بسيون وقطور

نشأة مركز بسيون

في شهر مايو عام 641 م. تمكن مالك بن ناعمة الصدفي من فتح مدينة سايس بعد مقاومة محدودة من حاكمها الروماني إسكوتاوس ، وهذه المدينة هي عاصمة الأسرة السادسة والعشرين وقاعدة القسم الخامس من أقاليم الدلتا الفرعونية واسمها الديني القديم حات نيت ومعناها بيت المعبودة نيت واسمها المدني ساو والآشوري ساي والقبطي سا ومنه اشتق اسمها العربي صا ..

وأقامت الحامية العربية في شرقي المدينة في ضاحية عرفت بعد ذلك باسم محلة اللخمي نسبة لقبيلة لخم التي استقرت في المنطقة والتي عرفت في العصر الفاطمي باسم حوض اللخمي ، وفي العصر المملوكي أدمجت محلة اللخمي مع صا تحت اسم صا وحوض اللخمي ووردت بذلك في كتاب التحفة السنية حيث يقول ابن الجيعان : ” صا وحوض اللخمي مساحتها 1545 فدان بها رزق 49 فدان عبرتها 3428 دينار كانت للمقطعين والآن باسمهم ووقف وملك “.

وفي العصر العثماني اختصرت إلى صا الحجر نسبة لأطلال المعبد القديم الموجود في شمالها ، وقال عنها ابن حوقل في المسالك : ” إن صا مدينة فيها جامع وبيع (متعبدات النصارى) كثيرة وسلطان (نائب الوالي) وحاكم وفيها أسواق وبها حمام العين المعروفة بعين موسى ” ، ونتيجة للتوسع العمراني تأسست في الجنوب الشرقي منها قرية جديدة سميت شبرا صا والتي عرفت بعد ذلك باسم شبرا بسيون (وهي كلمة قديمة تعنى مجرى الماء أو الحمام أو العين المتدفقة) وفي شمالها تأسست بار الحمام وكفر الحمام.

واتسعت أراضيها حتى قاربت على مساحة صا الحجر حيث يقول عنها ابن الجيعان : ” شبرى بسيون مساحتها 3515 فدان بها رزق 211 فدان عبرتها كانت 3000 دينار ثم استقرت 1500 دينار للمقطعين ووقف وملك ورزق ” ، وفي غربيها نشأت على النيل قرية قطابة (القضابة حاليا) والتي سكنها الفقيه محمد بن شيخ الجرجاني المتوفي عام 258 هـ ، وفي العصور التالية تأسست قرى جديدة جاءت في الروك الصلاحي والروك الناصري بسبب نزوح القبائل العربية والمغربية ومن أهمها كتامة وقرانشو وكوم النجار وأبو حمر ومحلة اللبن ومشال والحداد وجناج ومنية أولاد شريف (ميت شريف حاليا) والفرزدق (الفرستق حاليا).

صا الحجر

في الخطط التوفيقية هى : مدينة (سايس) القديمة ، المشهورة بالملوك ، وهى غير (صان الحجر) بالنون بعد الألف التى هى مدينة (تانيس) ، وصا الحجر الآن ، بلدة من مديرية الغربية بمركز كفر الزيات فى شرقى بحر رشيد بنحو ألف متر ، وفى شرقيها ترعة القضابة على نحو ألفى متر ، وأبنيتها باللبن والآجر ، وبها جامعان أحدهما بمنارة وخمس زوايا ، فى إحداها مقام ولىّ يسمى : السيد عيسى حسين ، وبها معمل فراريج.

وفيها بيت مشيد لعبد الرحمن أفندى فائد ، مأمور ضبطية محلة منوف ، وساقية عذبة الماء يبلغ بعد مائها عند انتهاء نقص النيل أربعة أمتار ، وبها جملة أضرحة لجماعة من الصالحين مثل : سيدى شداد ، وسيدى إبراهيم العزب ، والشيخ إبراهيم الرحاوى ، وسيدى عباس بن مرداس رضي الله عنه ، يعمل له بها مولد كل سنة وتنصب فيه الخيام ، وتوقد فيه الشموع ، ويستمر أياما.

وأكثر أهلها مسلمون ، وأطيانها الخراجية ألف وثمانمائة فدان وستة وخمسون فدانا ، والعشورية ثلاثمائة فدان وعشرة أفدنة ، وجميعها تروى من النيل ، وفيها تل متسع هو أصل المدينة القديمة ، فى جهة منه محل يعرف بالربوة مسطحه نحو أربعة آلاف وتسعمائة متر ، غير مسطح باقى التل ، وبه آثار من الأبنية القديمة تظهر بالحفر لنحو أخذ السباخ ، مبنية بالآجر واللبن طول اللبنة نصف متر ، وسمكها ثلاثون سنتيمتر.

ويقال : إنه وجد فى تلولها بالحفر فى سنة ست وثمانين من هذا القرن ثعابين من الذهب الأحمر ، ونقود كبيرة يبلغ حجم دائرتها سبعة سنتيمترات ، وعليها اسم بعض ملوكها باللغة القديمة المصرية. ، وهى إحدى البلاد التى كانت فى سنة تسع وتسعين وألف هجرية ، فى التزام أغات خزندار السلطان محمد العثمانى.

وجعل (ابن حوقل) مدينة (صا) على الشاطئ الشرقى من فرع رشيد فى تكلمه عليه ، وقال : إنها محل إقامة الحاكم ، وفيها جامع من أعظم الجوامع ، وعدة كنائس وأسواق وحمام متين على عين تسمى عين موسى ، وذكر (المقريزى) أن خط (صا) فيه ثلاث وسبعون بلدة غير الكفور ، وذكرها (الإدريسى) في مؤلفاته وجعلها على الشاطئ الشرقى من فرع رشيد ، كما قاله (ابن حوقل) ، وموضعها على ما قاله (استرابون) : فى داخل الأرض على بعد ثلاثة فراسخ من النيل ، وفى بعض عباراته أنها بعيدة عن النيل بقدر شينين ، قال : والشين عبارة عن ستين استادة أو ستة آلاف متر.

وفى دفاتر التعداد أنه كان على الشاطئ الغربى فى مقابلة هذه المدينة ، بلدة تعرف بمحلة (صا) من بلاد البحيرة ، وقد تكلم «المقريزى» فى تقسيم مصر على خط (صا) و (اطليل) فقال: إن بهما ستة وأربعين بلدة.

بسيون

جاء في كتاب القاموس الجغرافي للبلاد المصرية : ” بسيون هي من القرى القديمة اسمها الأصلي شبرا بسيون وردت في قوانين ابن مماتي وفي تحفة الإرشاد وفي التحفة من أعمال الغربية وكذلك في تاريخ سنة 1228 هـ ، ومن سنة 1259 هـ وردت باسم بسيون أي بحذف المصدر وهو اسمها الحالي. ، والظاهر أن هذه القرية كانت تعرف في الدواوين باسم شبرا بسيون وعلى لسان العامة بسيون بدليل أنها وردت بهذين الاسمين في قوانين ابن مماتي وفي تحفة الإرشاد في حرفي الباء والشين ، وقد لاحظت أن كل قرية لها اسمان خاص وعام يذكرها كاتب تحفة الإرشاد باسميها لسهولة الإرشاد.

وذكر أميلينو في جغرافيته قرية باسم شبرا صا ، وبالبحث تبين لي أن شبرا صا المذكورة هي بذاتها شبرا بسيون التي تعرف اليوم باسم بسيون وهي من ضواحي صا الحجر وواقعة في الجنوب الشرقي لها على بعد خمسة كيلومترات “.

وجاء في كتاب الخطط التوفيقية : ” بسيون : قرية كبيرة من بلاد الغربية بمركز كفر الزيات واقعة قبلى فرع القطى الخارج من ترعة الباجورية وشرقى ترعة السلمونية ، وأبنيتها بالآجر واللبن ، وبها جامع الشيخ البسيونى وضريحه به مشهور ، ويعمل له مولد كل سنة بعد مولد سيدى أحمد البدوى ، وجامع الشيخ الأنصارى وضريحه شهير أيضا ، وبها جملة زوايا وأضرحة ، وثلاث جنات مشتملة على كثيرة من الثمار والفواكه ، ومعمل فراريج.

ومنها يوسف المراسى ترقى إلى رتبة قائمقام ، ومحمد أفندى خلف رئيس مجلس كفر الزيات ، وأغلب أهلها مسلمون وعدتهم ذكورا وإناثا أربعة آلاف نفس ، وزمامها ألفان وسبعمائة وأربعون فدانا ، ورى أرضها من النيل ، ولها سوق كل يوم اثنين وشهرتها فى زرع القطن وغيره ، وكان لها شهرة فى نسج الملاآت البسيونية ثم بطل ذلك وبجوارها قرية صغيرة تعرف بمنشأة بسيون بها منزل مشيد لعمدتها عبد الملك أحد أقباطها ، وجنينه لخليل أبى موسى من أهاليها “.

كتامة ولواته في وسط الدلتا

في منطقة وسط الدلتا عدد من القرى تحمل اسم كتامة .. أولها في مركز بسيون محافظ الغربية وكانت تعرف في الماضي باسم منية الكتاميين ثم تحولت إلى كتامة الغابة نسبة إلى حوض زراعي قديم بجوارها يحمل هذا الاسم وذلك للتفرقة بينها وبين قرية كتامة الواقعة في مركز طلخا دقهلية والتي كانت تعرف في الماضي باسم منية الكتامي من الأعمال السمنودية ثم تحولت إلى كتامة الشرقية لتمييزها عن الأولى ..

وفي محافظة المنوفية توجد قرية الكتامية ومناوهله (منى واهله) مركز الباجور بالإضافة إلى عدد من القرى تحمل أسماء القبائل المغاربية التي استقرت في المنطقة مثل زناره مركز تلا وعزبة اللواتي وبني غريان مركز قويسنا .. وفي محافظة الدقهلية أيضا توجد قرية عرفت قديما باسم حصة المغاربة واسمها الحالي الحصص مركز شربين .. وترتبط هذه الأسماء جميعا بقبائل كتامة ولواتة المغاربية ..

وفي محافظة المنيا عدد من البلاد تسمت على فروع قبيلة لواته وغيرها من القبائل المغاربية مثل بني مغاغة وبني مزار وبني علي وبني خيار وبني واللمس وبني وركان وبني غرواس (قرية ملاطية الحالية مركز مغاغه) وكذلك قرية بني شعران في مركز منفلوط بمحافظة أسيوط وقرية مزاته في محافظة سوهاج مركز السلام وقرية مزغونة في محافظة الجيزة وهم فرع من قبيلة زناره من لواته ..

وكانت قبيلة كتامة هي الحاضنة الأولى للدعوة الفاطمية في تونس ثم رافقت جيش جوهر الصقلي وكان لها مقر في القاهرة الفاطمية بجوار الجامع الأزهر عرف باسم حارة الكتاميين وكان منها الوزراء وكبار رجال الدولة في أول حكم الفاطميين .. أما قبيلة لواته فكانت الأكثر عددا والأقوى عسكريا لكنها كانت تميل إلى البداوة حيث استقرت في منطقة الصحراء المحاذية لمحافظتي البحيرة والجيزة ..

وقد لعبت كتامه ولواته دورا كبيرا في الأحداث السياسية التي عصفت بالدولة الفاطمية عندما طردوا من القاهرة بسبب مؤامرات الجنود الأتراك والحرس السوداني فتحالفت لواته مع طيء تحت قيادة الأمير ناصر الدين بن حمدان التغلبي وقاموا بغزو وسط الدلتا وقطع الخطبة للخليفة الفاطمي والدعوة للعباسيين ومنعوا الإمداد عن العاصمة التي صارت معزولة مما تسبب في أحداث وأهوال الشدة المستنصرية ..

ورغم خضوعهم في النهاية للوزير بدر الجمالي بعد هزيمتهم إلا أن وجودهم في مواضعهم الجديدة بالدلتا والصعيد صار أمرا واقعا .. بعد ذلك دب النزاع الشرس بين القبيلتين على مواقع النفوذ وفي صراع المستعلية والنزارية ثم هزمت لواته من الوزير الصالح طلائع بعد ثورتهم عليه مما دعاها بعد ذلك إلى الانحياز لجانب صلاح الدين الأيوبي وكانت عونا له على إنهاء الحكم الفاطمي في مصر ..

كوم النجارين وسلمون الغبار

عدد من القرى المصرية تنتهي أسماؤها بالواو والنون على طريقة كتابة الأندلسيين في العصور الوسطى مثل زيدون وخلدون ، ومن هذه القرى سمدون وشبرا خلفون وسلمون والزنكلون وكفر سعدون ، ويوجد في مصر خمس قرى سميت باسم سلمون نسبة لعشيرة مغربية حملت نفس الاسم وهي سلمون البحيرة بالقرب من النجيلة وسلمون الصعيد بالقرب من الدوير والوعاضلة وسلمون عشما بالقرب من منوف وسلمون القماش بالقرب من دكرنس وسلمون الغبار بالغربية قرب بسيون.

وقد تأسست جوار سلمون الغبار قرية عرفت باسم كوم النجارين نسبة لاسم إحدى العشائر العربية وهي كوم النجار الحالية وذلك في العصر الفاطمي بجوار تل قديم من الأنقاض وأطلق عليها سكانها كلمة كوم التي تعني المنطقة المرتفعة ، وقد وردت باسم كوم النجارين في قوانين الدواوين ثم تتغير اسمها إلى كوم النجار في كتاب التحفة السنية.

أما سلمون الغبار فقد أضيف إليها كلمة الغبار (التراب) تمييزا لها عن سمياتها الأخرى حيث وردت باسم سلمون في قوانين ابن مماتي وفي المشترك لياقوت وفي تحفة الإرشاد وكتاب التحفة السنية ، ثم عرفت باسمها الجديد في كتاب وقف السلطان قايتباي المحرر في سنة 879 هـ وفي دليل سنة 1224 هـ واستمر ذلك إلى الآن.

جاء في الخطط التوفيقية : ” سلمون الغبار : قرية من مديرية الغربية بقسم بسيون شرقى ترعة أم يوسف بنحو ألفى متر ، وفى الشمال الشرقى لناحية شبرى تينى بنحو ألف وثمانمائة متر ، وفى الشمال الغربى لناحية شبرى نطول بنحو ألفين وأربعمائة متر ، وبها جامع وتكسب أهلها من الزراعة المعتادة ، وممن عمته الإحسانات الخديوية من أهلها : حضرة السيد أفندى النجار ، أنعم عليه برتبة بيكباشى بألايات البيادة وهو بها إلى الآن.

كوم النجار قرية : بمديرية الغربية ، بقسم كفر الشيخ واقعة قبلى بحر سيف بنحو ثلاثة آلاف متر ، وفى غربى قرية صرد بنحو ثلاثمائة متر ، وفى شرقى قرية مشال بنحو ثلاثة آلاف متر “.

وفى كتاب «الضوء اللامع» واحد من أبناء سلمون حيث يقول السخاوي : عبيد بن عبد الله بن محمد بن يونس بن حامد السلمونى نسبة لسلمون الغبار بالغربية ثم القاهرى الأزهرى الشافعى الشاعر ، ولد فى رجب سنة أربع وخمسين وثمانمائة بسلمون وقدم القاهرة فقرأ القرآن واشتغل قليلا ، ولازم محمد الطنتدائى الضرير ثم عبد الحق السنباطى وغيرهما ، وحفظ من كلام الصوفية الكثير ، ثم أقبل على الشعر وأكثر من مطالعته ، ولا زال يتدرب بالشهاب المنزلى حتى صقل نظمه ، ومدح الأكابر مثل البدر بن ناظر الجيش والزينى ابن مزهر وغيرهما.

وجاء في كتاب خلاصة الأثر أن منها الشيخ أحمد بن خليل السلمونى الأديب الشاعر ، جامع أشتات المعادن ، المشار إليه بالبنان فى البيان ، مشكور السيرة ، صافى السريرة كان له مهارة جيدة فى فنون عديدة وأشعار أنيقة وكانت وفاته بمصر سنة سبع وثلاثين وألف.

جناج ومنية جناج

تأسست جناج مركز بسيون في العصر الفاطمي على يد المغاربة وتبعتها منية جناج مركز دسوق في العصر المملوكي عام 715 هـ ، جاء في الخطط التوفيقية : ” جناج قرية من مديرية الغربية بقسم صا الحجر واقعة فى شرقى ترعة القضابة بنحو سبعمائة متر ، وفى الشمال الشرقى لصا الحجر بنحو أربعة آلاف متر وفى الشمال الغربى لبسيون بنحو ستة آلاف متر ، وبها جامع بمنارة ومعمل دجاج ونخيل كثير وأكثر أهلها مسلمون ومنها محمد أفندى الجناجى صاغقول أغاسى مهندس ومعاون مأمور مقايسات الانتهائى.

منية جناج قرية بمديرية الغربية بمركز دسوق على الشاطئ الشرقى لفرع رشيد ، وفى جنوب محلة دياى بنحو ألف وثمانمائة متر ، وغربى جناج بنحو ألفين ومائة متر ، وبها جامع بمئذنة ، وفى هذه القرية قتل الأمير أحمد باشا الخائن فى أواخر سنة ثلاثين وتسعمائة “.

وينسب إلى جناج الشيخ محمد الجناجى المولود في جناج سنة 860 هـ ، جاء فى الضوء اللامع للسخاوى بأنه محمد بن على بن أحمد بن سالم بن سليمن البدر الجناجى نسبة لجناج ، ثم القاهرى الأزهرى المالكى ، وربما يعرف هناك بابن وحشى. ، ولد فى سنة ستين أو بعدها تقريبا وحفظ القرآن واشتغل عند داود القلتاوى فى الفقه والعربية، وسمع على الكمال بن أبى شريف وعلى الشاوى وحج غير مرة ، واختص بالشمس الحليمى التاجر ثم بأبى الفتح ابن كرسون ، وسافر معه إلى اليمن فحصل بعض ما ارتفق به وعاد بعد أشهر فى سنة تسع وتسعين واستمر مقيما بمكة يقرئ ولد المشار إليه ومعه جارية يتقنع بها ولا بأس به.

وإلى منية جناج ينسب عالم الرياضيات العلامة المحقق الشيخ محمد بن موسى الجناجى ، قال الجبرتى : كان يعرف بالشافعى ، وهو مالكى المذهب ، تلقى عن مشايخ عصره ، ولازم الشيخ الصعيدى ، وصار مقرئه ومعيدا لدرسه ، وأخذ عن الشيخ خليل المغربى ، والسيد البليدى ، والشيخ يوسف الحفنى، والملوى. وتمهر فى المعقول والمنقول ، ودرس الكتب الدقيقة مثل المغنى لابن هشام ، والأشمونى والفاكهى ، وأخذ علم الصرف عن بعض علماء الأروام ، وعلم الحساب والجبر والمقابلة، وشباك ابن الهائم عن الشيخ حسين المحلاوى، وألف فيها رسائل.

وله فى تحويل النقود بعضها إلى بعض رسالة تدل على براعته فى علم الحساب ، وكان له دقائق وجودة استحضار فى استخراج المجهولات ، وأعمال الكسورات ، والقسمة والجذورات ، وغير ذلك من قسم المواريث والمناسخات ، والأعداد الصم والموازين ، وكتب على نسخة الخرشى التى فى حوزه حواشى ، وكتب حاشية على شرح العقائد ومات قبل إتمامها ، وكتب منها نحو نيف وثمانين كرّاسة.

وتلقى عنه كثير من أعيان العلماء مثل العلامة الشيخ محمد الأمير والعلامة الشيخ محمد عرفة الدسوقى ، والمرحوم الشيخ محمد البنانى ، وكان مهذب الأخلاق متواضعا ، لا يعرف الكبر ولا التصنع ، ويذهب بحماره إلى جهة بولاق ويشترى البرسيم ويحمله عليه ويركب فوقه ، ويحمل طبق العجين إلى الفرن على رأسه ، ويذهب فى حوائج إخوانه ، ولما بنى محمد بك أبو الذهب مسجده تجاه الأزهر تقرر فى وظيفة خزينة الكتب ، مضافة إلى وظيفة تدريس مع المشايخ المقررين ، ومات فى السابع والعشرين من جمادى الثانية سنة ألف ومائتين.

قطور .. أرض الأندلسيين

في المنطقة الممتدة بين المحلة شرقا ونهر النيل غربا استقرت موجات المهاجرين الأندلسيين على فترات متتابعة وانتشروا في القرى القديمة مثل شجانوت (سجين الكوم) ودمات (دماط) وسيشن (شيشين الكوم / الشين) وأبشيه (إبشواي الملق) وسماتاي وخبت التي نشأت بجوارها منية خباطة وأدمجت فيها (خباطة الحالية) ..

ومع اتساع العمران تأسست في العصور الإسلامية قرى جديدة هي أميوط وبلتاج وكفر بوريج (بوريج) وحوين وكوم سملا (سملا) ونشين القناطر (نشيل) وشبرا بلولة وشبرا نباص ومحلة صرد (صرد) ومحلة مسير وكفر سعدان (كفر سعدون) وكوم علي وشبرا بار (كفر أبو جندي) ، وأضيف لهم في العصر المملوكي منية الشاميين (ميت الشيخ) وفي العصر العثماني عطف أبو جندي والعتوة القبلة والبحرية (تم فصلهما من أميوط).

وأكبر قرية فيهم كانت قطور التي تقع في وسطهم والتي اشتق اسمها من التقاطر بمعنى التتابع وهو الاسم الذي أطلق وقتها على الأندلسيين بسبب هجراتهم المتوالية ولذا سميت حارتهم في الإسكندرية بلقطري وفي جوار جامع ابن طولون بالقاهرة درب القطري وفي بولاق حوش القطورية وقد وردت في معجم البلدان أنها مدينة من توابع الغربية وذكر ابن الجيعان أن مساحة زمامها الزراعي يبلغ 2460 فدان.

ومن الشخصيات التاريخية من أبشواي الملق الأديب والمؤلف القاضي بهاء الدين أبو الفتح محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي المحلي (790 هـ ـ 852 هـ) ، ولد في أبشواي وعاش في المحلة والقاهرة وتولى القضاء ، وجاءت شهرته بسبب كتابه (المستطرف في كل فن مستظرف) والذي حوى كثيرا من نوادر القصص الغريبة بأسلوب أدبي شيق وجذاب.

ومن أميوط الشيخ أحمد بن أسد بن عبد الواحد بن أحمد الأميوطي الأصل السكندري القاهري الشافعي ويُعرف بابن أسد شهاب الدين المتوفي 882 هـ ، ومن شيشين الكوم (الشين) الشيخ أبو البركات قطب الدين مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن وجيه بن مخلوف بن صَالح بن جِبْرِيل بن عبد الله الشيشيني القاهري الشافعي المتوفي 855 هـ..

ومن كوم سملا (سملا) الشيخ عبد المعطي بن سالم بن عمر بن الشلبي السملاوى القادري الأزهري المتوفي عام 1127 هـ / 1715 م. وهو محدث وفقيه وأصولي ومتكلم وأديب ، ومن سجين (سجين الكوم) الإمام عبد الرؤوف بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد السجيني الشافعي شيخ الأزهر التاسع والمتوفي عام 1182 هـ..

سجين الكوم

وردت سجين الكوم بمركز قطور باسمها الأصلي سجين في كل من معجم البلدان وقوانين ابن مماتي والتحفة السنية ، وهي من قرى الروك الصلاحي حيث يرجح أن اسمها الروماني شاكانوت لكن لم يستدل على معناه ، وفي تاريخ سنة 1228 هـ عرفت باسم سجين الكوم بسبب أنها كانت تجاور كوم أثري مرتفع أقبل الناس على أخذ تربته لتسميد الأرض فاشتهرت بهذا الكوم وعرفت باسم سجين الكوم.

جاء في الخطط التوفيقية : ” سجين قرية من مديرية الغربية بقسم محلة منوف ، واقعة على الشاطئ الغربى لبحر النظام ، وفى الشمال الغربى لناحية محلة روح بنحو أربعة آلاف وخمسمائة متر ، وغربى ناحية الهياتم بنحو ثلاثة آلاف وثلثمائة متر ، وأغلب أبنيتها بالآجر واللبن ، وبها جامع بمنارة وبدائرها أشجار ، وتكسب أهلها من الفلاحة وغيرها. “.

وجاء فى كتاب «الضوء اللامع» ، للسخاوي واحد من شيوخها حيث يقول : عبد الوهاب بن عبيد الله ابن محمد بن أحمد التاج السجينى القاهرى الأزهرى الشافعى أخو الشهاب أحمد ، ولد فى سنة عشرين وثمانمائة بسجين من الغربية ، وتحول منها قرب البلوغ فقطن الجامع الأزهر وجوّد القرآن وتعلم اللسان التركى ، ثم سمع على الزين الزركشى وابن الفرات والحافظ ابن حجر ، وأخذ العربية على نظام الحنفى والسنهورى ، وقرأ على الشريف النسابة وغيره ، وكان عالى الهمة.مات يوم الأربعاء سابع عشر ذى الحجة سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة ودفن خارج باب البرقية.

وفى تاريخ الجبرتى أنه ينسب لها الأستاذ العلامة شيخ المشايخ محمد السجينى الشافعى الضريرى ، أخذ عن الشيخ الشرنبلالى ولازمه ملازمة كلية ، وأخذ أيضا عن الشيخ الخليل عبد ربه الدوّى وأهل طبقته ، وكان إماما عظيما فقيها نحويا أصوليا ، أخذ عنه كثير من فضلاء الوقت وعلمائه .توفى سنة ثمان وخمسين ومائة وألف.

وذكر الجبرتي أنه ينسب لها الإمام الفقيه والعلامة النبيه شيخ الإسلام وعمدة الأنام الشيخ عبد الرءوف بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد السجينى الشافعى الأزهرى ، أخذ عن عمه الشمس السجينى ولازمه ، وبعد وفاته درس فى موضعه ، وتولى مشيخة الأزهر بعد الشيخ الحفنى وسار فيها بشهامة وصرامة ، إلا أنه لم تطل مدته وتوفى رابع عشر شوال سنة سبع وثمانين بعد المائة والألف ، وصلى عليه بالأزهر ودفن بجوار عمه بأعلى البستان.

واتفق أنه وقعت له حادثة قبل مشيخته على الجامع بمدة وهى التى كانت سببا لاشتهار ذكره بمصر ، وذلك أن تاجرا من تجار خان الخليلى تشاجر مع رجل خادم فضربه ذلك الخادم وفر من أمامه ، فتبعه هو واثنان من أبناء جنسه ، فدخل الرجل بيت الشيخ المترجم ، فدخل التاجر خلفه وضربه برصاصة فأصابت رجلا من أقارب الشيخ يسمى السيد أحمد فمات ، وهرب الضارب فطلبوه فامتنع عليهم ، وتعصب معه أهل خطته وأبناء جنسه.

فاهتم الشيخ المترجم وجمع المشايخ والقاضى وحضر إليهم جماعة من أمراء الوجاقية وانضم إليهم الكثير من العامة ، وثارت الفتنة وأغلقت الناس الأسواق والحوانيت، واعتصم أهل خان الخليلى بدائرتهم وأحاط الناس بهم من كل جهة ، وحضر أهل بولاق ومصر القديمة ، وقتل بين الفريقين عدة أشخاص ، واستمر الحال على ذلك أسبوعا ، ثم حضر على بيك أيضا فى مبادى أمره وذلك قبل خروجه منفيا ، واجتمعوا بالمحكمة الكبرى ، وامتلأ حوش القاضى بالغوغاء والعامة ، وانحط الأمر على الصلح ، ونودى فى صبيحتها بالأمان وفتحت الحوانيت والأسواق.