أعلام الفسطاط

عقبة بن عامر الجهني .. صاحب رسول الله (ص)

مسجد سيدي عقبة الموجود في قرافة الفسطاط عند سفح جبل المقطم يرجع إلى صاحب رسول الله (ص) وحامل رايته سيدنا عقبة بن عامر بن عبس بن مالك الجهني حليف الأنصار ، ولد بالحجاز عام 608 م. وتوفي في مصر في عام 678 م. ، أسلم وهو شاب يافع عندما لقي النبي (ص) وهو في طريق الهجرة حيث كان يرعى الغنم في البادية على مشارف المدينة وبايعه على الإسلام والهجرة ..

وبعد غزوة أحد ترك عقبة البادية ولحق بخدمة النبي (ص) يقود راحلته ويحمل رايته وكان من جملة أهل الصفة فحفظ القرآن وروى الحديث وشهد سائر المشاهد ، خرج في فتوح الشام وحمل البريد إلى المدينة ببشارة فتح دمشق ثم ندبه الخليفة عمر بن الخطاب ليحمل كتابا عاجلا إلى عمرو بن العاص يأمره فيه بإتمام المسير إلى مصر إذا كان قد دخلها فوافاه عقبة في العريش وسلمه الكتاب ..

تولى عقبة قيادة ميسرة جيش الفتح ثم قوات غرب النيل ثم شارك في حملة الصعيد ثم تولى قيادة حامية غرب الدلتا وساهم في تأسيس مدينة الفسطاط واستخلفه عبد الله بن أبي السرح على مصر عندما خرج لفتح أفريقية ، انحاز عقبة إلى المطالبين بثأر عثمان وكان وقتها واليا بالإنابة فغادر الفسطاط بعد هجوم الثوار عليها وشهد صفين مع معاوية ثم تولى ولاية مصر لمدة ثلاث سنوات ..

أنشأ عقبة قرية جديدة في غرب النيل وعمرها بالمساكن والبساتين وأطلق عليها منية عقبة (ميت عقبة الحالية بمحافظة الجيزة) ثم قام بفصل قبيلة جهينة عن خطة أهل الراية وجعل لهم ديوانا خاصا بهم فزادت أعدادهم في مصر ، تولى بعد ذلك قيادة الحملة البحرية لغزو رودس حيث يروى أنه أول من نشر الأعلام والرايات على السفن وبسبب شعبيته المتزايدة عزله معاوية بعد المعركة ..

تفرغ عقبة بعد ذلك قرابة عشر سنوات للتدريس والإفتاء في جامع عمرو وتتلمذ على يديه عدد كبير من التابعين ، قال عنه ابن يونس ‏:‏ (كان عقبة قارئًا عالِمًا بالفرائض والفقه صحيحَ اللسان شاعرًا كاتبًا وهو آخِرُ مَن جمع القرآن) ، وقال‏ ابن عبد الحكم :‏ (وليس في الجبَّانة قبرُ صحابي مقطوعٌ به إلا قبر عقبة فإنه زاره الخلف عن السلف ولأهل مصر فيه اعتقاد عظيم ولهم عنه نحو مائة حديث) ..

مسلمة بن مخلد الأنصاري .. والي مصر

في حي مصر القديمة وفي الناحية الشمالية الغربية من جامع عمرو يوجد مسجد مسلمة في تقاطع شارع حسن الأنور مع شارع مسلمة وهي المنطقة التي عرفت قديما باسم سوق مسلمة ، وقد جاء وصف المسجد بدقة في كتاب تحفة الأحباب وبغية الطلاب للسخاوى في القرن التاسع الهجري حيث كانت المنطقة تعرف باسم مذبح الجمل ، وقد بني المسجد فوق الضريح في العصر الأيوبي ..

وينسب المسجد إلى الصحابي مسلمة بن مخلد بن صامت بن نيار الأنصاري من قبيلة بني ساعدة وهي فرع من الخزرج ، ولد في المدينة المنورة عام 618 م. وتوفي في مصر عام 682 م. حيث كان من قادة الفتح الإسلامي ثم عينه الخليفة معاوية واليا على مصر والمغرب معا طيلة خمس عشرة سنة متصلة شهدت توسعا كبير في العمران بمدينة الفسطاط والإسكندرية والمحلة ..

وهو أول من أدخل بناء المآذن في المساجد وزاد في جامع عمرو بعمل الصحن المكشوف وزاد فيه من الناحية الشرقية والشمالية وبنيت في عهده أول كنيسة داخل مدينة الفسطاط في حارة الروم ، وكان مسلمة قد تولى الإشراف على الزراعة وأعمال الطواحين ومقياس النيل في عهد عمرو بن العاص فلما تولى الولاية برزت مهارته في الإدارة وأنشأ مقياس النيل في قرية أنصنا بالصعيد ..

وزاد مسلمة في أعداد الجيش البري والقوات البحرية وانتظمت دورياته في البحر المتوسط حيث قام بصد حملة الروم الكبرى على البرلس واشتبك معهم برا وبحرا ودعم حملة يزيد بن معاوية على القسطنطينية وبنى دارا لصناعة السفن الحربية والتجارية في جزيرة الروضة وطور في ديوان البريد وفي صناعة المنسوجات وواصل التوسع في المغرب بواسطة مولاه أبي المهاجر دينار ..

وهو الذي استقبل سيدات آل البيت بعد معركة كربلاء حيث أبدى ترحيبا بهن وأكرمهن وخصص لهن دارا كبيرة بمنطقة الحمراء القصوى صارت بعد ذلك نواة منطقة درب الأشراف ، وقد عرف عنه الشجاعة والبأس في الحرب خاصة في حصار الإسكندرية كما اشتهر بصواب الرأي واختيار الأكفاء من معاونيه في الشرطة والقضاء إلى جانب التقوى والورع وحسن قراءة القرآن ..

جميل بن معمر .. شاعر مصر والحجاز

من أهم شعراء القرن الأول الهجري جميل بن عبد الله بن معمر العذري القضاعي والمعروف بلقب (جميل بثينة) بسبب قصة الحب المشهورة بينه وبين حبيبته بثينة بنت حيان بن ثعلبة العذرية والتي دارت حولها معظم قصائده الشعرية ، ولد في وادي القرى بشمال الحجاز حيث منازل قضاعة عام 659 م. حيث عاش حياته الأولى التي شهدت قصة حبه ثم وفد على حاكم مصر عبد العزيز بن مروان فأكرمه وأعطاه منزلا في الفسطاط حيث قضى بقية حياته وتوفي فيها في عام 701 م.

ومن أشهر قصائده تلك التي تستهل بقوله (ألا ليت ريعان الشباب جديد .. ودهرا تولى يا بثين يعود) والتي ذكر فيها كلا من وطنه القديم والجديد وذلك في قوله (وما أنس من الأشياء لا أنس قولها .. وقد قربت نضوى أمصر تريد) وكذا في قوله (ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة .. بوادي القرى إني إذا لسعيد) وكذا حوت أشهر أبياته المعروفة في الغزل والتي يقول فيها (يقولون جاهد يا جميل بغزوة .. وأي جهاد غيرهن أريد .. لكل حديث بينهن بشاشة .. وكل قتيل عندهن شهيد) ..

وبسبب قصائده في الغزل نسب إلى بني عذرة مصطلح الحب العذري حيث اشتهرت القبيلة بالجمال والعشق حتى قيل لأعرابي من العذريين : ” ما بال قلوبكم كأنها قلوب طير تنماث – أي تذوب – كما ينماث الملح في الماء ؟ ألا تجلدون ؟ قال : إنا لننظر إلى محاجر أعين لا تنظرون إليها ، وقيل لآخر : فمن أنت ؟ فقال : من قوم إذا أحبوا ماتوا ، فقالت جارية سمعته : عُذريٌّ ورب الكعبة ، وقد عرفت قبية عذرة في كتابات الرومان باسم عذرات وكانت تدين باليهودية قبل الإسلام ..

ويعد جميل واحدا من سلسلة شعراء القرن الأول الهجري حيث كان في أول أمره يعمل راوية للشاعر الحجازي أبي سليمان هدبة بن الخشرم القضاعي صاحب شعر الأمثال والذي كان بدوره راوية لشاعر الهجاء المخضرم أبي مليكة جرول بن أوس العبسي المعروف بلقب (الحطيئة) ، وتتلمذ على يد جميل وروى عنه شاعر آخر مشهور هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود الخزاعي المعروف بلقب (كثير عزة) والذي سار على خطى أستاذه ورحل إلى مصر وعاش في الفسطاط ..

Kairo, Mausol. v. Imam Ash-Shafi’i 1211

الإمام الشافعي .. الشاعر والفقيه

في قلب قرافة الفسطاط ضريح الإمام الشافعي الذي بناه الملك الكامل الأيوبي تزامنا مع إعلان المذهب الشافعي مذهبا رسميا للدولة المصرية وهو الأمر الذي استمر طوال عصري الأيوبيين والمماليك ، والشافعي أشهر من نار على علم فهو واحد من أئمة الإسلام الأربعة ومؤسس علم أصول الفقه ورائد من رواد التفسير والحديث ، ومن أشهر مؤلفاته كتاب الأم وكتاب الرسالة ..

هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب من قبيلة بني المطلب بن عبد مناف القرشية يلتقي مع النبي (ص) من ناحية النسب في عبد مناف بن قصي ، ولد في غزة عام 767 م. وتوفي بالفسطاط عام 820 م. ، رحل إلى مكة والمدينة واليمن وبغداد والتقى شيوخ عصره كما قضى فترة في البادية لدى قبيلة هذيل ليتعلم لغة العرب من منابعها الصافية ..

وفي ذلك يقول الشافعي : «إني خرجت عن مكة فلازمت هذيلاً بالبادية أتعلم كلامها وآخذ طبعها وكانت أفصح العرب أرحل برحيلهم وأنزل بنزولهم فلما رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار وأذكر الآداب والأخبار» ، ولقد بلغ من حفظه لأشعار الهذليين وأخبارهم أن الأصمعي الذي له مكانة عالية في اللغة قال : «صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس» ..

وعندما علم أن أهل مصر منقسمون بين مذهب أبي حنيفة ومالك قال : «أرجو أن أقدم مصر إن شاء الله وآتيهم بشيء أشغلهم به عن القولين جميعاً» فكان ما قال ، وقال هارون بن سعد الأيلي : (ما رأيت مثل الشافعي قدم علينا مصر فقالوا : «قدم رجلٌ من قريش» فجئناه وهو يصلي فما رأيت أحسنَ صلاةً منه ولا أحسنَ وجهاً منه فلما قضى صلاته تكلم فما رأيت أحسنَ كلاماً منه فافتتنَّا به) ..

رحل إلى مصر بعد دعوة من واليها العباس بن عبد الله القرشي ونزل في ديار أخواله من قبيلة الأزد تيمنا بما فعله النبي (ص) في المدينة لما نزل عند أخواله من بني النجار وقال في ذلك (لقد أصبحتْ نفسي تتوق إلى مصرِ .. ومن دونها قطعُ المهامةِ والفقرِ .. فواللـه ما أدري الفوزُ والغنى .. أُساق إليها أم أُساق إلى القبرِ) ، قال فيه الإمام أحمد : «كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس» ..

آل ابن عبد الحكم

بجوار قبة الإمام الشافعي مباشرة توجد مقابر أسرة آل ابن عبد الحكم والتي دفن الإمام الشافعي في مقابرهم لصلته الوثيقة بهم ، وهي عائلة لعبت دورا كبيرا في الحياة السياسية والعلمية خلال العصر العباسي وكانت لهم الصدارة في الفسطاط زمنا طويلا ، وترجع أصولهم إلى مدينة أيلة بساحل العقبة حيث كان جدهم عبد الحكم بن أعين بن ليث بن رافع من موالي أمير المؤمنين عثمان بن عفان ..

نبغ من الأسرة الوالد وأربعة من أبنائه .. أما الوالد فهو عبد الله بن عبد الحكم شيخ المالكية بالفسطاط في زمنه والمتوفي عام 214 هـ ، وكان وجيها غنيا يتمتع باحترام الخلفاء والولاة ، ومن مؤلفاته المختصر الكبير والمختصر الصغير والمختصر الأوسط ورسالة القضاء وكتاب المناسك والقضاء في البنيان ، تتلمذ علي يد الإمام مالك والليث بن سعد وابن عيينة وابن وهب وابن القاسم وأشهب وعاصر الشافعي ..

وابنه الأكبر عبد الحكم بن عبد الله المتوفي عام 239 هـ كان فقيها خيرا فاضلا وكان من أكابر تلاميذ ابن وهب المالكي وعرف بالتقوى والورع وهو من الذين امتحنوا في فتنة خلق القرآن حيث حبس وعذب ، والابن الثاني هو عبد الرحمن بن عبد الله المؤرخ المعروف صاحب كتاب (فتوح مصر وأخبارها) والمتوفي عام 257 هـ والذي دون الفتوحات الإسلامية وأحوال مصر الإدارية وأخبار ولاتها وقضاتها ..

وأما الثالث فهو الإمام محمد بن عبد الله مفتي الديار المصرية وفقيه عصره والذي انتهت إليه رياسة العلم والمتوفي عام 268 هـ ، قال عنه أبو بكر بن خزيمة : “ كان محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أعلم من رأيت على أديم الأرض بمذهب مالك وأحفظهم له ” ، من مؤلفاته أحكام القرآن والرد على الشافعي والرد على أهل العراق والدعوى والبيّنات والسّبق والرمي والكفالة والوثائق والشروط والرجوع عن الشهادة ..

وأما الرابع فهو المحدث سعد بن عبد الله والمتوفي عام 268 هـ وقد روي عن أبيه وعن وهب بن راشد ويحيى بن حسان التنيسي وابن نافع وعبد الملك بن الماجشون وعلي بن جعفر بن محمد وآدم بن أبي إياس العسقلاني ، قال القاضي عياض في كتابه ترتيب المدارك : “ ذكر بني عبد الله بن عبد الحكم وهم أربعة : عبد الحكم وعبد الرحمن وسعد ومحمد ، قال ابن حارث : وكانوا بمصر أربعة إخوة فقهاء علماء ” ..

السيدة نفيسة بنت الحسن

صاحبة المسجد المشهور في الحي المعروف باسمها .. السيدة نفيسة بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب ، ولدت في مكة الكرمة عام 145 هـ وتوفيت في الفسطاط عام 208 هـ ، تزوجت من إسحق المؤتمن بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الإمام الحسين ، تلقت العلم في المدينة المنورة على يد شيوخ التابعين وعرفت بلقب (نفيسة العلم) ..

وصلت السيدة نفيسة إلى الفسطاط في 26 رمضان 193 هـ ورحّب بها أهل مصر وأقبلوا عليها يلتمسون منها العلم حتى كادوا يشغلونها عما اعتادت عليه من عبادات فخرجت عليهم قائلة : « كنتُ قد اعتزمت المقام عندكم غير أني امرأة ضعيفة وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي وجمع زاد معادي وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى » ففزعوا لقولها ورفضوا رحيلها ..

تدخَّل والي مصر السري بن الحكم وقال لها : « يا ابنة رسول الله إني كفيل بإزالة ما تشكين منه » فوهبها دارًا واسعة وحدد يومين في الأسبوع يزورها الناس فيهما طلبًا للعلم والنصيحة لتتفرغ هي للعبادة بقية الأسبوع فرضيت وبقيت ، وقيل أنها حفرت قبرها الذي دُفنت فيه بيديها وكانت تنزل فيه وتصلي كثيرًا وقرأت فيه المصحف مائة وتسعين مرة وهي تبكي بكاءً شديدًا وحجّت أكثر من ثلاثين حجة ..

ولمَّا وفد الإمام الشافعي إلى مصر سنة 198 هـ توثقت صلته بالسيدة نفيسة واعتاد أن يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في مسجد الفسطاط وفي طريق عودته إلى داره وكان يصلي بها التراويح في مسجدها في رمضان وكلما ذهب إليها سألها الدعاء وأوصى أن تصلي عليه السيدة نفيسة في جنازته فمرت الجنازة بدارها حين وفاته عام 204 هـ وصلّت عليه إنفاذًا لوصيته وترحمت عليه ..

وتروي زينب ابنة أخيها يحيى المتوج قائلة : « خدمتُ عمّتي السيدة نفيسة أربعينَ عامًا فما رأيتها نامَت بلَيل ولا أفطرت إلا العيدين وأيام التشريق فقلت لها : أمَا ترفُقِين بنفسِك؟ فقالت : كيف أرفُق بنفسي وأمامي عَقَبات لا يقطَعُهُنّ إلا الفائزون؟ ، وكانت تقول : كانت عمتي تحفَظ القرآن وتفسِّره وكانت تقرأ القرآنَ وتَبكي» ، ومن دعائها :« إلهي و سيدي ومولاي متعني وفرحني برضاك عني ولا تسبب لي سبباً يحجبك عني » ..

السيدة عائشة بنت جعفر .. أم التقى

في حي الخليفة بالقاهرة وفي الشارع المعروف باسمها خارج ميدان القلعة مسجد السيدة أم التقى عائشة بنت جعفر الصادق والتي وفدت إلى مصر في منتصف القرن الثاني الهجري وسكنت في تلك المنطقة حتى توفيت بعد عام واحد من قدومها ودفنت بهذا الموضع ، وقد ظلّ قبر السيدة عائشة حتى القرن السادس الهجري مزارًا بسيطًا يتكون من حجرة مربعة تعلوها قبه ترتكز على صفين من المقرنصات ..

وكانت القبة قد بنيت في العصر الفاطمي ، أما في العصر الأيوبي فقد أنشئ بجوار القبة مدرسة وذلك أنه عندما أحاط صلاح الدين الأيوبي عواصم مصر الإسلامية الأربع (الفسطاط والعسكر والقطائع والقاهرة) بسور واحد لحمايتهم جميعا فصل هذا السور قبة السيدة عائشة عن باقي القرافة فرأى صلاح الدين أن يقيم بجانب القبة مدرسة كما فتح في السور بابًا سماه باب السيدة عائشة المعروف بباب القرافة ..

وقد أجمع المؤرخون على قدوم السيدة عائشة بنت جعفر الصادق إلى مصر ووفاتها فيها ، يقول السخاوي في (تحفة الأحباب) أن السيدة عائشة مدفونة في مصر وأنه عاين قبرها في تربة قديمة على بابها لوح رخامي مدون عليه « هذا قبر السيدة الشريفة عائشة من أولاد جعفر الصادق ابن الإمام محمد باقر ابن الإمام علي زين العابدين ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه » ..

وأعاد بناء المسجد عبد الرحمن كتخدا سنة 1176 هـ/1762م. ثم أُعيد بناؤه مرة أخرى سنة 1971م على ما هو عليه الآن ، وقد ذكر السيد محسن الأمين في كتابه عن أعيان ال البيت «عائشة النبوية بنت الإمام جعفر الصادق توفيت سنة 145 في مصر ودفنت بباب القرافة وكان تسميتها بالنبوية بتمييزها عن عائشة أم المؤمنين أي أنها من ذرية النبي ، كانت من أعبد نساء زمانها وأزهدهن وأنسكهن» ..

وقد تحقق أحمد زكى باشا من وجود جثمان السيدة عائشة بالضريح وقال (المشهد القائم في جنوب القاهرة السيدة عائشة النبوية هو حقيقة متشرف بضم جثمانها الطاهر وفيه مشرق أنوارها ومهبط البركات بسببها) ، وقد كتب على باب القبة : (لعائشة نور مضئ وبهجة .. وقبتها فيها الدعاء يجاب) .. وكتب على الباب القبلى : (بمقام عائشة المقاصد أرخت .. سل بنت جعفر الوجيه الصادق) ..

آل طباطبا

الأثر الوحيد في مصر المتبقي من عصر الإخشيديين هو مشهد آل طباطبا الموجود على الساحل الشمالي لبحيرة عين الصيرة على بعد خمسمائة متر إلى الغرب من مسجد الإمام الشافعي ، وينسب هذا المشهد إلى أسرة السيد إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب حيث يضم عددا من القباب أقيمت فوق أضرحة ذريته وأبناء أخيه ..

وكان إبراهيم طباطبا من المعارضين للعباسيين فهاجرت ذريته إلى مصر ورصد المؤرخون منهم تسعة أجيال متصلة خلال عصر الطولونيين والإخشيديين وأوائل عصر الفاطميين ، وقد بني المشهد على يد محمد بن طغج الإخشيد في القرن العاشر الميلادي تكريما لآل طباطبا الذين كانت بيدهم نقابة الأشراف في ذلك العصر وكانت لهم أهمية سياسية للإخشيد أثناء النزاع بين العباسيين والفاطميين ..

ومن أولاد إبراهيم طباطبا المدفونين بهذا المشهد علي بن الحسن وكانت له مكانة ومقام كبير عند أمراء مصر وتوفي سنة 868م (255هـ). كما دُفن في المشهد الامام أحمد بن علي بن الحسن بن طباطبا وكان من شعراء عصره وكان يسعى في قضاء حوائج الناس لدى أحمد بن طولون ، ودُفن في المشهد الامام عبدالله بن طباطبا وكانت تربطه علاقة وثيقة بكافور الاخشيدي توفي سنة 959م (348هـ) ..

وقد دفن فيه من النساء السيدة خديجة ابنة محمد بن اسماعيل بن إبراهيم بن طباطبا وكانت عابدة زاهدة وهي زوجة عبد الله بن طباطبا وتوفيت سنة 932م (320هـ). ، ودُفن في المشهد من عائلة طباطبا أبو الحسن علي بن الحسن ابن طباطبا المعروف باسم صاحب الحوريّة وأبو محمد الحسن بن علي بن طباطبا سنة 965م (354هـ). كما دُفن به سُليمان بن علي بن طباطبا سنة 1277م (676هـ) وكان من خدام المشهد..

والمشهد عبارة عن مستطيل غير منتظم يبلغ طوله ثلاثين مترا وعرضه عشرين مترا ، وفي نهايته الجنوبية يوجد قبتان وفي الجزء الشمالي الشرقي من سور المشهد يوجد المدخل وإلى يساره يوجد مبنى حديث عبارة عن حجرة مربعة يغطيها قبة وبهذه الحجرة يوجد بئر يغذى المشهد بالمياه ويتصل بجدار حجرة البئر مبنى مستطيل مقسم إلى ست حجرات صغيرة بعضها مربع والآخر مستطيل ..