المقدمة

” إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده لو غير هذا لكان أحسن ولو زيد كذا لكان يستحسن ولو قدم هذا لكان أفضل ولو ترك هذا لكان أجمل وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر “.

القاضي الفاضل في حديثه إلى العماد الأصفهاني

إهداء

إلى السادة والسيدات الأكارم أعضاء رابطة أبناء العدوي في مصر والوطن العربي .. أعز الله قدركم وشرف منزلتكم وجمعنا وإياكم على الخير والإيمان ..

المقدمة

الحمد لله الذي لا إله إلا هو المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً المتفرد بتصريف الأحوال ‏على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً المتعالي بعظمته ومجده الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً .. وصلوات الله وسلامه على سيدنا محمد الذي أرسله ربه إلى عموم الثقلين هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا .. فقام بالأمر خير قيام وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين ورفع ذكره في العالمين .. فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتبعها إلا كل منيب سالك .. هو سيد ولد آدم ولا فخر خيار من خيار وصفي من دوحة الأصفياء .. وقد جاء في الأثر : ” إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفى من بني هاشم محمدا صلى الله عليه وسلم ” .. وعندما تمت كلمة الله وانتصرت دعوة الحق انتقل الحبيب الكريم إلى الرفيق الأعلى وتسلم الراية هؤلاء الرجال الأماجد من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوه بإحسان وساروا على هديه واتبعوا سنته ولسان حالهم ينطق عنهم قائلا : ” إن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ” .. وهكذا انساحت القبائل العربية إلى العراق والشام ومصر حاملة معها العروبة والإسلام لتكتب أروع ملحمة في تاريخ المنطقة وتسطر آيات الفخر والعزة بما قدمه فرسانهم في ساحة الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الحق جيلا بعد جيل يتوارثون شموخ أجدادهم الفاتحين ويتنسمون عبير المجد في الأولين والآخرين حتى يرث الله الأرض ومن عليها له الحكم وعليه التكلان إنه على كل شيء قدير وهو نعم المولى ونعم النصير ..  

أما بعد ..

فقد سمعت من حضرة صاحب الفضيلة شيخ الإسلام الوالد قدس الله روحه ـ وهو العالم المحقق والأكاديمي المدقق ـ أن أصول عائلتنا ترجع إلى قبيلة بني عدي القرشية المعروفة وأن لقب العدوي قد تم منحه لأجدادنا من عربان وسط الدلتا في العصر العثماني وذلك وفق ما جرت به العادة وقتها بالنسبة لطوائف العرب التي عملت بالرعي ولم تستقر بالقرى إلا في زمن تال .. وكانت الروايات العائلية المتداولة تشير إلى وجود فروع للقبيلة في زمن مبكر ربما يعود إلى ما بعد الفتح الإسلامي بقليل لكن لا يمكن الاستناد في كتابة التاريخ إلا للمصادر الموثقة والكتب المعتبرة لأن أول ذكر للقبيلة في تلك النواحي كان في العصر الأيوبي ضمن القبائل التي شاركت في الجهاد ضد الفرنجة .. وأول من ذكر بكتب التراجم والسير من رجال القبيلة في تلك النواحي هو ولي الله تعالى الشيخ شمس الدين محمد بن زين الدين الطنتدائي النحريري العدوي دفين قرية النحارية مركز كفر الزيات الحالية بمحافظتنا (الغربية) وهو من رجال القرن التاسع الهجري ومن أتباع الطريقة الصوفية الرفاعية .. لكن وجود قبيلة بني عدي في وسط الدلتا في مواضع أخرى أمر معروف ومشهور وموثق لدى كل علماء التاريخ وعلى رأسهم العلامة شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري العدوي والذي رصد وجود القبيلة بفروعها المختلفة في منطقة البرلس شمالي الدلتا في عهد الوزير الفاطمي الصالح طلائع بن رزيك ومن قبلها جاء ذكر القبيلة في كتابات عديدة ترصد وجودهم في جزيرة بني نصر ونواحي دسوق وذلك في مناطق العدوية وقلين وشباس عمير وشباس الملح وأيضا في غرب الدلتا نواحي شبراخيت وتلبانة عدي وخربتا ومحلة حفص ..

وقد كان الوالد رحمه الله يعتز بالانتماء للإسلام أولا وأخيرا فكان لا يلقي بالا لمسألة الانتماء القبلي ويراها مندرجة تحت باب العصبية الجاهلية والتفاخر بالأحساب والأنساب لكنه كان مهتما بالتاريخ بحكم عمله وكان من ضمن مشروعاته ما يتعلق بقبيلة بني عدي ومواضع انتشارها في مصر ودورها في كثير من الأحداث التاريخية ، وكانت بداية هذا الاهتمام في أواخر الثمانينات عندما التقى الوالد مع فضيلة المرحوم الشيخ إسماعيل صادق العدوي في قافلة دعوية تابعة لوزارة الأوقاف في محافظة المنيا وحادثه في مسألة كتابة تاريخ قبيلة بني عدي حيث كان الشيخ إسماعيل يعتز بهذا الانتماء ويجهر به في كل مناسبة على الملأ ويومها قام في المسجد على رؤوس الأشهاد وذكر مناقب بني عدي ثم قال : ” .. ولهذا لن أتحدث إليكم اليوم وإنما سوف أقدم لكم ابن عمي الأستاذ الدكتور محمد عبد العليم العدوي .. ” وفي صوته ملامح الاعتزاز والفخر بتلك القرابة الكريمة ، وفي التسعينات تواصل الوالد مع المؤرخ الكبير الأستاذ الدكتور إبراهيم العدوي عميد كلية دار العلوم الأسبق واتفقا على جمع المراجع المتعلقة بتاريخ القبائل العربية في مصر لكن ظروف سفر الوالد إلى المدينة المنورة حالت دون إتمام الأمر لكنه ترك لي قائمة بأهم المراجع التاريخية والمخطوطات المتعلقة بهذا الشأن وكذلك عددا من الملاحظات القيمة المتعلقة ببعض القرى في الدلتا خاصة ما يتعلق بمساجدها وأوليائها وذلك لرصد التاريخ الشعبي جنبا إلى جنب مع التاريخ الرسمي فيكمل بعضها بعضا ونرى الصورة واضحة جلية.   

وقد صحبت الوالد رحمه الله في إحدى زياراتنا إلى قريتنا محلة حسن مركز المحلة الكبرى بعد أن طلب منه جدي رحمه الله الحضور على عجل بسبب شيء هام حدث أثناء إعادة بناء مسجد (سيدي محمد أبو الرايات) حيث ذهبنا في صباح ذلك اليوم لنجد عددا من موظفي الأوقاف ومفتشي الآثار وبيدهم عملات ذهبية وجدت أثناء نقل الضريح من موضعه إلى مؤخرة المسجد ، تأمل الوالد تلك العملات وهو يقلبها بين يديه وبدت عليه الدهشة ثم ناولني إحداها قائلا : ” هل يمكنك قراءة ما فيها ” .. تناولتها من يده ودققت النظر حيث كانت مستدقة وغير كاملة الاستدارة ومنقوش على أحد وجوهها بالنقش البارز كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فقرأت ذلك بصوت مسموع ثم قلبت القطعة النقدية وأصابتني نفس الدهشة وأنا أقرأ المنقوش على الوجه الآخر حيث ظهرت بوضوح شديد عبارة (عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين) ، وبعد أن تسلمت هيئة الآثار جميع ما وجد في الضريح من موجودات سألني الوالد : ” ماذا تستنتج مما رأيت ؟ ” .. حرت في الرأي ولذت بالصمت فأجاب هو : ” إما أن الضريح أقدم من المسجد وأن صاحب الضريح مات ودفن على الأغلب في الزمن التي كانت تستعمل فيه تلك العملة أي قرب رأس المائة الهجرية الأولى لأن هذه العملات بطل استعمالها في العصر العباسي وفقدت قيمتها أو أن صاحب الضريح كان يحتفظ ببعض العملات على سبيل التبرك كما يفعل بعض الصوفية لكنه أحضرها من مكان يعود إلى نفس الزمن وحضر إلى القرية في زمن المماليك ” وكان المسجد القديم مبنيا على الطراز المملوكي من ناحية العمارة .. وأيا ما كانت النتيجة فإن التأثير الوجداني لتلك العملات لا زال محفورا في قلبي حتى اليوم بل وأشعر بالفخر الشديد لملمس تلك القطع التي نقش عليها اسم الخليفة العادل ..

ومن المعلوم أن منطقة وسط الدلتا عامرة بأضرحة الأولياء وأن هناك ارتباطا كبيرا بين الطرق الصوفية والقبائل العربية خاصة وأن لقب (أبو الرايات) هو قرين لقب (أبو العلمين) الذي اشتهر به كل من السيد أحمد الرفاعي مؤسس الطريقة الرفاعية والتي انبثق عنها أيضا الطريقة البرهانية أتباع السيد برهان الدين إبراهيم الدسوقي دفين مدينة دسوق في دلتا مصر ، وقد لفت نظري دوما وجود عدد كبير من الأضرحة لأولياء غير مذكورين في كتب التصوف ولا في كتب التراجم وهو ما يرجح أنهم لأناس صالحين من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم أو شيوخ العرب عاشوا وماتوا في زمن سابق على نشأة الطرق الصوفية ثم تم اتخاذ هذه القبور مزارات واعتبار أصحابها من الأولياء بعد ظهور الطرق ومنهم على سبيل المثال شبل بن الفضل بن العباس في قرية الشهداء بالمنوفية وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي في قرية صفط تراب مركز المحلة بالغربية وغيرهم ، وكان هذا الأمر مما شغل تفكيري لأن قرية محلة حسن سميت بهذا الاسم قبل العصر الأيوبي على اسم شخص غير مشهور يعرف باسم (سيدي حسن بان) وله ضريح في القرية واشتهر عنه أنه مات شهيدا أثناء الجهاد في سبيل الله حيث لم يرد اسمه في كتب التراجم المعروفة مثله في ذلك مثل سيدي محمد أبو الرايات والذي وجدنا العملات القديمة في ضريحه وكان له حتى وقت قريب مولد معروف في القرية ولا تزال توجد عائلات في القرية تحمل اسم أبو الرايات حتى يومنا هذا.

وكانت تلك المنطقة في زمن الفتوحات الإسلامية مرتبعا لقبائل هذيل وكنانة وحلفائهم من العشائر القرشية ومنها بني عدي ثم بدأت هذه القبائل تستقر تدريجيا في المنطقة أوائل القرن الثالث الهجري بعد أن قرر الخليفة المعتصم إخراج العرب من ديوان الجند وقطع عطاياهم المالية فاضطروا للإقامة في الأقاليم والعمل في الأنشطة الاقتصادية التقليدية مثل الزراعة والرعي والصيد والتجارة ، وقد استمدت تلك المنطقة أهميتها في العصر الأيوبي لوقوعها جغرافيا في منتصف المسافة بين دمياط والقاهرة حيث بنيت بالقرب منها مدينة المنصورة التي لعبت دورا هاما في صد الحملات الصليبية حيث كانت قبائل كنانة وبني عدي من أصحاب الدور الجهادي الكبير وهو أمر معروف ومشهور وكان سببا في توطن تلك القبائل وحلفائها في وسط الدلتا ثم في الدقهلية في المنطقة التي عرفت باسم (حصة بني عدي) ، وقد دفعت الظروف السياسية المتعاقبة إلى انتشار قبيلة بني عدي في مناطق عديدة في مصر منها ديارهم الشهيرة في فاقوس شرقية والتي سكنها فرع قادم من بادية الشام ومنها فروع عديدة في الصعيد استقرت في منطقة البهنسا ثم انتشرت منها باتجاه الجنوب بعد مناصرة الجيوش الفاطمية بالقوة المسلحة للعشائر القرشية ضد جهينة وبلي حيث امتدت ديار بني عدي إلى منطقة الأشمونين والتي عرفت عند المؤرخين باسم (بلاد قريش).

وقبيلة بني عدي تمتاز عن غيرها من القبائل بمشاركتها الدائمة في كافة الأحداث التاريخية خلال عصور مصر الإسلامية فهي موجودة في الفتح الإسلامي من خلال فارس بني عدي خارجة بن حذافة العدوي بطل معركة عين شمس وقائد حملة الصعيد ثم من خلال عبد الله بن مطيع العدوي قائد حامية الإسكندرية واليد اليمنى للخليفة عبد الله بن الزبير ثم الربيع بن عون العدوي الذي كان من وجهاء مصر في العصر الأموي ثم الإمام يحيى بن سالم المدني العدوي والذي تتلمذ على يديه الليث بن سعد ومن بعده كل علماء الفسطاط ، وفي عصر ابن طولون نشهد إمارة أبي عبد الرحمن عبد الله بن عبد الحميد العمري العدوي وفتوحاته في بلاد البجة والنوبة وفي العصر الفاطمي نجد آل طريف العدوي في منازلهم بمنطقة دسوق وقلين ثم نزول القاضي خلف بن نصر العدوي في البرلس وبداية عصر الجهاد مع الناصر صلاح الدين والذي أقطعهم مناطق عديدة في الدلتا لتكون رباطا لهم ثم لمع منهم في مناصب الوزارة ثلاثة أجيال من آل فضل الله العدوي ، وخلال العصر المملوكي والعثماني كان للقبيلة دور كبير في الأحداث السياسية واشتهر منهم عدد كبير من رجال العلم والتصوف أمثال الشيخ خير الدين الرملي والشيخ زين الدين العدوي ومحمد بن عنان العمري وعلي الصعيدي العدوي وأحمد الدردير العدوي وحسن الحمزاوي العدوي من أصحاب الآثار الممدودة والمواقف المشهودة التي سجلها التاريخ بمداد من ذهب.      

وقد كان من نتاج حواراتي المتعددة مع الوالد رحمه الله أن فهمت كثيرا من الغوامض التي أشكلت علي في تاريخ القبائل العربية في مصر ومنها أن مصطلح القبيلة لا يعني العائلة لأن القبيلة قديما وحديثا عبارة عن تحالف واسع يضم عددا من العائلات ذات القرابة المشتركة بالإضافة إلى حلفائهم ومواليهم والمستجيرين بهم بل جيرانهم الأقربين جغرافيا ، ولذلك فإنه غير صحيح أن قبيلة بني عدي الحالية تنحدر من ذرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لأن أسرة الفاروق هي واحدة من أربعين أسرة أو تزيد كانت تتكون منها القبيلة في العصر النبوي حيث ذكر المؤرخون عددا من الصحابة الذين سكنوا الفسطاط وابتنوا لهم دورا بها ومنهم خارجة بن حذافة العدوي أحد قادة الفتح وعبد الله بن عمر بن الخطاب ومسعود بن الأسود ومعمر بن نضلة وإياس بن البكير الكناني العدوي حليف آل الخطاب وكذلك أبناء أبي الجهم بن حذيفة وعبد الله بن مطيع والنعمان بن عدي وسعيد بن زيد وزيد بن الخطاب وعدد كبير من الموالي ، ولذلك احتفظت بعض فروع بني عدي بألقاب العمري والفاروقي والخطابي والحفصي وغيرها بينما احتفظت الأغلبية بلقب القبيلة الأصلي (العدوي) وهو اللقب الأعم والأشمل والأدق في نفس الوقت حيث يشمل كل المنتسبين إلى القبيلة من أبنائها الصلبيين وأيضا من الحلفاء والموالي ومن في جوارهم وذلك على عادة القبائل العربية قديما وحديثا حيث تستمد القبيلة قوتها من عدد أبنائها ومن منعتهم التي تجعل الآخرين يستظلون بظلها ويدخلون تحت لوائها.

وقد استمد هذا اللقب (العدوي) من الانتساب إلى الجد الأكبر للقبيلة وهو عدي بن كعب أحد أباء قبيلة قريش الأقدمين (وهم عم أبي قصي بن كلاب الجد الخامس للنبي صلى الله عليه وسلم) .. ومعنى عدي في اللغة مشتق من الفعل عدا ويقصد به أول من يقوم بمهاجمة العدو ويشير إلى السرعة والعلو والتمكن والفتك ومنه اشتقت كلمة عدوة والتي تعني مكان حدوث الفعل واشتق منها التصغير عدي بضم العين .. وقد حفلت المعاجم العربية بتفسيرات عديدة لمن أراد الاستزادة في هذا الأمر من الناحية اللغوية ، وقد رصد المؤرخون عددا من القبائل العربية تحمل اسم عدي بخلاف قبيلة بني عدي القرشية ومنهم قبائل عدي الرباب (من عبد مناة) وعدي من عقيل (هوازن) وعدي من فزارة (غطفان) وعدي من جشم (هلال) وعدي بن النجار (الخزرج) وأضاف بعضهم (عدي من لخم) وذلك في الجزيرة العربية وغيرها من البلاد العربية لكن ابتداءا من العصر العثماني صار النسب إلى اللقب (العدوي) في مصر قاصرا على قبيلة بني عدي القرشية ، ومن أشهر من تلقب بهذا اللقب من خارج القبيلة المتصوفة المشهورة شهيدة العشق الإلهي السيدة رابعة العدوية وهي عابدة زاهدة من أهل القرن الثاني الهجري تنتمي لأسرة من موالي قبيلة عدي الرباب ونسبت إلى محلة قرب البصرة في جنوب العراق كانت فيها منازلهم ومراعيهم .. ورغم عدم وجود علاقة بينها وبين بني عدي قريش إلا أن شهرتها باللقب تجعل لزاما علينا أن ننوه عن هذا الانتساب والمشاركة في اللقب الكريم.

وعندما طلب مني الأستاذ محمد فتحي العدوي أن نشترك سويا في تأليف كتاب عن قبيلة بني عدي رحبت بالفكرة أيما ترحيب لأن هذا الأمر كان من أجل أمنياتي وأمنيات الوالد رحمه الله لكن العقبة الكبرى كانت في ظروف السفر الخاصة بي حيث البعد عن المراجع لكن الأستاذ محمد فتحي تكفل بتذليل هذه العقبة حيث تولى مهمة جمع المراجع وتصوير المخطوطات والبحث الميداني وجمع الروايات الشفوية من فروع العائلات المختلفة وهو ما سهل مهمتي في إنجاز هذا الكتاب حيث كان دوري قاصرا على الصياغة الأدبية ، وقد كنت في البداية متخوفا من قلة المراجع التي تتحدث عن القبيلة فقررت أن أسلك مسلكا مختلفا وهو أن أبحث في مراجع كل عصر على حدة وأدقق النظر للبحث عن أي إشارة للقبيلة فأرصدها ثم أنتقل إلى العصر الذي يليه وهكذا .. ثم فعلت نفس الأمر مع كتب التراجم والأنساب ثم كتب التصوف والحديث ثم كتب الجغرافيا والقبائل ثم سجلات حصر النفوس وذلك كله جنبا إلى جنب مع المراجع التقليدية التي تتناول تاريخ العصر الإسلامي في مصر ، وقد استعنت بعدد من مواقع الانترنت المعتمدة مثل موقع النسابون العرب ومنتدى الأنساب مع التحري الكامل للمصادر التي نقلت عنها هذه المواقع معلوماتها .. وهو أمر شاق لأنني لأول مرة أكتب في هذا النوع من الكتابة البحثية التي تحتاج إلى مراجع عديدة وتقل فيها مساحة الرأي الشخصي وذلك على خلاف مؤلفاتي السابقة التي كانت متحررة إلى حد كبير من هذا القيد ومعبرة عن التوجه الفكري للمؤلف.

ورغم أنني بذلت جهدا كبيرا في الالتزام بمنهج البحث العلمي ومحاولة الاختصار وعدم الإطالة والتكرار إلا أنني وجدت نفسي مدفوعا بذكر بعض الاستطرادات في أحداث تاريخية معينة كان لها دور في تغيير الخريطة السكانية في مصر أو تأثير  على تحركات القبيلة الجغرافية حيث كانت قبيلة بني عدي واحدة من قبائل قليلة لها إسهام واضح في الأحداث السياسية في كافة مراحل التاريخ الإسلامي ، ولم يقتصر دور القبيلة على الأحداث السياسية الكبرى فقط وإنما كان لأبنائها إسهام كبير في مجالات العلوم الإسلامية حيث نبغ منها عدد كبير من العلماء في مجالات عديدة قديما وحديثا ومنهم أصحاب المؤلفات والمصنفات المعروفة ومنهم من رجال الأزهر الشريف ورجال التصوف والأدب واللغة وأصحاب المواقف السياسية الفاصلة ما يبعث على الفخر والاعتزاز ، وعندما انتهيت من الكتاب وجدت أن الخط العام للموضوعات لم يكتف بذكر تاريخ القبيلة وإنما رصد مسيرتها بوصفها نموذجا للقبائل العربية حيث التأكيد على فكرة العروبة وارتباطها برسالة الإسلام والتأكيد على الهوية العربية والإسلامية من خلال دور القبيلة في الأحداث السياسية وكذلك الإسهامات الفكرية لأبنائها والتي جاءت متسقة مع هذا الخط العام الذي يظهر واضحا للعيان دون تكلف منا أو تعسف.

وأثناء تأليف الكتاب وردت إلي مشاركات وصور مخطوطات وسجلات أنساب من كافة أبناء القبيلة من مصر والوطن العربي حتى صارت لدينا قاعدة بيانات ضخمة جدا تحتاج إلى مجهود كبير في الفرز والتقييم وهو ما لم يتح لنا إتمامه في هذا الجزء من الكتاب وتم إرجاؤه حتى يتسنى لنا الاستعانة بالمتخصصين في علوم الأنساب وتاريخ القبائل واكتفينا بكتابة التاريخ وفق منهجنا الذي شرحناه ، وقد برزت الحاجة إلى التدقيق في تلك المعلومات خاصة ما يمس فروع القبيلة وعائلاتها في العصر الحديث حيث توجد خلافات بين بعضهم البعض وسبب ذلك هو أن بعض الفروع خاصة في الصعيد تظن أنها هي الممثل الوحيد للقبيلة وأن فروعا أخرى لا تنتسب لها مما صنع مشكلات في إثبات أو نفي النسب فرأينا أن نتجاوز عن ذلك ونحيله إلى أهل الخبرة والتخصص ، ومن الأفكار الشائعة عن بني عدي أن الصعيد هو موطن القبيلة الأول ومنه انتشرت إلى بقية المحافظات وهو الأمر الذي تنقصه الدقة التاريخية حيث يحدث عند البعض خلط بين قبيلة بني عدي القرشية وبين قرية بني عدي التي تنحدر من أحد فروع القبيلة فهي جزء صغير حديث الظهور ينتمي إلى أصل كبير موجود في كافة أنحاء مصر منذ الفتح الإسلامي ولعل كتابنا هذا قد رصد هذه التحركات من واقع المراجع المعتمدة وكتابات مؤرخي العصور الإسلامية وعلى رأسهم ابن فضل الله العمري العدوي.

وقد حاولت جاهدا أن أسلك المنهج البحثي الذي سلكه مؤلفا كتاب (التبيين فيمن وطىء أرض مصر من العمريين) وهما الأستاذ خالد عنان أمين عام السجادة العنانية العمرية والأستاذ أحمد فرغل الدعباسي عضو لجنة الأنساب في مشيخة السجادة البكرية الصديقية لأن الكتاب نموذج في البحث العلمي الجاد فلا تكاد توجد فيه عبارة دون ذكر المرجع الذي كتبت عنه ولا معلومة إلا وهناك إشارة إلى مصدرها ، وقد اقتفيت أثرهما في تقيدهما بالمنهج العلمي القائم على المراجع المعتمدة والبعد عن الروايات المرسلة مع تحقيق المخطوطات ودراسة جداول الأنساب دراسة دقيقية وسعدت بالتواصل معهما على الفيس بوك والاستفادة من كتاباتهما التي فتحت لي بابا نحو المراجع المختلفة التي قدمت لي عونا كبيرا أثناء كتابة هذا الكتاب ، ويرجع الفضل في وجود نسخة الكتاب معي إلى الأستاذ محمد فتحي العدوي الذي تكبد عناء إرسال هذا الكتاب فور صدوره مع غيره من المراجع الخاصة بالقبائل العربية من مصر إلى مكان عملي في السعودية كما ساعدني في التواصل مع كافة أبناء رابطة آل العدوي مما سهل مهمتي وأعانني على إتمامها بصورة مرضية حيث خرج الكتاب وقد احتوى على كافة المعلومات التي تيسرت لدي عن القبيلة وتحركاتها في مصر والوطن العربي وانتشار فروعها في البلاد طوال العصر الإسلامي.

وقد حاولت الالتزام بالحياد خلال سرد الوقائع حيث كانت هناك الكثير من شطحات الصوفية التي ربما لا تتوافق مع منهجي في التفكير لكني وجدت نفسي مضطرا لنقلها كما هي بنصها كما جاءت في المراجع وذلك من باب أمانة النقل عند ترجمة عدد من شيوخ القبيلة من أهل التصوف .. ونفس الأمر مع الروايات الشفوية العائلية التي تسرد تاريخ القبيلة من وجهة النظر الشعبية فقد ذكرت هذه المرويات في ثنايا الكتاب طالما لا تتعارض مع المعلومات الواردة في مراجع التاريخ مع ترجيح الموثق منها في الكتب دون غيره ثم إثبات ما يتوافق مه هذه المراجع واستبعاد ما يتعارض معها .. وبالنسبة لكتب الأنساب فقد اجتهدت في التوفيق بينها وبين جداول الأنساب المتواترة عند أبناء القبيلة طالما لا يوجد تعارض كبير بينهما حيث كان عدد من النسابة يقف عند فترة زمنية محددة ويذكر انقطاع نسب فرع معين بينما هو ممتد ومتواصل في روايات القبيلة .. وفي الفصل الأخير شرحت مسألة الحمض النووي ودور الفحوصات الجينية في مسألة الأنساب حيث أكدت على أنها لن تكون حاسمة في هذا الأمر كما يظن الكثيرون بسبب تغير طبيعة الحياة القبلية وتطورها خلال القرون الأخيرة لكنها سوف تلعب دورا شديد الأهمية في تغيير كثير من المفاهيم القومية وتؤكد على إثبات الهوية العربية لأرض الكنانة ..   

وقد جاءت تقسيمة الكتاب معبرة عن الهدف من تأليفه وشملت أربعة أقسام على النحو التالي :

القسم الأول : ويتناول أربعة فصول تحدثت فيهم عن طبيعة القبائل العربية وتاريخها قبل الإسلام وقبيلة قريش تحديدا وفروع بني عدي بن كعب ودور القبيلة في فتح مصر ثم في الأحداث السياسية المتعاقبة في صدر الإسلام والتي تسببت في موجات الهجرة الأولى إلى مصر.

القسم الثاني : ويتناول أربعة فصول تحدثت فيهم عن الدور الجهادي للقبيلة في العصور الإسلامية الأولى والتي شغلت الفترة الزمنية لكل من الدول الطولونية والإخشيدية والفاطمية والأيوبية والمملوكية مع الإشارة للدور العلمي لعلماء بني عدي وذكر بعض مؤلفاتهم.

القسم الثالث : ويتناول أربعة فصول تحدثت فيهم عن الانتشار الإقليمي والمحلي للقبيلة في مصر والوطن العربي خلال العصر العثماني الذي امتد قرابة القرون الأربعة مع الإشارة إلى دور قرية بني عدي في مقاومة الحملة الفرنسية وأهم أعلام القبيلة في القرن التاسع عشر.

القسم الرابع : ويتناول أربعة فصول تحدثت فيهم عن العصر الحديث حيث أعلام بني عدي وأهم علماء الأزهر والتصوف من أبناء القبيلة وكذلك تحدثت عن رابطة أبناء العدوي وإنشاء الجمعية والشخصيات المعاصرة مع التأكيد على دور القبائل العربية في الحفاظ على هوية مصر.

وإننا إذ نقدم هذا العمل للقارىء العربي يحدونا الأمل أن يلقى الإعجاب والقبول سائلين المولى عز وجل أن يتقبل منا جهد المقل وأن يهدينا إلى سواء السبيل ..