
الكفور والنجوع والأدب العربي
في القرن الأول الهجري شهدت مصر اهتماما كبيرا بالشعر والشعراء وذلك بفضل الوالي عبد العزيز بن مروان الذي أنشأ مدينة حلوان جنوب الفسطاط وجعلها مقرا لديوانه فقصدها الشعراء وتغنوا بها في قصائدهم ، ومن أشهرهم عبد الله بن قيس الرقيات القرشي وجميل بن معمر العذري وكثير بن الأسود الخزاعي وأيمن بن خريم الأسدي ونصيب بن رباح الكناني وعبد الله بن الحجاج الباهلي.
وفي الفترة التالية صار جامع عمرو بالفسطاط ساحة للأدباء والشعراء المصريين من أمثال سعيد بن عفير الأنصاري والمعلي الطائي والحسين بن عبد السلام الجمل وأبي تمام حبيب بن أوس الطائي والإمام محمد بن إدريس الشافعي ، وفي زمن الطولونيين والإخشيديين شهدت مصر موجة أخرى من الشعراء أشهرهم المتنبي وابن جدار وابن الداية ومنصور الفقيه وابن طباطبا ومنصف بن خليفة الهذلي.
وتميزت العصور الإسلامية المتعاقبة بمساهمة فعالة من الأقاليم المصرية في مجال الأدب والشعر واللغة والتأليف والتي لم تقتصر على العاصمة ، على سبيل المثال لدينا من الإسكندرية تاج الدين ابن عطاء الله الجذامي السكندري مؤلف الحكم العطائية ومن برية البرلس شهاب الدين ابن فضل الله العمري مؤلف موسوعة مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ومن دمياط الشاعر محيي الدين ابن النحاس الدمياطي.
ومن أبناء وسط الدلتا أحد أعلام الشعر والعروض وهو أمين الدين الأنصاري المحلي والشاعر ابن الرعاد العذري المحلي وأبو الحسن ابن جبارة التجيبي المحلي (نسبة للمحلة الكبرى) وزين الدين الطنتدائي (نسبة إلى طنطا) وشهاب الدين السلمي المنصوري (نسبة إلى المنصورة) وعلم الدين السخاوي (نسبة إلى سخا) وبهاء الدين الأبشيهي مؤلف كتاب المستطرف في كل فن مستظرف (نسبة إلى إبشواي الملق).
ومن الشرقية أبو الحسن الحوفي (نسبة إلى قرية شبرا النخلة في الحوف الشرقي) ومن القليوبية أبو العباس الفزاري القلقشندي مؤلف صبح الأعشى في صناعة الإنشا (نسبة إلى قرية قلقشندة) ومن المنوفية الأديب والمتصوف عبد الوهاب بن أحمد الأنصاري الشعراني (نسبة إلى منيل أبو شعرة) ومن البحيرة شمس الدين الدمنهوري (نسبة إلى دمنهور) ومن الجيزة الأديب والكاتب أبو البقاء الترسي (نسبة لقرية ترسا).
ومن بني سويف شاعر المديح النبوي شرف الدين الصنهاجي البوصيري صاحب قصيدة البردة (نسبة إلى أبو صير) وشهاب الدين النويري مؤلف موسوعة نهاية الأرب في فنون الأدب (نسبة إلى قرية النويرة) ، ومن الفيوم الكاتب والمصنف عبر البر بن عبد القادر الفيومي مؤلف كتاب حسن الصنيع في علم البديع ومن المنيا أبو جعفر الطحاوي (نسبة إلى طحا) وشهاب الدين القرافي البهنسي (نسبة إلى البهنسا).
ومن أسيوط جلال الدين السيوطي صاحب المؤلفات الغزيرة في مختلف الآداب والفنون ومن سوهاج أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم الأخميمي المعروف بلقب ذي النون المصري (نسبة إلى أخميم) ومن قوص بمحافظة قنا كل من البهاء زهير وابن دقيق العيد ومن الأقصر بدر الدين الدماميني (نسبة إلى دمامين وهي المفرجية) ومن أسوان كمال الدين الإدفوي مؤلف الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد.
وفي القاهرة لعب ديوان الإنشاء دورا هاما في اكتشاف المواهب الأدبية واللغوية مثل القاضي الفاضل وفخر الدين ابن لقمان ومحيي الدين ابن عبد الظاهر والشاعر جمال الدين ابن مطروح وأبو الفضل محمد بن مكرم الأنصاري المعروف بلقب ابن منظور وهو مؤلف موسوعة لسان العرب والشاعر ابن سناء الملك الذي وضع قواعد الموشحات المصرية من خلال كتابه الهام (دار الطراز في عمل الموشحات).
واتسعت دائرة الأدب العربي في مصر لتشمل عددا كبيرا من المؤلفين الأقباط واليهود منهم ساويرس بن المقفع مؤلف كتاب تاريخ الآباء البطاركة وسعيد بن بطريق مؤلف كتاب التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق والفيلسوف الكبير الرابي موسى بن ميمون (رامبام) مؤلف كتاب دلالة الحائرين والحاخام سعيد بن يوسف الفيومي (سعديا) مؤلف كتاب التاج ويضم شرحا عربيا للنص العبري للعهد القديم.
وإلى جانب كل هؤلاء لدينا كتاب السير الشعبية مثل الشيخ يوسف بن إسماعيل المصري كاتب سيرة عنترة بن شداد وابن الديناري وابن أيبك الدواداري مؤلفي سيرة الظاهر بيبرس والكامل الحافظ أحمد بن عبد الله المصري مؤلف كتاب (قصة المقدم علي الزيبق الذي تفرد بالشطارة والعياقة على جميع من تقدم وسبق) ومعهم مئات الشعراء الذين صاغوا السيرة الهلالية وسيرة سيف بن ذي يزن والزير سالم.
وربما تكون هناك حاجة لإعادة النظر في دور الكفور والنجوع والأقاليم المصرية في الحركة الفكرية والثقافية التي ازدهر فيها الأدب العربي في مصر وتطور باطراد من عهد الفتح الإسلامي وحتى الزمن المعاصر لأنها سوف تكشف عن الكثير من ملامح الحياة الاجتماعية للمصريين ونظرتهم للحياة وذلك من خلال الكتابات المتنوعة والغزيرة والتي يمكن أن نرصدها تحت عنوان جامع هو (تاريخ الأدب المصري).