كفر الشيخ وسيدي سالم

كفر الشيخ .. مدينة أبي سعيد طلحة بن مدين التلمساني

يتكون اسم مدينة كفر الشيخ المصرية من مقطعين الأول هو (كفر) وتعني باللغة العربية القرية الصغيرة المستديرة لكنها غالبا ما كانت تطلق على القرى الجديدة التي تنشأ في زمام زراعي تابع لقرية أقدم وأكبر منها حيث تشير إلى معنى الحقل وينتشر هذا المصطلح في الشام مثل كفر قاسم في فلسطين وكفر رام في سوريا وكفر عبيدا في لبنان ، أما المقطع الثاني (الشيخ) فيقصد به ولي الله تعالى السيد أبو سعيد طلحة بن مدين التلمساني من أعلام التصوف السني في القرن السابع الهجري ..

وهو طلحة بن مدين بن شعيب التلمساني (أبي مدين الغوث) بن محمد بن عمر بن عبيد الفاسي المغربي الحسيني الهاشمي ويرجع في نسبه الأعلى إلى الإمام جعفر الزكي بن الإمام علي الهادي ، وجده هو القطب المتصوف أبو مدين شعيب التلمساني صاحب الضريح المعروف في مدينة تلمسان بالجزائر وأحد أعلام التصوف في المغرب العربي ، وهو خال السيد أحمد البدوي صاحب المسجد الأحمدي في طنطا ، وخاله هو السيد أبو الحسن الشاذلي مؤسس الطريقة الصوفية الشاذلية ..

قدم إلى مصر عام 600 هـ واستقر في رباط خاص به في غرب قرية دنقيون القديمة من توابع مدينة سخا في شمال الدلتا حيث توافد عليه المريدون طلبا للعلم والتبرك وقضى فيه بقية حياته حتى توفي في عام 631 هـ ودفن فيه ومعه ابنه سعيد وحفيده علي ، وتأسست حول رباطه ومسجده قرية جديدة نسبت إليه وجذبت السكان ثم توسعت تدريجيا حتى ابتلعت القرية القديمة في الشرق ثم تمددت عمرانيا باتجاه الجنوب بمرور الوقت حتى تحولت مدينة سخا إلى ضاحية من ضواحيها ..

وكانت المدينة منذ نشأتها واحدة من المراكز الهامة للمغاربة والأندلسيين في الدلتا خاصة في بداية العصر العثماني عندما استقبلت مصر الآلاف من المهاجرين بعد سقوط الأندلس وتم إنزالهم في الإسكندرية ورشيد حتى ضاقت بهم فقررت السلطات العثمانية نقل قطاع كبير منهم إلى أراضي البراري الخالية بين البرلس شمالا ووسط الدلتا جنوبا وكان ذلك سببا في تسارع وتيرة العمران في المدينة التي صارت المقصد الأول لهم ونشأت حولها عدد من القرى الصغيرة الجديدة ..

أرياف كفر الشيخ .. الأندلس الجديدة

في اللهجات الدارجة في بعض مناطق محافظتي البحيرة وكفر الشيخ تسمع جمع الأفعال بالصيغة السكندرية لكن بلكنة بدوية مثل قولهم : (نزرعوا .. نعملوا .. نسافروا .. نبيعوا) وهو من تأثير اللهجات المغاربية حيث كانت محافظة البحيرة مستقرا للقبائل المغاربية التي دخلت مصر مع قدوم الفاطميين وأشهرها كتامة وزناتة وهوارة ومزاتة وزويلة ولواتة .. وفي زمن الشدة المستنصرية قامت بغزو وسط الدلتا وزاحمت القبائل العربية في المنوفية ودفعتها باتجاه الشمال وذلك بعد صراعها مع قبيلة بني سليم القوية التي كانت لها السيطرة النهائية على غرب الدلتا ..

ومع ازدياد أعداد المهاجرين الأندلسيين (عرب وبربر) في الإسكندرية بدأ النزوح شرقا إلى قرية رشيد التي كان يسكنها عرب البحيرة حيث سمح لهم بالمرابطة في أجوارها والبناء في موضعين أحدهما في الشمال وهو عزبة المغاربة (سيدي أبو الريش فيما بعد) والآخر قبالة المدينة على النيل وهي قرية الجزيرة الخضراء حيث حدث اندماج بمرور الوقت مما حول رشيد إلى مدينة كبيرة وميناء هام .. وعندما ضاقت المنطقة الساحلية بالمهاجرين قررت الإدارة العثمانية نقل الآلاف منهم إلى وسط الدلتا في منطقة الأحراش والمستنقعات ..

كانت هذه المنطقة قليلة السكان بسبب زيادة معدل انحدار مياه فروع النيل الداخلية منذ العصر البيزنطي وهي تمتد من البرلس حيث منازل قبائل كنانة وبني عدي شمالا وحتى جزيرة بني نصر جنوبا (إبيار مركز كفر الزيات حاليا) حيث تسكن قبيلة بني نصر بن معاوية من هوازن وبني فزارة من غطفان ويحدها النيل ودسوق غربا والبراري والحامول شرقا .. وكانت عبارة عن مراعي للقبائل العربية البدوية من قضاعة فنزل العدد الأكبر من أهل الأندلس بينهم حيث بنوا عددا من القرى ذات الأسماء الأندلسية (محافظة كفر الشيخ الحالية) ..

من هذه القرى الحمراء والحمراوي وإسحاقة وأريمون ومحلة موسى وسيدي غازي وسيدي سالم وأبو غنيمة والحدادي والناصرية ومحلة دياي وكفر مجر .. وكانت أكبر قرية لهم تلك التي نشأت حول ضريح الولي المغربي الكبير أبي سعيد طلحة بن مدين التلمساني والمعروف باسم الشيخ فأطلق عليها (كفر الشيخ) تليها قرية قطور(محافظة الغربية حاليا) وهي من أهم مراكز المغاربة منذ العصر الفاطمي حيث كان لفظ القطوري يعني الأندلسي (لأنهم جاؤوا يتقاطرون متتابعين) ولذا سميت حارتهم في الإسكندرية بلقطري وفي طولون درب القطري وفي بولاق حوش القطورية ..

سخا وكورة السخاوية

شهدت مدينة سخا عددا من الأحداث السياسية والدينية حيث كانت عاصمة كورة السخاوية في عصر الولاة وواحدة من مراكز النزاعات المذهبية داخل الكنيسة القبطية وكذلك كانت مركزا للثورات ومنها ثورة البشموريين والتي انتهت بانسحابهم منها وطلب الأمان بعد وساطة البابا يوساب ، وفي عهد بدر الجمالي تم ضم الكور الصغرى وتأسيس كورة الغربية وعاصمتها سخا لكنها صارت تابعة لوالي المحلة مع كل من السمنودية ومنوف وجزيرة بني نصر (إبيار).

وفي أول العصر المملوكي حشدت القبائل العربية من طيء ولواتة قواتها في سخا قاصدة الاستيلاء على المحلة تحت قيادة الأمير حصن الدين الجعفري معلنة رفضها حكم المماليك لكنها هزمت على يد الأمير فارس الدين أقطاي في معركة سخا وتفرقت العشائر في أجوار الغربية ، وفي عهد الناصر محمد بن قلاوون تم إلغاء نظام الكور وتأسيس نظام الأعمال وقرر جعل المحلة عاصمة للأعمال الغربية فتراجعت مكانة سخا حتى صارت من توابع مدينة كفر الشيخ الناشئة.

وجاء عنها في القاموس الجغرافي : ” سخا هي من القرى القديمة ذكرها جوتييه في قاموسه باسمها المصري Khas وKhasouout و Skhaouout واسمها الرومي Xois والقبطي Skhouy ، وهي سخا قاعدة القسم السادس بالوجه البحري قديما وذكر لها أميلينو في جغرافيته اسما قبطيا آخر وهو Sekhaou .

ووردت في كتاب المسالك لابن خرداذبه وفي كتاب البلدان لليعقوبي سخا من كور مصر القديمة وفي كتاب المسالك لابن حوقل صخا بين مسير وسنهور قال : صخا مدينة كبيرة ذات حمامات وأسواق وعمل واسع وإقليم جليل له عامل بعسكر وجند وغلات وبها الكتان الكثير وزيت الفجل وقموح عظيمة أي غلال كثيرة وفي نزهة المشتاق صخا في البرية بالقرب من متبول ولها إقليم متصل.

وفي قوانين ابن مماتي سخا المدينة وفي تحفة الإرشاد سخا من أعمال الغربية وفي معجم البلدان سخا كورة بمصر وقصبتها سخا بأسفل أرض مصر وهي الآن (أي في عهد الدولة الأيوبية) قصبة كورة الغربية ودار الوالي بها وفي الانتصار سخا مدينة قديمة حسنة ولها إقليم واسع وفي التحفة سخا وحصتها من أعمال الغربية وفي تاريخ سنة 1228 باسمها القديم “.

وقال عنها ياقوت الحموي في معجم البلدان أيضا : ” وسخا من فتوح خارجة بن حذافة بولاية عمرو بن العاص حين فتح مصر أيّام عمر رضي الله عنه ، ينسب إليها أبو أحمد زياد بن المعلّى السخاوي ذكره ابن يونس وقال : مات سنة ٢٥٥ ، وبدمشق رجل من أهل القرآن والأدب وله فيهما تصانيف اسمه علي بن محمد السخاوي حيّ في أيّامنا وهو أديب فاضل ديّن يرحل إليه للقراءة عليه “.

سخا في كتابات المؤرخين

جاء في الخطط التوفيقية : سخا : قال فى «مشترك البلدان» هى بفتح السين المهملة والخاء المعجمة بعدها ألف ، مدينة قديمة من مدائن خط سبنيته (سمنود) من الوجه البحرى ، وفى القاموس : سخا كورة بمصر منها المقرئ المشهور وآخرون اهـ ، وكانت سابقا تعرف بسخو كلمة قبطية وكان اليونان واللاتينيون يسمونها اكسويس ، وقيل إنها كانت قاعدة إقليم يقال له اجيطياق عدد قراه نحو مائة وخمس عشرة قرية ما بين صغيرة وكبيرة ، ومعنى اجيطياق المصرى ، وقيل إن كلمة سخا كانت تطلق على نفس المدينة وعلى الجزيرة التى هى فيها المحصورة بين فرعى سبنيته وفتنيقه ، وكانت من كراسى النصرانية ، وكان فيها أسقفية ، وفى دفاتر التعداد أن سخا من مديرية الغربية.

وقال خليل الظاهرى : إن كثيرا من الناس يقولون إن خط سخا معدود مديرية مستقلة ، ووصف ابن حوقل والمقريزى الطريق من منوف إلى رشيد فقالا : إنها تمر بمحلة سرد ثم سخا وشيرامياه ومسير وسنهور ونجوم ونستروه ، وإن سخا فى منتصف المسافة بين منوف ومسير، وجعلها بعض مؤلفى الفرنج فى النصف بين محلة أبى على والمحلة الكبرى.

وقال بطليموس : إن مدينة اكسويس (سخا) واقعة بين فرعى فرموتياك واتربيتك ، فى طول ستين درجة وأربعين دقيقة ، وعرض ثلاثين درجة وخمس وأربعين دقيقة ا. هـ

وحيث إن بطليموس ذكر أن فرع موتياك أو ترموتياك كان من فروع النيل يخرج من بحر الغرب ، وبعد أن يقطع الدلتا يصب فى المالح من فرع بسنيته أى فرع سمنود وفرع اتربيتك وهو فرع دمياط الذى يصب فى بحر الروم من مصب مخصوص يسمى بينتيمى فهذا يدل على أن هذه المدينة كانت قريبة من مدينة نيكيوس ، التى جعل بطليموس طولها إحدى وستين درجة وثلاثين دقيقة وعرضها ثلاثين درجة وعشرين دقيقة ، ويكون البعد بين المدينتين ليس كبيرا ؛ لأن فرق الطولين عشر دقائق وفرق العرضين خمس وعشرون دقيقة.

وقال مرييت : إن فراعنة العائلة الرابعة عشر تنسب إلى هذه المدينة ومدتهم مائة وأربع وثمانون سنة ، وفى آخر زمن فراعنتها استولت العرب العمالقة على أرض مصر وأقاموا بها خمسمائة وإحدى وعشرين سنة قبل المسيح بألفين ومائتين وأربع عشرة سنة ، ونقل كترمير عن بعض مؤلفى الإفرنج أنه وجدت بها مداليات مضروبة فى السنة الحادية عشرة ، من زمن القيصر ادريان ، وأخرى مضروبة فى تلك المدة وعليها صورة جمل. ا. هـ.  

وقال ابن حوقل : كان القمح الناتج من أرضها فى غاية الجودة ، وكان الناتج بها من الكتان مقدارا عظيما ، وكان فيها حمامات وأسواق وكثير من معاصر زيت السلجم ، وهى مسقط رؤوس جماعة من علماء الإسلام. انتهى.

وفى «خطط المقريزى» فى فتح إسكندرية عن يزيد بن حبيب أن أهل بلهيب وسلطيس وقرطيا وسخا نقضوا العهد وخرجوا عن الطاعة فسباهم عمرو ابن العاص ، فلما بلغ خبرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عمرو بردّهم فرد من وجد منهم ، انتهى.

وفيما نقله ابن حوقل والمقريزى أن مدينة سخا كانت فى صدر الإسلام قاعدة إقليم عظيم ، ودار إقامة حاكم يصحبه فرقة من العساكر.

أعلام سخا

الإمام علم الدين السخاوي : ترجمه ابن خلكان فقال : هو أبو الحسن على بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الأحد ابن عبد الغالب المهدانى المصرى السخاوى المقرئ النحوى الملقب علم الدين ، كان قد اشتغل بالقاهرة على الشيخ أبى محمد القاسم الشاطبى المقرئ وأتقن عليه علم القراءات والنحو واللغة، وعلى أبى الجود غياث بن فارس بن مكى المقرئ، وسمع بالإسكندرية من السلف وابن عوف، وبمصر من البوصيرى وابن ياسين.

ثم انتقل إلى مدينة دمشق وتقدم بها على علماء فنونه واشتهر، وكان للناس فيه اعتقاد عظيم، وشرح «المفصل» للزمخشرى فى أربع مجلدات، وشرح القصيدة الشاطبية فى القراءات وكان قد قرأها على ناظمها، وله خطب وأشعار، وكان متعينا فى وقته، ورأيته بدمشق والناس يزدحمون عليه فى الجامع لأجل القراءة، ولا يصح لواحد منهم نوبة إلا بعد زمان، ورأيته مرارا يركب بهيمة وهو يصعد إلى جبل الصالحية وحوله اثنان أو ثلاثة، وكل واحد يقرأ ميعاده فى موضع غير الآخر والكل فى دفعة واحدة، وهو يرد على الجميع.

ولم يزل مواظبا على وظيفته إلى أن توفى بدمشق ليلة الأحد ثانى عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة، وقد أناف على تسعين سنة رحمه الله تعالى، ولما حضرته الوفاة أنشد لنفسه: قالوا غدا نأتى ديار الحمى … وينزل الركب بمغناهم .. وكلّ من كان مطيعا لهم … أصبح مسرورا بلقياهم .. قلت فلى ذنب فما حيلتى … بأى وجه أتلقاهم .. فقالوا أليس العفو من شأنهم … لا سيما عمن ترجّاهم ، ثم ظفرت بتاريخ مولده فى سنة ثمان وخمسين وخمسمائة بسخا ا. هـ.

الحافظ شمس الدين السخاوى : وقد ترجم نفسه فى كتابه «الضوء اللامع فى أهل القرن التاسع» فقال : إنه محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبى بكر بن عثمان بن محمد الملقب شمس الدين أبو الخير وأبو عبد الله ابن الزين أو الجلال أبى الفضل وأبى محمد السخاوى الأصل القاهرى الشافعى ويعرف بالسخاوى ، ولد فى ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة ، وذكر في كتابه عددا من أبناء سخا ومنها عائلته وذلك في الفصل الخاص بلقب السخاوي حيث يقول :

(السخاوي) نِسْبَة لسخا بلد غربي الْفسْطَاط نِسْبَة إِلَيْهَا المتقدمون السخوي أَحْمد بن مُحَمَّد بن زين مِمَّن حضر أمالي الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ وَأَظنهُ أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن موين مِمَّن حضر إملاء شَيخنَا وَأخذ عَنهُ السراج بن حريز وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد تلميذ الزين الْعِرَاقِيّ ذُو مناظيم فِي الحَدِيث وَغَيرهَا ومساعد بن ساري وَمُحَمّد بن أبي بكر بن عُثْمَان وَبَنوهُ أَبُو بكر وَعبد الرَّحْمَن وَفَاطِمَة وَبَنُو الثَّانِي كَاتبه مُحَمَّد وَعبد الْقَادِر وَأَبُو بكر أثكل الأول بضع عشرَة أنجبهم أَحْمد ..

وَللثَّانِي جمَاعَة مِنْهُم الْبَدْر مُحَمَّد وللثالث زين العابدين مُحَمَّد وَعز الدّين مُحَمَّد وقرة الْعين وناصر الدّين مُحَمَّد وخليل ابْنا أَحْمد بن عَليّ وَثَانِيهمَا نديم الظَّاهِر حقمق ووالد أَحْمد وَعَمه نَاصِر الدّين مُحَمَّد وَعلي بن مُحَمَّد بن عبد النصير الْكَاتِب عُصْفُور وَمُحَمّد بن عز الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن وجيه الْمعبر وَمُحَمّد بن أَحْمد بن مُوسَى بن أبي بكر الْمَالِكِي قَاضِي الْمَدِينَة ابْن القصبي وَبَنوهُ خير الدّين أَبُو الْخَيْر مُحَمَّد وَأحمد وَبَنُو أَوَّلهمْ الْمُحب مُحَمَّد.

مسير

اشتق اسم قرية مسير بكفر الشيخ من الفعل سار ، وقد تأسست في القرن الثاني الهجري لتكون محطة برية بن سخا وسنهور ، ونسبت لها قرية محلة مسير التي تأسست في القرن الثالث الهجري وقرية منية مسير التي تأسست في القرن الرابع الهجري (وتعرف في السجلات العثمانية باسم ميت مسير).

جاء في القاموس الجغرافي : ” مسير هي من القرى القديمة ، وردت في المسالك لابن حوقل ضمن المدن الواقعة على الطريق البري بين صخا (سخا) وسنهور ، قال : مسير مدينة لها منبر (جامع فيه خطبة) وأسواق كثيرة الغلات وبها عامل عليها للماء وقسمته (أي مهندس ري) ، وردت في قوانين ابن مماتي وفي تحفة الإرشاد وفي التحفة مسير من أعمال الغربية ، وفي تاج العروس مسير الكوم بالغربية نسبة إلى كوم أثري قديم كان يجاورها فعرفت به ، وفي تاريخ سنة 1228 هـ باسمها القديم الذي لم يطرد عليه تغيير ولا تحريف “.

وجاء في الخطط التوفيقية : مسير قرية من مديرية الغربية ، بمركز كفر الشيخ واقعة فى الجنوب الغربى لناحية متبول بنحو خمسة آلاف وثلاثمائة متر وفى جنوب منية مسير بنحو سبعمائة متر. وبها جامعان كلاهما بمنارة ، وبها ضريح عليه قبة ، وفى وسطها سويقة صغيرة دائمة وسوق عمومى كل أسبوع ، ولإهلها اعتناء بزراعة الكتان أكثر من غيره ، وأكثر أهلها مسلمون.

وإليها ينسب كما فى ذيل الطبقات للشعرانى الشيخ يحيى المسيرى وقد ترجمه بأنه : الشيخ الصالح الورع الزاهد سيدى يحيى المسيرى ، ولد شيخنا الشيخ شهاب الدين رأس المدرسين بالجامع الأزهر ، نشأ فى علم وأدب ونسك وعبادة. قال صحبته : من حين كان دون البلوغ فلم أر عليه شيئا يشينه فى دينه ، وما سمعته قط يذكر أحد بسوء ، وأجازه أشياخه بالفتوى والتدريس فأفتى ودرس وانتفع به خلائق.

وإليها ينسب أيضا الإمام العالم العلامة الشيخ عبد الكريم المسيرى ترجمه الجبرتى بأنه : أحد الأذكياء الشيخ عبد الكريم بن على المسيرى الشافعى المعروف بالزيات لملازمته الشيخ سليمان الزيات ، حضر دروس فضلاء الوقت ، ولازم شيخه حتى صار معيدا لدروسه ، ومهر وأنجب ، وتضلع فى الفنون ودرس وأملى وكان أوحد زمانه فى المعقولات منه العهد ، ثم أرسله الشيخ إلى بلاد الصعيد لأنه جاءه كتاب من أحد مشايخ الهوارة ممن يعتقد فى الشيخ بأن يرسل إليه أحد تلامذته لينتفعوا به ، فكان هو المعين لهذا الأمر فألبسه وأجازه.

ولما وصل إلى ساحل بهجورة بالصعيد تلقته الناس بالقبول التام ، وعينوا له منزلا واسعا وحشما وخدما وأقطعوا له جانبا من الأرض ليزرعه ، فقطن ببهجورة واعتنى به أميرها شيخ العرب إسماعيل بن عبد الله فدرس وأفتى وأعطى العهود وأقام مجلس الذكر ، وراج أمره وتملك عقارات ومواشى وعبيدا وزروعات ، ثم تقلبت الأحوال فى الصعيد فأوذى وأخذ ما بيده من الأراضى ، فأتى إلى مصر فلم يجد من يعينه لوفاة شيخه ثم عاد ولم يتحصل على شئ مما كان بيده ، وما زال ببهجورة حتى مات فى أواخر سنة إحدى وثمانين ومائتين وألف.

وينسب إليها أيضا : العالم الفاضل الحاذق الماهر الشيخ محمد المسيرى ، كان من الفضلاء الظاهرين بمدينة الإسكندرية وقت أن كان الإنكليز مسؤلين عليها قبل حكم العزيز محمد على ، وكانوا من أهل الحل والعقد ، ولما دخلت الفرنساوية مصر واستولوا عليها كان من ضمن السبعة الأعيان الذين اختارهم بونابارت فى تركيب مجلس لفصل قضايا الأهالى ، فكان رئيس المجلس السيد محمد كريم والمسيرى أحد أعضائه.

سيدي سالم وسيدي غازي

كثير من المدن والقرى المصرية استمد اسمه من الشخصية الأكثر شهرة في تاريخه خاصة إذا كان في منزلة دينية أو قبلية مثل شيوخ العرب والأولياء الصالحين ، ومن هذه البلاد في محافظة كفر الشيخ كل من مدينة سيدي سالم التي تنسب إلى العارف بالله سيدي سالم أبو جبارة المسلم الحسيني العراقي ومدينة سيدي غازي التي تنسب إلى شيخ العرب محمد بن غازي صاحب الإقطاعيات الممنوحة من المماليك في القرن التاسع الهجري.

وكانت مدينة سيدي سالم قد تأسست على بعد ثلاثة كيلومترات من شرق قرية الفرجون البشمورية القديمة التي كانت من توابع كورة تيدة المجاورة وعرفت عند العوام باسم كوم سيدي سالم صاحب الضريح الموجود في الضاحية الجديدة التي عرفت وقتها باسم حوض الزعفران نسبة لنبات الزعفران المنتشر بالمنطقة والقريب من قرية كوم المسك ، وتوسعت الضاحية حتى ضمت أطلال قرية الفرجون القديمة ثم صارت تيده من توابعها.

ذكرها ابن الجيعان في كتاب التحفة السنية فقال : ” تيده والفراجون مساحتها 1607 أفدنة بها رزق 14 فدان عبرتها 5000 دينار كانت باسم الأمير طاز العثماني والآن للمقطعين وأملاك وأوقاف ” ، وقال عنها محمد رمزي : ” وأما الفراجون فقد اندثرت ومكانها اليوم كوم سيدي سالم الواقع في شمال تيده على بعد ثلاثة كيلومترات وأما كوم المسك فقد اندثرت أيضا ومكانها لا يزال محتفظا باسمها وهو كوم المسك الواقع بأراضي ناحية الحدادي .. “.

وأما مدينة سيدي غازي فقد نشأت بجوار قرية بشمورية قديمة تعرف باسم دير شبرا كلسا حيث استقر الشيخ محمد بن غازي في إقطاعه بجوار القرية من الجهة الغربية وأسس قرية جديدة عرفت باسم الكفر الغربي واشتهرت عند الناس باسم زاوية غازي ، ذكرها ابن الجيعان في كتاب التحفة السنية فقال : ” ديرب شبرا كلسا مساحتها 398 فدان بها رزق 6 أفدنة عبرتها 320 دينار كانت للمقطعين والآن رزقه باسم الشيخ محمد بن غازي “.

وقال عنها محمد رمزي في القاموس الجغرافي للبلاد المصرية : ” ولشهرة مقام ابن غازي تغلب اسمه على اسم دير شبرا كلسا فعرفت القرية من العهد العثماني باسم زاوية غازي وردت به في تاج العروس ثم وردت في تاريخ سنة 1228 باسم زاوية غازي وهي الكفر الغربي ، ومن تاريخ سنة 1259 هـ وردت باسم الكفر الغربي فأصبح هو اسمها في الدفاتر والأوراق الرسمية ولكنها معروفة على لسان العامة باسم سيدي غازي “.