البرلس والبراري

فتح البرلس

ذكر الواقدي في الجزء الثاني من كتابه ( فتوح الشام ) أن عمرو بن العاص بعد أن فتح مصر أرسل واحدة من السرايا إلى البرلس بقيادة غانم بن عياض الأشعري وأمره علي خمسمائة فارس من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم وأقام فيها حتى توفي ، وضريحه معروف بجوار قرية برج البرلس.

قال المرتضى الزبيدي : ” ذكَرَ أَبو بَكر الهَرَوِيُّ أَنَّ بالبُرُلُّسِ ، اثني عشر رَجلاً من الصَّحابةِ ، لا تُعرَف أَسماؤُهم ، وقد نُسِبَ إليها جماعةٌ من أَهل العِلْمِ، منهم : أَبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ سليمانَ بنِ داوودَ الكُوفِيُّ البُرُلُّسِيُّ الأَسَدِيُّ : حدَّث عن أَبي اليَمانِ الحَكَمِ بنِ نافِعٍ ، وعنه أَبو جعفَرٍ الطَّحاوِيُّ ، وكانَ حافِظاً ثِقَةً ” ، وقال الصاغاني : ” بُرُلُّسُ – بالضمات الثلاث وتشديد اللام – : قرية من سواحل مصر يُنسَب إليها جماعة من أهل العِلم.”

ومن أشعار غانم ـ رضي الله عنه ـ : ( إني إذا انتسب الفوارس أشعري. … قرم همام في المعامع عنتري .. بحماة أبطال الأعادي نزدري. … وبراحتي من القواضب أبتري .. يوم التلاطم للفوارس مسكر. … وأحوم حومات الغزال الجؤذري .. فلأقتلن فوارسًا وعوابسًا. … وأذيقهم مني العذاب الأكبر)

ومن أدعيته في بعض معاركه ـ ضد الرومان ـ : ” يا عظيم العظماء ! أنزل علينا نصرك كما أنزلته علينا في مواطن كثيرة ، وانصرنا على القوم الكافرين ” ، قال واحد: ” فأمنتْ جماعةُ من الأمراء على دعائه؛ فما كان غير بعيد حتى رأيتُ الرجالَ الكفارَ يتساقطون لا ندري بماذا يقتلون ، فلما رأى الرومُ ذلك فروا إلى الباب ، وتبعتهم المسلمون يقتلون ويأسرون “.

وذكر المؤرخون أن الرومان استهدفوا البرلس بعد فتحها كمحاولة منهم لاستردادها والانطلاق منها عبر سواحل مصر لإخراج المسلمين وذلك في عام 53 هـ / 672 م. وذلك في خلافة معاوية بن أبي سفيان فاستنفرت حامية الإسكندرية بقيادة علقمة بن يزيد الغطيفي وعبد الله بن مطيع العدوي.

قال ابن عبد الحكم في كتابه (فتوح مصر وأخبارها) : ” إن عتبة بن أبي سفيان عقد لعلقمة بن يزيد الغطيفي على الإسكندرية وبعث معه اثني عشر ألفا فكتب علقمة إلى معاوية يشكو عتبة حين غرر به وبمن معه قائلا له : إنك خلفتني بالإسكندرية وليس معي إلا اثنا عشر ألفا ما يكاد بعضنا يرى بعضا من القلة .. فكتب إليه معاوية : إني قد أمددتك بعبد الله بن مطيع في أربعة آلاف من أهل المدينة وأمرت معن بن يزيد السلمي أن يكون بالرملة في أربعة آلاف ممسكين بأعنة خيولهم متى يبلغهم عنك فزع يعبروا إليك “.

وقد أبلت الحامية بلاء حسنا في الدفاع عن البرلس حيث فصل ذلك ابن عساكر في كتابه (تاريخ دمشق) فيقول : ” فجاء الصريخ إلى الإسكندرية ـ وكان عليها علقمة بن يزيد الغطيفي ـ أن الروم قد نزلوا البرلس فأغيثوها فاستنفر علقمة الناس إليهم فولى عليهم وردان أبي عبيد مولى عمرو بن العاص فنفر بهم حتى قدم البرلس بجيشه فوجد الروم بها فاقتتلوا قتالاً شديدًا فاستشهد وردان ومن معه وعدد من الصحابة منهم أبو رقية اللخمي وكان على الخراج فاستشهد وعائذ بن ثعلبة البلوى وكان على الخيل فاستشهد “.  

وكان والي مصر في هذه الأثناء هو مسلمة بن مخلد ، وتوفي مسلمة وهو والٍ عليها ، لخمس بقين من رجب سنة اثنتين وستين. كانت ولايته عليها خمس عشرة سنة وأربعة أشهر ، واستخلف عابس بن سعيد عليها ، ومكان هذه المعركة ـ على الأرجح ـ في موضع قرية ” العنابرة ” الآن ، حيث بها عدد من القبور تنسب إلى جماعة من الصحابة.

برج البرلس

في عام 565 هـ / 1169 م. قرر صلاح الدين الأيوبي بناء حصنين على ساحل بحيرة البرلس لصد الغارات المتكررة للفرنجة والروم وأوكل الدفاع عنها إلى قبائل كنانة وعدي وحلفائهم وعرفت منذ ذلك اليوم باسم برج البرلس ، وكانت المنطقة منذ الفتح الإسلامي قد ازدهرت اقتصاديا وعرفت ببلاد الصالحين وذلك لوجود مقابر الشهداء من الصحابة الذين دافعوا عن الساحل ضد غزو الروم عام 53 هـ وهم غانم بن عياض الأشعري وأبو عبيد وردان مولى عمرو بن العاص وأبو رقية اللخمي وعائذ بن ثعلبة البلوي.

وصارت المدينة الجديدة مقرا للدفاع عن الساحل الذي تنتشر عليه القرى العامرة من أول بلطيم وحتى نسترو حيث يقول ابن سعيد المغربي المتوفي 685 هـ : ” وليس في بحيرات الديار المصرية أكثر إيراداً منها ، فقد بلغ في عصرنا خمسة وعشرين ألف دينار مصرية ، وسائر البحيرات المصرية تضمن سبعين ألف دينار وفي شرقيها رباط البرلس ” ، وقال عنها المقريزي : ” البرلس .. هي مدينة كثيرة الصيد في البحيرة وبها حمامات عشر ” ، وقال عنها السخاوي : ” البرلس ثغر عظيم من سواحل مصر ” ..

وذكر ابن فضل الله التكوينات السكانية للمنطقة فقال في كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار : ” عرب مصر : وبدمياط سنبس وهم من الغوث بن طيئ وكان لهم أيام الخلفاء الفاطميين شأن وأيام ، وهم الخزاعلة وجموح وعبيد وحلفاؤهم من عذرة فرقة غير من تقدّم ذكره ومدلج ، وديار هؤلاء من ثغر دمياط إلى ساحل البحر يجاورهم فرقة من كنانة بن خزيمة أتوا أيام الفائز الفاطميّ في وزارة الصالح بن رزّيك ومقدمهم لاحق ومن ولده قاضي القضاة شمس الدين بن عدلان وفرقة من بني عديّ بن كعب ..

وفيهم رجال من بني عمر بن الخطاب ومقدمهم خلف بن نصر العمريّ فنزلوا بالبرلّس وكانوا هم والكنانيون من ذوي الآثار نوبة دمياط ، قلت : ونحن من ولد خلف بن نصر المذكور وهو شمس الدولة أبو عليّ وقد وجد خاصة والوفد الكنانيّ عامة من ابن رزّيك فوق الأمل وحلّوا محلّ التكرمة عنده على مباينة الرأي ومخالفة المعتقد وقد أتيت بذلك مفصّلا في كتاب فواضل السّمر في فضائل آل عمر ، قلت : إنما قدمت هذا الفصل لغرض هو تعلقه بنسبي وقومي الذين أنا منهم “.

وتحتفل محافظة كفر الشيخ بعيدها القومي يوم 4 نوفمبر من كل عام وهو ذكرى معركة البرلس البحرية والتي حدثت في العدوان الثلاثي عام 1956 م. عندما قامت البحرية المصرية بالتعاون مع أهالي البرلس بالتصدي للسفن البريطانية والفرنسية ومنعت نزولهم على البر.

ديار بني عدي

عرفت منطقة البراري المتاخمة لجنوب البرلس باسم ديار بني عدي وهي فرع من قبيلة قريش دخلت مصر مع الفتح الإسلامي وهي عشيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وجاء ذكر منازلهم في الفسطاط ضمن خطة (حارة) بني عدي ومن أوائل من سكن مصر منهم خارجة بن حذافة من قادة الفتح ومعمر بن نضلة ومسعود بن الأسود وإياس بن البكير والسيدة عاتكة بنت زيد ، ومن أعلامها الربيع بن عون والإمام أبو عبد الله يحيى بن عبد الله بن سالم المدني ..

وانتشرت ديارهم في ربوع مصر ومنها قرية بني عدي وهي حاليا أولاد العدوي مركز فاقوس محافظة الشرقية وحصة بني عدي وهي الشرقانة من كفور تلبانة محافظة الدقهلية والعدوية وهي حاليا منشية الكردي مركز كفر الزيات محافظة الغربية وتلبانة عدي مركز إيتاي البارود محافظة البحيرة وقرية بني عدي مركز ناصر محافظة بني سويف ومدينة العدوة بالمنيا وقرية بني عديات مركز منفلوط محافظة أسيوط ..

وكانت تلك البراري هي باديتهم وفيها منازلهم التاريخية ومنها انتشروا إلى كل من قلين وشباس عمير والنحارية في وسط الدلتا وفي البهنسا بالصعيد الأدنى ، ومن فروعهم السادة العنانية في شرق الدلتا وقبيلة الأمارة العمرية في جنوب الصعيد ، وقد تتابعت هجراتهم من الدلتا إلى الصعيد  بعد اضطرابات الشدة المستنصرية ثم عرفوا بسبب ثورتهم ضد اضطهاد الأمير يشبك الداوادار عام 874 هـ في عهد السلطان قايتباي ..

وفي العصر العثماني تسلم الشيخ علم الدين العدوي زعيم بني عدي حكم الصعيد الأوسط وازدهرت قرية بني عدي بمركز منفلوط تجاريا حيث كانت محطة للقادمين من دارفور والواحات وعرفت بصناعة الكليم العدوي ، واشتهرت بالثورة الكبرى ضد الحملة الفرنسية والتي توافق ذكراها العيد القومي لمحافظة أسيوط ، ومن أشهر شخصياتهم التاريخية أبو عبد الله العمري الذي أسس إمارة في أسوان في القرن الثالث الهجري وسيدي مطرف الذي بنى قرية شباس الملح وسيدي سالم العمري بالبرلس ..

ومنهم عائلة العلامة شهاب الدين ابن فضل الله كتاب السر في عهد المماليك ومنهم سيدي محمد ضياء الدين أبو الجيوش العدوي صاحب الضريح المعروف بالإسكندرية والشيخ ابن زين الدين الطنتدائي العدوي وبرهان الدين النحراري العدوي وهما من رجال الطريقة الصوفية الرفاعية بالدلتا ، ومنهم الشيخ علي الصعيدي العدوي مؤسس رواق الصعايدة بالأزهر والشيخ أحمد الدردير العدوي زعيم الثورة ضد المماليك والمعروف بصيحة الاستغاثة الشهيرة : ” يا عدوي “.

البرلس في الخطط التوفيقية

ويشتمل خط البرلس على جملة قرى متقاربة ، واقعة فى الرمال التى بين بحيرة البرلس وشط البحر المالح وفى شرقيها أشتوم البرلس ، وفى غربيها أشتوم برج المعدية ، وقال (بلين) فى بعض مؤلفاته : إن هذا الخط كان يسمى بتنيتو ، وجعله بطليموس بين فرع النيل الغربى وفرع فرموطاق ، ويؤخذ من كلامه أن البرلس مدينة كانت قاعدة هذا الخط ، وكانت تسمى بوطو وكان لها أسقف ، وكان من مدائن هذا الخط مدينة يتمر والتى سميت فيما بعد دمرو ، كما فى تاريخ البطارقة.

وفى دفاتر التعداد أن من هذا الاسم بلدتين فى مديرية الغربية ، وبلاد البرلس الآن من مديرية الغربية ، ومن أشهرها فلبشو الواقعة بآخر الرمال ، منها إلى البحر المالح نحو ثلاث ساعات ، وفى غربيها قربة أبى ماضى بنحو ساعة ، وفى جنوبها كفر الستمونى بنحو ساعتين وفيها أبنية بالآجر والمونة ، وقرية أبى ماضى فى قبلى البرج الحصين المعروف بنمرة خمسة، الذى على شط المالح بنحو ساعتين.

ومن أشهرها أيضا الشهابية ، بوسط الرمال غربى البرج بنحو ساعتين ، وشرقى العباسة بنحو ثلث ساعة ، وناحية العباسة فى وسط الرمال غربى الشهابية بقليل ، وشرقى بلطيم بنحو ساعتين ، وهى غير العباسة التى ببلاد الشرقية ، وبلطيم على شاطئ بحيرة البرلس ، غربى قبة الشيخ مبارك بنحو ساعة ، وفى بحريها ملاحة البرلس ، طولها خمسة آلاف متر ومتوسط عرضها ثلثمائة متر ، وفيها جامع بمنارة ومعمل فراريج ، ولها سوق جمعى.

ومنها كفر يوسف ، به ضريح الشيخ يوسف ، ومنها كفر الحصير بقرب أشتوم البرلس ، وفى قبليه بقليل قبة ولى يقال له الشيخ غانم. ، وعلى شاطئ بحيرة البرلس جملة قباب لجماعة من الصالحين يقال لهم الشرفاء العامرية ، وحول تلك القباب كفور صغيرة تسمى عزب الشرفاء ، وفى كثير من هذه القرى أبنية بالآجر والمونة ، وفيها مساجد عامرة.

ولها نخيل كثير فى الرمال يتصل بعضه ببعض ، على أصناف مختلفة منه السمانى والحيانى وبنات عيش والكبيس ، ويزرع فى رمالها البطيخ المشهور بالبرلسى ، وفيها كروم العنب الأسود والأبيض ، تبلغ الحبة منه قدر بيضة الحمامة مز الطعم ، وكثير من أهلها يصطادون السمك من البحيرة والبحر ، ويعملون منه الفسيخ الكثير ويجلب إلى مصر وخلافها ، وتكسب أهلها منه ومن البطيخ والعنب وتمر النخل.

ثم أنه يظهر أن أهالى بلاد البرلس أو بعضهم عرب قرشيون ، كما يدل كلام المقريزى فى كتابه «البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب» فإنه قال : إن فرقة من بنى عدى بن كعب رهط أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، نزلوا بالبرلس ومقدمهم خلف بن نصر بن منصور بن عبيد الله بن عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وكانوا هم والكنانيون من ذوى الإشارة المذكورة فى نوبة دمياط. ، وخلف هذا هو جد بنى فضل الله بن المجلى بن دعجان بن خلف بن نصر الله ، ولوا كتابة السر لملوك الترك بالقاهرة ودمشق نحو مائة سنة.

بلطيم وإقليم النستراوية

الجزء الساحلي من بحيرة البرلس بقسميه الشمالي والجنوبي ظل طوال العصور الإسلامية إقليما خاصا يتبع العاصمة مباشرة وغير مدرج في نظام الكور أو الأعمال بسبب أهمية موقعه من الناحية الاقتصادية والعسكرية ، وعرفت المنطقة باسم إقليم نستراوة نسبة إلى مدينة نستراوة الساحلية وكانت تضم من أول غربي دمياط وحتى بحيرة إدكو وضمت كلا من منية السعيد (مركز المحمودية حاليا) ومنية بني مرشد (مركز مطوبس حاليا) بالإضافة إلى كل من بلطيم وبرج البرلس ورشيد وإتكو (إدكو الحالية بالبحيرة) ثم في العهد العثماني تم توزيعها بين ولاية الغربية وولاية البحيرة.

وردت في كتاب الانتصار لابن دقماق باسم ثغر نستراوه من نواحي النستراويه حيث قال : ” وهي بلدة بين البحر المالح وبين البحيرة المعروفة بها وهي مدينة ليس بها زراعة وكانت عامرة في الزمان الأول والآن قد غلب الرمل عليها وطم غالب بيوتها وبها جامع ، وقوت أهلها السمك وشربهم من النيل وبينها وبين النيل مسيرة نصف يوم والماء الحلو يأتيهم مجلوبا في المراكب ومغلها السمك ومنه عبرتها أي الرسوم المقررة عليه وكان مقدارها 17500 دينار سنويا وقد وقفها السلطان صلاح الدين على أهل البيوتات من الأيتام والأرامل ثم صار بعد ذلك أن نظار الخواص يستأجرونها من أهلها ويعطونهم أجرتها فضة وقطاره .. “.

وذكر ابن الجيعان مدنها وهي نستراوه والروس والبرلس وسنجار وبلطيم وثغر رشيد وجميعها من أوقاف الخاص الشريف أي الديوان السلطاني ، وبعد بناء برج البرلس على يد صلاح الدين انتقل مركز الثقل إلى الشرق حيث مدينة بلطيم وتراجعت أهمية نستراوه (كوم مسطورة الحالية) ، وقد ذكر ذلك شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة في كتابه تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار المعروف اختصارا باسم رحلات ابن بطوطة فقال :

” وقد جرى ذكر الصالحين أن على مسيرة يوم من المحلة الكبيرة بلاد البرلس ونسترو وهي بلاد الصالحين وبها قبر الشيخ مرزوق صاحب المكاشفات فقصدت تلك البلاد ونزلت بزاوية الشيخ المذكور ، وتلك البلاد كثيرة النخل والثمار والطير البحري والحوت المعروف بالبوري ، ومدينتهم تسمى ملطين وهي على ساحل البحيرة المجتمعة من ماء النيل وماء البحر المعروفة ببحيرة تنيس ونسترو بمقربة منها ، نزلت هناك بزاوية الشيخ شمس الدين القلوي من الصالحين .. “.

البراري .. بيلا والوحال وحامول العرب

إقليم البراري هو الاسم الذي عرفت به المنطقة الشمالية من الدلتا والمتاخمة للساحل الجنوبي لبحيرة البرلس والممتدة جنوبا حتى بداية العمران في أجوار المحلة وسخا وتمتد من شربين وبلقاس شرقا (بلاد الأرز الشرقية) وحتى فوة ومطوبس غربا (بلاد الأرز الغربية) ، واعتمد الاسم لدى الكنيسة القبطية حيث يقال : ” إيبراشية دمياط وكفر الشيخ والبراري وتوابعها ” وكذلك يطلق على دير القديسة دميانة الموجود في المنطقة اسم : (دير البراري).

وكانت في العصور الإسلامية تتبع الأعمال الغربية لكن في الواقع كانت ضعيفة في الكثافة السكانية بسبب طبيعتها الجغرافية حيث الأحراش والمستنقعات ومصبات فروع النيل المختلفة ونسبة ملوحة الأرض العالية فكانت تصلح للرعي الموسمي للأغنام والماشية أكثر منها في الزراعة ، ولذا فإن القرى القديمة فيها قليلة جدا وتتركز في الجنوب بينما نشأت معظم القرى في الأجزاء الشمالية على هيئة تجمعات متناثرة بعد توطن القبائل العربية في المنطقة.

القرى القديمة في الجنوب هي بيولا (بيلا الحالية عاصمة مركز بيلا) ويعني اسمها آخر المسكونة أو نهاية العمران وقرية بشنامونيس (إبشان الحالية) ويعني اسمها التل المرتفع ، أما القرى الجديدة فهي كوم الراقوبة (كوم الحجنة) وتل طوخ (العلامية) والكوم الطويل ومعصرة المحلة (المعصرة) وبساط الأحلاف (كفر العجمي نسبة إلى الشيخ محمد العجمي المدفون فيها) ومحلة أبكم ومحلة أم عيسى (كفر الجرايدة حاليا نسبة إلى ذرية الشيخ سالم أبو جريدة).

وإلى الشمال في منتصف المسافة بين المحلة وبلطيم تأسست قرى محلة يحنس ومحلة نامون (الكفر الشرقي حاليا) وكوم شيخ العرب ثم بجوارها كل من حامول العرب وحامول السعيد وتريان والحلافي الصغرى (عزب الحامول) والتي اتحدت لتكون مدينة حامول العرب أو حامول البراري (مدينة الحامول حاليا) واشتق اسمها من نبات الحامول المنتشر بالمنطقة ، وصارت مركز العمران في إقليم البراري وملتقى المواصلات فيها وعاصمة مركز الحامول.

وفي الغرب تأسست قرى الوزيرية وبقلولة أريمون (بقلولة حاليا) والعاقولة والمربط (العباسية حاليا) ثم انفصلت عنهم عدة عزب في الشمال عرفت باسم الوحال (جمع الوحل نسبة إلى الطبيعة الجغرافية للمنطقة) حيث تأسست لها وحدة مالية مستقلة عام 1932 م. واتسع العمران فيها حتى صارت أكبر قرية في المنطقة وتغير اسمها في العصر الحديث إلى مدينة الرياض (جمع روضة ومعناها الحدائق) وهي عاصمة مركز الرياض حاليا في كفر الشيخ.

أعلام البرلس والبراري

سعدت بالتواصل مع الصديق العزيز وزميل الدراسة الدكتور لؤي أسامة منصور الأستاذ بكلية طب طنطا وعضو نقابة السادة الأشراف حيث تلقيت منه هدية قيمة تستحق الشكر والثناء ، وهي وثيقة هامة تسجل نسب آل منصور الأشراف بالإضافة إلى معلومات غزيرة حول تنقلات القبائل العربية في منطقة وسط الدلتا في الفترة من القرن السابع الهجري وحتى القرن العاشر الهجري.

وقد جاء في الوثيقة كل من البرلس وشباس وبلطيم ومطوبس ومنية المرشد حيث كانت جميعا تتبع الأعمال الغربية في العصر المملوكي ثم تحولت إلى ولاية الغربية في العصر العثماني وضمت كل المناطق الواقعة شمال وسط الدلتا والتي تضم اليوم محافظة الغربية ومحافظة كفر الشيخ والجزء الغربي من الدقهلية الذي يشمل طلخا ونبروه وشربين وبلقاس والبراري.

وذكرت الوثيقة عدة حوادث من زمن السلطان بيبرس تبين دور القبائل في الحروب الصليبية والمغولية كما ذكرت عددا من الشخصيات المعروفة في مجال التصوف مثل السيد أحمد البدوي والشيخ محمد الخشوعي والشريف الإدكاوي وسيدي عيسى أبو الحواجب والشريف نجم الدين جعفر بن السيد علي قريش والسيد أحمد بن الدسوقي منصور وذريته.

وذكرت الوثيقة عدة قرى حظيت بمقام الصالحين فيها مثل محلة الأمير وشرنوب وسمخراط وإدكو بالبحيرة وطحا المرج ونوب بالشرقية والسكرية بالمنوفية وبشبيش وسنباط ومحلة القصب من قرى المحلة والبهنسا وقمن العروس بالصعيد وفارس كور (فارسكور الحالية بدمياط) ، ورحلة المجاهدين من مدينة فاس المغربية إلى الحجاز والشام وعودتهم إلى مصر وتوزعهم في ربوعها.

ورصدت الوثيقة قرار السلطان قايتباي بمنح أوقاف لأتباع الشيخ الخشوعي وحددت معالم الزاوية التي أمر السلطان بإنشائها كرامة للمجاهدين لتكون رباطا دائما لهم ، ثم ذكرت الوثيقة تاريخ التنقل بين بشبيش والبرلس والمحدد بعام 975 هـ ، وذكرت الوثيقة عدة حوادث في كل من فوة وبولاق ترسم معالم علاقة القبائل بالسطات الحاكمة في ذلك الوقت وتبين هيمنة القبائل العربية على المشهد السياسي في العصر العثماني.

معركة البرلس البحرية

في الرابع من نوفمبر من كل عام تحتفل محافظة كفر الشيخ بعيدها القومي الذي يوافق ذكرى معركة البرلس البحرية عندما تصدت القوات البحرية بمعاونة أهالي البرلس للعدوان الثلاثي في عام 1956 م. حيث هاجمت بوارج فرنسية ومدمرة بريطانية مدعومة بطائرات حربية الشواطئ المصرية .. اشتركت في المعركة البارجة الفرنسية “جان بار” وهي أول سفينة مزودة بردار في العالم ..

قاد جلال الدسوقي المعركة من الجانب المصري .. وفي البداية قامت الثلاث زوارق الطوربيد المصرية بعمل ستار الدخان لتقترب بسرعة وبحركات مفاجئة من الوحدات المهاجمة وأطلقت قذائفها في اتجاه البوارج الفرنسية والبريطانية المهاجمة وقامت الوحدات المهاجمة بإطلاق القنابل والصواريخ بكثافة شديدة في اتجاه الزوارق وأشتركت في المعركة طائرات حربية مهاجمة ضد الزوارق ..

انتهت معركة البرلس في دقائق ودمرت المدمرة البريطانية والبارجة الفرنسية ، وقاتل المصريون بدون غطاء جوي حتى آخر طوربيد وحتى آخر زورق الذي قاده مختار الجندي بعد استشهاد أغلب الزملاء فطلب من الآخرين القفز إلى البحر ثم اخترق مدمرة أخرى بسرعة هائلة فأصيبت أصابة بالغة .. وكانت نجاة بعض الجنود المصريون من المعركة مصدراً للمعلومات ..

والنتيجة النهائية للمعركة أن الثلاث زوارق بتسليح بسيط بدون غطاء جوي تصدت لوحدات ضخمة وثقيلة مهاجمة ومدعومة بغطاء جوي ومنعتها من تحقيق هدفها بالنزول إلى البر ، وسجلت البحرية المصرية انتصاراً هو الأقوى في التاريخ على حساب الأسطول الفرنسي والأسطول البريطاني.

وقد استشهد جميع الظباط الا ظابط واحد وسبع بحارة طبقا للبيان الرسمي للبحرية آنذاك .. ومن الشهداء جلال الدين الدسوقي – إسماعيل عبد الرحمن فهمي – صبحي إبراهيم نصير – محمد البيومي محمد زكي من القاهرة ، علي صالح – محمد رفعت – إبراهيم الهندي من الإسكندرية ، مختار محمد فهيم الجندي من دمياط ، جول جمال – سوري الجنسية من اللاذقية ، جمال رزق الله من المنصورة.