
1 / الزراعة في الوطن العربي
تبلغ مساحة الأرض المزروعة في مصر قرابة ثمانية ونصف مليون فدان وهو ما يعادل أربعة وثلاثين ألف كيلومتر مربع تقريبا ويشكل ذلك ثلاثة بالمائة من المساحة الكلية للبلاد .. وبذلك تأتي مصر في الترتيب الرابع والستين على مستوى العالم في مساحة الأرض الزراعية فيها والمركز الثامن على مستوى الدول العربية حيث يسبقها كل من السودان والمغرب والجزائر والعراق وسوريا وتونس والسعودية بالترتيب ..
وبذلك تتشابه مصر مع جيرانها في قلة مساحة الأرض المزروعة والتي تشكل في الوطن العربي نسبة أربعة عشر بالمائة فقط .. والسودان هي الدولة العربية الوحيدة التي تتجاوز فيها مساحة الأرض الزراعية مائة ألف كيلومتر أما باقي الدول التي تليها في الترتيب فهي أقل من ذلك .. بينما جيران العرب يختلفون عن ذلك حيث تتجاوز النيجر وأثيوبيا حاجز المائة ألف وكذلك تركيا وإيران تتجاوز المائتي ألف ..
وبالنظر إلى خريطة الوطن العربي نجد اللون الأصفر المميز للصحراء حيث تبدو وديان النيل والفرات كأنها واحات متناثرة في هذا الفضاء الصحراوي القاحل حيث تلعب الجغرافيا والمناخ الدور الأكبر في ثبات نسبة الأرض المزروعة .. ورغم تلقي إسرائيل مساعدات غربية تقنية عالية في مجال الزراعة إلا أنها لم تتجاوز حاجز الأربعة آلاف كيلومتر مربع الذي تملكه الأردن التي تجاورها وتملك نفس ظروفها ..
ولذا يصعب مقارنة الزراعة في الوطن العربي بغيرها من الدول سواء الجيران الأقربين في أفريقيا وآسيا وبالطبع لا مقارنة مع الدول الزراعية الكبرى مثل الصين والهند والولايات المتحدة وروسيا والتي تتخطى مساحة الأراضي المزروعة في كل دولة منها حاجز المليون كيلومتر مربع بينما الوطن العربي كله مجتمع يتجاوز بقليل رقم نصف مليون كيلومتر مربع وهو ما لا يفي باحتياجات الغذاء الأساسية للسكان ..
وفي مصر قرابة ثلاثين ألف كيلومتر أخرى صالحة للزراعة وغير مستغلة أي مقدار مقارب للأرض المزروعة فعليا وهي ما يعني أنها فرصة لإحداث تضاعف في المساحة الزراعية كما يوجد في الوطن العربي نفس النسبة والتي تبلغ قرابة ثلاثة عشر بالمائة من المساحة الكلية لكنها تحتاج للمياه .. لكن حتى مع الزيادة المرتقبة فإن حقائق الجغرافيا تخبرنا بوضوح أن كل سكان المنطقة هم فعليا أبناء الصحراء ..

2 / التقدم والثقافة المحلية
يرى البعض أن ثقافتنا المحلية في الوطن العربي سبب لعدم التقدم واللحاق بركب الحضارة خاصة ما يتعلق ببعض الأفكار الدينية أو الاجتماعية .. وقد يكون في هذا الرأي بعض الصحة لكنه ليس العامل الأساسي أو الوحيد لأن كثيرا من دول العالم قد نهجت نهج العلمانية الكاملة سواء ديموقراطي أو شيوعي ولم تصل إلى مستوى متقدم .. مثال ذلك دول آسيوية مثل الفلبين وفيتنام وكمبوديا ودول أفريقية مثل زيمبابوي وناميبيا وبتسوانا ودول لاتينية مثل بوليفيا وبيرو وباراجواي ..
والحقيقة أن عددا قليلا من الدول الصناعية هو من وصل إلى درجة جيدة من التقدم التقني والمعرفي بينما عدد كبير من الدول الأوروبية يأتي متأخرا في كافة المؤشرات بعد كثير من الدول العربية مثل سلوفاكيا ولكسمبورج واليونان والتشيك ومولدوفا وليتوانيا ولولا دعم الاتحاد الأوروبي لكانت أوضاعهم مختلفة .. ولدينا مثال هام وهو دول العالم الجديد التي نشأت في أزمنة متقاربة نتيجة هجرة الأوروبيين إليها لكنها متفاوتة بشدة في مستويات التقدم بسبب الجغرافيا والمناخ ..
الولايات المتحدة صارت قوة عظمى عسكرية واقتصادية بينما كندا صارت من الدول الصناعية الكبرى لكنها لا تملك قوة مثل جارتها وحققت كل من أستراليا والمكسيك والبرازيل درجة عالية في المؤشرات الاقتصادية لكنها لم تصل إلى مرتبة الدول الصناعية السبع الكبرى ونيوزيلاندا تأتي بعدهم بدرجة كبيرة .. أما بقية دول أمريكا الوسطى والكاريبي فهي في مرتبة متأخرة رغم أن كل هذه الدول بدأت سويا وبنفس الثقافة لكنها كانت متفاوتة في الموارد الطبيعية بشكل كبير ..
ودولة مثل روسيا وصلت لما هي فيه بسبب اتساع مساحتها واحتلالها سيبيريا والقوقاز والأورال وامتلاكها لكل الموارد والمقومات اللازمة للتفوق بالإضافة إلى أرض زراعية وفيرة .. ودائما ما يضرب المثل بالتقدم الحاصل في اليابان وكيف أنها حققت معجزة بدون موارد لكن الحقيقة غير ذلك لأن الجغرافيا خدمتها حيث تعتمد على وارداتها من جيرانها من دول الآسيان القريبة ولذا فإنها احتلتهم جميعا أثناء الحرب العالمية الثانية وأطلقت عليهم اسم : منطقة الموارد الجنوبية ..

3 / الطريق إلى الهند
دائما ما كانت الهند هدفا نهائيا للأوروبيين أثناء حركة الكشوف الجغرافية لدرجة شكلت هاجسا كبيرا في ثقافتهم فأطلقوا اسمها على كل بلد جديد في الشرق والغرب .. ومن هنا جاء وصف شبه جزيرة الهند الصينية التي تقع بين الصين والهند وكذلك اسم جزر الهند الشرقية التي أطلقوها على أرخبيل الملايو ومنه اشتقت كلمة إندونيسيا التي تعني باليونانية جزيرة الهنود ..
وفي العالم الجديد أطلق الأوروبيون على منطقة الكاريبي اسم جزر الهند الغربية لاعتقادهم أول الأمر أنهم وصلوا الهند ثم أطلقوا على سكان أمريكا الجنوبية اسم هنود الإنديز .. أما في أمريكا الشمالية فقد أطلقوا على السكان فيها اسم الهنود الحمر حيث تعددت التسميات المشتقة من ذلك مثل ولاية إنديانا الأمريكية التي كان يسكنها عدد منهم وعاصمتها مدينة إنديانابوليس ..
وفي النهاية سقطت الهند الأصلية نفسها في قبضة الاستعمار حيث شكلت المصدر الأول للموارد الطبيعية التي اعتمدت عليها بريطانيا في الاقتصاد والصناعة وتنمية الثروة .. وكانت مشكلة الوطن العربي مع الأوروبيين أنه يقع في طريقهم إلى الهند وما يليها من بلاد المشرق حيث كانت الموانىء العربية والإيطالية تحتكر طرق التجارة والنقل في العصور الوسطى ..
ولذلك يستمد الوطن العربي أهميته الكبرى قديما وحديثا من موقعه الجغرافي واتساع سواحله البحرية فهو يملك فرصة كبيرة إذا قام بالمشاركة في أعمال النقل البري والبحري الذي ينقل معظم تجارة العالم حيث يقع بين أوروبا الجنوبية شمالا وأفريقيا السمراء جنوبا كما أنه يطل على المحيطين الهندي والأطلنطي ويمكنه أن يكون محطة للتجارة ونقل البترول وصيانة السفن ..
وقد حققت بعض الدول العربية تقدما في مجال الأساطيل البحرية ونقل الحاويات وعلى رأسها السعودية والإمارات لكن لا تزال مشاركة بقية الدول العربية محدودة رغم امتلاكها سواحل كبرى خاصة الدول العربية المطلة على البحر المتوسط مثل مصر والجزائر والتي يمكنها مشاركة أوروبا مرة أخرى لاستعادة دورها في الطريق البري والبحري إلى الصين والهند ..

4 / بلاد النخيل
جمهورية مصر العربية هي الدولة الأولى على مستوى العالم في إنتاج التمور حيث تنتج ما يقارب واحد وعشرين بالمائة من الإنتاج العالمي وهو ما يعادل نسبة الخمس .. ويليها في المركز الثاني المملكة العربية السعودية بنسبة تقارب ستة عشر بالمائة من الإنتاج العالمي بينما تشكل دول الخليج مجتمعة نسبة الثلث من الإنتاج العالمي .. وفي المراكز التالية تأتي عدد من الدول العربية مثل الجزائر والعراق والسودان وتونس حيث تسهم دول الوطن العربي بما يقارب ثمانين بالمائة من الإنتاج العالمي ..
ومن غير الدول العربية تأتي إيران في المركز الثالث عالميا بنسبة تقارب ثلاثة عشر بالمائة لكن ذلك بسبب قيامها باحتلال الأقاليم العربية في الأحواز وعربستان في القرن العشرين وهي المناطق الصالحة للزراعة والتي تحوي غالبية هذا الإنتاج بينما بقية نسبة العشرين بالمائة خارج الوطن العربي تأتي أغلبها من باكستان حيث المناخ المشابه للوطن العربي ثم بعض الدول الأفريقية .. ومن حيث مساحة زراعة نخيل البلح تتصدر فيها كل من السعودية والإمارات ومصر والعراق والسودان والجزائر ..
ويوجد في العالم أنواع متعددة من أشجار النخيل خاصة في أفريقيا وأمريكا لكن النوع الخاص المعروف باسم نخيل البلح يوجد غالبيته في الوطن العربي حتى يكاد يكون مرتبطا به بسبب كل من المناخ ونوعية التربة ونسبة الملوحة وكمية المياه .. وهو مرتبط أيضا بالصحراء في الجزيرة العربية وشمال أفريقيا حيث ينمو في ظروف تشبه أجواء الواحات فيكثر على حافة سواحل الأنهار الكبرى مثل الفرات والنيل أو بالقرب من سواحل البحر أو في الواحات الفعلية المتناثرة في ربوع الصحراء ..
وهذا الانتشار جعل لأشجار النخيل مكانة كبيرة في تراث المنطقة منذ القدم حيث نجد تلك الشجرة مرسومة بوضوح في النقوش الهيروغليفية في مصر الفرعونية وكذلك حاضرة في كثير من النقوش البابلية بالإضافة إلى تمتعها بحضور قوي في الثقافة السودانية والأمازيغية .. أما في التراث العربي فقد بلغت النخلة مرتبة عالية فهي مصدر الغذاء الأهم في البادية للإنسان ومن النوى علف الحيوان ومن جذوعها أخشاب البناء ومن عروشها أسقف البيوت فصارت أقرب النباتات نفعا لكل أبناء الصحراء ..

5 / دولة الفيفا
اللعبة الشعبية الأولى في الوطن العربي هي كرة القدم .. وهي رياضة مستوردة وليست نابعة من ثقافة المنطقة الأصلية حيث إنها لعبة مميزة للقارة الأوروبية وتوابعها والمقلدين لها حيث تنتشر اللعبة في البلاد الأوروبية وامريكا اللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء والوطن العربي وذلك على مستوى الحكومات من ناحية الاهتمام والميزانية والحضور الإعلامي وأيضا على مستوى الأفراد من حيث ممارسة الرياضة والانتماء الكروي لدرجة أنها طمست على بقية الرياضات المختلفة ..
ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية متأثرة بالثقافة الأوروبية من حيث المنشأ إلا أنها احتفظت بخصوصيتها في المجال الرياضي حيث نجد أن الرياضات الأربعة الكبرى هناك تكاد تكون ألعابا أمريكية قومية حاضرة بقوة في الحياة اليومية وفي السينما الأمريكية التي تعكس ذلك الواقع وهي كرة القدم الأمريكية والبيسبول وهوكي الجليد وكرة السلة ثم تأتي كرة القدم في مرتبة لاحقة من حيث الشعبية رغم تنظيم كأس العالم في التسعينات والسعي لتنظيم البطولة القادمة ..
أما في النصف الشرقي من العالم حيث وسط آسيا والهند والصين وجنوب شرق آسيا فقد حققت كرة القدم حضورا لا بأس به لكن مع وجود رياضات شعبية أخرى تزاحمها أو تتفوق عليها أحيانا .. مثلا اللعبة الأولى في شبه القارة الهندية هي الكريكيت وفي جنوب شرق آسيا كرة الريشة بالإضافة إلى أن المنطقة عموما قد احتفظت بعدد من الرياضات الخاصة بها والمنبثقة من ثقافة الشرق القديم وعلى رأسها رياضات الدفاع عن النفس والمصارعة وعدد كبير من الألعاب المحلية ..
ولا يخفى على أحد أن الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا قد تحول إلى امبراطورية اقتصادية وسياسية وصارت له علاقات متشابكة مع الحكومات التي تعتمد على شعبية كرة القدم فنجد الرؤساء يحرصون على التقاط الصور التذكارية مع الفرق الفائزة ومع أبطال اللعبة .. أيضا الجماعات المعارضة تنصب لها نماذج وقدوات من اللاعبين المشهورين حيث تداخلت الرياضة مع السياسة وشاهدنا لاعبا مشهورا هو جورج وايا يصل إلى منصب الرئاسة في دولة أفريقية هي ليبيريا ..

6 / الزي الوطني
كثير من شعوب العالم تحرص على ارتداء زي وطني خاص بها في المناسبات الاجتماعية والاحتفالات الرسمية لكن بعض الدول تصر على ارتداء هذا الزي في المحافل الدولية وأن يلتزم به السفراء وكبار الشخصيات سواء من الرجال أو النساء حيث يعد هذا الزي جزء من الهوية الوطنية .. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال اجتماعات الأمم المتحدة واليونسكو ومراسم اعتماد السفراء حيث الأزياء المميزة خاصة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وبعض الدول العربية ..
ولا شك أن كثيرا من الدول على المستوى الرسمي قد نبذت أزياءها التقليدية لصالح الملابس الأوروبية فصار الزي الرسمي المعتمد هو البدلة الكاملة ورابطة العنق التي لا يعرف أحد حتى الآن فائدتها الحقيقية .. أيضا لا أحد يعرف على وجه الدقة إن كان ارتداء الملابس الحديثة من علامات التقدم والمدنية وهل يعني ذلك بالمقابل أن الالتزام بالزي الوطني من علامات الرجعية والتخلف .. وماذا عن البلاد التي لم يعد لها زي وطني حتى على المستوى الشعبي وهل تعاني من أزمة هوية ..
والزي الوطني غالبا ما يكون مرتبطا بمرحلة تاريخية قريبة نسبيا وغير مغرقة في القدم حتى تحقق درجة من التواصل بين الماضي والحاضر كما أن الزي الوطني مرتبط بالمناخ السائد وطبيعة العمل التي يمارسها معظم السكان .. وقد تستوحي الملابس العسكرية تصميماتها من أزياء قديمة خاصة عندما تكون مرتبطة بانتصارات امبراطورية في العصور الوسطى خاصة حرس الشرف عند استقبال ضيوف الدولة مثل الحرس الملكي البريطاني الذي يشبه الفرسان القدماء ..
أما على المستوى الشعبي فلا زال هناك حنين لأزياء العصور الوسطى حتى في الدول الأوروبية خاصة في ملاعب كرة القدم عندما يرتدي المشجعون تلك القرون المميزة لأغطية الرأس عند الفايكنج القدماء الذين غزوا أوروبا وفرضوا ثقافتهم في ربوعها .. أما في الولايات المتحدة فسوف يظل في الذاكرة لزمن طويل ذلك المشهد الشهير لاقتحام الكونجرس على يد مواطن عاري الصدر يرتدي فراء الحيوانات وعلى رأسه قرون ثور وعلى وجهه ألوان العلم الأمريكي ..

7/ المرابطون
وصف أبناء الصحراء ليس قاصرا على العرب وحدهم وإنما يشاركهم فيه شعب شديد المراس قوي البأس انتشر في ربوع الصحراء الأفريقية الكبرى منذ زمن بعيد حيث ينحدر من قبائل صنهاجة المعروفة والتي عرفت قديما باسم الجرمنتيين ثم بوصف الملثمين واشتهروا في تاريخ الإسلام باسم المرابطين ويطلق عليهم الاسم الأكثر تمييزا لهم حاليا وهو الطوارق ..
وتدل الآثار على وجود كبير للسكان في العصور القديمة في المنطقة التي عرفت بوصف الحضارة الجرمنتية التي عاصرت الرومان .. وفي القرن الثالث الهجري بدأ انتشار الإسلام في هذه المنطقة فكان سببا في توحد القبائل تحت سلطان مملكة قبلية قديمة في أفريقيا الغربية تدعى مملكة أودغست نسبة لإحدى المدن الكبرى حيث وصلت حدودها إلى غانة وحوض نهر النيجر ..
وكان ظهورهم الأول على مسرح السياسة العربية من خلال دولة المرابطين عندما قام الفقيه المالكي عبد الله بن ياسين الجزولي بإنشاء أول رباط للملثمين في جزيرة عند مصب نهر السنغال ومن ثم انطلق منها ليؤسس دولة المرابطين التي شملت أفريقيا الغربية ثم ضمت بلاد المغرب وقام يوسف بن تاشفين ببناء عاصمة لهم في تخوم المنطقة عرفت حتى اليوم باسم مراكش ..
وعندما سقطت مدينة طليطلة في يد القشتاليين أرسل الأندلسيون يستنجدون بالمرابطين فقام يوسف بن تاشفين بعبور المضيق في جيش جرار حيث التحم مع جيوش قشتالة وحلفائها في معركة الزلاقة الفاصلة والتي أسفرت عن انتصار المرابطين والعرب وإبادة جيش ألفونسو ثم في مرحلة تالية عبر مرة أخرى وأزال حكم ملوك الطوائف ووحد المغرب والأندلس تحت رايته ..
وفي العصر الحديث كان لهم دور بارز في مقاومة الاستعمار الفرنسي للجزائر فكانت الصحراء مركزا دائما للثورة المشتعلة .. وتمتد منازلهم حاليا في الجنوب الغربي من ليبيا وفي جنوب الجزائر وفي شمالي النيجر وبوركينا فاسو كما ينتشرون في النصف الشمالي من دولة مالي وذلك في الإقليم الذي يضمهم مع العرب ويطلق عليه دولة أزواد والتي أعلنت استقلالها من طرف واحد ..

8 / القومية .. سلاح ذو حدين
الشعور بالانتماء القومي موجود لدى كافة شعوب الأرض بدرجات متفاوتة ، وهو من بواعث الوطنية إذا تم في إطار الإيمان بالتعددية الثقافية وقبول الآخر والتعايش المشترك لكن إذا تعدى ذلك إلى التعصب والإقصاء والتحريض على العنف فإنه يؤدي إلى هدم النسيج الاجتماعي داخل الدولة الواحدة ويؤدي إلى كوارث رصدها التاريخ مثل جرائم الحركات النازية والفاشية والصهيونية ونظم الفصل العنصري وإبادة الهنود الحمر والمذابح العرقية في يوغوسلافيا السابقة ورواندا وبوروندي وغيرها ..
وأشهر مثال لذلك حدث في مطلع القرن العشرين عندما انهارت الدولة العثمانية والتي كانت متعددة القوميات تتبنى نظام الطوائف والملل من منطلق ديني وكان فيه درجة عالية من التمييز لصالح حكام البلاد من الأتراك المسلمين ، ودأبت القوى القومية العلمانية على الهجوم الدائم على السلطان عبد الحميد وأوضاع الخلافة العثمانية ووصفوها بأنها (الورم الباقي من القرون الوسطى) وأنها مثال الرجعية والتخلف ، وفي النهاية نجح القوميون الأتراك في الاستيلاء على الحكم وابتهجت الأقليات ببداية عصر التنوير ..
وكان المفترض من دعاة الحداثة والمدنية والحضارة الغربية ورواد التقدمية التصرف على نحو عقلاني يتيح للجميع التعبير عن هويته الثقافية ، لكن خلال ثلاثين عاما حكم فيها حزب الاتحاد والترقي ثم مصطفى كمال أتاتورك تم تبني فكرة القومية الطورانية من منطلقات علمانية بحتة بعيد عن الدين مع نزعة إقصائية واضحة لأي ثقافة مغايرة وهو ما أثار كلا من الأرمن واليونانيين والبلغار والعرب والسريان فتنادوا بقومياتهم وبدأت الدعوات الانفصالية والتي تمت مواجهتها بالعنف والقمع والمذابح ..
تسببت سياسة التتريك في قيام الثورة العربية الكبرى كما أدت التوترات المتصاعدة إلى تهجير الأرمن من موطنهم في الولايات الشرقية إلى الشتات وانخفاض عددهم في الأناضول من مليونين إلى خمسين ألف ثم طرد اليونانيين (وهم السكان الأقدم في غرب البلاد) إلى تراقيا وانخفاض عددهم من مليون ونصف إلى بضعة آلاف ، وردا على ذلك حدثت اضطرابات في البلقان والقوقاز وتم طرد الأتراك منهما باتجاه الأناضول بل وترحيل المسلمين من غير الأتراك مثل الألبان والبوشناق والشراكسة ..
واستقبلت تركيا عشرة ملايين لاجىء وهو ما صنع تغييرا ديموغرافيا وصبغ الدولة بصبغة أحادية حتى إن لقب أتاتورك كان يعني (أبو الأتراك) في إشارة إلى الهوية الجديدة ورفض الاعتراف بالأكراد وأطلق عليهم (شعب شرق الأناضول) فاشتعلت ثورتهم الكبرى وأسفرت عن إعدام قادتهم وتهجير الآلاف إلى سوريا ، كما تم منع اللغة العربية في الولايات السورية الشمالية والتي ضمتها تركيا بعد معاهدة لوزان حتى صار لسان حال العرب قولهم (رب يوم بكيت منه فلما مضى إلى غيره بكيت عليه)

9 / القوة وحدها لا تكفي ..
عندما أشاهد العروض العسكرية للجيش الصيني أتذكر على الفور تلك العروض العسكرية التي كان يجريها الجيش الأحمر السوفييتي في ساحة الكريملين وذلك في زمن الحرب الباردة وسباق التسلح وبرامج الفضاء والستار الحديدي .. ورغم عظمة وبهاء العروض العسكرية إلا أنها لا تسمن ولا تغني من جوع لأن البراعة في الخطوة المعتادة وتحية العلم لا تعني الكفاءة الفعلية في ساحة القتال ..
وقد كان الاتحاد السوفييتي دولة امبراطورية تضم الاتحاد الروسي وجمهوريات آسيا الإسلامية والقوقاز والبلطيق بالإضافة إلى سيطرته على أوروبا الشرقية بالكامل من خلال حلف وارسو ويتبعه العديد من الدول الشيوعية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية .. وفجأة انهار هذا الكيان العملاق بين عشية وضحاها ويرجع ذلك إلى أسباب عديدة أهمها هو التوسع أكثر من اللازم والتنكر للمبادىء المؤسسة للدولة ..
كانت الامبراطورية تسيطر بالقوة على مناطق خارج دائرة تأثيرها الثقافي واللغوي تحت مظلة المبادىء الشيوعية فلما بدأ الشك يدب في هذه الأفكار تهاوت الرابطة بين المركز والأطراف واستقلت جميع الجمهوريات ولم يبق إلا الاتحاد الروسي حيث منطقة التأثير الثقافي واللغوي والتي لا تحتاج إلى القوة إلا في مواضع طرفية قليلة خارج الإطار السلافي مثل الشيشان وتترستان ..
والصين ليست بعيدة عن هذا المسار لأن نمطها الاقتصادي الحالي لا يمكن إدراجه تحت مبادىء الشيوعية التي قامت عليها الدولة ولم يبق منها إلا النظام السياسي والأمني .. وفي الماضي القريب احتلت الصين بالقوة كلا من منشوريا ومنغوليا الداخلية (جنوب منغوليا) وتركستان الشرقية والتبت وهي أقاليم خارج إطارها الثقافي واللغوي (باستثناء منشوريا التي ترتبط بالصين نسبيا) ..
وكان من الطبيعي أن تنشأ حركات مقاومة في جميع الأقاليم المحتلة حيث تأسست (حركة استقلال منغوليا الجنوبية) بدعم من اليابان وكذلك أقام التبتيون حكومة منفى في الهند بقيادة الدلاي لاما ويحظى شعب المانشو بدعم روسي واضح بسبب هجرة الكثير منهم إلى منشوريا الشمالية التابعة لها بينما يقف شعب الإيجور في تركستان الشرقية وحده أمام الشيوعيين بدعم محدود من بعض الدول الإسلامية ..
لهذا فإن مصير الصين يقترب من مصير الاتحاد السوفييتي مع فارق الزمن (حتى مع النهضة الاقتصادية الحالية) .. بينما نجت كل من الهند والاتحاد الأوروبي (في وضعه الحالي) والولايات المتحدة الأمريكية من هذا المصير بسبب اتساق كل دولة منهم مع المبادىء التي تأسست عليها حتى اليوم وعدم التوسع بالقوة خارج دائرة تأثيرها الثقافي لأنه من الخطأ الكبير التوسع أكثر من اللازم ..

10 / الشعر ديوان العرب
حفظت لنا أشعار العرب أبياتا صدرت من قلوب عاشقة خلدت ذكرى أصحابها وحفرت في وجدان محبي الأدب العربي .. وعلى رأس شعراء العشق والغزل يأتي عنترة بن شداد صاحب أشهر بيت في الغزل الصريح إذ يقول مخاطبا عبلة : (ولقد ذكرتك والرماح نواهل .. مني وبيض الهند تقطر من دمي .. فأردت تقبيل السيوف لأنها .. لمعت كبارق ثغرك المتبسم) ..
لكن مجنون ليلى اكتفى بالمرور على ديارها فقال : (أمر على الديار ديار ليلى .. أقبل ذا الجدارا وذا الجدارا .. وما حب الديار شغفن قلبي .. ولكن حب من سكن الديارا) .. وتصل المبالغة مداها عند كثير عزة في قوله : (الله يعلم لو أردت زيادة .. في حب عزة ما وجدت مزيدا .. رهبان مدين والذين عهدتهم .. يبكون من حذر العذاب قعودا .. لو يسمعون كما سمعت حديثها .. خروا لعزة ركعا وسجودا) ..
أما جميل بثينة فقد كان يحب حبيبته وكل صاحباتها في مجلسها وصرح بذلك فقال : (يقولون جاهد يا جميل بغزوة .. وأي جهاد غيرهن أريد .. لكل حديث بينهن بشاشة .. وكل قتيل عندهن شهيد) .. بينما كان عمر بن أبي ربيعة أكثر صراحة وأشد غرورا وهو ينشد : (قالت الكبرى أتعرفن الفتى .. قالت الوسطى نعم هذا عمر .. قالت الصغرى وقد تيمتها .. قد عرفناه وهل يخفى القمر) ..
وعلى العكس من كل هؤلاء فقد حفظ لنا الشعر موقفا جليلا مهيبا عندما ماتت زوجة جرير فرثاها حزينا كسيرا بأبيات المحب المخلص فقال على قبرها : (لولا الحياء لعادني استعبار .. ولزرت قبرك والحبيب يزار .. ولقد نظرت وما تمتع نظرة .. في اللحد حيث تمكن المحفار .. ولقد أراك كسيت أجمل منظر .. ومع الجمال سكينة ووقار .. صلى الملائكة الذين تخيروا .. والصالحون عليك والأبرار) ..
لكن أعظم ما خلده شعر الغرام كانت أبيات ولادة وابن زيدون إذ فرقت بينهما الحوادث والأيام حيث قال لها : (يا من غدوت به في الناس مشتهرا .. قلبي عليك يقاسي الهم والفكرا .. إن غبت لم ألق إنسانا يؤنسني .. وإن حضرت فكل الناس قد حضرا) .. لتقول هي أبياتها الخالدة : (أغار عليك من عيني ومني .. ومنك ومن زمانك والمكان .. ولو أني خبأتك في عيوني .. إلى يوم القيامة ما كفاني) ..