
العرب في قفط
في كتابه (العرب قبل الإسلام) يذكر جورجي زيدان تمدد القبائل العربية في مصر في العصر الروماني فيقول : ” قضاعة : كانوا يشغلون الجزء الشمالي من الحجاز العربي وبرية سيناء إلى حدود مصر ولم تكن لهم دولة أو ملوك ولكنهم غلبوا على بادية مصر وصعيدها أجيالا ..
فقد ذكر ابن خلدون أنهم اجتاز منهم أمم إلى إلى العدوة الغربية من البحر الأحمر وانتشروا ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة وكثروا هناك سائر الأمم وغلبوا على بلاد النوبة وفرقوا كلمتهم وحاربوا الحبشة فأرهقوهم إلى هذا العهد ..
ويوافق ذلك ما ذكره اليونان عن أخبار مصر لأوائل النصرانية فقد ذكر استرابون وبيلينيوس أن العرب تكاثروا في أيامهما على العدوة الغربية من البحر الأحمر حتى شغلوا ما بينه وبين النيل في أعلى الصعيد وأصبح نصف سكان قفط منهم وكانت لهم جمال ينقلون عليها التجارة والناس بين البحر والنيل ..
وكانت العرب في أيام أغسطس قيصر بأوائل النصرانية قد دوخوا الحبشة وتملكوها وأوغلوا في بلاد النوبة ولهم فيها وفي مصر طرق مختصرة يعرفونها .. وتغيرت لغة الأثيوبيين وعبادتهم بنزول أولئك العرب فيها فبعد أن كانت مصرية أصبحت عربية فيستدل من ذلك أن العنصر العربي كان في أوائل النصرانية غالبا على صحراء مصر الشرقية والحبشة والنوبة “.
ومن اهم فروع قضاعة قبيلة بلي التي شكلت الموجة الثانية من هجرات القضاعيين للصعيد بعد قيام الفاطميين بإعادة تنظيم القبائل ، يقول المقريزي : ” وأما بلى فإنها بلى بن عمرو بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ..
وبلى قبيلة عظيمة فيها بطون كثيرة ، وكانت بلى بالشام فنادى رجل من بلى بالشام يالقضاعة فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب إلى عامل الشام أن يسير ثلث قضاعة إلى مصر فنظروا فإذا بلى ثلث قضاعة فسيروا إلى مصر ..
وكانت بلى متفرقة بأرض مصر ثم اتفقت هي وجهينة فصار لبلى من جسر سوهاي غربا إلى قريب غرب قمولة وصار لها من الشرق من عقبة قاو الخراب إلى عيذاب ، وكان ببلاد مصر هذه من بطون بلى بنو هُنَىّ وبنو هرم وبنو سوادة وبنو خارفة
وبنو رايس وبنو ناب وبنو شاد وكان بنو شاد هم الأمراء . وبنو عجيل من الريب وهم العجيلية وفيهم الإمرة أيضا “.
ويفصل ذلك القلقشندي في قوله : ” كانت جهينة بالأشمونين جيراناً مع قريش كما هم بالحجاز فوقع بينهم واقع أدّى إلى دوام الفتنة ، فلما أتى العسكر المصري لإنجاد قريش على جهينة خافت بليّ فانهزمت إلى أعلى الصعيد إلى أن أُديلت قريش وملكت أماكن جهينة ، ثم حصل بينهم جميعاً الصلح على مساكنهم التي هم بها الآن وزالت الشحناء من بينهم “.

قفط
قفط مدينة قديمة اسمها الأصلي كبتا واليوناني كوبتوس والقبطي كبتو ، وهي مركز تجاري هام حيث كانت محطة للقوافل العربية في مصر في العصر الروماني وذكر استرابون أن نصف سكانها كانوا من العرب في ذلك الوقت ، قال عنها ياقوت في معجم البلدان : ” قفط مدينة شرقي النيل بصعيد مصر الأعلى ، والغالب على معيشة أهلها التجارة والسفر إلى الهند وليست على ضفة النيل بل بينهما نحو الميل وساحلها يسمى بقطر وبينها وبين قوص نحو الفرسخ ، وفيها أسواق وأهلها أصحاب ثروة وحولها مزارع وبساتين كثيرة “.
وفي كتاب الانتصار لابن دقماق : ” قفط وهي من المدن القديمة وكانت قديما مدينة الإقليم وكان بها أربعون مسبكا للسكر وست معاصر للقصب وبها قباب بأعلى دورها قالوا : إن كل من ملك من أهلها عشرة آلاف دينار يجعل له قبة في داره ” ، وفي تقويم البلدان : ” بليدة تحت قوص من بر الشرق على بعض من مرحلة منها موقوفة على الأشراف وهى أقرب إلى الجبل من النيل ” ، وخلال القرون الأربعة الهجرية الأولى كانت قفط هي أهم مدينة في الصعيد ثم تراجعت مكانتها لصالح قوص.
وقال عنها الإدريسي في كتاب نزهة المشتاق : ” ومدينة قفط متباعدة عن ضفة النيل من الجهة الشرقية وأهلها شيعة ، وهي مدينة جامعة متحضرة بها أخلاط من الناس وفيها بعض بقايا من الروم ، وبها مزارع كثيرة للبقول مثل اللفت والخس وذلك لأنهم يجمعون بذورها ويطحنونها ويستخرجون أدهانها ويصنعون منها أنواعا من الصابون يتصرفون به في جميع أرض مصر ومنها يتجهز به إلى كل الجهات وصابونها معروف النظافة “.
وينسب لها عدد من الفقهاء والأدباء والمؤلفين وهم : الشيخ إبراهيم بن أبى الكرم ، ذكره ابن خلف فى تاريخه وكان عالما فاضلا أديبا شاعرا وتولى القضاء ببوش والمتوفي عام 622 هـ ، إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد القفطي الشيبانى المقدسى الذي تولى الوزارة في حلب والمتوفي 658 هـ ، وإسماعيل بن محمد بن أحمد بن أبى النصر القفطي كان مجازا بالفتوى وتولى الحكم ببلده وغيرها والمتوفي 671 هـ ، وشيث بن إبراهيم بن محمد بن هدية بن الحاج الفقيه المالكى القفطى كان قيما بالعربية وله فيها تصانيف منها المختصر والمقتصر والمتوفي 598 هـ ..
وعلى بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد القفطي الشيبانى كان له دراية فى الهندسة والتاريخ ومؤلف كتاب تاريخ مصر فى أيام الملك الناصر صلاح الدين والمتوفي 646 هـ ، وشمس الدين محمد بن صالح بن محمد القفطي الفقيه والشاعر تولى الحكم بسمهود والبلينا وجرجا والمتوفي 698 هـ ، وبهاء الدين هبة الله بن عبد الله بن سيد الكل القفطى الشافعى تفقه وبرع في علوم كثيرة وولى الحكم بإسنا وانتهت إليه رياسة العلم فى إقليمه والمتوفي 697 هـ ، ووردت تراجمهم في كتاب الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد للإدفوي.

الإمام ورش
في وسط القرافة الصغرى بالفسطاط قبر الإمام ورش صاحب القراءة المعروفة برواية ورش عن نافع وهي ثاني أكثر القراءات انتشارا في العالم الإسلامي بعد قراءة حفص عن عاصم وتتميز بالإمالة وطول المد وترقيق الراء وتخفيف همزة القطع وغيرها ، وصاحبها هو الإمام أبو سعيد عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سليمان العوامي القفطي ولقبه الذي اشتهر به هو ورش والذي أطلقه عليه شيخه نافع المدني بسبب شدة بياض وجهه.
وتنحدر أسرته من القيروان بتونس وكانوا من موالي آل الزبير بن العوام الذين انتقلوا إلى قفط بصعيد مصر حيث ولد هناك عام 110 هـ ، رحل إلى الفسطاط أولا ليتعلم القراءة في جامع عمرو بن العاص ثم ارتحل إلى المدينة المنورة ليتتلمذ على يد الإمام نافع بن عبد الرحمن بن أبي نُعيم الليثي الكناني ثم عاد لتنتهي إليه رياسة الإقراء بالديار المصرية حتى توفي في الفسطاط في عام 197 هـ ، ومن أشهر تلاميذه يونس بن عبد الأعلى ..
ويحكي ورش عن رحلته إلى المدينة وطلبه من كبير الجعفريين التوسط له عند الشيخ بعد أن رأى الزحام الشديد من الطلاب فيقول (فقال لي نافع : أيمكنك أن تبيت في المسجد ؟ قلت : نعم ، فبتُّ في المسجد ، فلمَّا أن كان الفجر جاء نافع ، فقال : ما فعل الغريب ؟ فقلتُ : ها أنا رحمك الله ، قال : أنتَ أولى بالقراءة ، قال : وكنتُ مع ذلك حسنَ الصوت مَدَّاداً به ، فاستفتحتُ فملأ صوتي مسجدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأتُ ثلاثين آية ..
فأشار بيده أنِ اسكت فسكتُّ ، فقام إليه شاب من الحلقة فقال : يا معلم – أعزَّك الله – نحن معك ، وهذا رجل غريب وإنما رحل للقراءة عليك ، وقد جعلتُ له عشراً وأقتصرُ على عشرين ، فقال : نعم وكرامة ، فقرأتُ عشرًا ، فقام فتى آخر فقال كقول صاحبه ، فقرأتُ عشرًا وقعدتُّ ، حتى لم يبق له أحد ممن له قراءة ، فقال لي : اقرأ ، فأقرأني خمسين آية ، فما زلتُ أقرأ عليه خمسين في خمسين حتى قرأتُ عليه ختمات قبل أن أخرج من المدينة) ..
قال ابن الجزري في النشر: (وَتُوُفِّيَ وَرْشٌ بِمِصْرَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ، رَحَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَقْرَأَ عَلَى نَافِعٍ فَقَرَأَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ خَتَمَاتٍ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَرَجَعَ إِلَى مِصْرَ فَانْتَهَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ الْإِقْرَاءِ بِهَا فَلَمْ يُنَازِعْهُ فِيهَا مُنَازِعٌ مَعَ بَرَاعَتِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَمَعْرِفَتِهِ فِي التَّجْوِيدِ وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ ، قَالَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى : كَانَ وَرْشٌ جَيِّدَ الْقِرَاءَةِ حَسَنَ الصَّوْتِ إِذْ يَهْمِزُ وَيَمُدُّ وَيُشَدِّدُ وَيُبَيِّنُ الْإِعْرَابَ لَا يَمَلُّهُ سَامِعُهُ) ..

قفط في كتابات المؤرخين
جاء في الخطط التوفيقية : قفط فى : (تقويم البلدان): أنها – بكسر القاف وسكون الفاء وفى آخره طاء مهملة – بليدة تحت قوص من بر الشرق على بعض من مرحلة منها، موقوفة على الأشراف ، وهى أقرب إلى الجبل من النيل، قال الإدريسى فى: (نزهة المشتاق): ومدينة قفط متباعدة عن النيل من الجهة الشرفية ، وأهلها شيعة ، وهى مدينة جامعة متحضرة ، بها أخلاط من الناس ، ومنها إلى قوص فى الجهة الشرقية من النيل سبعة أميال. انتهى.
وفى كتب الفرنساوية أنها مدينة قديمة بالصعيد الأعلى ، سماها قدماء اليونان قبطوس ، وتعرف فى مؤلفات كل من الإدريسى وأبى الفداء والبغوى باسم : قفط ، وذكرها القزوينى بهذا الاسم فى جغرافيته المسماة : بعجائب البلدان وهى فى قسم واد ، قال بعض الإفرنج : إنه ربما كان هو الوادى الذى كان به الخليج ، الذى فتحه بطليموس بين النيل والبحر الأحمر ، وطريق القصير وبيرنيس فى واد قريب منه ، واسم الأقباط ربما كان مأخوذا من اسمها ، لأن مذهب أتوشيت أول ظهوره كان بها وبما جاورها من القرى ، وقبل ظهور الديانة المسيحية بأرض مصر كان أهلها يقدسون المقدسة إزيس ، وينسبون إليها زيادة النيل ، فيجعلون فيضانه من دموعها ، وقال المقريزى : إنها كانت فى الدهر الأول مدينة الإقليم ، وإنما بدا خرابها بعد الأربعمائة من تاريخ الهجرة النبوية ، وآخر ما كان فيها بعد الستمائة من سنى الهجرة أربعون مسبكا للسكر وست معاصر للقصب ، ويقال: كان فيها قباب بأعالى دورها ، وكانت إشارة من يملك من أهلها عشرة آلاف دينار أن يجعل فى داره قبة ، وبالقرب منها معدن الزمرد.
ولمدينتى قفط وقوص أخبار عجيبة فى بدء عمارتهما ، وما كان فى أيام القبط من أخبارهما ، إلا أن مدينة قفط فى هذا الوقت متداعية للخراب ، وقوص أعمر ، والناس فيها أكثر ، وكان بقفط بربا ، ثم قال : وفى سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة كانت فتنة كبيرة بمدينة قفط ، سببها أن دعيا من بنى عبد القوى ادعى أنه داود بن العاضد ، فاجتمع الناس عليه ، فبعث السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب أخاه الملك العادل أبا بكر بن أيوب على جيش فقتل من أهل قفط نحو ثلاثة آلاف ، وصلبهم على شجر ظاهر قفط ، بعمائمهم وطيالستهم ، وذكر أبو صلاح أنه كان بداخلها وفى جوارها كثير من الديورة والكنائس ، وأشهرها كنيسة مريم العذراء وكنيسة صوير ودير العذراء ودير أنطوان ودير شنودة وديران باسم تبيدور ، ودير للنساء وكنيسة باسم الملك ميكائيل على قمة الجبل. انتهى.
وهى الآن فى نهاية تلول البلد القديم من الجهة الغربية ، رأس قسم واقعة فى حوض أبنود بين الجبل والبحر فى شرقى ترعة سنهور ، أكثر أبنيتها بالآجر وبها ثلاثة مساجد ، أحدها : بمنارة وهو مسجد قديم ، وبها معامل فراريج ونخيل كثير ، وبها كوهرجلة ، وكان بها قشلاق للعسكر ، وقنا فى بحريها على نحو ثلاث ساعات ونصف ، وفى شرقيها بالجبل بئر يقال لها بئر عنبر، قد بنى عليها المرحوم سر عسكر إبراهيم باشا والد الخديوى إسماعيل باشا سبيلا وحوضا ومساكن للحجاج ، ويحيط بذلك أشجار السنط ، وإلى الآن لخدمة السبيل مرتب يؤخذ من الدائرة السنية الخديوية ، ومن بئر عنبر إلى قنا محطة واحدة ، ومنها أيضا إلى اللقيطة فى الجبل محطة فيها جملة آبار عذبة الماء ، ومن اللقيطة إلى الوكالة الزرقاء ، وهى محطة ذات آبار ، ومن الوكالة الزرقاء إلى أم حمص وآبارها، ومن أم حمص إلى آبار الإنجليز ، وهى بئر فى الطريق ينزل إليها بثلثمائة سلم من عمل العزيز محمد على ، ومن آبار الإنجليز للسد ، وفيه آبار حلوة ، وبعد السد تمر الطريق على محل يعرف بالعنبجة ، به ماء مرّ لا يشرب ، خارج من الجبل يجرى على الأرض ، ويختفى تحت الجبل ، ثم من العنبجة إلى القصير ، وهذه الطريق يقال لها طريق الرصفة ، وهناك طريق أخرى تسمى طريق الباز ، أولها من اللقيطة إلى آبار اللاز ومن آبار اللاز إلى آبار قش ، ثم منها إلى العنبجة ، ثم منها إلى القصير ، وبينه وبين قفط مسافة أربعة أيام.
وفى زمن المرحوم عباس باشا ، عملت إشارات أبراج فى طريق الرصفة ، وفى أثناء العمل كانت الأرضة تأكل الأخشاب ، فلذلك لم تستعمل تلك الإشارات ، وهذه المحطات يجتمع عندها القوافل الصاعدة والهابطة للسقى والاستراحة. وبناحية قفط بستان ليوسف أفندى مدير قنا سابقا ، وكان قبل ذلك متعهد تلك الناحية ، وله إلى الآن بها أطيان ، ولها سوق كل يوم ثلاثاء. وفى (الطالع السعيد) أنه نشأ منها جماعة من أفاضل العلماء.

نجع البارود
في يوم 3 مارس من كل عام تحتفل محافظة قنا بعيدها القومي والذي يوافق ذكرى معركة نجع البارود وإغراق أسطول الحملة الفرنسية في النيل بالقرب من قفط وهي أكبر هزيمة تلقاها جيش نابليون في الصعيد ، ويحكي عنها بالتفصيل المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه تاريخ الحركة القومية ويقول :
” كارثة السفن الفرنسية في النيل 3 مارس سنة 1799 : سبق الجنرال ديزيه عند سفره من قوص أسطوله الذي كان يسير ببطء في النيل ليلحق بالجيش في أسيوط وبعدت الشقة بينهما فانتهز الأهالي هذه الفرصة لمهاجمة الأسطول وكان عدده نحو 12 سفينة حربية تقل ذخائر الجيش ومؤونته تتقدمها السفينة الحربية إيتاليا ..
هاجم الأهالي هذه السفن يوم 3 مارس سنة 1799 على مقربة من قرية بارود وأطلقوا عليها الرصاص فأجابت السفينة الحربية إيتاليا على هجمات الأهالي بإطلاق المدافع فقتلت منهم عددا كثيرا لكن الأهالي ومعهم العرب القادمون من القصير تجمعوا وازداد عددهم ونزلوا النيل سباحة وهجموا على السفن فاستولوا عليها عنوة وأفرغوا شحنتها من الذخائر على شاطىء النيل ، ثم ركبوها وقصدوا إلى السفينة الحربية إيتاليا للاستلاء عليها ..
وكان يقودها القومندان موراندي فضاعف إطلاق الرصاص على المهاجمين ولكنه رأى رجال مدفعيته قد أثخنتهم الجراح على ظهر السفينة ورأى من جهة أخر جموع الأهالي من الشاطىء الأيسر يتحفزون للهجوم عليه ، ففكر في الانسحاب ولكن الريح عاكسته فجنحت سفينته وإذ ذاك هرع إليها الأهالي والعرب من كل صوب وحدب وصعدوا على ظهرها فتحقق موراندي الخطر المحدق به ولكنه أبى التسليم فأشعل النار في مستودع البارود وألقى هو ورجاله بأنفسهم في اليم قاصدين النجاة ..
وانفجر مستودع البارود فنسف السفينة نسفا وتفجرت شظايا القنابل على الشاطىء فقتلت عددا كثيرا من الأهالي ولكن الباقين منهم قاتلوا موراندي ورجاله في اليم فمات مثخنا بجراحه وقتل جميع الفرنسيين الذين كانوا على ظهر السفينة إيتاليا وعلى ظهر السفن الأخرى وكانت خسارة الفرنسيين جسيمة فبلغ عدد قتلاهم من البحارة والجنود خمسمائة قتيل وهي أكبر خسارة مني بها الجيش الفرنسي في الحملة على الوجه القبلي ..
كانت السفينة إيتاليا قبل أن تستخدم في الحملة على الوجه القبلي سفينة نابليون الخاصة التي كان يركبها في النيل بالقاهرة ، وقد وصلت إليه أنباء هذه الكارثة وهو في حملته على سوريا أثناء حصاره لعكا فحزن حزنا شديدا على ما أصاب الفرنسيين فيها ، ومما يؤثر عنه أنه تشاءم من فقد السفينة إيتاليا وتوقع أن تكون هذه الكارثة نذيرا بتقلص ظل فرنسا عن البلاد الإيتالية لتشابه الاسم فقال لمن حوله متأثرا إن فرنسا قد فقدت إيتاليا إن شعوري لا يكذبني “.

قلعة الأمرا
في عام 742 هـ نزل الأمير داود بن إسماعيل بن قليع العمري ومعه إخوته الأمير رضوان والأمير تمام وبعض أبناء عمومتهم إلى الصعيد ، ويرجع نسبهم إلى بني عدي بن كعب الذين نزلوا البرلس في القرن السادس الهجري برئاسة القاضي خلف بن نصر العمري وكان هذا الانتقال بعد خلاف السلطان محمد بن قلاوون مع الخليفة العباسي المستكفي بالله ونفيه إلى قوص ثم الاضطرابات التي أعقبت وفاة السلطان وتنازع الأمراء.
وكان مقرهم أول الأمر في مدينة الأقصر ثم انتشروا منها شمالا وجنوبا حيث نزل الأمير محمد بن داود في أجوار مدينة قفط واستقر بها مع أولاده في عام 770 هـ وعرفت منذ وقتها باسم قلعة الأمرا (قرية القلعة الحالية مركز قفط) ، وأطلق على القبيلة اسم الأمارة نسبة إلى شيوخها الذين حازوا لقب الأمير وخصصت بالأمارة العمرية تمييزا لها عن عشائر أخرى حملت نفس اللقب.
جاء في موسوعة القبائل العربية : ” ومن القبائل العربية التي تسكن أيضًا قرب أبنود عرب كرم عمران وعرب البراهمة ، ثم إننا إذا انتقلنا إلى قفط نجد فيها عائلات عربية عريقة كما نجد قرب هذه البلدة قرية القلعة حيث يسكن عرب الأمراء ، وبمناسبة ذكر عرب الأمراء يجدر الإشارة إلى أن لهم فروعًا أخرى تسكن في دندرة غربي النيل ” ..
وجاء في كتاب التبيين فيمن وطىء أرض مصر من العمريين : ” الأمارة بصعيد مصر : وفي صعيد مصر الأعلى جماعات يلقبون بالأمارة أكثرهم ينسبون للعمريين ذرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وفريق منهم ينسبون أنفسهم لبني هاشم وآخرين ترفع أنسابهم إلى العثمانيين ذرية أمير المؤمنين عثمان بن عفان والبعض إلى الأمراء العمريين البنداريين ذرية عمر بن عبد العزيز البنداري الهواري جد أمراء الصعيد الهواريين ومنهم آخرين من غير العرب ” ..
وجاء تفصيل عنهم في مخطوطة موثقة تقول : ” الأمير علام بالبصالية وسليمان ورضوان بالكلح إدفو ، الأمير تمام وداوود وعثمان يقال لهم الداودية والأقصرية ، وعثمان بالرديسية وفي الجزيرة أولاد مليك ، والجميع أولاد عبد الله بن عمر بن الخطاب ..
أما عرب الأمارة تمام وعثمان وريان ابن منصور وداوود وكلهم أولاد الأمير محمد بالقلعة ، الأقاصرة والداودية ومحمد الدندراوي والأمير سنان بالترامسة والأمير العابد بالسلمية والأمير مليك بالكيلية بالجزيرة شرق إدفو والأمير عجيب بالكوبانية “.
ومن أشهر أبناء قبيلة الأمارة في العصر الحديث الشاعر أمل دنقل واسمه بالكامل هو محمد أمل فهيم أبو القسام محارب دنقل ، ولد في قرية القلعة عام 1940 م. وتوفي في القاهرة عام 1983 م. ، وكان والده عالما من علماء الأزهر وسمى ابنه أمل بهذا الاسم لأنه ولد في نفس السنة التي حصل فيها على إجازة العالمية تيمنا بما حققه من نجاح ..
وقد ترك الشاعر عددا من الدواوين وهي البكاء بين يدي زرقاء اليمامة وتعليق على ما حدث ومقتل القمر وأقوال جديدة عن حرب البسوس وأوراق الغرفة 8 وأجازة فوق شاطىء البحر ، واشتهرت له قصيدته التي مطلعها : ” لا تصالح ولو منحوك الذهب .. أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما .. هل ترى .. هي أشياء لا تشترى “.

فاروقية الأشراف
في عام 1964 م. صدر قرار رئيس الجمهورية بتغيير اسم قرية فاروقية الأشراف إلى الظافرية بمحافظة قنا ، وقد جاء في القاموس الجغرافي أنها كانت من توابع قفط ثم فصلت عنها في تاريخ سنة 1933 من الوجهتين الإدارية والمالية.
وجاء في موسوعة القبائل العربية : عائلات الأشراف في فاروقية الأشراف بقفط وفي سمهود والمنشاة : تنتسب عائلات الأشراف التي تقيم الآن في فاروقية الأشراف بقفط محافظة قنا وفي سمهود مركز أبو طشت محافظة قنا وفي مركز المنشاة محافظة سوهاج .. ينتسب أفراد كل هذه العائلات إلى رجل واحد من بني الحسن ، فهم أشراف حسنيون ، جدهم هو الشريف عبد الرحمن بن أبي المحاسن جمال الدين عبد الله (الأكبر) ابن شهاب الدين أحمد بن أبي الحسن علي بن أبي الروح عيسى بن جلال الدين أبي العليا محمد (الأزرق) ابن أبي الفضل جعفر بن علي بن أبي طاهر الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد (قتادة) ابن إسحاق بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنى بن الحسن سبط رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
ويعتبر حفيده شهاب الدين أحمد من أقضى القضاة ، وقد أعقب من عبد الله ، وكان عبد الله يُلقَّب بجمال الدين ويكنى بأبي المحاسن ، كما كان يُعرف أيضًا بعبد الله الأكبر ، وقد اشتغل مثل أبيه بالقضاء .. وكان ميلاده في سنة ٨٠٤ هـ – ١٤٠١ م بسمهود وقدم إلى مصر (القاهرة) حيث درس علوم الفقه والدين ثم عاد إلى بلدة سمهود وبقي فيها حتى مات سنة ٨٦٦ هـ – ١٤١٦ م ودفن بها وله ضريح مشهور يقع بحارة الأشراف المجاور لرحبتهم من الجهة البحرية، وقد أعقب عبد الله من ابنين هما علي وعبد الرحمن.
أما علي بن عبد الله فهو من أشهر المؤرخين الذين كتبوا عن المدينة المنورة وكان علي يلقب بنور الدين ويكنى بأبي الحسن وقد ولد سنة ٨٤٤ هـ – ١٤٤٠ م ثم نزل بالمدينة المنورة وعكف على الدراسة والتأليف ، وأصبح علمًا من أعلام المؤرخين اشتهر باسم (السمهودي المدني) وهو صاحب كتاب (وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى) وكتاب (جواهر العقدين).
أما الابن الثاني لعبد الله الأكبر فهو عبد الرحمن الذي تولى قضاء بلده عن أبيه في حياته وكان عبد الرحمن عالمًا كبيرًا ، والشريف عبد الرحمن بن أبي المحاسن جمال الدين عبد الله (الأكبر) هو جد الأشراف الحسنيين في فاروقية الأشراف بقفط وفي سمهود والمنشاة.
وقد ذكرنا تسلسل نسبهم هذا وفق ما جاء في كتاب المشجر الكشاف لابن عميد الدين النجفي (مخطوط) ، ومن المعروف أن الأشراف في فاروقية الأشراف بقفط يقال لهم (الشهابية البركاتية) وذلك نسبة إلى أحد أحفاد الشريف عبد الرحمن بن عبد الله الأكبر وهو الشريف أحمد الشهابي الحسني السمهودي ، وكذلك نسبة إلى الشريف بركات وهو من ذرية أحمد الشهابي ، ويحتفظ أشراف قفط بكثير من الوثائق والحجج التي توضح تسلسل نسبهم هذا وفق ما جاء في كتاب المشجر الكشاف.
ومن بين هذه الوثائق صورة من نسبهم مؤرخة بتاريخ ٢٥ رجب سنة ١٣١٦ هـ – ١٨٩٨ م ويحتفظ بها الآن أحد أشراف قفط الذين يسكنون حاليًا في مدينة الإسماعيلية ، وهو السيد عبد الرحمن أحمد عبد الله وعلى هذه الوثيقة أكثر من خمسمائة ختم بأسماء أمراء القلعة بقفط وعربان البراهمة وعربان قفط وعربان حجازة والكلاحين. وبعد. فتلك هي أصول الأشراف الذين اتخذوا منازلهم في قفط وسمهود والمنشاة ، وأقاموا بذلك دليلًا جديدًا على عروبة مصر من أسراتها وقبائلها.