
اقروا الفاتحة لأبو العباس
كنا نظن أن وسط الدلتا هو فقط من يشتهر بالأولياء مثل السيد البدوي وإبراهيم الدسوقي لكن الإسكندرية تفوق الجميع .. منذ لحظة وصول القطار تقابلك محطة سيدي جابر وبجوارها مسجد السيد جابر بن إسحاق بن إبراهيم الخزرجي الأنصاري الأندلسي المتوفي عام 697 هـ وهو من أحفاد الصحابي الجليل سعد بن عبادة ، فإذا اتجهت شرقا فسوف تجد حي سيدي بشر ومسجد الشيخ بشر بن الحسين بن محمد بن عبيد الله بن الحسين بن بشر الجوهري المغربي المتوفي عام 528 هـ وهو من سلالة آل بشر المغاربة ..
أما إذا اتجهت غربا فسوف تجد منطقة القباري وفيها مسجد أبي القاسم محمد بن منصور بن يحيى القباري السكندري المالكي المتوفي عام 662 هـ والذي طلب من بيبرس تحصين الإسكندرية وكان من كبار الزهاد وكانت له خلوة في بستان يعرف باسم غيط القباري ، وفي الشمال بالطبع منطقة الشاطبي وفيها مسجد أبي عبد الله محمد بن سليمان المعافري الشاطبي المتوفي عام 672 هـ وهو من عرب اليمن ومن مواليد شاطبة الأندلسية ورحل إلى دمشق ثم استقر بالثغر وأنشأ رباطا للعبادة بجوار باب البحر ..
وفي منطقة الباب الأخضر الذي كان يقع شمال المدينة القديمة ويفصلها عن منطقة بحري سوف نجد مسجد أبي الفتح الواسطي (نسبة إلى واسط بالعراق) شيخ الرفاعية وتوفي عام 632 هـ ودفن معه ابنه علي وابنته رقية وهي والدة السيد إبراهيم الدسوقي ، وبالقرب منهم مسجد فقيه المالكية أبي بكر محمد بن الوليد بن خلف الطرطوشي (نسبة إلى طرطوشة القطلونية الأندلسية) وهو من تلاميذ ابن حزم وهو أستاذ للقاضي أبي بكر بن العربي ثم تزوج من الإسكندرية وسكن فيها حتى توفي عام 520 هـ ..
وإلى الغرب قليلا ضريح سيدي محمد ضياء الدين أبي الجيوش العدوي صاحب الميدان المعروف باسمه والقادم من وسط الدلتا للمرابطة والجهاد والمتوفي عام 550 هـ وينتهي نسبه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وفي الشرق مسجد الإمام محمد بن سعيد بن حماد البوصيري الصنهاجي المولود في بوصير والمتوفي عام 608 هـ وهو صاحب المدائح النبوية المعروف ، وفي الشمال ضريح العابد الزاهد سيدي أبي الدر ياقوت بن عبد الله العرشي الحبشي شيخ الشاذلية وتلميذ المرسي والمتوفي عام 707 هـ ..
وفي النهاية سوف نصل إلى الولي الأكرم السيد شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسن بن علي الخزرجي الأنصاري المرسي المولود في مرسية بالأندلس عام 616 هـ ويتصل نسبه بالصحابي الجليل قيس بن سعد بن عبادة والي مصر في عهد الراشدين ، رحل إلى مصر بصحبة شيخه السيد أبي الحسن الشاذلي واستقر في الإسكندرية عام 642 هـ وظل فيها حتى وفاته في عام 686 هـ ومن أشهر تلامذته ابن عطاء الله السكندري ، وقد أنشأ رباطا للتصوف في الموضع الذي فيه اليوم مسجده العامر ..

ابن عطاء الله السكندري
هو تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن الحسين بن عطاء الله الجذامي نسباً ، وفد أجداده المنسوبون إلى قبيلة جذام إلى مصر بعد الفتح الإسلامي واستوطنوا الإسكندرية حيث ولد ابن عطاء الله ونشأ كجده لوالده الشيخ أبي محمد عبد الكريم بن عطاء الله فَقيهاً يَشتغل بالعلوم الشَرعية حيث تلقي منذ صباه العلوم الدينية والشرعية واللغوية ..
ولد بالإسكندرية عام 1260 م. وتوفي بالقاهرة عام 1309 م. أثناء عمله بالتدريس في المدرسة المنصورية وهو بعمر الخمسين ودفن بمقبرة المقطم بسفح الجبل بزاويته التي كان يتعبد فيها ولا يزال قَبره مَوجوداً إلى الآن بجبانة سيدي على أبو الوفاء تحت جبل المُقطمِ من الجهةِ الْشرقية لجبَانة الإمام الليث وبني عليه مسجد حديثا ، ومن أهم تلاميذه الشيخ تقي الدين السبكي إمام الشافعية في زمنه ..
وهو فقيه مالكي وأحد أركان الطريقة الطريقة الشاذلية الصوفية ، لقب بعدة ألقاب منها قطب العارفين وترجمان الواصلين ومرشد السالكين ، كان رجلاً صالحاً عالماً يتكلم على كرسي ويحضر ميعاده خلق كثير وكان لوعظه تأثير في القلوب ، وكان له معرفة تامة بكلام أهل الحقائق وأرباب الطريق وله ذوق ومعرفة بكلام الصوفية وآثار السلف وكان ينتفع الناس بإشاراته وله موقع في النفس وجلالة ..
كان الشيخ ابن عطاء الله في أول حاله منكراً على أهل التصوف فما أن صحب شيخه أبا العباس المرسي واستمع إليه بالإسكندرية حتى أعجب به إعجاباً شديداً وأخذ عنه طريق الصوفية وأصبح من أوائل مريديه ثم تدرج ابن عطاء في منازل العلم والمعرفة حتى تنبأ له الشيخ أبو العبَاس يوماً فقال له : (الزم فوالله لئن لزمت لتكونن مفتياً في المذهبين) يقصد مذهب أهل الشريعة ومذهب أهل الحقيقة ..
من مؤلفاته الطريق الجادة في نيل السعادة وعنوان التوفيق في آداب الطريق وتاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس ومفتاح الفلاح ومصباح الأرواح في ذكر الله الكريم الفتاح ، إلا أن شهرته الكبرى كانت بسبب كتابه الحكم العطائية على لسان أهل الطريقة ، قال عنه الذهبي (كانت له جلالة عظيمة ووقع في النفوس ومشاركة في الفضائل وكان يتكلم بالجامع الأزهر فوق كرسي بكلام يروّح النفوس) ..

سيدي محمد العدوي
صاحب الضريح الموجود في منطقة الباب الأخضر بالإسكندرية هو سيدي محمد ضياء الدين بن عبد الوهاب بن الزيني سراج الدين العدوي المعروف بلقب (أبو الجيوش عساكر) ، وهو من رجال القرن السادس الهجري حيث انتقل من وسط الدلتا إلى الإسكندرية للمرابطة والجهاد وأنشأ رباطه في تلك المنطقة بالقرب من الشاطبي والقباري وأبي بكر الطرطوشي والبوصيري وسيدي بشر وسيد جابر وأبي الفتح الواسطي وأبي العباس المرسي ..
وكانت أسرته قد سكنت مصر في القرن الثاني الهجري ومن أشهر رجالها الإمام الفقيه المحدث أبو عبد الله يحيى بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني والمتوفي في الفسطاط في عام 153 هـ والذي تتلمذ على يده الإمام الليث بن سعد ويحيى بن أيوب المصري وعبد الله بن وهب وآخرون ، وفي القرن الثالث الهجري انتقلت العشائر إلى قلين بوسط الدلتا في عهد السيد طريف بن عليان العمري (الجد الأكبر لأبي الجيوش) ..
وأسس حفيده السيد طريفة بن عبد الله بن نشوان منطقة الوقف العمري بعد أن بنى قرية شباس الملح في عام 240 هـ وهو صاحب العمران الكبير في شرق دسوق حيث حفر ترعة غيط السودان وعمل بتجارة الملح واستصلح ألف فدان ، واستقر في قرية شباس عمير حيث توفي في عام 288 هـ ودفن فيها ويعرف ضريحه اليوم باسم (سيدي مطرف) ، وقد ذكر الوقف الخاص بالعمريين في المدينة المنورة في كتابات القلقشندي وابن فضل الله بالتفصيل ..
وبعد اضطراب الأوضاع أثناء الشدة المستنصرية وهجوم القبائل المغربية من هوارة ولواته تفرقت العشائر ما بين الإسكندرية والبحيرة والبرلس ومحلة القصب واختار سيدي محمد ضياء الدين أن يرابط في الثغر ليعلم الناس وتوفي هناك ثم انتقل ابنه السيد عبد الرحمن العدل إلى البرلس حيث الانتشار الكبير للعشائر بين قرى المطارفة والمرازقة ومن ذريته الشيخ ناصر الدين القاضي وسيدي سالم العمري صاحب الضريح المعروف بقرية العمرية ..
ولعب عبد الرحمن دورا هاما في استقدام عشائر بني عدي وكنانة ومخزوم وآل عثمان بن عفان للانتقال من الحجاز والتوطن في البرلس بقيادة القاضي خلف بن نصر العدوي في عهد الصالح طلائع بن رزيك ، ومن قرابة محمد ضياء الدين في الشام الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي العدوي المتوفي عام 620 هـ وفي المدينة المنورة شيخ العمريين نور الدين علي بن مطرف المتوفي عام 728 هـ وابن أخيه الوزير محمد بن عبد الله بن مطرف القرشي ..

الإسكندرية في العصر الفاطمي
التأثيرات المغاربية والأندلسية على الإسكندرية لم تكن في التصوف فقط وإنما في انتشار وسيادة المذهب المالكي حتى صارت الإسكندرية المركز الأهم لفقهاء المالكية خاصة في العصر الفاطمي حيث كان لهم دور كبير في مقاومة المذهب الإسماعيلي وكانت لهم في الثغر مدارس نشأت بجهود فردية من أهمها مدرسة الفقيه أبي بكر الطرطوشي حيث تبرعت زوجته بقسم من منزل لها ليأوي إليه طلبة العلم وكان من أنبغ هؤلاء التلاميذ محمد بن تومرت مؤسس دولة الموحدين بعد ذلك ..
وفي أواخر القرن الخامس الهجري أنشأ الوزير بدر الجمالي جامع العطارين والذي تحول إلى مدرسة للمذهب واشتهر منها ابن المنير أحد أئمة التفسير والبلاغة والأدب والمحدث محمد بن أحمد بن الخطاب وعمرو بن عيسى السوسي النحوي وعبد الرحمن ابن أبي بكر بن خلف الذي انتهت إليه رياسة الإقراء فيها وأبو القاسم بن مخلوف أحد كبار المالكية الذين أذاعوا هذا المذهب في الإسكندرية ، وكان لمحمد بن الحسن بن زراره حلقة في الجامع لإقراء الأدب كما كان المشرف على خزانة الكتب فيه ..
وفي عهد الوزير أحمد بن الأفضل بن أمير الجيوش تأسست المدرسة الحافظية لتدريس علوم الشريعة وقد تكفل الوزير برزق طلبة المدرسة وأستاذها الذي سيشرف على هذا الإنفاق وغلب عليها المذهب المالكي ، ثم قام ابن السلار الوزير الفاطمي بإنشاء مدرسة للشافعية بجوارها أسند إدارتها إلى الحافظ أبي طاهر السلفي وقد عمرت هذه المدرسة وكانت تعرف بالمدرسة السلفية حتى بعد وفاة شيخها وفيها تخرج كثير من العلماء الممتازين ولم يكن للشافعية مدرسة غيرها ، وجاء في كتاب صبح الأعشى سجلات تأسيسها ..
يقول القلقشندي .. (ولما انتهى إلى أمير المؤمنين ميزة ثغر الإسكندرية حماه الله تعالى على غيره من الثغور فإنه خليق بعناية تامة لأنه من أوقى الحصون والمعاقل والحديث عن فضله وخطير محله لا تهمة فيه للراوي والناقل ، وهو يشتمل على القراء والفقهاء والمرابطين والصلحاء وأن طالبي العلم من أهله ومن الواردين إليه والطارئين عليه مشتتو الشمل متفرقوا الجمع ، أبى أمير المؤمنين أن يكونوا حائرين ولم يرض لهم أن يبقوا مذبذبين متبددين وخرجت أوامره بإنشاء المدرسة الحافظية) ..

الإسكندرية في العصر الأيوبي
من أهم أعمال صلاح الدين الأيوبي التوسع في إنشاء المدارس بالإسكندرية حيث فتح أبوابها للجميع وعين فيها مدرسين لجميع أنواع العلوم .. يقول الدكتور أحمد بدوي (والظاهر أن أغلب مدارس الإسكندرية كان لطائفة المالكية فقد عرفنا عدداً جماً من أساطين هذا المذهب يسكنون ذلك الثغر فمن تلك المدارس مدرسة ابن الأنجب وقد عرفت باسم مدرسها علي بن الأنجب الفقيه المالكي ومنها مدرسة بني حديد التي درس فيها أحمد بن محمد بن سلامة وهو من رؤساء المالكية) ، وقد شاهد الرحالة ابن جبير ذلك ووصفه بالقول ..
(ومن مناقب هذا البلد ومفاخره العائدة في الحقيقة إلى سلطانه المدارس والمحارس الموضوعة فيه لأهل الطلب والتعبد يفدون من الأقطار النائية فيلقى كل واحد منهم مسكناً يأوي إليه ومدرساً يعلمه الفن الذي يريد تعلمه وإجراء يقوم بجميع أحواله ، واتسع اعتناء السلطان بهؤلاء الغرباء الطارئين حتى أمر بتعيين حمامات يستحمون فيها متى احتاجوا إلى ذلك ونصب لهم مارستان لعلاج من مرض منهم ووكل بهم أطباء يتفقدون أحوالهم وتحت أيديهم خدام يأمرونهم بالنظر في مصالحهم التي يشيرون بها من علاج وغذاء) ..
ومن أهم فقهاء المالكية بالثغر في العصر الأيوبي أبو الحسن علي بن إسماعيل الإيباري وابن رواج واليسع بن عيسى الأندلسي وعبد الرحمن بن عبد المجيد الصفراوي وعبد الله بن محمد النكزاوي والمكين الأسمر ويحيى بن محمد التجيبي ، ومن المحدثين عبد الله عبد الرحمن العثماني (من ولد عثمان بن عفان) وأبو العباس أحمد بن عمر القرطبي وابن العماد منصور بن سليم ، ومن النحاة الحسن بن جعفر بن مروان (مؤلف كتاب المذهب) وثابت بن حسن بن خليفة اللخمي (وهو من الشعراء) وعبد العزيز بن مخلوف المغربي ..
ومن أشهرهم أبو الطاهر إسماعيل بن مكي بن عوف وهو شيخ المالكية بالثغر تفقه على الطرطوشي وصار إمام عصره في المذهب وعليه مدار الفتوى من الورع والزهد وله مصنفات منها كتاب التذكرة في أصول الدين وهو الذي قصد إليه صلاح الدين وسمع منه موطأ مالك ، وكذلك عيسى بن عبد العزيز بن عيسى وكان مقرئا نحويا وترك مؤلفات تزيد على خمسة وأربعين في النحو والحديث والوعظ والتاريخ والأدب والقراءات والتجويد والفقه منها كتاب الأمنية في علم العربية وكتاب الجامع الأكبر والبحر الأزخر ..
ومن أعلام الإسكندرية في علوم اللغة العربية الإمام القاضي عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس المعروف بلقب (ابن الحاجب) وهو ابن خال صلاح الدين الأيوبي .. عرف عنه منذ صغره الاشتغال بالعلم والأدب وبرع في الأصول العربية وتفقه على مذهب الإمام مالك ثم لازم الإمام الشاطبي وسافر إلى دمشق ثم عاد إلى القاهرة واشتغل بالتدريس في المدرسة الفاضلية وقصده الطلاب من كل صوب وتعلموا على يديه علوم النحو والقراءات وتوفي بالإسكندرية عام 646 هـ ودفن في منطقة ميدان المساجد (حي الجمرك) ..

الإسكندرية في العصر العثماني
من أشهر مساجد الإسكندرية مسجد النبي دانيال المنسوب للشيخ محمد دانيال الموصلي الشافعي المذهب والذي قدم إلى الإسكندرية في نهاية القرن الثامن الهجري واتخذ فيها رباطا لتدريس أصول الدين وعلم الفرائض وتوفي سنة 810 هـ وأصبح ضريحه مزارا للناس حتى بني المسجد عام 1790 م. ، يقول على باشا مبارك في الخطط التوفيقية : « مسجد مشهور بمسجد النبى دانيال كان صغيرا فجدده العزيز محمد علي باشا سنة 1238 وله ليلة كل سنة في شهر رمضان وهو تابع الوقف وبهذا المسجد مدفن مخصوص بالعائلة الخديوية مدفون فيه المرحوم محمد سعيد باشا ونجله طوسون باشا وغيرهما » ..
ومن المساجد الأثرية الباقية في الإسكندرية مسجد الشوربجي الذي يرجع إلى العصر العثماني وأنشئ وفقا لما هو مكتوب في النص التأسيسى (أعلى الباب الرئيسى لبيت الصلاة) في شهر ربيع الآخر لعام 1171 هـ / 1758 م على يد الشيخ عبد الباقى الشوربجي وهو تاجر مغربي الأصل وبنى حوله وكالة ودكاكين موقوفة عليه ، والواجهة الرئيسية للمسجد تتكون من شرفة تعلو حوانيت الطابق الأسفل وتمتد بطول الضلع الجنوبي حيث تنتهى عند المدخل الرئيسى وتتكون من بائكة من ثمانية أعمدة رخامية تقوم عليها تسعة عقود مدببة ممتدة يصل بينهما أعمدة ربط خشبية زخرفت حواف العقود بالحجر الأبلق ..
ويشبهه في الطراز مسجد تربانة المنسوب للحاج إبراهيم تربانة الذي أنشأه سنة 1097هـ / 1685م. وهو مسجد معلق يتكون من طابقين مشيد على الطراز العثماني ويعتبر آخر الأثار العثمانية الباقية في الإسكندرية .. ملحق به حجرات سكنية وكانت تلك عادة عند بناء المساجد في زمن العثمانيين أما الطابق السفلي فيحوي مجموعة من المحال التجارية وكان الغرض من وجودها ضمان الإنفاق على المسجد (وهو نظام عرف منذ العصر الفاطمي) ، ومن الناحية المعمارية ينتمى المسجد إلى طراز يطلق عليه طراز الدلتا لانتشاره في بعض مدن دلتا مصر في العصر العثماني خاصة في رشيد و فوه والمحلة ..
وأخيرا مسجد البنوفري وينسب إلى الشيخ أبي عبد الله محمد بن سلامة البنوفري العدوي من فقهاء الإسكندرية والمتوفي في سنة 998 هـ / 1589 م ، قال عنه الغزي في كتابه الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة (الإمام العلامة شيخ الإسلام الورع الزاهد الخاشع الناسك العابد الشيخ شمس الدين البنوفري المالكي شيخ المالكية بمصر أخذ العلم عن جماعة منهم الشيخ ناصر الدين اللقاني والشيخ عبد الرحمن الأجهوري وكان يحبه ويثني عليه كثيراً ويصفه بالزهد ومنهم الشيخ فتح الله الدميري والشيخ نور الدين الديلمي وأجازوه بالإفتاء والتدريس .. وكان مكباً على العلم والعمل غير ملتفت إلى شيء من الدنيا) ..

مساجد الإسكندرية التاريخية
جاء في الخطط التوفيقية تفصيلات عن ترميم مساجد الإسكندرية التاريخية حيث يقول علي باشا مبارك : مساجد إسكندرية : وبها من المساجد الجامعة ٤٩ جامعا ومن الزوايا ٩٧ زاوية ، منها ما فيه ضريح ولىّ ومنها ما هو خال عن ذلك.
فمن أشهر جوامعها جامع سيدى أبى العباس المرسى رضى الله تعالى عنه بجوار القرافة ، كان فى الأصل مسجدا صغيرا وفى سنة ١١٨٩ جدد فيه بعض المغاربة القاصدين الحج جزأه الذى يلى القبلة والمقصورة والقبة ثم أخذ نظاره فى تجديده وتوسعته شيئا فشيئا بأخذ قطعة من المقابر وبعض من المنازل التابعة لوقفه ، وجعلت ميضأته فيما هدم من تلك المنازل حتى صار إلى ما هو عليه الآن من السعة والمتانة والمنظر الحسن.
وشعائره مقامة على الوجه الأتم ويصرف عليه من طرف ديوان الأوقاف بالإسكندرية كما أن ريعه ومرتباته مضبوطة به. ،وكان سيدى أبو العباس من أكابر العارفين بالله تعالى أخذ الطريق عن الشيخ أبى الحسن الشاذلى وهو أجل تلامذته وأول خلفائه ، ومع وفور علمه وجمعه بين علمى الحقيقة والشريعة لم يؤلف كتابا وكذلك شيخه أبو الحسن وكان يقول : «كتبى قلوب أصحابى».
وكلامه كله حكم ومناقبه جليلة ذكر الشعرانى فى طبقاته من ذلك جملة عظيمة فعليك بها ، مات رحمه الله تعالى سنة ٦٨٦ ودفن فى جامعه ، وقبره به فى غاية الشهرة يزوره أهل الإسكندرية وغيرهم من المترددين عليها ولهم فيه اعتقاد زائد لا سيما المغاربة ، وله خدمة يقتسمون وظائف الخدمة كما يقتسمون النذور على شروط مسجلة فى ديوان الأوقاف ، وكل سنة يعمل له مولد ثمانية أيام بعد مولد النبى ﷺ وليلة فى نصف رمضان.
مسجد سيدى ياقوت العرشى : كان قد تهدم وهجر فجدده أحمد بيك الدخاخنى شيخ طائفة البنائين بالإسكندرية سنة ١٢٨٠ هجرية وأقام شعائره ووقف عليه أوقافا ، وكان سيدى ياقوت إماما فى المعارف عابدا زاهدا وهو من أجل من أخذ عن سيدى أبى العباس المرسى ، وهو حبشى ولد ببلاد الحبشة وكانت له بنت فزوجها للإمام شمس الدين بن اللبان ماتت فى حياة زوجها فعند وفاته أوصى أن يدفن تحت رجليها احتراما لوالدها ، ومناقب سيدى ياقوت شهيرة بين الطائفة الشاذلية توفى سنة ٧٠٧ ودفن فى مسجده وقبره مشهور يزار وله مولد كل سنة ليلة واحدة فى رمضان.
مسجد سيدى تاج الدين بن عطاء الله الإسكندرى : مشهور بها لكنه لم يدفن بها وإنما دفن بمصر بقرافة الإمام الشافعى وقبره هناك مشهور يزار ، وكان تلميذا للشيخ ياقوت العرشى ومن قبله للشيخ أبى العباس المرسى وكان زاهدا كبير القدر ولكلامه حلاوة وتأثير فى القلوب ، وله مؤلفات كثيرة منها كتاب التنوير فى إسقاط التدبير وكتاب الحكم وكتاب لطائف المنن) وغير ذلك مات سنة ٧٠٧.
مسجد البوصيرى كان قديما جدّده المرحوم سعيد باشا ببناء حسن ورتب له ما تقام به شعائره ورتب به دروسا دائمة ، والبوصيرى هو شرف الدين محمد بن سعيد البوصيرى صاحب البردة والهمزية وله تآليف غيرهما وكان أبوه من دلاص وأمه من بوصير قرية بقرب دلاص بمديرية بنى سويف.
مسجد القبارى كان فى الأصل صغيرا فجدده وأوسع فيه المرحوم سعيد باشا زمن ولايته حتى صار حسن الهيئة ، مسجد يقال له مسجد سيدى جابر الأنصارى هو مسجد قديم بجوار سراى الرمل ولم يجدد فيه سوى القبة وله مولد كل سنة ثمانية أيام.
مسجد مشهور بمسجد النبى دانيال كان صغيرا فجدده ووسعه العزيز محمد على باشا سنة ١٢٣٨ وله ليلة كل سنة فى شهر رمضان وهو تابع الوقف وبهذا المسجد مدفن مخصوص بالعائلة الخديوية مدفون فيه المرحوم محمد سعيد باشا ونجله طوسون باشا وغيرهما.
مسجد الطرطوشى صاحب سراج الملوك كان متخربا فأصلحه المرحوم السيد إبراهيم مورو سنة ١٢٧٠ وقد تممت إصلاحه وتنظيمه المرحومة والدة الجناب الخديوى وهو الآن مقام الشعائر من الأوقاف.

مساجد الإسكندرية في العصر الخديوي
استعرض علي باشا مبارك في الخطط التوفيقية ترميمات مساجد الإسكندرية التاريخية ثم أضاف إليها تفصيلات عن ترميم مساجد العصر العثماني وما استجد في المدينة من مساجد بنتها الأسرة الخديوية وأعيان المدينة فقال :
مسجد نصر الدين كان أولا زاوية صغيرة فيها ضريحه وقد جدده ووسعه المرحوم على بيك جنينة أحد مشاهير إسكندرية فى سنة ١٢٧٠ هجرية وجعل له أوقافا وله مولد فى كل سنة ليلة فى رمضان ، مسجد سيدى على الموازينى كان أيضا صغيرا وقد جدّده بعد هجره وتهدمه المرحوم مصطفى هنيدى أحد مشاهير المدينة سنة ١٢٧٢ وأحيا شعائره وهو مدفون فى داخله هو وولده.
مسجد الشيخ تمراز كانت أرضه منخفضة ففى سنة ١٢٦٢ جدده المرحوم حسن باشا الإسكندرانى ناظر ديوان البحرية فى ذلك الوقت وردم أرضه وصار يصعد إليه بسلم وبه ضريح الشيخ على التمرازى المذكور وله مولد كل سنة ثمانية أيام وقت زيادة النيل.
مسجد أبى سن أصل أرضه مقبرة بها ضريح الشيخ عبد الرحمن بن هرمس وكان عليه مقصورة من خشب فلما بنى ما حوله ودخل فى تنظيم المدينة بنى ذلك المسجد وجعل فى داخله ضريح الشيخ المذكور ، والذى بناه المرحوم درويش أبوسن وهو مسجد تام المرافق حسن المنظر مقام الشعائر ويصرف عليه من الوقف.
مسجد الحجارى كان فى الأصل ضريحا للحجارى وبه بئر معينة قليلة الملوحة يعتقد أهل إسكندرية أن لها منافع وهى أن من كان مريضا بداء الحمى ودوام على الاستحمام بمائها أياما زالت عنه الحمى ، وفى سنة ١٢٨٧ جدّدته المرحومة والدة الجناب الخديوى إسماعيل باشا ببناء حسن ومنظر لطيف وهو عامر مقام الشعائر وكان قد جدده قبلها سنة ١٢٤٠ المرحوم بلال أغا باش أغوات المرحوم محمد على باشا وجعل به صهريجا مصرفه الآن من الوقف.
مسجد سيدى عبد الله المغاورى به ضريحه وهو مسجد قديم وقد جدده المرحوم الحاج طاهر القردلى ووسعه وجعل له مئذنة وبعد وفاته دفن به بجوار ضريح المغاورى ، وكذلك دفن به العالم الشهير الشيخ محمد البناء الرشيدى وكل سنة يعمل فيه ليلة فى شهر رمضان لسيدى عبد الله المغاورى وهو مقام الشعائر من طرف الوقف.
مسجد سيدى على البدوى بجهة كوم الدكة كان صغيرا فجدده ووسعه الحاج طاهر الذى بنى مسجد المغاورى فى سنة ١٢٧٠ ، ثم فى سنة ١٢٨٩ بناه أولاد الشيخ إبراهيم باشا ، مسجد سيدى عبد الرزاق الوفائى جدد بناءه ناظره أحمد النقيب سنة ١٢٨٠ وهو أمام مسجد النبى دانيال.
مسجد الحلوجى كان صغيرا وفى سنة ١٢٦٠ جدد بناءه ووسعه المرحوم السيد محمد بدر الدين الكبير ومصرفه من الوقف ، مسجد الصورى كان أولا ضريحا عليه مقصورة من خشب فبناه الميرى مسجدا مع بناء سور الاستحكامات والضريح داخله وله حضرة كل ليلة سبت ويصرف عليه من الوقف ، مسجد البرقى جدده المرحوم محمد على باشا وهو فى داخل سراى رأس التين.
مسجد سيدى وقاص كان أولا ضريحا وجدد بناءه مسجدا على المصرى أحد مشاهير إسكندرية سنة ١٢٨٠ ويقال إنه جددت بناءه المرحومة والدة الجناب الخديوى إسماعيل باشا ، مسجد سيدى مجاهد فى داخل الترسانة كان إنشاؤه سنة ١٢٥٥ منذ كان لطيف باشا ناظر الترسانة بالإسكندرية وقد أصلحه الأمير المذكور سنة ١٢٨٣ وقت أن كان ناظر البحرية. ، فهذه المساجد كلها بها أضرحة من تنسب إليه.
وأما المساجد التى لا أضرحة بها فكثيرة مثل مسجد طاهر بيك ومسجد المدرسة ومسجد سلطان ومسجد كرموس ومسجد محرم بيك ومسجد القاضى ، ومسجد الشيخ إبراهيم باشا بناه المذكور سنة ١٢٤٠ وبه دروس العلم لا تنقطع فهو فى الإسكندرية كالأزهر فى مصر، ومسجد عبد اللطيف بناه الشيخ عبد اللطيف المغربى سنة ١١٧٠ وهو الآن معد لصلاة الجنازة ، ومن أشهر مساجدها المسجد الذى بناه الخديوى إسماعيل باشا بجهة كوم الشقافة البرانى وأتم بناءه فى سنة ١٢٨٨ وجعله تابعا للأوقاف.