
العريش ورفح
في سبتمبر عام 639 م. التقى الخليفة عمر بن الخطاب مع القائد عمرو بن العاص في مؤتمر الجابية لمناقشة المسألة المصرية ، وفي نوفمبر التالي أرسل الخليفة إلى القائد كتابا مع شريك بن عبدة البلوي يأمره فيها بالتحرك إلى مصر على رأس أربعة آلاف فارس من قبائل عك وغافق فتحرك من قيسارية سالكا طريق الساحل باتجاه رفح والعريش حيث وافاه الكتاب الثاني بالتعليمات الجديدة مع عقبة بن عامر الجهني في منتصف شهر ديسمبر.
وكانت الحامية الرومانية قد انسحبت من رفح والعريش وتركت المنطقة خالية لذلك قرر القائد عمرو بن العاص قضاء النصف الثاني من شهر ديسمبر في العريش للتعبئة والاحتفال بعيد الأضحى قبل أن يتحرك بعدها إلى الفرما ، وقد كانت العريش في الأصل قلعة رومانية تدعى رينوكورا لكن اشتهرت عند العرب باسم العريش نسبة إلى عريش النخل ، وأما رفح فهي مدينة قديمة تدعى رابوه واسمها الآشوري ربيخي وسماها الرومان رافيا.
يقول الكندى : ” إنه لما أرسل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الكتاب إلى عمرو بن العاص وكان متوجها إلى فتح بلاد مصر صادفه الرسول بالكتاب وهو برفح فلم يأخذه منه ودافعه وسار حتى نزل العريش وقيل له إنها من مصر ، فدعا بالكتاب وقرأه على المسلمين وقال : تعلمون أن هذه القرية من مصر ، قالوا : نعم ، قال : فإن أمير المؤمنين عهد إلىّ إن لحقنى كتابه ولم أدخل أرض مصر أن أرجع وقد دخلت أرض مصر فسيروا وامضوا على بركة الله وعونه “.
جاء في الخطط التوفيقية عن العريش : ” وهى قرية مشهورة فى كتب التواريخ ، ومنها الجد التاسع والثامن لابن عباد ملك الأندلس فارق مدينة العريش إلى الأندلس وسكن بأرض إشبيلية ، ثم إن هذه المدينة ليست قريبة من النيل وطريقها متصل ببورت سعيد ، وقد غطت الرمال التى جلبتها الرياح جميع آثارها القديمة ولم يبق بها سوى قلعة من مبانى الدولة العثمانية ، من سنة اثنتين وستين وسبعمائة على بعد نصف ساعة من البحر الرومى كان القصد منها حفظ الطريق من العريش إلى حدود قاطية وحفظ الكورنتينا وعوائد الجمارك.
ولا يتبع هذه القرية بلاد ، وإنما حواليها جماعة من الباشبوزق تخلفوا من العساكر الذين كانوا قديما محافظين بالقلعة ، وهؤلاء لا كسب لهم سوى صيد السمك والشغل على الإبل ، وحواليها أيضا عرب من قبيلة يقال لها السواركه تفرقوا بطونا فمنهم بطن يقال لهم الدهجانه وبطن الرميلات وبطن الخناصرة وبطن الفرادات ، وجميع هؤلاء العرب لم يشتهروا إلا بصيد الطيور مثل العصفور البلدى والغراب والحدأة والسمانى “.
وجاء في القاموس الجغرافي عن رفح : ” وردت في معجم البلدان رفح منزل في طريق مصر بعد الداروم بينه وبين عسقلان يومان للقاصد مصر وهي أول الرمل من نواحي الجفار وآخر حدود مصر من جهة الشام ، قال : وكانت مدينة عامرة فيها أسواق وجامع بمنبر وفنادق ، وأهلها من لخم وجذام ، بينها وبين غزة ثمانية عشر ميلا ، وأقول : إن رفح اليوم عبارة عن نجع يسكنه العرب ، وبها نقط عسكرية تابعة لمصلحة الحدود وهي واقعة على رأس الحد الفاصل بين مصر وفلسطين من الجهة الشمالية وعلى بعد 45 كيلومترا شرق العريش “.

الطور وسانت كاترين
سميت مدينة الطور في سيناء على اسم الجبل الأشهر في المنطقة والذي ذكر في القرآن عدة مرات في قوله تعالى : ” والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين ” ، وفي قوله تعالى : ” وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين ” ، وقوله تعالى : ” والطور وكتاب مسطور ” ، وفي قوله تعالى : ” وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ” ، وقوله تعالى : ” وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك ” ، وقوله تعالى : ” فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا “.
وأما مدينة سانت كاترين فهي تنسب للشهيدة الكبرى القديسة كاترينا الإسكندرانية التي تعرضت للتعذيب والقتل عام 307 م. بأمر الإمبراطور مكسيميانوس ، وقد تأسس الدير في سيناء في القرن السادس الميلادي تخليدا لذكراها على يد رهبان يونانيين من طائفة من الروم الأرثوذكس في عهد الإمبراطور جوستنيان الذي بنى لهم كنيسة التجلي ، وتضم المنطقة عددا من الكنائس التي بنيت في أزمنة متعاقبة ومسجد فاطمي من القرن الثاني عشر الميلادي ومكتبة تضم كتبًا نادرة و ستة آلاف مخطوطة.
جاء في القاموس الجغرافي : ” الطور : قاعدة قسم سيناء الجنوبي ، هي من القرى المصرية القديمة وردت في كتاب مسالك الأمصار لابن خرداذبة مع القلزم (السويس) وأيلة (العقبة) في كورة واحدة ، وذكر ياقوت في معجم البلدان أن الطور كورة تشتمل على عدة قرى بأرض مصر الشرقية بالقرب من جبل فاران (بشبه جزيرة سينا).
وذكر بعض مؤرخي الإفرنج أن الطور كانت تسمى قديما رايتو وهذا خطأ لأن رايتو بلدة أخرى غير الطور يسميها العرب الراية وقد ذكرهما كل من ابن قدامة والقضاعي والدمشقي في كور مصر باسمي الطور والراية ، وقد اندثرت الراية ولا تزال أطلالها ظاهرة جنوبي الطور وعلى بعد ثمانية كيلومترات منها.
وأما الطور فهي الآن قرية صغيرة على الشاطىء الغربي لشبه جزيرة سينا في الجهة الجنوبية الشرقية من خليج السويس بينها وبين السويس 240 كيلومترا ، وهي اليوم مركز قسك سينا الجنوبي أحد أقسام محافظة سينا ، وبها الآن محجر صحي (كورنتينا) يمر عليه جميع الحجاج العائدين من الحجاز إلى مصر عن طريق البحر الأحمر بعد أداء فريضة الحج حيث يكشف عليهم صحيا منع نقل الأمراض الوبائية إلى مصر.
الدير : هو دير القديسة كاترين (سانت كاترين) الواقع عند جبل موسى بين جبال شبه جزيرة سينا ، ويقال إن هذا الجبل هو الذي وقف عليه سيدنا موسى وكلم فيه ربه جل جلاله ، ويقع هذا الدير على الخريطة في الشمال الشرقي من بلدة الطور وعلى بعد 88 كيلومترا على خط مستقيم ولا يوجد بهذه البقعة إلا الدير وليس حوله سكن غيره “.

قبائل سيناء
جاء ذكر سيناء في القرآن الكريم في موضعين الأول باسم سيناء في قوله تعالى : ” وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين ” ، وباسم سينين في قوله تعالى : ” والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين ” ، وسكنت في سيناء قبيلة جذام التي كانت تشكل إمارة كبيرة في مدين ومعان والبلقاء والنقب وسيناء حيث أسلم حاكمها فروة بن عمرو الجذامي بعد غزوة مؤتة وكذلك قبيلة لخم التي كانت أول من لحق بجيش الفتح عند برزخ السويس.
وكل من قضى فترة في سيناء للعمل أو السياحة أو الخدمة العسكرية يستطيع بسهولة تمييز اللهجة الدارجة للعرب هناك وفهم ألفاظها بوضوح .. وهذه اللهجة هي المعروفة باسم (اللهجة البدوية) والتي تنتشر في نطاق جغرافي محدد يشمل النصف الشمالي من محافظة البحر الأحمر وشبه جزيرة سيناء وصحراء النقب ومنطقة البلقاء ومعان في بادية الشام ومنطقة تبوك ومدين في شرق خليج العقبة ..
وهذه اللهجة تتشابه مع لهجات وادي النيل الدارجة في أشياء تختلف عنها في أشياء أخرى .. تتشابه في نطق حرف ق على هيئة جيم قاهرية حنكية وكذلك تبدل الهمزة في وسط الكلمات بحرف العين مثل بعض اللهجات الصعيدية فيقول سعل بدلا من سأل ويميل الكلمات الجوفاء مثل قولهم ذيب بدلا من ذئب ويسقط الهمزة الممدودة أواخر الكلمات فيقول صحرا بدلا من صحراء ..
أما أوجه الخلاف فهي محافظتهم على الحروف اللثوية (ث ذ ظ) منطوقة بوضوح شديد بإخراج اللسان فيها على عكس باقي اللهجات التي تحولها إلى (س د ز) وكذلك في طريقة نطق حرف ض حيث يتحول إلى حرف ظ مثل نطق اللهجات النجدية وكذلك في نطق حرف ج بالتعطيش الخفيف مثل اللهجات الشامية كما أن هذه اللهجة احتفظت بنون النسوة في صيغة المتكلم والمخاطب ..
ويتحدث بهذه اللهجة قبائل سيناء وهي السواركة والترابين والمساعيد والعيايدة والحويطات ومزينة والمعازة والحيوات والصوالحة والقرارشة والعليقات والتياها والصفايحة والسماعنة والرميلات والبياضية والعقايلة والرياشات .. ومعظم هذه القبائل ترجع لأصول قحطانية (من عرب الشمال) ولها امتدادات في الدلتا والصعيد وكذلك في الأردن وفلسطين وشمال الحجاز ..
ويستثنى من ذلك مجموعة سكانية تعرف باسم (العرايشية) ولهم لهجة خاصة بهم قريبة من لهجات الحضر وهم أحفاد العائلات البوشناقية التي كانت في الماضي تشكل قوام الحامية العسكرية التي سرحها محمد علي فاستقرت في المدينة ومن أهمها عائلات أولاد سليمان والكاشف والشوربجي والأغا والمماليك والنخالوة والفواخرية وآل كريم (وكانت فيهم عمودية العريش في الماضي) ..

نجوع سيناء في كتاب القاموس الجغرافي
الثمد : هي نقطة عربان واقعة في جبال شبه جزيرة سينا في الجنوب الشرقي لقرية نخل وعلى بعد 65 كيلومترا وهي واقعة على طريق الحج القديم بينها وبين العقبة 75 كيلومترا وعلى خط مستقيم ، القصيمة : هي نقطة عربان واقعة بقرب الحد الفاصل بين مصر وفلسطين جنوبي رفح وعلى بعد 70 كيلومترا منها ومبينة على الخريطة العربية (القسيمة).
الكنتلا : هي نقطة عربان واقعة بقرب الحد الفاصل بين مصر وشرق الأردن في شمال العقبة وعلى بعد 60 كيلومترا منها ومبينة على الخريطة العربية (الكنتلة) وبها نقطة من عساكر الحدود لحفظ الطريق ، الحسنة : هي نقطة عربان في منتصف الطريق بين العريش ونخل وعلى بعد 70 كيلومترا جنوبي العريش ومبينة على الخريطة العربية (الحسانة).
أبو سقل : هي عبارة عن نجع واقع على شاطىء البحر الأبيض المتوسط في الشمال الشرقي للعريش وعلى بعد ثلاثة كيلومترات منها ، المساعيد : هي نجع واقع على شاطىء البحر الأبيض المتوسط غربي العريش وعلى بعد ست كيلومترات منها ولم ترد في تعداد سنة 1937 ، الشيخ زويد : هي قرية صغيرة واقعة على السكة الحديدية بين العريش ورفح على بعد 32 كيلومترا من الأولى و 15 كيلومترا من الثانية وبينها وبين البحر الأبيض المتوسط ثلاثة كيلومترات.
أبو زنيمة : هو اسم يطلق على رأس من رؤوس شبه جزيرة سينا الواقعة على خليج السويس وقد أقيم عند هذه الرأس مجموعة مساكن مخصصة لإقامة عمال شركة استخراج المنجنيز من منجم أم بجمة الواقع على بعد 30 كيلومترا من الرأس المذكورة فعرفت هذه المساكن باسم أبو زنيمة لوقوعها في المكان المذكور ، وتقع نقطة أبو زنيمة على الجانب الشرقي من خليج السويس وعلى بعد 135 كيلومترا جنوبي السويس على خط مستقيم.
المنشية : هي مجموعة مساكن مستجدة بجوار مسكن ناحية الطور عرفت بالمنشية لحداثة مبانيها ، الوادي : هو نجع واقع في شمال ناحية الطور وعلى بعد خمسة كيلومترات منها وفي الشمال الشرقي لحمام موسى على بعد كيلومترين ، جبيل : هو نجع واقع على الشاطىء الشرقي لخليج السويس جنوبي ناحية الطور وعلى بعد خمس كيلومترات منها.
أم بجمة : هو اسم يطلق في صحراء شبه جزيرة سينا على مكان صحراوي ، وقد أقيم في هذا المكان مجموعة مساكن مخصصة لإقامة عمال شركة استخراج المنجنيز ، عرفت باسم أم بجمة الذي به معدن المنجنيز ، وأم بجمة هذه واقعة في الجنوب الشرقي لأبو زنيمة وعلى بعد 30 كيلومترا منها ، الشط : اسم يطلق على قرية على قرية صغيرة واقعة على الشاطىء الشرقي لخليج السويس في أول القنال من الجهة القبلية تجاه مدينة السويس.

عيون موسى
جاء في القاموس الجغرافي : عيون موسى هو اسم لنجع يجاور عدة عيون من الماء النابع مجتمعة في نقطة واحدة بشبه جزيرة سيناء على الطريق الموصلة بين ناحية الشط وناحية أبو زنيمة وعلى بعد 500 متر من الشاطىء الشرقي لخليج السويس وعلى بعد 20 كيلومترا جنوبي ناحية الشط الواقعة على الشاطىء الشرقي للخليج المذكور تجاه مدينة السويس ، حمام موسى : هي نقطة واقعة في شمال الطور وعلى بعد أربع كيلومترات منها وبها حمام كبريتي يقال له حمام موسى نسبة إلى سيدنا موسى عليه السلام.
وجاء في الخطط التوفيقية : قال بعض من وصف تلك الجهة إن العيون التى كان ينتفع بها أهل مدينة السويس بعيدة عنها بمسافات مختلفة ، فعلى ستة آلاف متر توجد بئر السويس، وهى مستعملة لشرب الحيوانات غير الآدميين لملوحتها ، وعلى تسعة عشر ألف متر فى شمال السويس بئر عجرود ، عمقها سبعون مترا وعلى سبعة آلاف متر تجاه السويس ، فى الجهة الشرقية عين غرقدة ، وفى الشرق أيضا على ستة عشر ألف متر عين تعرف بعين بهوق ، عندها مجرى ماء قديم تدل آثاره على أنه كان واصلا إلى السويس.
وعلى نحو عشرة آلاف متر فى الجهة الغربية عين تعرف بعين الهضب ، وعلى ستة وثلاثين ألف متر فى أسفل جبل أبى دراجية عين عذبة الماء غزيرة ، وبين أبى دراجية وجبل عتاقة توجد مياه بكثرة ، وهناك أثر سواق ومحل زراعة ، وفى ضواحى السويس توجد آثار حيضان من البناء فى أواخر الأودية ، تدل هيئاتها ومواقعها على أنها كانت تملؤهن الأمطار للانتفاع بها.
وعلى بعد أربع ساعات من السويس فى بر بلاد العرب عيون موسى ، وممن تكلم عليها الدكدور اجوس فى سياحته قال : خرجت من السويس فى وقت الجزر فجزت إلى البر الآخر على الهجن ، فوصلت إلى عيون موسى وهى خمس عشرة عينا ، بعضها مردوم ، وبعضها ينبع ماء يجرى على الأرض، ويجلب معه موادّ رملية يتكوّن منها ، ومن الحشائش الثابتة عليها حول كل عين كثيب يسيل الماء من أعلاه ، قال : وشاهدت أن مجاريها متكوّنة من موادّ مندمجة ، وكلما علا الكثيب حولها زاد الضغط على جدران المجرى حتى يبطل التوازن بين دفع الماء ومتانة الجدران فينفجر المجرى من محل آخر وينسد الأول ، وحرارة الماء الخارج منها تختلف من ست عشرة درجة إلى عشرين ، فإذا برد كان سائغا للشرب مع بعض ملوحة.
قال : وفى سنة ١٥٣٨ ميلادية زمن السلطان سليمان الثانى اجتمعت مراكب البندقانيين مع مراكب العثمانية ، واتحدوا على حرب البرتغالين ، وكانت التجارة قد اتبعت طريق عشم الخير ، وتركت طريق مصر ، فعمل البندقانيون عند عيون موسى مجاري من البناء ؛ لتوصيل مائها إلى حوض عملوه على ساحل البحر الأحمر ؛ لينتفع به أهل مراكبهم ، وبعد العيون عن ساحل البحر نحو خمسمائة متر ، وآثار المجرى والحوض باقية إلى الآن ، انتهى.
وفى وصف بعض من كتب على هذه الجهة أن عند عيون موسى خمسة بساتين تسقى منها ، بها النخل والرّمان وشجر الزيتون والأزهار والأثل ، ويزرع هناك بعض أنواع الخضر ، ويكون السقى إما بالراحة وأما بواسطة آلة ، ولطيب الهواء هناك واعتداله يذهب إليها أهل السويس من المرضى وغيرهم ؛ فيرون خفة ونشاطا ، قال : وفى شمال عيون موسى عين غرقدة ، ويليها وادى التيه حيث تاه بنو إسرائيل ، وفيه جملة أعلام يستدل بها محمل الحج الشريف على الطريق صعودا وهبوطا ، وفى غربيه الترعة المالحة الجديدة ، عليها كبرى متين تمر عليه القوافل ، وفى غربى ذلك بئر عجرود ، يحط عندها محمل الحج فى أرض مجدبة ينبت فيها الحنظل وبعض حشائش ترعاها الإبل ، ويرى فيها أثر الغزلان والضباع والأرانب ، انتهى.

نخل وطريق الحج البري
تأسست مدينة نخل في وسط سيناء لتكون المحطة الأهم في طريق الحج البري حيث تتوسط المسافة بين السويس والعقبة ، جاء عنها في القاموس الجغرافي : ” نخل بإمالة النون وكسر الخاء أصل اسمها نخر بفتح النون وكسر الخاء ثم حرفت إلى نخل ، وقال أبو عبيد البكري : وبطن نخر منهل من مناهل الحاج وهي قرية ليس بها نخيل ولا شجر يسكنها نفر من الناس ويقال لها بطن نخل ، ووردت في معجم البلدان لياقوت نخل موضع قديم بشبه جزيرة سينا في طريق الشام من ناحية مصر.
وكانت نخل محطة من محطات طريق الحج في الزمن السابق وبها آبار ماء عذب وهي اليوم نجع صغير واقع في وسط جبال شبه جزيرة سينا بقسم سينا المتوسط التابع لمحافظة سينا بالصحراء الشرقية ، وتقع نخل شرق مدينة السويس على بعد 120 كيلومترا منها على خط مستقيم وبها نقطة بوليس من عساكر مصلحة الحدود لحفظ الأمن بتلك الجهة “.
وجاء في الخطط التوفيقية : ” ثم يسير صباحا إلى بندر نخل ، فى طريق سهلة ذات أشجار من العبل ، فيصل إليها بعد سير اثنتى عشرة ساعة ، ونخل بكسر النون والخاء من المحطات القديمة للحاج ، وهى قرية صغيرة أبنيتها طبقة واحدة من الطوب ، ليس فيها مساجد وفيها ضريح عليه قبة للشيخ النخلاوى وبجواره جبانة.
وفى بحرى القرية قلعة حصينة مبنية بحجر الآلة ، ولها أبواب من حديد وبها مدافع وعساكر طوبجية وبيادة وناظر ووكيل ، وبها مخازن لتعيينات الحاج فيها من كل الأصناف ، وبها مسكن للمستخدمين وبها سوق دائم يباع فيه الأقمشة والحبوب المجلوبة من بندر السويس ، وفواكه تجلب من ناحية غزة ، ويوجد بها البطيخ والجبن والسمن والغنم وغير ذلك.
والأثمان بها مرتفعة عن أثمان المحروسة بنحو الثلث ، وملبوس أهل تلك الجهة الثياب البيض وأحرمة الصوف والكوفيات والعباءات الشامية وقلانس الصوف. ، وملبوس النساء قريب من ملبوس نساء مصر. ، فيقيم بها ليلتين لأخذ العليق والمياه من بئر القلعة التى هى عبارة عن ساقية، تديرها أربعة أثوار معدة من طرف الميرى، فتملأ ثلاثة أحواض كل حوض يسع ألفى قربة.
ثم يسير إلى أن يصل إلى محطة القريص وتعرف عند الحاج بمحطة بئر أم عباس نسبة لوالدة المرحوم عباس باشا لإجرائها بعض إصلاحات فى بئرها ، وهى بئر متسعة مبنية بالآجر والحجر وبعد مائها عن سطح الأرض أكثر من سبعة أمتار وعمق الماء فوق منبعه نحو ستة أمتار ، وهو ماء عطن لا يصلح إلا لشرب الإبل ونحوها ، وبجوارها حياض واسعة مخفقة لكنها فى الغالب فارغة من الماء لعدم من يملؤها ، وليس هناك بيع ولا شراء ولا عرب.
ومن نخل إليها مسيرة اثنتى عشرة ساعة فى طريق بين جبلين بها شجر العبل ، وكانت المحطة فى السابق فى محل بقرب القريص يقال له وادى الفيحا كما فى الدرر المنظمة ، ثم يرتحل من القريص صباحا فيصل بعد سبع ساعات إلى مقطع يقال له قطع ابن واظ صعب المسلك جدا تنزل منه الجمال جملا جملا لضيقه ، وبعد تجاوزه تضرب المدافع وتلعب العرب على الخيول ويكون موكب عظيم إلى أن يصلوا إلى محطة العقبة “.

قطيا والجفار
الجفار هو الاسم القديم للمنطقة الصحراوية التي تحاذي ساحل بحيرة البردويل وكانت تنتشر فيها محطات لخدمة الطريق البري بين مصر والشام ، ورد في معجم البلدان أن الجفار جمع جفرة وهي سعة في الأرض مستديرة والجفار من مسيرة سبعة أيام بين فلسطين ومصر أولها رفح من جهة الشام وآخرها الخشبي من جهة مصر متصلة برمال التيه وهي كلها رمال سايلة وسميت الجفار لكثرة الجفار بأرضها والجفر البئر القريبة القعر الواسعة لم تطو ولا شرب لسكانها إلا منها.
وفي الجادة السابلة أي الطريق الموصلة إلى مصر عدة مواضع عامرة يسكنها قوم من السوقة للمعيشة على القوافل وهي رفح القس الزعقا العريش الورادة قطية ، وفي كل موضع عدة دكاكين يشتري منها كل ما يحتاج المسافر إليه ، وورد في الانتصار أن الجفار هو المعروف برمل مصر وبه منازل للسفارة وأشهرها قطية ثم الورادة وبهما سكان ونخيل ، وتمتد الجفار حتى الخشبي وهي اليوم عزبة أبو خشيبة بجوار أبو صير بالإسماعيلية.
جاء في القاموس الجغرافي : ” قطية : من نواحي الجفار ، يستفاد مما ورد في معجم البلدان لياقوت وفي الانتصار لابن دقماق وفي كتاب الحقيقة والمجاز للشيخ عبد الغني النابلسي أن قطية وتكتب أيضا قطيا هي قرية من نواحي الجفار في الطريق بين مصر والشام وفي وسط الرمل قرب الفرما وبها جامع ومارستان وبها والي طبلخاناه مقيم لأخذ العشر من التجار وبها قاض وناظر وشهود ومباشرون ولا يمكن أحد من الجواز من مصر إلى الشام وبالعكس إلا بجواز مرور فهي مزم الدرب ولا يمكن الدخول إلى مصر إلا منها وكان قديما مكان أخذ المكس من القادمين إلى مصر.
وأقول وقد اندثرت هذه القرية ولم يبق إلا أطلالها في الطريق بين القنطرة والعريش في الجنوب الشرقي من محطة الرمانة وعلى بعد عشرة كيلومترات منها ، الروماني : هو نجع واقع على السكة الحديدية الموصلة بين مصر وفلسطين وبها محطة للسكة الحديدية واقعة في الشمال الشرقي للقنطرة وعلى بعد 45 كيلومترا منها واردة في جدول الداخلية (الرمانة) وفي جدول السكة الحديدية (رمانة) وكلاهما خطأ صوابه روماني “.
وجاء عن قطيا في الخطط التوفيقية : ” قطية : فى «تقويم البلدان» : إنها على بعض يوم من الفرما ، وقال خليل الظاهرى فى كتابه : (زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك) أن قطية ليست من الأقاليم وإنما هى بمفردها وهى مزم الدرب حتى لا يمكن التوصل إلى الديار المصرية إلا منها ، وبها حرسية ونخيل كثيرة ، ولها مينا وهى الطينة على شط البحر المحيط ، وعمر هناك الملك الأشرف – تغمده الله برحمته – برجين ، ويصب من هناك فرقة من بحر النيل ، انتهى.
وفى (رحلة النابلسى) : قطية – بفتح القاف بعدها طاء مهملة ساكنة – هى مكان أخذ المكوس من كل من يمر من ذلك الطريق ، فيأخذ الكاشف من جهة الأجناد المصرية خفارة الأموال والخيل والدواب التى للتجار وغيرهم ممن يمر فى تلك البرية ، قال السيد محمد كبريت : (والظلم فى قطية كل الظلم .. يضرب فى الأمثال بل فى النظم .. قد أنشأ الظلم بها هناد .. وقام فى مقامه الأوغاد) ، وبها نخيل كثير عنده جامع ، انتهى “.

الشيخ زويد
سميت مدينة الشيخ زويد في شمال سيناء نسبة لأحد الأولياء الصالحين من أصحاب الأضرحة وهي عاصمة مركز الشيخ زويد ، أما اسمها الأصلي فهو الزعقا وردت به في معجم البلدان من نواحي الجفار ووردت في خط سير سعاة البريد بين العريش ورفح ، وجاءت في الخطط التوفيقية باعتبارها من توابع خان يونس حيث كانا معا من جملة البلاد المصرية حيث يقول علي باشا مبارك :
” خان يونس قال سيدى عبد الغنى النابلسى رحمة الله عليه فى رحلته ، أن خان يونس أول منزل من منازل مصر المحروسة للآتى من طريق الشام ، وهى قلعة صغيرة بداخلها جامع لطيف يصعد إليه بدرج من الحجارة ، وفيه محراب ومنبر معمور مكتوب عليه هذا البيتان : جميع الأرض فيها طيب عيش .. وجنات وروضات أنيقة ولكن كلها فى غير مصر .. مجازىّ وفى مصر حقيقة ، ويسكن ذلك الخان جماعة من العرب.
وبالقرب منه فى جهة مصر مكان يسمى بالزعقة بزاى معجمة مفتوحة وعين مهملة ساكنة وقاف وهاء تأنيث ، وهى برية قفرة بها بئر ملحة الماء وقبة بيضاء وعمارة عظيمة مدفونة فيها الشيخ زويد بضم الزاى المعجمة وفتح الواو وتشديد المثناة التحتية المكسورة ودال مهملة ، رجل ولى صالح كان من أعراب البوادى ولهم فيه اعتقاد عظيم ، حتى أنهم يضعون عنده الودائع من الذهب والفضة والحلى والمتاع وما يخافون عليه من الأمتعة.
وباب مزاره دائما مفتوح ولا يقدر أحد أن يأخذ منه شيئا وقد جرب ذلك العربان وغيرهم ، ويحتمى بمزاره الخائف والقاتل فلا يجسر أحد أن يهجم عليه ويأخذه ، وبين خان يونس والزعقة يسار فى الرمل السهل والصعب ، ومن الزعقة يتوصل إلى العريش وهى على المشهور أول حدود مصر وآخر حدود الشام “.
كانت الزعقة مزدهرة في العصر البيزنطى ، ونشأ على أطلال هذه المدينة القديمة حى الكوثر، ويصف نعوم شقير فى كتابه تاريخ سيناء القديم والحديث وجعرافيتها حالتها فى بداية هذا القرن حيث تدل خرائبها على أنها كانت على جانب كبير من الرقى والمدنية والتقدم العمرانى ، وقد وجد فيها العديد من الشواهد الأثرية ومنها ما يرجع للعصر المسيحي.
وأشهرها بقايا آثار كنيسة وكذلك حجرات وغرف بها قطع ملونة من الفسيفساء ، وبقايا قلعة رومانية مستطيلة من الطوب الأحمر ، وحمام روماني ومقابر من العصر الروماني ، واكتشف بها أيضا تمثالاً لامرأة من الرخام الأبيض الناصع من المحتمل أن يكون للسيدة العذراء مريم.
وتم العثور على آثار هامة في تل الشيخ زويد عن طريق الحفائر التى قام بها العالم جان كليدا عام 1913 م أثناء أعمال بعثة فرنسية وقت حفر قناة السويس وفيها فسيفساء معروضة الأن بمتحف الإسماعيلية ترجع للعصر اليونانى الرومانى وتوجد بالمنطقة تلال أثرية أخرى لم تكتشف بعد مكوناتها.


الطريق إلى إيلات
في كتاب الخطط التوفيقية ذكر علي باشا مبارك أن أيلة من جملة البلاد المصرية وذكر أنها مدينة صغيرة بطريق ركب الحاج المصرى بقرب ساحل بحر القلزم وكان بها زرع يسير وبقرب عقبتها دفن الشيخ إبراهيم اللّقانى فى مرجعه من الحج سنة إحدى وأربعين بعد الألف كما جاء في كتاب خلاصة الأثر ، وعرفت عند العرب باسم أم الرشراش نسبة لإحدى العشائر العربية الساكنة فيها وموضعها اليوم إيلات بالأرض المحتلة.
ويقول عنها المقريزي : وأيلة أول حد الحجاز وقد كانت مدينة جليلة القدر على ساحل البحر المالح ، بها التجارة الكثيرة وأهلها أخلاط من الناس ، وكانت حد مملكة الروم فى الزمن الغابر ، وعلى ميل منها باب معقود لقيصر قد كان فيه مسلحته يأخذون المكس ، وبين أيلة والقدس ست مراحل ، والطور الذى كلّم الله عليه موسى على يوم وليلة من أيلة ، وبينها وبين القلزم ست مراحل فى برية وصحراء.
وكانت فى الإسلام منزلا لبنى أمية أكثرهم موالى عثمان بن عفان كانوا سقاة الحج ، وكان بها علم كثير وآداب ومتاجر وأسواق عامرة ، وكانت كثيرة النخل والزرع ، وعقبة أيلة لا يصعد إليها من هو راكب ، وقد أصلحها فائق مولى خمارويه بن أحمد بن طولون ، وسوّى طريقها ورّم ما استرم منها ، ولم تزل مدينة أيلة عامرة آهلة.
قال القاضى الفاضل : وفى سنة ست وستين وخمسمائة أنشأ الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب مراكب مفصلة وحملها على الجمال وسار بها من القاهرة فى عسكر كبير لمحاربة قلعة أيلة ؛ وكانت قد ملكها الإفرنج وامتنعوا بها ، فنازلها فى ربيع الأول وأقام المراكب وأصلحها وطرحها فى البحر ، وشحنها بالمقاتلة والأسلحة وقاتل قلعة أيلة فى البر والبحر حتى فتحها فى العشرين من شهر ربيع الآخر، وقتل من بها من الإفرنج وأسرهم وأسكن بها جماعة من ثقاته ، وقواهم بما يحتاجون إليه من سلاح وغيره ، وعاد إلى القاهرة فى آخر جمادى الأولى.
وفى سنة سبع وسبعين وصل كتاب النائب بقلعة أيلة : أن المراكب على تحفظ وخوف شديد من الفرنج ثم وصل الإيرنس لعنه الله إلى أيلة وربط العقبة ، وسير عسكره إلى ناحية تبوك وربط جانب الشامى لخوفه من عسكر يطلبه من الشام أو مصر ، فلما كان فى شعبان من السنة المذكورة كثر المطر بالجبل المقابل للقلعة بأيلة حتى صارت به مياه استغنى بها أهل القلعة عن ورود العين مدة شهرين ، وتأثرت بيوت القلعة لتتابع المطر ، ووهت لضعف أساسها فتداركها أصحابها وأصلحوها.
وفى كتاب درر الفرائد المنظمة فى أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة قال صاحب تقويم البلدان : وأيلة كانت مدينة صغيرة وكان بها زروع يسيرة ، وهى على ساحل بحر القلزم وعليها طريق حاج مصر ، وهى فى زماننا برج وبه وال من مصر ، وليس بها زروع ، وكان بها قلعة فى البحر فعطلت ونقل الوالى البرج إلى الساحل.
وقد استجدّ بها النخل الذى على ساحل البحر وبعض حدائق بالوادى والساحل وجميع ذلك لبنى عطية الحويطات ، وإنما لقبوا بذلك لما بنوه من بعض الحيطان على النخل ، وفى كتاب عجائب البلدان : عقبة أيلة قرية صغيرة على جبل عال صعب المرتقى يكون ارتفاعه والانحدار منه يوما كاملا ، وهى طرق لا يمكن أن يجوز فيها إلا رجل واحد ، وعلى جانبها أودية بعيدة المهوى.