
كان من المتوقع أن يطول أمد حصار حصن بابليون لأسباب عدة منها مناعة الأسوار وعدم إجادة العرب لآلات الحصار التي حصلوا عليها من القلاع المفتوحة وتوفر كميات كبيرة من المؤن والعتاد في الحصن كما أن مياه النيل كانت قد غمرت الخنادق حول الحصن مما يتعذر معه اقتحامه في زمن الفيضان لكن الحصار كان محكما وخانقا مما دعا المقوقس للتفكير في فتح باب التفاوض مع المسلمين رغم اعتراض القواد العسكريين من الرومان المتبقين معه في الحصن ، ففي أوائل أكتوبر 640 م. نزل المقوقس سرا من أحد أبواب الحصن الغربية وعبر منه إلى جزيرة الروضة مع بعض أعوانه وأرسل من قبله عددا من المبعوثين إلى معسكر المسلمين وكانت إجابة عمرو عليهم قاطعة إذ خيرهم بين الإسلام والجزية والقتال لكنه قرر استضافة الوفد عنده مدة يومين ليروا فيها حال المسلمين ويطلعوا على طبيعة حياتهم وهو ما كان له أبلغ الأثر عند عودتهم لما لمسوه عند العرب من بساطة وإيمان ومساواة بين القادة والجند ، ثم طلب المقوقس إرسال وفد من المسلمين إليه للتفاوض فأوفد إليه عمرو نفرا على رأسهم الصحابي الجليل عبادة بن الصامت الخزرجي الأنصاري فهابه لسواد لونه وتعجب من تقدمه على غيره لكنه استمع إلى حديثه والذي تضمن التأكيد على الخيارات الثلاث مع تفصيل معنى الجزية في عرف المسلمين والتي تعني عقد أمان وضمان حماية وحرية عقيدة وليس استعبادا كما في عرف الروم وغيرهم وهو ما وقع في قلوب القوم.
وأثناء التفاوض عرض المقوقس على المسلمين رشوة مالية ضخمة للرجوع عن مصر مما لاقى استهجانا وسخرية من الوفد المسلم ثم طلب مهلة شهرا للتفكر في الأمر فكان الرد القاطع طبقا لتعليمات القيادة العربية هو إمهاله ثلاثة أيام فقط فلم يجد المقوقس بدا من العودة إلى الحصن وعرض الأمر على القادة الرومان الذين رفضوا الاستماع لنصائح المقوقس فلم يرسلوا ردا من قبلهم وقررا الهجوم على معسكر المسلمين في اليوم الرابع ، كانت مغامرة جريئة لكنها حمقاء لأن العرب واجهوا الهجوم ببسالة رغم المفاجأة وأحاطوا بالمهاجمين إحاطة تامة فقتلوا منهم مقتلة عظيمة ولاذ الباقون بالفرار مما أثر بالسلب على الروح المعنوية للرومان بالداخل فأرسل المقوقس مرة ثانية إلى عمرو يخبره بالموافقة على الصلح والجزية لكنه طلب مهلة ليحصل على موافقة الامبراطور فوافق عمرو ومن ثم سافر المقوقس إلى الإسكندرية ومنها إلى القسطنطينية ، وكان رد الامبراطور هرقل هو الرفض القاطع للتسليم مما جعل المناوشات الحربية تستأنف مرة أخرى لكن مع مستجد جديد وهو مساندة عدد من الرومان والأقباط للمسلمين وهم من أتباع مذهب كنيسة الإسكندرية المونوفيزية المضطهدة ومنهم عدد كبير من إقليم أركاديا فكانوا يهاجمون من ناحية الغرب عند جزيرة الروضة فيدمرون سفن الجيش الروماني ويهاجمون الحصن من نقطة ضعفه كما تفشت الأمراض في الحصن بحلول الشتاء فقل خروجهم تدريجيا وضعفت قواهم وخارت عزائمهم.
وفي ديسمبر 640 م. ترامت الأنباء بوجود حشود عسكرية رومانية في وسط الدلتا يقودها تيودور بهدف كسر الحصار عن الحصن فقرر المسلمون المبادرة بالتحرك شمالا حيث أتموا السيطرة على أبو صير وصدوا طلائع الهجوم الروماني في المنطقة التي تأسست فيها بعد ذلك مدينة المحلة الكبرى ، لكنهم لم يتوغلوا أكثر من ذلك خاصة بعد أن رفض أهل سمنود معاونة الرومان وأغلقوا أبوابهم رافضين استقبالهم وهو ما شكل بداية انقسام كبير في الدلتا حيث كان قطاع من السكان يرى أن أمر الرومان إلى زوال ، وتحلى المسلمون بالصبر بينما فقد الرومان الأمل في أي مستجدات قريبة ومرت شهور الشتاء دون تغيير في الوضع إلى أن جاءت الضربة القاصمة عندما سمع تكبير في معسكر المسلمين بعد أن بلغهم خبر موت هرقل وذلك في أوائل مارس 641 م. وهو الأمر الذي أثر بالسلب على الرومان لأنه يعني أن الإمبراطورية البيزنطية مقبلة على مشكلات ضخمة مما حدا بالسيوطي أن يصف هذه الحادثة بقوله : ” فكسر الله الروم بموته ” ، وبحلول فجر يوم الجمعة 6 أبريل 641 م. كان المسلمون قد نجحوا في طمر أجزاء من الخندق المائي في غفلة من عدوهم ونصب الزبير بن العوام سلما على السور ثم تبعه شرحبيل بن حجيرة المرادي من موضع آخر وسط صيحات التكبير مما حدا بقادة الروم إلى مراسلة عمرو بن العاص عارضين التسليم الفوري مع الأمان فوافق عمرو رغم اعتراض الزبير ومن معه حيث كانوا قاب قوسين أو أدنى من السيطرة بالقوة المسلحة على أبراج الحصن.
تم الاتفاق على خروج الجنود الرومان بالمراكب في النيل خلال ثلاثة أيام فصادف ذلك يوم عيد الفصح (الإثنين 9 أبريل 641 م.) فأحدث عند القوم حزنا مضاعفا عندما رفرفرت الرايات العربية على الأبراج العالية مؤذنة ببداية حقبة جديدة في تاريخ مصر والمصريين وذلك بتحررهم من نير اليونان والرومان بعد ألف عام رزحت فيها البلاد تحت نير هؤلاء الغزاة القادمين من وراء البحار والذين نهبوا خيرات وادي النيل وجعلوا منه سلة الغذاء التي تمون روما ، ومن غيظ الرومان وسوء فعلهم أنهم صبوا غضبهم ونقمتهم على الأقباط واليونانيين من أصحاب المذهب المونوفيزي خاصة من كان منهم مسجونا في أقبية الحصن فأخرجوهم في اليوم الأخير وجلدوهم وقطعوا أيديهم بأمر من الطاغية أودقيانوس ولم يشفع لهم أنهم في يوم عيد وهو ما حدا بالأسقف حنا النقيوسي أن يصف فعلهم بأبشع وصف واعتبر انتصار العرب انتقاما إلهيا من الطغاة والظالمين ، وقد أحدث دخول العرب رنة فرح عند الأقباط من سكان الحصن الذين وافقوا على البقاء فيه ودفع الجزية بل وقام عدد منهم بمعاونة الجنود العرب في إتمام السيطرة على الحصن وسلموهم كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر وآلات الحرب ثم عاونوهم في الاستيلاء على جزيرة الروضة حيث عبرت القوات إليها ونصبت الجسور بينها وبين البر الغربي ليملك العرب بذلك ناصية النهر من ضفتيه وبذلك عادت الحركة التجارية للمنطقة وسيرت السفن بالبضائع وانتعشت الحياة مرة أخرى.
أطلق العرب على الحصن وأجواره اسم (مدينة مصر) لأنه كان أكبر من مجرد قلعة وإنما كان تجمعا سكانيا كبيرا متوسط الموقع يربط بين الدلتا والصعيد والإسكندرية وسيناء وبالقرب منه عواصم مصر القديمة أون ومنف ولذا قرر عمرو بن العاص أن يجعل فيه حامية قوية عهد بها إلى رئيس أركانه خارجة بن حذافة العدوي ليستعد هو للمهمة التالية حيث أرسل إلى الخليفة يستأذنه في المسير إلى الإسكندرية قبل حلول الفيضان ، تولى خارجة مهمة ترميم الحصون و تدبير حال المدينة والسكان والتنسيق بين الحاميات المتناثرة في المنطقة التي تخضع لسيطرة المسلمين لتكون قوات احتياطية للجيش المتحرك نحو الإسكندرية حيث سار عمرو بالقوات وهو مطمئن تماما من كافة نواحي الإمداد والتموين وكذلك الأمان التام من أي هجوم غادر من الخلف فلم يتكرر معه بالطبع ما حدث من قبل عندما اضطر للعبور للبر الغربي قبل وصول الأمداد ، حقق عمرو أول انتصاراته على الحاميات الرومانية عند طرنوط (قرية الطرانة مركز السادات حاليا) بعد أن أرسل سرية بقيادة مولاه وردان لمطاردة فلول الرومان (سميت قرية وردان مركز إمبابة بالجيزة حاليا نسبة له) وفي يوم 13 مايو 641 م. عبر جزء من القوات إلى شرق النيل فأتم فتح مدينة نقيوس (قرية إبشادي مركز الشهداء منوفية حاليا) وكذلك القلعة المقامة أمامها على جزيرة وسط النيل وكانت هذه المدينة من أهم المواقع الدينية والحربية في عصر الرومان وإليه ينتسب المؤرخ حنا النقيوسي.
ومن نقيوس سارت كتيبة بمحاذاة الساحل الشرقي لفرع رشيد فأتمت فتح مدينة سايس (قرية صا الحجر الحالية مركز بسيون غربية) وهي من أكبر وأهم مدن الدلتا وعاصمة الملوك الصاويين (الأسرة 26 الفرعونية) بينما سارت كتيبة أخرى بمحاذاة الساحل الغربي لفرع رشيد بقيادة شريك بن عبدة البلوي ثم أتبعه بقوة معاونة بقيادة مالك بن ناعمة الصدفي حيث حققت انتصارا كبيرا على فلول الرومان عند قرية كوم شريك (مركز كوم حمادة بالبحيرة حاليا) ، أما قوة الجيش الأساسية فقد ثم سارت عبر الدلنجات باتجاه دمنهور حيث دارت رحى معركة كبرى انتصر فيها جيش المسلمين انتصارا ساحقا جنوبي المدينة عند قرية سنطيس (مركز دمنهور بحيرة حاليا) وذلك بعد أن تراجعت السفن الرومانية المرابطة في النيل وأخلت مواقعها باتجاه الشمال ومن ثم اتجه العرب إلى آخر قلعة متبقية في غرب الدلتا وهي قلعة كريون (قرية الكريون مركز كفر الدوار حاليا) والتي تجمعت فيها كافة فلول الرومان ، تولى القائد العام للرومان تيودور بنفسه الدفاع عن القلعة وجاءته الأمداد من حاميات الدلتا الشمالية في سخا وبلهيب وخيس (سخا مركز كفر الشيخ حاليا وخيس هي شبراخيت الحالية وبلهيب هي قرية دبي الحالية بالبحيرة تقع مقابل مطوبس) وهناك دارت رحى معركة شرسة استمرت عشرة أيام أبلى فيها وردان وعبد الله بن عمرو بن العاص بلاءا حسنا وحققوا انتصارا ساحقا على الروم واستولوا على القلعة وتراجع تيودور إلى معقله الأخير بالإسكندرية.

وفي أوائل يونيو 641 م. كانت القوات الإسلامية ترابط أمام الأسوار البيضاء لمدينة الإسكندر الأكبر التاريخية العريقة عروس المتوسط وعاصمة البلاد وكان عمرو يدرك أن اقتحامها بالقوة ضرب من ضروب المستحيل لأنها ذات مناعة طبيعية إذ يحدها البحر من الشمال ويرابط فيه الأسطول الروماني وتحيط بها بحيرة مريوط من الجنوب وتلفها ترعة الثعبان من الغرب فلا يصلها بالبر إلا الجهة الشرقية والجنوبية الشرقية فقط ، ولا يستطيع الجيش أيضا أن يقترب من السور الشرقي وإلا صار في مرمى السهام الرومانية ومكاحل النفط ولذلك كان هدف عمرو هو مجرد عزل المدينة عن بقية مصر وأن يحوز المدينة بالسياسة لا بالحرب حيث بلغه سفر تيودور إلى القسطنطينية التي كانت تعاني من انقلابات متتالية ونذر حرب أهلية بين خلفاء هرقل من أبنائه المتنازعين على العرش مما يتعذر معه إرسال أي إمدادات للإسكندرية بل ربما سحبوا منها قواتها التي تبلغ خمسين ألف جندي لحماية أنفسهم ، في نفس الوقت كان سكان الدلتا من اليونانين والأقباط في حالة انقسام بين تأييد العرب أو الرومان كما انتقلت عدوى الخلافات الدينية والسياسية إلى قلب الإسكندرية المحاصرة خاصة بعد أن اكتظت المدينة بالمهاجرين من مدن الدلتا والصعيد وبدت نذر الحرب الأهلية تلوح في الأفق بالإضافة إلى انخفاض الروح المعنوية للمهاجمين حيث فشلت كل محاولاتهم للهجوم الخاطف على معسكر المسلمين.
وبعد شهرين من المرابطة أمام الأسوار قرر عمرو ترك جزء كبير من الجيش أمام المدينة وقاد جزءا من القوات يجوس به في ربوع الدلتا قبل حدوث الفيضان وهو يهدف من ذلك إلى إتمام عزل الإسكندرية عن الدلتا تماما وفي نفس الوقت يثير الرهبة في قلوب الموالين للرومان من سكان مدن شمال الدلتا المتبقية ولذا فقد سار إلى كريون ومنها إلى دمنهور ثم عبر النيل إلى وسط الدلتا فمر بجوار مدينة سخا (مركز كفر الشيخ حاليا) ولم يتعرض لها حيث كانت محاطة بالماء ، ومن هناك انحدر جنوبا بمحاذاة أحد فروع النيل حتى قرية طوخ (طوخ مزيد مركز السنطة بالغربية حاليا) ومنها إلى شرق النيل عند قرية دمسيس (ميت دمسيس مركز أجا بالدقهلية حاليا) ومنها أرسل جرائد الخيل شمالا وجنوبا ليستطلع مدى قوة الحاميات الرومانية المتبقية ومعرفة موقف السكان الأقباط من الرومان بوضوح وهو الأهم حيث عزف الجميع عن تقديم أي معونة للرومان باستثناء مدن قليلة معدودة يغلب على سكناها اليونانيون ، وفي أواخر سبتمبر 641 م. قرر عمرو السير بمحاذاة فرع النيل الشرقي عائدا إلى حصن بابليون بعد أن بلغه أن تيودور عاد للإسكندرية بصحبة المقوقس وهو ما يعني أن هناك نية للتفاوض حيث كان المتنازعون في القسطنطينية يرون إنهاء مسألة الإسكندرية بأقل خسائر ممكنة وبأفضل شروط متاحة وهو ما توقعه عمرو بالتأكيد حيث أرسل إليه المقوقس في أوائل أكتوبر 641 م. يطلب الاجتماع به سرا في بابليون فوافق عمرو فورا وأحسن وفادته.
ولم يضيع عمرو الوقت بعد أن اطمأن إلى بدء التفاوض حول الإسكندرية فقام على الفور بتكليف خارجة بن حذافة بتجهيز حملة عسكرية للقيام بالخطوة التي طال انتظارها ألا وهي فتح الصعيد وذلك في أواخر أكتوبر 641 م. حيث سارت القوات الإسلامية في غرب النيل باتجاه الجنوب وهي تهدف إلى القضاء على أية قوة رومانية في طريقها ومن ثم السيطرة التامة على أقاليم الصعيد كلها وهي أركاديا وطيبة والسفلى والوسطى والعليا طبقا للتقسيم الإداري الروماني ، استغرقت هذه الحملة ما يقارب ستة أشهر بدأت أولا بإكمال فتح إقليم أركاديا حيث دخل خارجة إلى أهناسيا ومنها إلى الفيوم فأحكم السيطرة عليها بالكامل بعد أن فر منها قادة الرومان ثم سيطر على ريف أبويط ودلاص والتي تم فتحهما في وقت سابق لكن هذه المرة كان التواجد بغرض إعلام جميع السكان من أقباط ويونانيين بزوال سلطة الرومان عن الحكم ، ثم سار خارجة إلى البهنسا (أوكسرنيخوس) وهي عاصمة الإقليم ففتحها بسهولة بعد مقاومة محدودة وحضر معه ذلك الفتح عدد من الصحابة مثل عبد الله بن عمرو بن العاص وأخوه محمد وخالد بن الوليد وابنه سليمان وقيس بن هبيرة المرادي والمقداد بن عمرو الكندي وميسرة بن مسروق العبسي والزبير بن العوام الأسدي وابنه عبد الله وضرار بن الأزور والفضل بن العباس وجعفر بن عقيل ومسلم بن عقيل وعبد الله بن جعفر وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وعبد الله بن عمر بن الخطاب وأبان بن عثمان رضي الله عنهم.
بعد ذلك سار خارجة حتى منطقة الأشمونين قاصدا عاصمة إقليم طيبة السفلى وهي مدينة أنطنويه (أنصنا الحالية الواقعة في زمام قرية الشيخ عبادة مركز ملوي بالمنيا) ليجد أن حاكمها الروماني حنا رفض مواجهة العرب حتى لا يحدث له مثل ما حدث للمقاومين في الفيوم والبهنسا وهرب بالأموال العامة عبر الصحراء تاركا السكان دون حماية فلم يجد خارجة مشقة في دخول المدينة وسط ترحيب من الأهالي الذين صدمهم فرار القادة الرومان ، بعد ذلك توجه خارجة إلى إقليم طيبة الوسطى حيث استولى بسهولة على عاصمته بيتوليمايس (المنشأة مركز سوهاج حاليا) وعبرت قواته إلى شرق النيل عند أخميم والتي خلت من أي مقاومة وطلب أهلها الصلح ومنها إلى إسنا قبل أن يتحرك إلى أسوان (إقليم طيبة العليا) حيث تأكد له خلوها بالكامل من الرومان فوضع فيها حامية بقيادة نافع بن عبد القيس الفهري ، وعندما أتم خارجة مهمته على أكمل وجه بدأ رحلة العودة بعد أن نشر الحاميات العربية في كل بلاد الصعيد لكنه مكث بعض الوقت لينظم شئون الأقاليم الأربعة حيث قام بتعيين عدد من الحكام المحليين من الموالين له بدلا من الحكام الموالين للرومان الذين فروا وكانت سياسته هي الاستعانة بالموظفين الأقباط واليونانيين والإبقاء عليهم في نفس مواقعهم السابقة وترك جميع الأراضي في أيدي أبنائها مع إعطاء إذن للحكام المحليين بجمع الضرائب وفق النظام السائد حتى تصل تعليمات من القيادة العامة في بابليون.
وتذكر إحدى البرديات المؤرخة في فبراير 642 م. إحدى تنظيمات خارجة في الصعيد حيث جاء في نص البردية ذكر التاريخ وأسماء الأشخاص وكمية الضريبة المفروضة : ” … أعطيت من قبل منطقة شمال هراقليوس التي تخص الحاكم أبا قيروس البريبيستاتوس الكبير للباجارخ في بابليون في شهر أمشير من الدورة الضريبية الخامسة عشر ما يلي : الأمير أريجاتوس (خارجة) لكوني فيلوكسينوس دوق إيبارخية أركاديا لزاما علي تقديم كمية معينة من قمح أركاديا تقدر بثلاثة آلاف أردب ومائة وأربع وستين … إلخ ” ، وبينما كان خارجة يقوم بهذه المهمة عقدت معاهدة تسليم الإسكندرية وذلك في يوم 8 نوفمبر 641 م. ونصت على هدنة بين الطرفين مدتها أحد عشر شهرا تنتهي في سبتمبر 642 م. وأثناء ذلك تتوقف الأعمال العسكرية عند الإسكندرية ويسمح خلالها لمن شاء من الرومان بالخروج من الإسكندرية مع أهلهم وأموالهم ومن بقي يخضع للجزية في أمان وأن يخرج الجيش الروماني بالكامل ويتعهد بعدم العودة إلى مصر ومن شروطها أيضا ضمان حرية العقيدة لكافة الطوائف المسيحية والسماح لليهود بالعيش في الإسكندرية ، وفي يوم 10 ديسمبر 641 م. تسلم المسلمون أول قسط من الجزية وهو ما يعني سريان المعاهدة حيث أسلم عدد كبير من الحكام المحليين في الدلتا ومعهم آلاف السكان لكن بعض المدن كانت لازالت ترفض المعاهدة وتقاوم التسليم فتقرر إرسال قوات إليهم في الربيع بعد أن ينحسر الفيضان ويعود جيش خارجة من الصعيد.
وهكذا أرسل عمرو سراياه إلى الدلتا لإعلان حكم العرب للبلاد فأرسل عبد الله بن حذافة السهمي إلى جنوب الدلتا حتى طنطا (بقية المنوفية وجزء من الغربية) وعقبة بن عامر الجهني إلى مناطق غرب الدلتا ومولاه وردان إلى شمال الدلتا نواحي سخا والبرلس ووسط الدلتا وعمير بن وهب الجمحي إلى شرق الدلتا وجزيرة قويسنا (تونة ودميرة ودقهلة وبنا وبوصير وسمنود وغيرها) والمقداد بن عمرو إلى دمياط وأجوارها ، لاقت جميع السرايا مقاومة خفيفة من بعض السكان اليونانيين وفلول الرومان لكنها في النهاية حققت جميع مهامها في السيطرة الكاملة على المنطقة ما عدا قلعة تنيس التي تقع في جزيرة وسط بحيرة المنزلة والتي قاومت الحامية الرومانية فيها ثلاثة أشهر فقررعمرو إرسال خارجة بهدف إخضاع القلعة فسار إليها وهاجمها برا وبحرا يعاونه في ذلك عدد كبير من الأقباط من دمياط وشطا والبرلس وأشمون طناح وفتحها بالقوة في يوم 19 يوليو 642 م. حيث قضى على القوات الرومانية وترك فيها حامية عربية بقيادة الصحابي الجليل عبد الله بن سلام (لا تزال هناك منطقة بالقرب منها تسمى تل ابن سلام) وكانت هذه المعركة هي آخر المعارك في فتح مصر حيث استقرت بعدها الأحوال فتسلم عمرو الإسكندرية يوم 17 سبتمبر 642 م. وعين عليها حامية بقيادة عبد الله بن حذافة السهمي وأرسل معاوية بن حديج الكندي إلى الخليفة يبشره فيه بالفتح أما خارجة بن حذافة فقد عاد إلى موقعه نائبا للقائد العام للجيوش المنتصرة.