرسة النجيبية ، وكان متصدرا بها لإقراء مذهب مالك ، ومقيما بها مدة ، وكان جالسا بسوق الشهود بقوص ، عاقدا للأنكحة ، وكان فقيرا مع ذلك ، وكان قليل التحمل للشهادة جدا ، وكثير الاحتراز فى العقود ، يترك كثيرا منها ، وكان يقول : كل مسألة فى مذهب الشافعى فيها خلاف مذهب مالك ما أدخل فيها ، وكان حسن الأخلاق ، وفيه بسطة مع تقشفه ، قال له بعضهم لما سلم عليه عند قدومه من الحجاز : العقبى لك ، فقال : إن شاء الله تعالى ، لكن لا يكون من البر ولا من البحر ، توفى بقمولى فى شوال سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة.
ومنهم محمد بن إدريس بن محمد القمولى الشافعى ، المنعوت بالنجم ، وكان من الفقهاء الصالحين ، ما رأيت خيرا منه فى وطنى فى الفقه ، حتى كان يكاد يستحضر الروضة ، وينقل من (شرح مسلم للنووى) كثيرا ، ويكاد يستحضر (الوجيز للواحدى) فى التفسير ، وتنبه فى العربية ، الأصول والفرائض والجبر والمقابلة وكان لا يغتاب أصلا ، ولا يغتاب بحضرته ، قائما بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، مضبوط اللسان ثقة صدوقا ، خير الطباع ، محسنا بما تصل إليه قدرته ، ملازما للعبادة والاشتغال بالعلوم ، فهيما جيد الإدراك ، قانعا باليسير ، متقللا من الدنيا ، وأحسبه لو عاش لملأ الأرض علما ، حج وزار وعاد فتوفى فى قوص حادى عشر جمادى الأولى سنة تسعين وسبعمائة.
ومنهم يعقوب بن يحيى بن يعقوب بن يوسف بن يعقوب بن أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الله بن الوليد بن عمار بن المغيرة المخزومى القمولى ، ابن أبى يوسف الفقيه الشافعى الأديب ، روى عنه شيئا من شعره الحافظان ابن محمد عبد العظيم المنذري ، وأبو الحسن يحيى بن العطار ، ومن شعره قوله من قصيدة : طريق العلا إلا عليك حرام … وكل مديح غير مدحك ذام .. وكل سرىّ للمكارم مبسم … وأنت لها دون الأنام سنام ، إلى آخرها ، ومنه قصيدة أيضا : فاضرب عن العذل والعذال مختصرا … صفحا فليس شج فى الناس مثل خل .. واخلع عذارك فيما أنت طالبه … ولتنأ عن كل ما يفضى إلى الجدل ، إلى آخرها، مولده بقمولى سنة خمس وستين وخمسمائة كذا وجد بخطه ، لم يذكر تاريخ موته.