طهطا وطما

الرياينة وطما

مركز طما الحالي يوجد به بلدة واحدة قديمة هي طما (تانتمنت) ، وفي العصر الفاطمي تأسست جوارها قرية مشطا والشطورات (شطورة مركز طهطا) لتكون مقرا للقبائل المؤيدة لهم ، وفي العصر المملوكي نزلت في الغرب منهم عشائر قبيلة الرياينة وأسست قرية الرياينة المعلق.

والرياينة قبيلة كبيرة لها فروع وقرى باسمها في مناطق كثيرة مثل الرياينة مركز قطور غربية ورياينة أبي أحمد في أسيوط والرياينة مركز أرمنت بالأقصر ورياينة الهريدي ورياينة الكتكاتة ورياينة أبي ليلى (بالحاجر) في ساقلتة بسوهاج ، وفي العصر العثماني توسعت الرياينة في قرى جديدة على زمامها وهي الأغانة والحسامدة والحسنة والقرية بالدوير ونزلة عبد الله والجباب والحديقة والمواطين.

وفي زمام مشطا وشطورة تأسست العتامنة الكبرى والصغرى والحلاقي والمدمر وكوم العرب والواقات والشوكة ، وأدى ازدهار الطريق السلطاني للتجارة في العصر العثماني إلى نشأة عدد من القرى في الطريق بين طما وصدفا ومنهم سلمون التي اندمجت مع طما القديمة لتكون مدينة طما الحديثة.

وجاء في الخطط التوفيقية وصفها وهي : ” قرية سلمون على شمال الخارج من طما إلى الشمال .. وبحرى قرية سلمون قرية الوعاضلة فوق تل عال وفيها من النخيل الكبير قليل ومن الصغير كثير ، ثم قرية أولاد إلياس على شماله أيضا ثم قرية بنى فيز على يمينه وهى أيضا على تل عال وبها نخيل كبير ونخيل صغير .. ويخرج من طما أيضا طريقان صاعدان فى الجنوب تمر شرقيتهما على قرية السوكة ..

ثم على كوم العرب ثم على مشطا وهى بلدة كثيرة النخل ويتبعها كفور كذلك وهى غربي البحر بقليل وكان أولا ملتصقا بها بل أخذ أكثرها وانتقلت إلى الغرب ولم يبق من بيوتها التى على تلولها إلاّ القليل وكان بها شونة غلال ميرية وبطلت منها مدة ثم جددت بها الآن شونة من زرابي الجريد ، وتمر على عزبتها وعزبة العرب ثم عزبة مشطا ثم قرية الوقاة ثم بنجا ، ويخرج من طما مغربا جسر إلى الجبل يمر على قرية رياينة المعلق “.

وجاء عن طما : ” وفيها حانات قليلة وقهاو وحوانيت كذلك وفيها نحو ثمانية مساجد أشهرها الجامع الكبير وهو جامع السوق به عمد كثيرة وله منارة ، وبها أبنية عظيمة بمناظر لبعض أهاليها خصوصا عمدتها عبد الرحمن أغا عثمان وأولاده وأقاربه فلهم فيها أبنية وآثار كثيرة ، والمذكور كان ناظر قسم زمن العزيز محمد علي والآن ابنه عبد الرحمن ناظر خط ، وفيها قاض وبها تجار وأرباب حرف ونخيل كثير ..

وفيها أشراف حسنيون ومنهم علماء ومنهم قاضيها وهو نائب من طرف ولاية أبى تيج وله بها أملاك ومنظرة جليلة ، وفيها معمل دجاج ومصابغ وبساتين قليلة الفواكه ، وفيها أقباط بكثرة ولهم فيها كنيسة ، وفيها أضرحة لبعض الصالحين مثل الشيخ زوين والشيخ نوير ، ولها سوق حافل كل يوم أربعاء يؤتى إليه من البرين ولها على شاطئ البحر نزلة تسمى الحمى عندها مرسى ترتاح فيها السفن وتشحن هناك من هذه البلدة وما يجاورها من البلدان “.

كوم العرب وتل الزوكي

لا شك أن أشهر قبيلة عربية رويت أخبارها في السير والملاحم هي قبيلة بني هلال بن عامر بن صعصعة القيسية حيث يقول محمد الطيب في الموسوعة : بنو هلال كان لهم طابع قصصي رائع غذى الأدب العربي بمورد خصب ما زال منهله نضَّاحًا يمد الإنتاج الفكري بعذب سلسبيله على مر الأجيال ، فقصة أبي زيد الهلالي وذياب بن غانم وحروبهما البطولية مع الزناتي خليفة ما زالت تردد في أنحاء كثيرة من أقطار الوطن العربي الكبير ، وذلك بعد أن ظلت مصدر وحي في الأزمان الماضية لشعراء الهلالية الذين ألَّفوا بفضل معانيها الكثيرة من الأغاني والقصص الشعري الذي حفظ لنا ابن خلدون طرائف من نفحاته.

قال ابن خلدون في العبر : كان لبنو هلال رجالات وفرسان مذكورين أشهرهم وأشرفهم حسن بن سرحان وبدر وفضل ابنا ناهض وينسبون في دُرَيْد من الأثبج من هلال بن عامر ، وماضي بن مقرب وهو من بني قُرَّة من الأثبج ، والأسمر سلامة الفارس الشهير وينسبونه في بني كثير من بطون كرفة من الأثبج ، وشبان بن الأحيمر وأخوه صليصل وهم من بني عطية من كرفة من الأثبج ، كما أن هناك الفارس الشهير ذياب بن غانم وينسب في ثور وهم من فروع ربيعة بن عامر من هوازن ، وموسى بن يحيى وهو من بني صُنبر من بطون مرداس من رياح.

وقد شهد الصعيد في العصر المملوكي نزوح لقبائل بني هلال وبني سليم وحلفائهم العائدين من التغريبة الهلالية المشهورة في المغرب العربي وذلك على موجتين الأولى في عهد بيبرس والثانية في عهد الناصر محمد بن قلاوون ، وقد رصدها القلقشندي في كتاب قلائد الجمان في التعريف بعرب الزمان فقال : ومن بني هلال أيضاً بنو عامر وهم بنو عامر بن هلال بن عامر بن صعصعة قال الحمداني وهم بطون بالصعيد منهم رفاعة وبنو حجير وبنو عزيز ، وبإخميم منهم بنو قُرّة ، وبساقية قُلتة منهم طائفة ، وبأَصفون وإسنا بنو عُقبة وبنو جَمِيلة.

وفي العصر العثماني توزعت عشائر بني هلال وبني سليم في زمام جروف مشطا التي ذكرها ابن الجيعان في القرن التاسع الهجري حيث جاء في التحفة السنية : ” مشطا وجروفها وجزائرها مساحتها 5154 فدان بها رزق 18 فدان عبرتها كانت 9000 دينار واستقرت 8500 دينار كانت باسم محمد بن تنكز بغا والآن للديوان السلطاني ” ، وفي الخطط التوفيقية ذكر علي باشا مبارك أشهر قرية في الزمام فقال : ” كوم العرب قرية صغيرة من مديرية جرجا بقسم طما فى جنوب طما بنحو ثلاث ساعات وفى شمال مشطا كذلك ، بها نخيل ومساجد وأبنيتها بالآجر واللبن “.

وقد ذكر محمد بك رمزي المنطقة الممتدة من مشطا وكوم العرب وحتى تل الزوكي غربا حيث جاء في القاموس الجغرافي : ” مشطا هي من القرى القديمة وردت في قوانين ابن مماتي وفي تحفة الإرشاد وفي التحفة من أعمال السيوطية ، كوم العرب أصلها من توابع مشطا ثم فصلت عنها في تاريخ سنة 1231 هـ ، تل الزوكي هي من القرى القديمة قال صاحب تاج العروس الزوكيون بطن من العرب بصعيد مصر من بني حرب ومن جهينة وإليهم ينسب تل الزوكي وكانت من الوجهة المالية تابعة لناحية شطورة ثم فصلت عنها في تاريخ سنة 1231 هـ.

حاجر مشطا أصلها من توابع تل الزوكي المنفصلة في سنة 1231 هـ من أراضي ناحية مشطا المنسوب إليها هذا الحاجر وفي تاريخ سنة 1259 هـ فصلت هذه الناحية بزمام خاص من أراضي ناحية تل الزوكي ، الحسامدة أصلها من توابع ناحية الرياينة المعلق ثم فصلت عنها في تاريخ سنة 1259 هـ والحسامدة ينتسبون إلى رجل يدعى حسام الدين ، العتامنة أصلها من توابع ناحية شطورة ثم فصلت عنها في العهد العثماني بدليل ورودها في دفاتر الروزنامة القديمة باسم العتامنة الكبرى والصغرى بولاية جرجا ثم وردت بتاريخ سنة 1231 هـ باسمها الحالي”.

وفي قرية كوم العرب اشتهر واحد من شيوخها وهو العارف بالله السيد الحاج سليم بن علي العربي العريني نسبة إلى العرينات من الخضران من بني عمر نسبة إلى أخضر بن عامر بن رياح بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر بن صعصعة ، ومنهم أول عمدة تعين على قرية كوم العرب وهو شيخ العرب عبد الله منصور العريني حيث كانت القرية تقوم بالدور الأهم في حماية الأراضي الزراعية بمركز طما والمراعي المتاخمة لها في الصحراء ضمن ما عرف قديما باسم (العرب المدركين) أي القائمين بأمر (الدرك) وهم مصطلح يعني حفظ الأمن.

طهطا وبني سالم

مركز طهطا يضم قرية واحدة قديمة هي طهطا (حت سحتب) والتي عرفت عند العرب باسم طحطا ثم خفف إلى طهطا وسكنت بها عشائر بني سالم كما كانت واحدة من أهم مراكز السادة الأشراف في مصر، وقد عمرت في عهد محمد علي عندما أزال التلال المحيطة بها وبنى القصور والقيساريات والخانات والمساجد وجعلها رأس قسم.

أما بقية قرى المركز فقد نشأت في العصر الفاطمي مثل شطورة وعرب بخواج ، وفي العصر المملوكي نزلت فيها عشائر عربية ومغربية أسست كلا من الصوامعة والسوالم والجبيرات والجريدات والصوالح والحريدية والقبيصات وبني حرب وبني عمار ، وفي الجنوب الطليحات وبني هلال وبني فزارة (تتبع مركز المراغة حاليا) ..

جاء في القاموس الجغرافي : ” وردت طهطا هذه في مباهج الفكر باسم طحطا ويقال لها دحطا من أعمال الأسيوطية وفي قوانين ابن مماتي طهطا من أعمال السيوطية وفي تحفة الإرشاد زاد عليها راء في آخرها فوردت طهطار وهذا من السهو ، وفي كتاب وقف السلطان الغوري المحرر في سنة 922 هـ وفي دفاتر الروزنامة القديمة باسم طحطا.

ووردت في تاج العروس طهطى كسكرى ثم ذكرها في موضع آخر دحطة وفي التحفة طهطا من الأعمال السيوطية وفي تاريخ سنة 1231 هـ طهطا الوقف ، وعلى لسان العامة طحطا وهو اسمها العربي القديم ، ومن سنة 1259 هـ باسمها الحالي ، ولما أنشىء قسم طهطا في سنة 1829 جعلت مدينة طهطا قاعدة له وقد سمي مركز طهطا من أول سنة 1890.

ساحل طهطا : أصلها من توابع ناحية طهطا ثم فصلت عنها في تاريخ سنة 1231 هـ باسم الساحل ومن سنة 1272 هـ باسمها الحالي ، السوالم : أصلها من توابع ناحية طهطا ثم فصلت عنها في العهد العثماني باسم بني سالم كما وردت في دفاتر الروزنامة القديمة مع الشيخ زين الدين المجاورة لها ، ووردت في تاريخ سنة 1231 هـ باسم سوالم طهطا ولا يزال هذا اسمها في جداول وزارة المالية.

وجاء في الخطط التوفيقية : ” السوالم : قرية بمديرية جرجا بقسم طهطا فى غربى النيل فى الشمال الشرقى لطهطا على أقل من ساعة ، ويكتنفها قرية الشيخ زين الدين وساحل طهطا كل منهما على نحو ربع ساعة ، وفيها نخيل بكثرة ، زمامها نحو ثلثمائة فدان ويزرع فيها الجزر بكثرة وكذا المقاثئ والذرة الطويلة “.

وجاء عن طهطا : ” طهطا : بطائين مهملتين بينهما هاء وفى آخر ألف لينة هكذا يستعمله العلماء فى كتبهم قديما وحديثا ، وتستعمله العامة والعلماء أيضا فى كلامهم بالحاء المهملة بدل الهاء ، وهو اسم لمدينة شهيرة بمديرية دجرجا فى غربى البحر الأعظم بنحو نصف ساعة ، وهى رأس القسم الذى يلى مديرية أسيوط ، وبها قاضى ولاية وضبطية ، وحكيم ومهندس ، وكان بجهتها البحرية ورشة أقمشة متسعة ، بيع أكثرها للأهالى زمن المرحوم سعيد باشا ، وبنى فى محلها قصور ، وفى بعضها ديوان القسم والتلغراف بجميع لوازمه.

وكان فى شمالها الغربى قصر متسع للحكومة ، كانت تنزل فيه الصناجق بعساكرها ، بيع أكثره وجعل خانات وعصارات للزيت ومنازل ، وكان حواليها تلال شامخة ، أزيلت زمن العزيز محمد على ، وبنى الآن محلها قصور مشيدة ، ومنازل وخانات وقيساريات ، وأبنيتها من أعظم أبنية مدن الصعيد ، إلاّ أن حاراتها ضيقة ذات اعوجاج ، وفى وسطها قيساريات فى أحسن وضع وخانات كذلك ، وفيها أغلب أنواع البضائع المصرية وغيرها وأكثر أهلها تجار لا سيما فى الغلال ، فإنهم يسلمون فيها قبل المحصول أهل البلاد المجاورة نحو الثلاثين قرية.

وفيها كثير من الجوامع المشيدة العامرة ذات المنارات ، وأشهرها وأعظمها مسجد سيدى أبى القاسم الحسينى ، وهو مسجد جامع عتيق متسع بمنارة ، مقام الشعائر دائما عامر بالصلاة وإقراء العلم ، وقد هدمه وأعاده سعادة الأمير عبد اللطيف باشا ، بعد سنة سبعين ومائتين بعد الألف ، فجعله من أحسن مساجد الصعيد ، وجعل عمده من الآجر المنحوت الأسود ، وفرش أرضه بالبلاط النفيس ، وجعل ميضأته أكثر من عشر فى عشر مغطاة بسقف من الخشب المخروط ، وعمل به حنفية على شكل جميل ، وجعل فوقها مكتبا ، ومئذنة توقد فى رمضان فيثبت بها الصوم على البلاد المجاورة.

ويليه الجامع العتيق فى جهتها الشرقية جددته الآن الأهالى ، وهو جامع متسع مقام الشعائر ، ثم الجامع الألفى بجبانتها ، وهو أيضا متسع مقامة شعائره من طرف السيد (رفاعة عنبر) أحد مشاهيرها ، ثم جامع الشيخ موسى وفيه ضريحه ، ثم جامع الشيخ طه وفيه ضريحه أيضا ، ثم مسجد (ابن الرضى) كذلك وجامع الكشكى ، وجامع الشيخ نصير وفيه ضريحه وغير ذلك.

وأكثرها يقرأ فيه دروس العلم سيما فى العشر الأواخر من رمضان، فلهم عادة أن يقرأ فى كل ليلة من أفرادها درس فى مسجد أو أكثر ، وبها حمام أنشأه سعادة الباشا المذكور، وله فيها أيضا قصر يشبه قصور المحروسة، وأبنية كثيرة للوازم دائرته التى بها، وفى شرقيها على الجسر الموصل إلى ساحلها، طاحونة بآلة بخارية وقصر يشبه قصور القاهرة، كلاهما من إنشاء موسيو (بيودوه) الفرنساوى وشركائه “.

أشراف طهطا

جاء في الخطط التوفيقية عن طهطا : ” وممن بها من الأولياء الشيخ رفاعة رئيس الألف وأشهر الجميع سيدى أبو القاسم مقامه فى وسط جامعه ، ومناقبه أشهر من أن تذكر وقد ذكر نبذة منها الإمام محيى الدين يحيى الدمياطى فى كتابه الذى ذكر فيه مناقب الأولياء بالوجه القبلى ..

ومن ذريته الأمير الجليل المرحوم رفاعة بك رافع الطهطاوى ناظر مدرسة الألسن سابقا .. نبغ فى العلوم والمعارف الأجنبية وعلى الخصوص فى فن الترجمة فى سائر العلوم على اختلاف اصطلاحاتها .. وقد ذكر العالم الفاضل المرحوم السيد بك صالح مجدى أحد تلامذته فى ترجمة أحواله التى سماها «حلية الزمن بسيرة خادم الوطن» نسبه الحسينى الشريف وذكر كثيرا من أحواله وعدد تلامذته وقسمهم إلى ثلاث طبقات كانوا جمال العصر وغرة الدهر فضلا ونبلا ، توفى إلى رحمة الله تعالى عام نيف وتسعين ومائتين وألف بالمحروسة ودفن بالقرافة الكبرى فى بستان العلماء ..

وفيها كثير من الأشراف من ذرية سيدى أبى القاسم ، وهم أكابرها من عدة أجيال ولهم فيها منازل مشيدة ومضايف .. وكان منهم السيد على عابدين رئيس عرب وهوارة بلاد طهطا ، وداره بجوار مشهد جده أبى القاسم وهى دار متسعه مشيدة فى أجمل هيئة وهى أول بناء شيد فى هذه المدينة ، ومن ذريته نقيب أشرافها الآن حضرة السيد أحمد عابدين ..

ومنهم الآن الأجل الفاضل السيد محمد عبد العزيز رافع من أقارب المرحوم رفاعة بك قد اجتمع له الدين والدنيا ومكارم الأخلاق تولى الإفتاء مدة ببندر أخميم ثم طهطا ثم اقتصر على اشتغاله بشأن نفسه من أمر دينه ودنياه مع وظيفة نظر جامع جده أبى القاسم وضريحه .. وله ابنان أحدهما له وظيفة نقابة أشراف تلك الجهة بعد أن جاور بالأزهر مدة والآخر منهمك فى طلب العلم مع النجابة الزائدة ..

وفيها أشراف من غيرهم أيضا ، وبيت من الأنصار كلهم علماء من عدة أجيال من أهل التدريس والتأليف كالشيخ عبد العزيز الأنصارى ناظم متن القطر وأخيه الشيخ فراج العالم الربانى الورع الزاهد ، وكالشيخ عبد الصمد أخيه أيضا كان يقرأ بطهطا كبار الكتب كجمع الجوامع ومختصر السعد .. ومنهم القاضى وأبوه من قبله الشيخ على ابن الشيخ محمد الفرغلى كان قرين الشيخ إبراهيم البيجورى شيخ الأزهر توفى قبيل سنة ثمانين من هذا القرن ..

وفيها بيت من مشايخ عرب جهينة يسمى بيت الكشكى وهو بيت عمدتها إلى الآن ، وبيت أولاد عنبر أفندى قاضى مدينة سيوط سابقا وله مضيفة مشهورة وتنزل عندهم الحكام والأمراء وأحدهم رفاعة عنبر من نواب الشورى ، وفيها عائلة تسمى القلتية اشتهر أكثرها بإفادة العلوم واستفادتها جيلا بعد جيل وكان الواحد منهم إذا كتب اسمه على صك شرعى أعقبه قاضيها ومفتيها بقوله المشهور نسبه الكريم بابن القلتى ، ولهم مآثر جمة منها عدة من المساجد المعمورة بذكر الله تعالى إلى الآن وخزانة كتب ..

ومنهم المرحوم العلامة الشيخ مسعود شارح خمرية ابن الفارض ونجله المرحوم الفاضل الشيخ عبد الرحيم مفتى السادة الشافعية ونائب الأحكام الشرعية بها والمرحوم الفاضل الشيخ أحمد الرفاعى مفتى السادة المالكية بها أيضا ، ومنهم العلامة الأكمل والفهامة الأمثل الشيخ أحمد ابن المرحوم الشيخ أحمد الرفاعى قاضى مديرية جرجا الآن وهو أول من تقلد بوظيفة القضاء من هذه العائلة ، وهم من أشراف ساقية قلتة فى بحرى أخميم ونسبهم من جهة الأم ينتهى إلى سيدى أبى القاسم الطهطاوى .. وبها مشايخ طرق وسجادات “.

الصوامعة غرب

سميت قرية الصوامعة غرب نسبة لقبيلة بني سميع التي استوطنت المنطقة في العصر المملوكي وعرفت بصيغة الجمع القبلية السوامعة ثم حرفت على لسان العامة إلى الصوامعة وأضيف إليها كلمة غرب للتفرقة بينها وبين الصوامعة شرق التي تقع في مركز أخميم ، وكانت القرية في الأصل جزيرة وسط النيل عرفت قديما باسم جزيرة السواقي حيث كانت تضم مساحات مزروعة تابعة لزمام قرية بنهو التي تقابلها على شاطىء النيل الغربي ثم اتصلت الجزيرة بالبر في القرن التاسع الهجري .

وقد جاء تفصيل ذلك في كتاب القاموس الجغرافي للبلاد المصرية حيث يقول محمد بك رمزي : ” الصوامعة غرب : هي من القرى القديمة ، ذكر أميلينو في جغرافيته جزيرة قديمة باسم جزيرة بنهيو أو جزيرة السواقي الواقعة غربي النيل في قسم أخميم ، قال وفيها بساتين وأن شامبليون وكترمير عرفوا هذه الجزيرة وفسروها باسم جزيرة العجول ويرى أنهما على غير صواب لأن جزيرة العجول ترجمتها بانيهوو في اللهجة الطيبية وبالعكس فإن هذه اسمها بنهيو ومعناها جزيرة السواقي وقال إن هذه الجزيرة قد اختفت من القرن الرابع عشر ولم يتكلم على ناحية بنهيو المنسوب إليها الجزيرة.

وبالبحث تبين لي أولا أن قرية بنهيو المنسوب إليها هذه الجزيرة لا تزال موجودة ومحتفظة باسمها الأصلي وهي قرية بنهو إحدى قرى مركز طهطا بمديرية جرجا ، وكانت تابعة قديما لقسم أخميم الذي كان يشمل القرى الواقعة على جانبي النيل الشرقي والغربي في دائرة القسم المذكور ثانيا أن جزيرة بنهيو لم تختف من القرن الرابع عشر كما قال أميلينو وإنما الذي اختفى هو اسمها فهي لا تزال موجودة وقد اتصلت أرضها بأرض بنهو المذكورة في الجانب الغربي من النيل وكانت تعرف قديما باسم جزيرة بنهو.

وفي العهد العثماني فصلت أطيان هذه الجزيرة من بنهو باسم دمانية الصوامعة كما ورد في دفاتر الروزنامة القديمة وقد وردت في تاريخ سنة 1231 هـ باسم الصوامعة ومن سنة 1259 هـ عرفت باسم الصوامعة غرب تمييزا لها من الصوامعة شرق التي بمركز أخميم ، هذا مع العلم بأن اسمها الأصلي السوامعة نسبة إلى بني سميع ، ورد في تاج العروس السوامعة بطن من العرب مساكنهم في الصعيد ، وفي الخطط التوفيقية عند الكلام على قرية بني هلال المتاخمة لناحية الصوامعة غرب هذه قال وبجوارها الصوامعة وتعرف بصوامعة ابن هنتش.

نجوع الصوامعة غرب : تكونت من الوجهة الإدارية بقرار من مجلس مديرية جرجا في 7 فبراير سنة 1940 وهي مكونة من بعض نجوع أصلها من ناحية الصوامعة غرب ، وفي سنة 1940 صدر قرار رقم 35 من وزارة المالية بفصلها بزمام خاص من أراضي ناحية الصوامعة غرب وبذلك أصبحت ناحية قائمة بذاتها.

 بنهو : هي من القرى القديمة ذكر أملينو في جغرافيته قرية باسم بانهيو ينسب إليها جزيرة تسمى بانهيو أو جزيرة السواقي الواقعة غربي النيل في قسم أخميم ، وقال أميلينو إن هذه الجزيرة قد اختفت من القرن الرابع عشر ولم يتكلم عن ناحية بنهيو المنسوب إليها الجزيرة.

وبالبحث تبين لي أن بنهيو المنسوب إليها جزيرة بنهيو هي قرية بنهو هذه وأن جزيرتها هي التي تعرف اليوم باسم الصوامعة غرب وقد اتصلت أرض الجزيرة بالشاطىء الغربي للنيل فأصبحت من أرض العلو المتاخمة لأراضي ناحية بنهو ، وكانت بنهو من توابع ناحية طهطا ثم فصلت عنها في تاريخ سنة 1231 هـ.

وقال محمد الطيب في كتابه موسوعة القبائل العربية : ” قبيلة الصوامعة وأكثر فروعها بمحافظتي سوهاج وقنا بالوقت الحاضر ، يرجع نسب هذه القبيلة إلى الأصل الهواري ، كما ذكرها صبح الأعشى بالصوامع بدون هاء والعامة تنطقها الآن بالصوامعة آخرها هاء ، وبلاد الصوامعة التابعة لمحافظة سوهاج تنقسم إلى الصوامعة شرق والصوامعة غرب ، ومن أشهر عائلاتها عائلة أبي عوف منها شيوخ العرب دسوقي محمد إسماعيل العمدة السابق.

وأما المقيمون منهم بمحافظة قنا فهم كثرة وبلادهم عدة عمدها منهم وشيوخها وخفراؤها كذلك ، وإذا تتبعنا أثر هذه القبيلة العظيمة لوجدنا كثيرًا من بطونهما يستوطن القاهرة لا سيما خرطة أبو السعود بمصر القديمة وضواحيها يحترفون كثيرًا من الحرف الشريفة كالتجارة والأعمال الحرَّة وغير ذلك ، هذا بجانب العاملين منهم في الإدارات الحكومية حيث يتمتعون بكفاءة العمل والإخلاص والولاء لرجال عهدنا المبارك ، وإلى الشبيبة من أبناء هذه القبيلة العربية الهوارية الذين شاهدوا على مرأى من أعينهم حلم الوجود يتحقق على يد أبناء العرب الأوفياء.

قلت: وقد كان للصوامعة من هوارة وقبيلة جُهَيْنة في الصعيد تاريخ مشرف في مقاومة الحملة الفرنسية عام ١٧٩٩ م وقد كان النصر حليف المصريين في الصعيد وقد أوقفوا بالفعل تقدم الجيش الفرنسي الغازي للديار المصرية بالتعاون مع قبائل الأشراف وغيرها بعد خوضهم ملاحم رائعة مع الجنود الفرنسيين ، وذكر أحمد لطفي السيد في قبائل العرب عام ١٩٣٥ م الصوامعة وعدَّهم في قبائل العرب المرابطين القادمين من ليبيا وهذا خطأ منه “.

أم دومة

جاء في الخطط التوفيقية : ” قرية من مديرية جرجا بقسم طهطا على الشط الغربى للسوهاجية قريبة من الجبل فى تجاه طما إلى جهة الغرب بجوار حدود مديرية أسيوط ، فيها أبنية عظيمة وقصور مشيدة ومساجد عامرة ونخيل قليل، وأكثر أهلها مسلمون أصحاب يسار لخصوبة أرضها وجودة محصولاتها ، ويحيط بها رصيف متين مبنى بالآجر والمونة يقيها من الغرق فى زمن فيضان النيل لانخفاض موقعها، ولا يتوصل إليها زمن الفيضان إلا بالمراكب.

وفيها بيوت مشهورة وأشهرها بيت السيد بن عبد الرحمن أبو دومة المتوفى قبيل سنة ثمانين ومائتين وألف ، وقد جعل ناظر قسم مدّة قليلة فى زمن العزيز محمد على باشا ، وكان ذا ثروة زائدة ويقتنى كثيرا من أصناف الأنعام والخيل والعبيد ، حتى قيل إنه كان إذا ركب يركب خلفه نحو ثلاثين عبدا أكثرهم متعمم بالشال الكشمير ، وعليهم ثياب الجوخ الثمين واسعة الأكمام متقلدين بالسيوف المحلاة على خيول جياد بسروج محلاة وركابات مطلية بالذهب.

وكان هو متقشفا يتعمم ببلين غليظ من الصوف الأبيض ، ويلبس جبة من الصوف الأسود والأحمر غير المصبوغ فوق ثياب القطن ، ويتلفع بملآءة من القطن الخالص من نسيج إخميم ، ويلبس فوق ذلك عباءة من صوف لحمتها بيضاء وسداها أسود ويسمى هذا اللون عندهم زرديا ، ويلبس نعلا إخميميا ولا يلبس غلالة ولا جوربا ويشرب الدخان البلدى كثيرا.

ويقال إنه دخل عليه مرة رجل من الطوائف قواد النساء الذين يقال لهم فى الجهات القبلية : الغوازى ، وكان ذلك الرجل متعمما بالكشمير متهيئا بالملابس الفاخرة فقام له وعظمه وحياه وبعد شرب القهوة تبين له أنه من هذه الطوائف ، فتأذى من ذلك ولازم التقشف إلى أن مات ، وقد أعقب ابنين عطية وعبد الرحمن، مات عطية فى حياته وترك أولادا أحدهم الحاج محمد هو عمدة الناحية ومن أعضاء شورى النواب.

وكان عبد الرحمن ناظر قسم بعد أبيه فى زمن الخديو إسماعيل باشا ولم يلبث إلا قليلا ولزم بيته إلى الآن وهو فى ثروة أبيه بل ربما زادت ثروته ، وكان من أعضاء شورى النواب أيضا وله ميل إلى لبس الصوف أيضا لكنه مترفه جدا ولهم اعتبار كبير عند الحكام والأهالى ، وكان لهم فى ساحل بولاق شونة غلال للمبيع لا تفرغ.

وبقرب هذه القرية قرية يقال لها كوم غريب يسكنها كثير من الأقباط أصحاب الثروة ، كان أبو دومة يزعم أنهم ملكه وأن له بيعهم والتصرف فيهم كيف شاء ، وكانت هذه عادة قديمة عند الهوارة والعرب ثم بطل ذلك بعد مجئ العائلة المحمدية واشتهار الحرية ، وكان النصارى يسمون الواحد من الهوارة والعرب بدويهم ، وكان البدوى منهم يدافع عن نصرانيه ويحامى عنه كما يحامى عن ولده ، وإذا افتقر الواحد منهم يساعده الآخر “.

بنجا

جاء في الخطط التوفيقية : بنجا قرية قديمة من قسم طهطا بمديرية جرجا ، واقعة غربى النيل بنحو ساعة ، وبحرى طهطا بأقل من ساعة ، وأكثر منازلها على تلول عالية ، قد أخذ كثير منها الآن فى تسبيخ الأراضى ، وأبنيتها من الآجر واللبن ، وأكثر منازلها على دورين ، وفى وسط جهتها الغربية تل مرتفع عن أعلى بيت فيها ، بحيث يكشف صاعده ما جاوره من بيوتها ، وفيها مضايف لعموم الناس.

وفى دار عمدتها محمود بن أحمد الشيمى منظرة مشيدة ينزل فيها الحكام ، وفيها نحو ثمانية مساجد بعضها عامر وبعضها متخرب ، وجملة أرحية يديرها البقر والجاموس والأبل والخيل ، وفيها نخيل كثير ، وكان فيها داران للديوان ، كانت تنزل بإحداهما الكشاف زمن الغز ، وفى زمن العزيز محمد على كانت تنزل بالأخرى حكام الجهات مثل ناظر القسم وحاكم الخط.

وقد كانت رأس قسم مدة ، ثم صار بيع الدارين للأهالى زمن المرحوم سعيد باشا ، من ضمن ما بيع من أملاك الديوان فى جميع البلاد ، وبنت الأهالى فيها أبنية ومصاطب ، كما أنه كان فى بحريها على أكثر من مائة قصبة تل مرتفع أكثر من قصبة ، وسعته نحو ثلاثة أفدنة ، باعه الديوان لعمدتها أحمد الشيمى فى ذلك التاريخ ، فجعله بستانا مشتملا على كثير من النخيل والأثل وبعض أشجار الفواكه ، وقد كان ذلك التل مقبرة يظهر أنها من قبل الإسلام ، ذهبت أمواتها فى أخذ السباخ ، لأن أهالى هذه البلدة والبلاد المجاورة لها كانوا يأخذون منه السباخ حتى ساوى أرض المزارع.

وكان لهذه البلدة سور محيط بها فيه مزاغل لضرب الرصاص فى جميع دائره ، وكان بناؤه من اللبن وله أربعة أبواب كبار عليها أبواب من خشب النخل كانوا يتحصنون به من غارات الأعداء ، لأنها كثيرا ما كانت تقصدها الأعداء ، فكان يتحزب عليها الألوف المؤلفة من بلاد الصوامعة لأن بلاد تلك الجهة كانت فرقتين على طرفى نقيض ، صوامعة ووناتنة ، كما كانت سعد وحرام فى الجهات البحرية.

وكانت لا تنقطع شرورهم وحراباتهم وتخريبهم للبلاد بالسلب والقتل وكانت تلك البلدة متوسطة بين بلاد الصوامعة- مع أنها من حزب الوناتنة – فكانت تتحصن بهذا السور من هجومهم عليها ، وكان يقع ذلك كثيرا ، وتحصل لهم الإعانة والنصرة ، فقد وقع لها سنة نيف وخمسين بعد المائتين والألف أن هجموا عليها وقت العصر فى زمن النيل ، وأرادوا إحراقها وأوقدوا النار بالفعل فى حد أطرافها ، فقام أهل البلد قومة واحدة فانكسر العدو سريعا ووقع فيهم القتل.

وفيها عدة من أضرحة الصالحين ، مثل السماطين وهم جماعة فى ساحة منخفضة فى غربيها يعتقدهم أهل البلد اعتقادا زائدا ، وكانو يعملون لهم ليلة كل سنة يجتمع فيها كثير من أرباب الأشائر ومشايخ الطرق والخيالة ، وقد تركت الآن ، وفى وسطها فضاء متسع نحو خمسة أفدنة فيه آثار تدل على أنه كان به البلد القديمة.

وعدة أهلها أكثر من أربعة آلاف نفس وأكثرهم مسلمون ، وللأقباط كنيسة فى جهتها الشرقية أحدثت أوائل حكم الخديوى إسماعيل من طرف ذى ثروة من أهاليها يسمى منهرى شنودة ، وفيها معمل دجاج عماله من قرية أدفا الواقعة غربى سوهاج إلى الشمال ، ولأولاد الشيمى فى شمالها الشرقى جنينة فيها قليل من الفواكه ، وزمامها نحو ثلاثة آلاف فدان غير الأباعد.

الهلة ونزلة عمارة

يقول علي باشا مبارك في الخطط التوفيقية : الهلة خطة بقسم طهطا من مديرية دجرجا ، واقعة فى غربى طهطا ، على نحو نصف ساعة ، مشتملة على جملة قرى وكفور نحو الستين ، منتشرة من حاجر الجبل الغربى إلى شاطئ السوهاجية ، ومسافة ذلك نحو ساعة ، وتمتد فى الشمال والجنوب نحو ساعتين ، يتوسطها جسر كوم بدر الممتد من حاجر الجبل الغربى إلى ترعة شطورة بقرب النيل ، ولا تقطعه إلا السوهاجية.

فأكبر قراها ناحية الصفيحة ، وهى واقعة فى شمال جسر كوم بدر بنحو ثلث ساعة فى آخر بلاد الهلة من الجهة الشمالية ، وأبنيتها جيدة ومساجدها عامرة ، وبها كنيسة ، ومضايف متسعة ، ونخيل كثير فى خلالها وحواليها ، ولها سوق صغير كل يوم أحد ، ويتبعها نحو خمس عشرة نزلة منتشرة فى جميع جهاتها ، وفيها من البيوت المشهورة بيت أبى راية ، وبيت أبى شائبة.

ومن قرى الهلة ، ناحية تل الزوكى على الشط الغربى للسوهاجية فى نهاية بلاد الهلة من الشمال الشرقى ، ومنها الحاج زرير الزوكى ، كان كبير خمس الهلة ، ومن عائلته الحاج يوسف الزوكى كان مشهورا بالكبر وادعاء الرقة ، وهكذا كان أكثر عائلتهم. ، ولهم أبنية مشيدة ومضيفة حسنة ، وكان للحاج يوسف خيمة ينصبها خارج البلد يقيم بها زمن الصيف تباعدا عن أوخام البلد والروائح الكريهة ، وقد توفى من نحو عشر سنين ، ويتبع تلك القرية نحو أربعة كفور.

ومنها نزلة عمارة فى نهاية بلاد الهلة من الشمال الغربى فى آخر بساط الجبل مما يلى المزارع ، وكان فى جنوبها جسر قديم من حاجر الجبل إلى تل الزوكى آثاره باقية إلى الآن ، ولها سوق صغير كل يوم ثلاثاء وتجاهما فى جنوب ذلك الجسر قرية صغيرة تسمى عكا ، ويتبعها أيضا نحو خمسة كفور.

وفى البلد أرباب حرف من بنائين ونجارين ونحو ذلك وفيها ثلاثة مساجد ، وفى غربيها كنيسة للأقباط ، وفيها عائلة يقال لهم أولاد أبى نصير من أكبر بيوت الهلة ، لهم منازل ومضايف متسعة ، وقصر مشيد فيه شبابيك الحديد والخرط الزجاج والفرش النفيسة ، ولهم مسجد متين له منبر من الخشب ، ودكة للمبلغين كذلك.

ويقال إن سبب شهرتهم إنه لما كان ابن العزيز سر عسكر إبراهيم باشا والد الخديوى إسماعيل باشا حاكما على الصعيد، قتل من عسكره قتيل، فاتهم فيه الحاج إسماعيل أبو نصير، فطلبه سر عسكر وأهدر دمه ، فهرب واختفى مدة ، ولما ضاقت عليه الأرض بما رحبت وعرف أنه لا مفر له سافر لمقابلة سرعسكر ؛ لعله يعفو عنه وأخذ كفنه على رأسه وتحرى مظان رضاه ، فدخل عليه فى حال الغداء ، وهو يأكل على حين غفلة من المماليك الواقفين على باب مجلسه ، وتمثل بين يديه فرفع بصره إليه وقال له : من أنت ؟ فقال : إسماعيل أبو نصير ، جئت أطلب الأمان والعفو فعفى عنه.

ويقال إنه أجلسه للأكل معه ، ثم طلبه ليتوجه معه إلى حرب الدرعية ، فما كان أسرع إجابته ، وهناك فى المعركة رأى منه سر عسكر شهامة وفروسية. ويقال إن جواد سر عسكر كبا به فهجم عليه العدو ، فكان أبو نصير أشد العسكر ممانعة عنه ، وقاوم العدوّ حتى أصابه سيف فقطع إبهام يده ، ولم تكل همته حتى ركب سر عسكر جواده ، فازداد حبه له من حينئذ.

وعاد غانما ظافرا قد حظى بالقبول والشهرة وأعطاه سر عسكر مائة فرس من جياد الخيل على وجه الشركة ، وجعل له من نتاجها الإناث ، واختص سر عسكر بالذكور ، ورتب لها كل سنة عليقا من الشعير يصرف من شون ساحل طهطا أكثر من مائتى أردب ، وأعطاه لربيعها مائة فدان بلا مال بمحل واحد فيما بين بنى حرب وبنجا ، وهى باقية مع ذريتهم وتعرف بقبالة المائة إلى الآن.

ثم إن من الكفور التابعة لتل الزوكى كفرا يسمى (كوم الحامض) فى شرقى السوهاجية وغربى نجع المروم ، يحيط به النيل زمن الفيضان من كل جهة ، وله رصيف يحميه من الماء ، وفيه نخيل ومسجد عامر وبناؤه من الآجر واللبن ، وقد نشأ منه حضرة الأمير عبد القادر بيك.

نزلة القاضي والجبيرات

في الخطط التوفيقية يتحدث علي باشا مبارك عن أكبر قريتين في بلاد الهلة فيقول : ومنها نزلة القاضى فى حاجر الجبل مما يلى المزارع فى جنوب عمود كوم بدر بنحو مائتى قصبة ، وفى جنوب نزلة عمارة بأقل من ساعة ، وهى قرية طيبة الهواء حسنة الموقع ، أبنيتها من اللبن الرملى ، وفيها عائلتان شهيرتان.

الأولى عائلة أبى سديرة تصغير سدرة ، كان منهم أبو سديرة كريما شهما شجاعا غليظ القلب لا ينقاد للأحكام ، فاجتهد الحكام فى طلبه فسار إلى الشام لملاقاة سر عسكر ابن العزيز ، فهناك رضى عنه لما رأى فيه من الشجاعة ، وكان يحب الشجعان ، ثم أنعم عليه بجعله ناظر قسم بنجا فى أول ترتيب نظار الفلاحين سنة تسع وأربعين ومائتين وألف ، وتوفى بعد سنة خمسين ، وشاع ذكره سيما فى البلاد البحرية ، وجعلوا عليه حكايات تذكر فى مجالس السمر كحكايات أبى زيد الهلالى ؛ بسبب ما كان له من الجراءة والوقعات مع الأهالى والعساكر ، وترك أولادا كراما منهم إبراهيم وخليل ، مات إبراهيم بعد أبيه بمدة.

والثانية عائلة أولاد القاضى، الذى تسمت هذه القرية باسمه، وهو من قضاة العرب الذين يحكمون بين القبائل بقوانين وعوائد مقررة عندهم ، فكان هذا القاضى زمن العزيز محمد على يحكم بين الهلة صغيرهم وكبيرهم فى القصاص وغيره ، ولا يستطيع أحد منهم أن يخالفه.

ومن عائلة هذا القاضى الآن حماد بن مبارك القاضى ، له دار واسعة ومضيفة بها منظرة بشبابيك من الخرط ، وهو رجل صاحب رأى سديد ، يؤدب أولاده ويعلمهم القراءة والكتابة ، ويرفعهم عن طباع أهل الهلة من العجب والخيلاء والبطالة ، فجعل منهم اثنين فى الأزهر ، ومنهم من أناط به مصالح معاشه من زراعة وغيرها ، ومنهم أطفال فى المكتب ، وله جامع أمام بيته مقام الشعائر رتب خطيبه معلما لأولاده ، وفى زمن فيضان النيل ينتقل عند هذه القرية سوق ناحية الكوم الأصفر كل يوم سبت.

ومنها ناحية الجبيرات ، وهى واقعة فى حاجر الجبل أيضا فى جنوب نزلة القاضى بلا كبير فصل ، بل ليس بينهما إلا نحو خمسة أمتار ، وأكثر نخيلها كنزلة القاضى فى الجانب الشرقى ، وفيها أبراج حمام وأربعة أضرحة ، ذات قباب وبيوت مشيدة ، ومضايف متسعة عديدة ، وأكبر بيوتها وأعظمها وأشهرها بيت أولاد إسماعيل أبى حمد الله ، وكان رجلا صالحا كريما حسن الأخلاق ، وأعقب أولادا كانوا على غاية من الكرم وحسن السمت.

منهم أحمد بن إسماعيل ، كان هو العمدة وفاق أقرانه فى إطعام الطعام وإعطاء العطايا ، ومنهم محمد أغا فاق أخاه فى الكرم ، وجعل ناظر قسم الهلة مدة فى زمن العزيز محمد على وبعده ، ثم عوفى ، ثم جعل ثانيا ناظر قسم بطهطا ، ثم طما ، وتعين فى تلك المدة على الأنفار الذين خصصوا على مديرية جرجا فى حفر القنال ، الذى وصل البحر الأبيض بالبحر الأحمر ، وكانت الأنفار مخصصة على جميع المديريات.

ثم عاد ولزم بيته إلى أن توفي ، قبيل سنة ثمانين، وكان جميل الصورة طويل القامة حسن الهيئة أبيض اللون بشوشا ، سيما عند بيته وكان يحب أكل اللحم ، يقدم له الخروف المحمر فلا يبقى منه إلا قليلا ، على ما قيل ، وقد أعقب كل منهما ابنا جليلا ، وقد سلكا مسلك أبويهما فى الكرم ، ومحاسن الأخلاق إلى الآن.

وقد جعل عبد الرحمن بن أحمد ناظر قلم مديرية دجرجا ، ثم عضوا فى مجلس الزراعة بأسيوط ، ثم لزم بيته وجعل رضوان بن محمد ، حاكم خط بقسم طهطا ، ثم عوفى وهم عمد بلدهم إلى الآن ، ولهم قصر مشيد كقصور مصر تنزل فيه الحكام والعرب ، ولهم مسجد هدمه وجدده عبد الرحمن بن أحمد ؛ فجعله أعظم مساجد الهلة وجعل له منارة ، ومنبرا من الخشب ، وهو مقام الشعائر كما ينبغى ولهم جنينة فى شرقى البلد أغرقها البحر مرارا ، ولا تنقطع ضيوفهم يوما فى السنة. وبالجملة فهذا البيت أشهر بيوت بلاد طهطا كرما وأكثرها واردا.

احتفالات الهلة

في الخطط التوفيقية يصف علي باشا مبارك احتفالات عرب الهلة في كل من نزلة القاضي والجبيرات حيث يقول : وفى هاتين القريتين يعمل ليلتان كل سنة فى نصف شعبان ، أولاهما وهى ليلة الرابع عشر ، يجعلونها للسيد البدوى ، والثانية ليلة نصف شعبان ، وهى الكبرى يجتمع فيهما نحو عشرة آلاف نفس من الخيالة والفقراء ، والمطاوعة وأرباب الأشائر ، ومشايخ الطرق والسجادات وأرباب الملاهى ، والقهوجية والنقلية وغير ذلك ، من نحو العطارين ، ويقوم أهل القريتين بلوازم الليلتين من أكل وشرب ، ونحو ذلك ، فيؤكل فيهما نحو مائتى أردب من القمح والذرة والشعير والفول ، ويذبح فيهما نحو الخمسين من الإبل والجاموس ، ومن الضأن نحو الثلثمائة.

وأكثر ذلك من بيوتهما المشهورة كبيت أبى سديرة وبيت القاضى ، وأكثر الجميع فى ذلك بيت أبى حمد الله قيل : إنه يطحن فى الليلتين نحو ستين أردبا من القمح ، والذرة غير الشعير ، والفول لعليق الخيل والحمير ، فمن قبيل المغرب تخرج البواطى والطشوت الكثيرة العدد مملؤة، وبالثريد للفقراء والمطاوعة ، وبعد المغرب تخرج طباق النحاس الكبيرة ، للأعيان والمجملين، ويستمر الأكل إلى ثلث الليل ، وبعد طلوع الشمس كذلك إلى قرب الظهر.

وفى أول ليلة تنتصب الأذكار وينعقد الجمع فى دوار أبى حمد الله إلى طلوع والفجر ، فى الليلة الثانية يكون ذلك غربى القريتين فى بساط الجبل ، وينصب فى وسط الجمع صارى مرتفع فى السماء ، يدور الذاكرون حوله طوائف طوائف يمسك بعضهم بعضا كالسلسلة ، ثم يجلسون حلقة ويجلس المغنون متقابلين ؛ فيغنى أحدهم بشئ من كلام القوم أو من سيرهم ؛ لكن بألفاظ وتراكيب عامية ملحونة، ثم يجيبه آخر بمثل ذلك، ويذكرون اسم الله تعالى باللحن والتقطيع ، ويزعمون أن ذلك طريقة القوم ، وتنتصب أيضا الحانات المشتملة على الدف والطار والمزمار ، وغير ذلك، وفى طرفى النهار من العصر إلى الغروب ، ومن الضحى إلى قرب الظهر ، ينتصب كل ذلك أيضا.

وينتصب ميدان المسابقة بالخيل ويجتمع هناك خيل جياد كثيرة من بلاد شتى، عليها طقوم محلاة يركبها شبان متجملون بالملابس، لهم بالرماحة خبرة ودراية، تعجب الناظر هيأتهم وهيئات خيولهم، ويرقصون الخيل على ضرب الطبل كرقص النساء، ومنهم من يضجع حصانه ويوقفه وهو راكبه، ومنهم من يأتى به رامحا على ثلاثة أرجل وإذا اختار أحد الفرسان فارسا، ينزل معه الميدان يرمح إليه، ويشير له بالرمح الذى بيده، المسمى (بالزانة)، ويسمون ذلك إضافة، فينزل معه ويأخذ كل منهما من الميدان جانبا، ويحرص على منع الآخر من دخوله فى جانبه، ويحرص الآخر على دخوله فيه، فمن دخل فى جهة صاحبه ولم يتمكن الآخر منه فهو الغالب، إلى غير ذلك من الألعاب.

وأكثر الفرسان يكونون من بلاد الهلة، ومن ناحية أولاد إسماعيل، وجهينة، ونزة والنخيلة، وأم دومة، والمدمر، وقيل: إن سبب اعتيادهم هاتين الليلتين؛ أنه وقعت معركة بين بلاد الهلة وبلاد جهينة سببها : أن كبير جهينة حلف ليسقين حصانه من بئر العكاوى، فى آخر بلاد الهلة من جهة الشمال، إغاظة لهم، وكانوا قد منعوه من دخول بلادهم، فخرج ليبر قسمه، وخرج وراءه حزبه، واجتمع حزب الهلة؛ فالتقى الجمعان والتحم الحرب. فكانت النصرة للهلة على جهينة بين نزلة القاضى والجبيرات فى الرابع عشر من شعبان؛ فجعلوا ذلك موسما كل سنة، وسموه ليلة السيد، ثم ألحقوا به الليلة الأخرى، وذلك قبل استيلاء العزيز محمد على، على الديار المصرية.

وأكثر أهل الهلة الآن مياسير أصحاب ثروة ؛ لخصوبة أرضهم بالطمى المجلوب إليها كل سنة من فرع السوهاجية الخارج فى غربى نجع الهيش من بلاد نزة ، ومن ملابس أغنيائهم قفاطين الخزّ والجوخ والثياب الرفيعة ، وأواسطهم يلبسون زعابيط الصوف ، ومنهم من يتعمم بعمائم الصوف المسماة بالبلين ، ويلبس نساء أكابرهم ثياب المقصب وأنواع الحرير الرفيعة ، والأواسط يلبسن ثياب الحرير الإسكندرانى الغليظ بأكمام واسعة.

قرى عرب الهلة وحروبهم

في الخطط التوفيقية يفصل علي باشا مبارك الوصف الجغرافي لبلاد عرب الهلة وأصولهم المكونة من حلف كبير من الأشراف الأدارسة وبني هلال وهوارة فيقول : ومنها : نزلة علىّ بين الحاجر والمزارع أيضا فى جنوب الجبيرات بنحو نصف ساعة ، ويتبعها نحو خمسة كفور متقاربة ، من ضمنها كفر يسمى (الطوال) هو نهاية بلاد الهلة من الجهة الجنوبية بجوار ناحية نزة ، وفيها مع كفورها نحو عشر مضايف ، وأربعة مساجد ، وفيها بيت أولاد الركوة مشهور بالكرم ، وكان منهم همام الركوة ، ناظر قسم بعد محمد بن أبى حمد الله ، وفيها نخيل جيد ، ويزرع فى أرضها البطيخ وقصب السكر.

ومنها : الكوم الأصفر فى وسط الحوض الكائن فى جنوب عمود كوم بدر، ويتبعها نحو خمسة كفور ، وفيها مع كفورها نحو عشرين مضيفة وسبعة مساجد ، ولها سوق كل يوم سبت ، ولوقوعها فى وسط الحوض ، وإحاطة النيل بها زمن الفيضان ينقل ذلك السوق إلى حاجر الجبل عند نزلة القاضى كما أشرنا إليه.

ومنها : كوم بدر ، وهى قرية صغيرة ملاصقة لعمود كوم بدر على نحو النصف من السوهاجية ، وبساط الجبل وفيها مسجد مقام الشعائر، ومضيفتان ونخيل قليل ، ويتبعها كفران فيهما مضايف ونخيل ، ومن قرى الهلة الشيخ مسعود ويتبعها خمسة كفور، وفيها مسجدان وأربع مضايف ، ونخيل كثير جيد ، ومقام ولىّ الله الشيخ مسعود بجوار مسجده ، وله قبة مرتفعة. ، ومنها : الجريدات ، وهى قريتان متجاورتان فوق شط السوهاجية الغربى ، فيها مسجدان وست مضايف ونخيل وأبراج حمام.

ومنها نجع المروّم ، وهى قرية فى شرقى السوهاجية بنحو ربع ساعة ، وفى شمال بنجا كذلك، فيها مسجدان ومضايف ونخيل كثير جيد ، وفيها بيت مشيد لعمدتها أحمد سلامة ، وهو من كرام الناس ، وقد توفى سنة تسعين ومائتين وألف ، وترك ذرية ذكورا وإناثا ، وبيته عامر إلى الآن ، إلى غير ذلك من القرى والكفور البالغة نحو الستين ، وفى جميعها نخيل ومضايف ومساجد وزراعة حسنة ، ولكثير منهم خدم وحشم وعبيد وإناث كثير ، وأكثرهم لا يباشر زرعه بنفسه وربما عدوا ذلك عيبا.

ثم أن أهل الهلة يزعمون أن أصلهم من قبيلة بنى هلال المستوطنين ببلاد تونس ، وقيل : أصلهم من حمير اليمن وارتحلوا إلى تونس ، ثم ارتحل بعضهم إلى أرض مصر، وذلك فى القرن السادس وأن نسبهم ينتهى إلى عدنان ، كما فى وثائق عند كبرائهم كالقاضى ، فنزلوا فى غربى طهطا ، وكانت تلك الجهة إذ ذاك لشيخ العرب الجندالى الكشكى من مشايخ عرب جهينة ، فأقطعهم أرضا قليلة ، فاستقلوها على كفايتهم ، وكان من بنى حرب ، وهى قبيلة من عرب الحجاز نجع قاطنون فى غربى طهطا ، ولهم أرض يزرعونها.

فأسر أهل الهلة فى أنفسهم طردهم والاستيلاء على أرضهم ، فاتفق أن بنى حرب دعوا الهلة إلى وليمة فحضروا وتسابقوا بالخيول ، ثم نزل الجميع عن خيولهم وتشاغلوا مع بنى حرب بالمباسطة والأكل ، وقد كانوا أغروا أتباعهم وخدمهم على خيل بنى حرب ؛ فقطعوا ركاباتها وشرائحها وقلعوا اللجم منها ؛ ففعلوا ، ثم قاموا وركبوا خيولهم وشهروا أسلحتهم على بنى حرب ، وهجموا عليهم، فهمّ بنو حرب لركوب الخيل فوجدوها بهذه الصفة، فقتل منهم كثير وفرّ باقيهم.

فاستولى الهلة على نصف أطيانهم فى محل يقال له الآن الأخماس على جانبى السوهاجية، فاتسعت أطيانهم حتى زادت عن عشرين ألف فدان غير ما بخلالها من الأباعد، وكان الهلة خمس بدنات لكل بدنة كبير وهى خمس قرين وخمس شحاتة وخمس أبى خزيمة وخمس أولاد علىّ وخمس السديرات ، فاقتسموا جميع الأطيان أخماسا إلى الآن ولكل بدنة من الخمسة قطعة من قرية الصفيحة ، بحيث أن من لم يكن له مقسم فيها فليس من الهلة ، كما حكم بذلك قاضيهم قديما.