2 / الشيخ حسن العدوي الحمزاوي

الشيخ حسن العدوي الحمزاوي هو أحد علماء المالكية بالجامع الأزهر ولد بالعدوة محافظة المنيا سنة 1221هـ وأمضى فيها طفولته وبعد أن شب عن الطوق وحفظ القرآن الكريم رحل الى القاهرة للالتحاق بالازهر الشريف فتلقى علوم الفقة والتفسير والحديث عن العلامة الشيخ محمد الأمير الصغير وبعض الأدب والمنطق عن البرهان القويسني شيخ الأزهر والسعد والمطول وجمع الجوامع عن الشيخ مصطفى البولاقي ، وقد جلس الشيخ حسن للتدريس بالأزهر فى سن مبكرة اذ لم يبلغ الحادية والعشرين من عمره حتى طلب منه أن يقول بالتدريس للطلبة وفى ذلك يقول علي باشا مبارك فى خططه : ” وجلس الشيخ للتدريس فى سنة 1242هـ فقرأ جميع الفنون المتداولة بالأزهر وانتفع به الطلبة واشتهر بحفظ السنة وسير الصالحين وأخذ عنه كثير من مدرسي الأزهر ” ، وقد عدد علي مبارك كثيرا من مؤلفاته منها : (تقرير على صحيح البخاري سماه النور الساري .. حاشية على شرح الزرقاني فى فقه الامام مالك .. شرح إرشاد المريد فى علم التوحيد .. النفحات النبوية .. مشارق الأنوار .. تبصرة القضاء فى المذاهب الأربعة .. شرح بردة المديح للإمام البوصيري) ، ويحدثنا علي مبارك عن صفات الشيخ حسن العدوي فيقول : ” وله حب شديد للطلبة فتراه دائما يسعى فى مصالحهم والشفاعة لهم وتنفيس الكربات عنهم كما أنه موضع إجلال وتقدير من كبار الأمراء ولذا فإن شفاعته دائما مقبولة ومجابة “.. وقد جاء في كتاب موسوعة التراث المصري أن الشيخ ينتسب إلى فرع من فروع قبيلة بني عدي استقر منذ زمن بعيد بجوار مغاغة (وهي مجاورة لمنازل بني عدي القديمة في البهنسا).

وقد حدث أن زار السلطان عبد العزيز مصر سنة 1863م وبالغ الخديوي إسماعيل فى الحفاوة به فقد أخذ بعنان الخيل التى تجر عربة السلطان فقد كان يبغى بطبيعة الحال من وراء ذلك زيادة فى الامتيازات الخاصة به وحين تم عمل التشريفة الخاصة بالسلطان والتى يحضرها كبار رجال الدولة وعلماء الأزهر حضر فيها الشيخ العروسي والشيخ السقا والشيخ عليش والشيخ حسن العدوي وهم كبار أئمة الأزهر الشريف وقد دخل الشيخ حسن العدوي على السلطان دون رفع اليدين أو انحناء الرأس بل ذهب مرفوع الرأس وصعد على الدرج أمام السلطان وقال له السلام عليكم يا أمير المؤمنين ورحمة الله ، وكاد أن يغمى على الخديوى إسماعيل مما فعله الشيخ حسن وعدم الانحناء للسلطان وتوقع ما يحدث وما سيصدر من السلطان وأبدى الأسف الشديد للسلطان وعلل ذلك بأنه شيخ مجذوب وطلب الصفح والسماح له ولكن السلطان عبد العزيز وقف ورد عليه السلام بقوله وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ولم يغضب السلطان بل أبدى فرحته لما وجهه له الشيخ حسن العدوي من التحذيرات من الأمانة فإنه لم ينشرح صدره لأحد كما انشرح صدره من كلام الشيخ حسن العدوي فاندهش الخديوي لذلك وأصبح بعد ذلك يتقبل من الشيخ الكلام لدرجة أنه كان يذكره علانية بالحديث النبوي : ” لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خيركم فلا يستجاب له “.

ويروي القصة كاملة الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه (مصر من نافذة التاريخ) فيقول : ” وضع الخديوي إسماعيل بعض مشايخ الأزهر ضمن علية المصريين الذين يشرفون بالمثول أمام السلطان عبد العزيز خلال زيارته التاريخية إلى مصر ووقع الاختيار على أربعة من كبار علماء الأزهر ليستقبلهم السلطان في قصر القلعة ويتجادل معهم في شئون الإسلام والمسلمين وهو خليفة المسلمين .. المشكلة هي كيفية تعليم المشايخ الأربعة قواعد المثول أمام السلطان وكان البروتوكول التركي آنذاك متشددًا للغاية بحيث يلزم الجميع بالانحناء وتطويح الأيدي حتى تلامس الأرض ثم رفعها إلى مستوى الرأس ثم التراجع نحو الباب وهم على هذه الحال المهينة وطلب الخديوي من قاضي القضاة التركي أن يتكفل بتعليم المشايخ الأربعة تلك القواعد .. وكان إسماعيل حفيًا بالزيارة لأنها كانت جزءًا من برنامجه للحصول على لقب خديوي مع عدة امتيازات في نظام الحكم بمصر وكان من برنامج الزيارة أن يستقبل الخليفة العلماء في السراي ولما كانت للمقابلة السنية تقاليد منها أن ينحني الداخل إلي الأرض وغير ذلك من التقاليد السخيفة المنافية لروح الإسلام فقد كان حتمًا على رجال السراي أن يدربوا العلماء على طريقة المقابلة عدة أيام حتى لا يخطئوا في حضرة السلطان ..

وعندما حان الموعد دخل السادة العلماء فنسوا دينهم واشتروا دنياهم وانحنوا أمام مخلوق مثلهم تلك الإنحناءات وخرجوا موجهين وجوههم إلى الخليفة كما أمرهم رجال التشريفات إلا عالمًا واحدًا هو الشيخ حسن العدوي ذكر دينه ونسي دنياه واستحضر في قلبه أن لا عزة إلا لله ودخل مرفوع الرأس كما ينبغي أن يدخل الرجال وواجه الخليفة بتحية الإسلام : (السلام عليكم يا أمير المؤمنين) وابتدره بالنصيحة التي ينبغي أن يتلقى بها العالم الحاكم ودعاه إلى تقوى الله والخوف من عذابه والعدل والرحمة بين رعاياه .. فلما انتهي سلم وخرج مرفوع الرأس وأسقط في يد الخديوي ورجال السرايا وظنوا أن الأمر كله قد انقلب عليهم وأن السلطان لابد غاضب فضائعة تلك الجهود التي بذلوا والآمال التي نسجوا ولكن كلمة الحق المؤمنة لا تذهب سدىً فلابد أن تصدع القلوب قوية حارة كما نبعت من مكمنها قوية حارة وهكذا كان فقال السلطان : ” ليس عندكم إلا هذا العالم ” وخلع عليه دون سواه وقال الشيخ للعلماء بعد أن خرج : ” أما أنا فقد قابلت السلطان أما أنتم فكأنكم قابلتم صنما أو وثنا “.

وكان الشيخ حسن العدوي من أبطال ثورة عرابي فقد ناضل فيها نضالا كبيرا فى حثه للمسلمين على الجهاد وعزل الخديوي توفيق ولذلك قدم للمحاكمة العسكرية بتهمة مجرم حرب بعد فشل الثورة العرابية وسيق للمحاكمة فتقدم الشيخ العدوي إلى المحاكمة بجنان ثابت ووقار مهيب فسأله الرئيس هل أفتيت بعزل الجناب الخديوي فأجاب من فوره لم تصدر مني فتوى بذلك ومع هذا فإذا تقدمتم إلي بمنشور يتضمن هذه الفتوى فسأوقعه وما في وسعكم وأنتم مسلمون أن تنكروا أن الخديوي يستحق العزل لمروقه عن الوطن والدين .. ويذكر عرابى باشا فى مذكراته (الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة مكتبة الأسرة القاهرة) ما حدث في اجتماع المؤتمر العام بديوان الداخلية يوم 23 يوليو 1882 بعد هزيمة عرابي فى كفر الدوار بحضور الأعيان والشيوخ والضباط والسياسيين وصدرت عنه فتوى شرعية من الشيخ العارف بالله شيخ الاسلام والمسلمين الشيخ السيد محمد عليش والشيخ حسن العدوي والشيخ الخلفاوي وغيرهم من العلماء ونصت الفتوى على مروق الخديوي توفيق باشا من الدين مروق السهم من الرمية لخيانته وطنه وانحيازه لعدو بلاده .. وتم القبض على الشيخ العدوي وأحيل الى المحاكمة فور هزيمة عرابي باشا وكان يتم استدعاؤه من السجن للتحقيق معه وإعادته اليه .. وسأله المحقق : موجود تلغراف صادر منك بتاريخ 19 اغسطس 1882 مثل هذا اليوم إلى أحمد عرابي تعلمه بعزمك على التوجه إليه مع بعض إخوانك وصحبتكم البخاري الشريف لقراءته عند الطابية الجديدة وطلبت من الله أن يؤيد أحمد عرابي .. وناوله المحقق صورة التلغراف واستكمل المحقق كيف مع علمك بعصيان عرابي على الحضرة الخديوية وخروجه عن الطاعة تتوجه لطرفه فى مركز المحاربة مستصحبا زملائك وإخوانك والبخاري الشريف وتدعو له بالنصر ؟؟ .. فأكد الشيخ العدوي على أن التلغراف صادر منه فعلا وأن قراءة البخاري لنصرة الدين وليس لنفس عرابي بل للإسلام !!

وتقول الدكتورة سعاد ماهر ما يلى : يحدثنا محامي العرابيين السيد برودلي عما حدث بالنسبة لموكله الشيخ حسن العدوي فيقول : واجه إسماعيل أيوب الشيخ حسن بالتهمة التى اقترفها في شجاعة وإقدام مؤكدا على خيانة الخديوي توفيق حيث  يصفه برودلى في كتابه (كيف دافعنا عن عرابي وصحبه) قائلا :  ” كان واهنا كبير السن ضعيفا يئن تحت حمل سنواته الثمانين يكاد يبلغ طوله خمسة أقدام حتى فى أحسن أيامه ووجهه مجهد وغائر حتى كادت عيناه لا تبينان .. كان بوجه عام ملتفا بإزار ليس نظيفا تماما بطن بخطوط من الفرو وكان يرتدى شالا ناصعا من الكشمير وعمامة جميلة ويحمل معه مسبحة ومصحفا وفى زنزانته التى يقاسمه فيها عبد الغفار بك كان يجلس على سجادة فارسية جميلة ويبدو دائما أنه نصف مدفون فى المصاحف والمخطوطات المزخرفة .. تحت هيكله الواهن ما لبثت أن اكتشفت وطنيا وباحثا غيورا على العدالة وأخلاقيا إلى أبعد الحدود .. كان مؤيدا قويا ومخلصا لعرابى وبالتالى تبين أنه لم يتلق من حسن موسى إلا القليل من المال الذى وهبه صدقات لحساب مسجده .. إذا كان عندى ذكريات عن إقامتى فى مصر فإننى لا أجد أعظم قدرا من أربع سور قرآنية مزخرفة زخرفة جميلة بعث بها إلي عقب إطلاق سراحه فى الحقيقة هدية لها قدرها إذ ندر أن يهدى المسلمون بأمثالها للمسيحيين “.

ويواصل برودلي سرد ذكرياته مع الشيخ العدوي قائلا : ” عقدت المحكمة جلستها يوم 9 ديسمبر مثل هذا اليوم عام 1882 وشهدت قمة إثارتها باستدعاء العدوي .. سأله إسماعيل أيوب مرة أخرى هل تلقى أموالا من عثمان باشا فوزي ؟ فأجاب : أبدا .. فجأة مر خاطر على ذهن أيوب جعله يغير استجوابه بأسلوب مسرحى مباغت وبصوت كالرعد سأله إذا كان وقع وختم على قرار يعلن أن الخديوي يستحق الخلع ؟ “.. يصف برودلى حالة الشيخ وهو يجيب : ” بدا فجأة وقد استعاد حماس شبابه القديم فمال إلى الأمام باسطا يده وناظرا فى ثبات إلى إسماعيل أيوب وقال : آه ياباشا لايمكننى بدون أن أرى الوثيقة التى يتحدثون عنها أن أقول ما إذا كنت قد وقعتها أو ختمتها ولكن هذا ما أقوله فعلا : لو أحضرت لى قرارا كُتب بالمعنى الذى تذكرونه فسأكون على استعداد لأن أوقعه وأختمه فى حضوركم الآن .. لو كنتم مسلمين فهل تنكرون أن توفيق باشا خان بلده ولجأ إلى الإنجليز ؟ .. هل يعد جديرا بأن يحكمنا ؟ .. يؤكد برودلى لو أن قنبلة سقطت فجأة وسط الغرفة لما أحدثت ذعرا أعظم من ذلك ” ، ويكمل السيد برودلى ويقول ولم يكن لدى الشيخ حسن أن يدفع أتعابي وذلك لفقره ولكنه أرسل إلي لوحتين بخط جميل عبارة عن آيات قرآنية وكانوا بالنسبة لى أعز وأثمن هدية تلقيتها فى حياتى “.

وقد حكم عليه بالإقامة الجبرية هو وولده الشيخ أحمد مع نزع كافة امتيازاتهم حتى وافته المنية رحمه الله تعالى فى شهر رمضان سنة 1302 هـ ودفن بمسجده بجوار المشهد الحسيني تاركا خلفه ذكرى عالم من العلماء الأفذاذ الذين لا يخشون في الله لومة لائم حيث أعظم الجهاد قولة حق عند سلطان جائر .. ومن أحفاده المشهورين كل من العالم الأزهري الشيخ مصطفى العدوي وقد ورث عنه نفس الأنفة وعزة النفس والصحفي عبد المنعم العدوي الذي عمل مراسلا صحفيا في باكستان وأصدر هناك مجلة (العرب) وأقام هناك وحسن باشا العدوي الذي برع في الهندسة المعمارية وصمم قصر رأس التين .. وقد جاءت ترجمته في طبقات المالكية بعبارات الثناء والتقريظ وجاء فيها : ” الشيخ حسن العدوي الحمزاوي الكوثر .. الراوي العلامة خادم السنة ضياء الدجنة العلم الأوحد الفريد والبحر البسيط الوافر المديد الجهبذ الكامل العالم العامل اشتهر بحفظ السنة وسير الصالحين مع كرم زائد وأخلاق زكية أخذ عن أعلام منهم الشيخ الأمير الصغير والشيخ أحمد المعروف بمنة الله وشيخ الأزهر البرهان القويسني والشيخ مصطفى البولاقي جلس للتدريس سنة 1242 هـ وانتفع به الطلبة له تأليف رزق فيها القبول منها مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار وإرشاد المزيد في التوحيد والنفحات النبوية والنفحات الشاذلية وشرح البردة والنور الساري على البخاري والمدد الفياض على شفاء عياض وحاشية على شرح الشيخ عبد الباقي على العزية وبلوغ المسرات على دلائل الخيرات وتبصرة القضاة في المذاهب الأربعة وكنز المطالب في فضل البيت والحجر وما في زيارة القبر الشريف من المآب وله حب شديد في الطلبة فتراه دائماً يسعى في مصالحهم وتنفيس الكربات عنهم والأمراء يكرمونه ويقبلون شفاعته مولده سنة 1221هـ وتوفي ليلة رمضان سنة 1303 هـ / 1885 م”.