2 / المقاومة ضد الحملة الفرنسية

(الربيع الأحمر) هو عنوان الرواية البديعة للمؤلف عبد الحميد النخيلي العدوي والتي تحكي بأسلوب أدبي مشوق عن ثورة بني عدي ضد الحملة الفرنسية والتي كانت حلقة من حلقات الثورة المصرية المستمرة ضد الغزاة والتي اندلع أوارها في القاهرة والدلتا والصعيد بصورة أقضت مضاجع نابليون ومن معه وجعلت بقاءهم بمصر في حكم المستحيل ، ولا شك أن الحملة الفرنسية نقطة فارقة في تاريخ مصر حيث فتحت أعين الناس على الأوروبيين ونهضتهم الحضارية إلا أنه لا يجب أن نبالغ في وصف إيجابيات الحملة والتي كانت لا تقارن بما اقترفته أيديهم في حق المصريين من إزهاق للأرواح ونهب للممتلكات لا يختلف كثيرا عمن سبقه من المماليك أو العثمانيين لكنه جاء هذه المرة في ثوب يدعي المدنية والرقي ، وكان عدد جنود الحملة الفرنسية على الرأى الراجح : ستة وثلاثون ألفا وثمانمائة وستة وعشرون (36.826) مقاتلاً وتألفت من 335 مركبة وناقلة حربية وعدد كبير من المدافع والبنادق والمعدات والخيول (ومعهم عدد 146 من العلماء الذين شاركوا فى الحملة لاكتشاف مصر) وبدأت الأحداث الدموية عند الإسكندرية التي تلقت الصدمة الأولى ثم أعقبها هزيمة المماليك المتوقعة في معركة إمبابة ومن ثم احتلال القاهرة.

وقد عمد الفرنسيون لفرض ضرائب باهظة خاصة على التجار مما ناقض وعود نابليون عند قدومه لمصر فضلا عن قيام جنود الحملة بتفتيش البيوت والدكاكين بحثا عن الأموال وهدموا أبواب الحارات لتسهيل مطاردة رجال المقاومة وهدم المباني والمساجد بحجة تحصين المدينة وعلى أثر ذلك اندلعت ثورة القاهرة الأولى في يوم 20 أكتوبر 1798 وقاد الثورة الأزهر وشيوخه وقام التجار بتمويلها وأقيمت المتاريس في المدن ، ونشبت معركة قتل فيها الثوار الجنرال ديبوى حاكم القاهرة فعين نابليون الجنرال بون مكانه وزادت أعداد الثوار وشملت الثورة معظم القاهرة ما عدا مصر القديمة وبولاق ربما لقربهما من معسكرات القوات الفرنسية وأخذت جموع الأهالي والثوار تتجمع في الأزهر وأقاموا المتاريس في الطرق المؤدية إليه وبلغ عدد المتظاهرين في ثورة القاهرة الأولى أكثر من 50 ألفا وأخذ نابليون يفاوض الأعيان ليكفوا عن العنف فلم يمتثلوا ، فأخذ يماطل في مفاوضاته وطلب الصلح حتى يتمكن من نصب مدافعه على تلال المقطم والقلعة وتفقد استحكامات مصر القديمة والروضة كما وضع المدافع في الشوارع الهامة ورتب الجند ليحولوا دون انحياز سكان الضواحي لأهالي القاهرة فعزل القاهرة عن المدن المجاورة وفي الصباح ضربت المدافع البيوت والحارات والجامع الأزهر الذي أوشك أن ينهار من كثرة ضرب المدافع وبلغت الجرأة من الثوار أن قتلوا من الجنود أعدادا كبيرة ، وانهالت المدافع على حي الأزهر والأحياء المجاورة مثل الصنادقية والغورية والنحاسين وأدى ذلك إلى مقتل الكثير من الناس ودب الرعب في قلوب الثوار وطلب الثوار الهدنة وانتهت المفاوضات بإلقاء السلاح ورفع المتاريس واقتحم الفرنسيون الأزهر بخيولهم وأهانوا ما به من المصاحف وأصدر بونابرت أمراً بإبادة كل من بالجامع وعسكر الجنود الفرنسيون في الجامع طوال الليل وجعلوا الأزهر أسطبلاً لخيولهم لمدة شهرين وحكموا على 6 من شيوخ الأزهر بالإعدام واقتيدوا إلى القلعة حيث ضربت أعناقهم كما أسفرت الثورة عن مقتل أكثر من 2500 مصري وحوالي 20 من رجال الحملة الفرنسية.

أما ثورة القاهرة الثانية فيحكي عنها الجبرتي ويقول : ” أما بولاق فإنها قامت على ساق واحدة وتحزم الحاج مصطفى البشتيلى وأمثاله وهيجوا العامة وهيأوا عصيهم وأسلحتهم ورمّحوا وصفّحوا وأول ما بدءوا به أنهم ذهبوا إلى وطاق الفرنسيس الذى تركوه بساحل البحر وعنده حرس منهم فقتلوا من أدركوه منهم ونهبوا جميع ما به من خيام ومتاع وغيره ورجعوا إلى البلد وفتحوا مخازن الغلال والودائع التى للفرنساوية وأخذوا ما أحبوا منها وعملوا كرانك حوالي البلد ومتاريس ” ، وثار أهالى بولاق وحملوا ما وصلت إليه أيديهم من السيوف والبنادق والرماح والعصى واتجهوا بجموعهم صوب قلعة قنطرة الليمون لاقتحامها لكن حامية القلعة ردت هجومهم بنيران المدافع فأعاد الثوار تنظيم صفوفهم واستأنفوا الهجوم وقُتل فى هذه المعركة ثلاثمائة من الثوار وأدت هذه المعركة إلى امتداد نار الثورة فى باقى أحياء المدينة وزاد من اشتعالها فرار عناصر من الجيش العثماني والمملوكي من معركة عين شمس ودخولهم إلى المدينة بسلاحهم ، وتضاعف عدد الثوار فى ساعات قليلة وتوجهت حشودهم إلى معسكر القيادة العامة للجيش الفرنسى بالأزبكية وحاصروه واحتلوا المنازل المجاورة له وأخذوا يُطلقون منها نيرانهم على الفرنسيين ولم يقف ضعف الإمكانيات العسكرية والسلاح النارى عائقا أمام ثورة المصريين فقد استخدموا كل ما تقع عليه أيديهم من معاون لتصنيع القنابل كما شيدوا مصنعا للبارود ويروى المسيو مارتان أحد مهندسى الحملة قصة هذه الجهود قائلا : ” لقد قام سكان القاهرة بما لم يستطع أحد أن يقوم به من قبل فقد صنعوا البارود وصنعوا القنابل من حديد المساجد وأدوات الصناع وفعلوا ما يصعب تصديقه وليس من رأى كمن سمع ذلك أنهم صنعوا المدافع “.

أما ثورات الدلتا والصعيد فقد جمعها الباحث هيثم خيري تحت عنوان (الفلاحون في بر مصر : ثورات الصعايدة وأبناء بحري ضد الفرنسيس) في موقع أصوات نقلا عن كتب (نابليون بونابرت في مصر أحمد حافظ عوض / النضال الشعبي ضد الحملة الفرنسية محمد فرج / كفاح الشعب المصري كما رواه الجبرتي محمود الشرقاوي) ويقول فيها : ” أوفد نابليون الجنرال دوجا بهدف احتلال مدينة رشيد فتقدم واحتل أبو قير أولا ثم رشيد وكان عليه أن يتجه عن طريق النيل إلى منطقة الرحمانية وترك في رشيد حامية بقيادة أحد الضباط إلى حين وصول الجنرال مينو الذي عين حاكما لرشيد فاجتمع أهالي المدينة من الفلاحين والعمال والتجار وقرروا إقامة حكومة أهلية بينهم واختاروا لها ثلاثة من خيارهم وجعلوهم في مقام الحكام ، وحين وصل مينو إلى رشيد لم يستطع أن يتفاهم مع الأهالي مباشرة فطلب إمداده بقوة من الجنود وذكر في طلبه أن العرب يزعجونه على الدوام وأن الأهالي لا يطيعونه ودائما ثائرون وواجه مينو مصاعب كثيرة من بينها مثلا أنه لم يستطع  مراسلة نابليون حيث هاجم أهالي مطوبس وإدفينا رسله كما أطلقوا النار على سفينته فعادت دون أن تتم مهمتها وحدث أن أرسل مينو بعض جنوده إلى نابليون يحملون إليه البريد فخرج إليهم أهل السالمية بمدينة رشيد وهاجموهم وقتلوا منهم ثمانية ، وعند قرية شباس عمير التابعة لكفر الشيخ خرج الأهالي يقاومون قوة يصطحبها مينو وأطلقوا عليها الرصاص وقتل الفنان جولي وتراجعت الكتيبة ثم عادت من جديد إلى القرية وكان الأهالي قد احتلوا سورها وأبراجها الحصينة وبدأوا يطلقون منها النار ودارت معركة عنيفة بين الطرفين وأدرك مينو خطورة الموقف وخاصة أن رصاصة أصابت جواده فأمر جنده بإضرام النار في القرية وجاء الفلاحون من القرية المجاورة يُنجدون جيرانهم حتى بلغت الجموع ثلاثة آلاف من الفلاحين وتحت الضغط العنيف عاد مينو بكتيبته إلى دسوق ثم إلى رشيد بعد أن فقد عددا كبيرا من رجاله.

وفي 17 يوليو من عام 1798 علم أهالي البحيرة أن كتيبة فرنسية يقودها الجنرال ديبوي قادمة من الإسكندرية قاصدة دمنهور ثم رشيد ثم أبو قير ثم الإسكندرية للاطمئنان على سلامة مواصلات الجيش الفرنسي ولصيانة المواقع المهمة فهرَّب الأهالي الجمال والخيول حتى لا يستعين بها الفرنسيون وامتنعوا عن تزويد القوات الفرنسية بالماء والزاد واستعدوا لمهاجمتها واجتمع عدد كبير من رجال البحيرة وتربصوا بالفرقة ثم هاجموها في مواقع مختلفة وأطلقوا عليها الرصاص وشتتوا جموعها وأنزلوا بها خسائر فادحة ولقيت الكتيبة مشقة شديدة حيث قابلها الأهالي بمقاومة وبأس ، وفي دمنهور واجهت الكتيبة 6 آلاف مصري مجهزين للقتال غصت بهم الطرق والشوارع وأسطح المنازل مما أجبر قائد الكتيبة على الانسحاب إلى بركة غطاس حيث تعرضوا لهجوم آخر في رشيد فاضطرت للانسحاب إلى الإسكندرية منهوكة القوى والمصريون من خلفها يطاردونها وينزلون بها الخسائر الفادحة ، وفي أغسطس من العام نفسه تحرك جنرال آخر يدعى لكليرك من القاهرة متجها إلى بلبيس فاحتل مناطق القبة والمطرية والمرج والخانكة وأبو زعبل فتصدت له قوة من الفلاحين المسلحين بالبنادق والعصي واستطاع الرجال أن يوقفوا تقدم الكتيبة ثم أجبروها على الانسحاب إلى الخانكة وبعد ذلك بدأوا في مطاردتها وتعقبها الأهالي وهاجموا المخافر الأمامية لمعسكر الخانكة وانضم إليهم فرسان من العرب وحشد كبير من الفلاحين الذين كانوا يحملون الأسلحة الخفيفة وأحاط الأهالي بالفرنسيين وأطلقوا عليهم النار فأدرك الجنرال لكليرك الخطر وخاصة أن أهالي قرية الخانكة قد تجمعوا هم الآخرون وخرجوا يشدون من أزر أخوانهم فاستقر رأي الجنرال الفرنسي على إخلاء الخانكة وارتد فعلا إلى المطرية ثم أخلاها إلى المرج.

وفي أوائل أكتوبر من العام نفسه ظهرت بوادر الثورة في طنطا إذ قرر أهلها الامتناع عن دفع الضرائب والغرامات التي تفرض عليهم فأرسل نابليون كولونيل ألقى القبض على أربعة من أئمة السيد البدوي ووضعهم في مركب يتجه إلى القاهرة وكان من سوء حظ الفرنسيين أن الأهالي في طنطا كانوا يحتفلون بمولد السيد البدوي فلما أحسوا بما أقدم عليه الكولونيل الفرنسي هرعوا بالبنادق والحراب رافعين الرايات والبنادق وانضمت إليهم حشود من أهالي البلاد المجاورة مما اضطر الكولونيل إلى الدفاع وبعد معركة استمرت أربع ساعات استطاع الكولونيل أن يسحب معظم قواته بالسفن التي أقلعت وتركت المنطقة وترك الأسرى الأربعة للأهالي ، وكان في قرية عشما بالمنوفية رجل مشهور من أعيان المنطقة يدعى أبو شعير أعلن عداءه الواضح للفرنسيين وأخذ يجمع الأهالي ليقاتل بهم الجنود الفرنسية فسارت إليه حملة على رأسها الجنرال لانوس لقمعه و حاول الجنرال في البداية أن يتفاهم معه إلا أن أبو شعير جمع رجاله وحصن القرية وأمد الفلاحين بالسلاح وانتظر قدوم لانوس وعند وصوله فتحت عليه النيران وبذل أبو شعير ورجاله جهدا كبيرا في مقاومة الفرنسيين الذين استطاعوا أخيرا استنادا إلى كثرة عددهم وسلاحهم أن يقضوا على قوة أبو شعير وأن يقتلوه ويقبضوا على اثنين من أخوته وبعض أولاده وحاشيته ثم قتلوهم ، وفي دمياط والمنصورة ظن جنرال آخر يدعى فيال كان قائدا للفرنسيين فى المديريتين أن الأمر قد استقر بدخوله مدينة المنصورة لكن الأهالي تجمعوا ضده واتفق أهل القرى على الفتك بجنود الحامية  وفي 10 أغسطس 1789 قامت مدينة المنصورة كلها برجالها ونسائها ضد الفرنسيين وحاصروا معسكرهم وبدأوا في مهاجمته وأشعلوا فيه النيران فتركه الجنود وهربوا واتجهوا إلى السفن في النيل يبغون الفرار وحالت الحشود بينهم وبين ركوب النيل فعادوا إلى البر وسلكوا طريق دمياط إلا أن الثوار قطعوا عليهم الطريق وقتلوهم جميعا إلا ثلاثة جرح واحد منهم وأسر اثنان (ثم امتدت الثورة إلى الشرقية حيث قام العرب بمهاجمة الحاميات الفرنسية وتكبيدها خسائر فادحة في الأرواح خاصة في بلبيس عاصمة الولاية).

أما في عاصمة الغربية آنذاك (المحلة الكبرى) فقد عزم أهلها على مقاومة الغزاة تحت قيادة قاضي القضاة وانضم إليهم شيوخ العرب في المناطق المحيطة بالبلدة فاضطر الفرنسيون للتسلل عن طريق بحر سمنود ومنه إلى بحر اليماني الذي يحيط بالمدينة من الغرب وحاول الجنود الغزاة السيطرة على تل الواقعة بعد الهجوم عليه من الخلف لكن أهل المحلة التحموا معهم فى معركة عنيفة مما اضطر الفرنسيين لدك حى الشوافعية بالمدافع وظل بعض الأثر للمنازل المدكوكة واضحا فى نهاية شارع الشريف حتى منتصف القرن الماضى .. ودارت المعركة بينهم على التل الذى عرف بتل الواقعة (ولم يزل آهلا بالسكان فوقه ومن حوله) حيث تعرض للتدمير والإحراق من قبل الفرنسيين الذين اضطروا في النهاية لنقل مقر حكمهم إلى سمنود وجعلوها عاصمة للغربية بدلا من المحلة التي تغلي بالثورة والثأر للشهداء ، ويقول الجبرتى في كتابه مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس في حوادث عام 1214 هـ : ” فلما مروا بالمحلة الكبيرة تعصب أهلها واجتمعوا على قاضيها وخرجوا لحربهم فأكمن الفرنسيس لهم وضربوهم بالمدافع والبنادق فمات من أهل البلد نيف وستمائة إنسان وفيهم القاضي وغيره ولم ينج منهم إلا من فر ” ، وكان من بين الشهداء عدد كبير من أبناء القبائل العربية في الدلتا ومنهم عدد من أبناء قبيلة بني عدي وعلى رأسهم شيخ العرب عبد العزيز بن حماد بن علي العدوي المعروف بلقب (أبي زرموح) حيث استشهد مع ثلاثة من أبنائه في تلك المعركة (وهو حفيد الشيخ محمد بن عبد الرحمن العدوي المعروف بلقب الراعي زعيم عربان البراري (في منطقة حامول العرب) في العصر العثماني ومن أبناء عمومة الشيخ عثمان العدوي الكبير من قرية محلة علي وهي  حصة شبشير الحالية بجوار طنطا).

وفي الوجه القبلي تؤكد حوادث القتال أن الصعايدة لم يستكينوا ولم يستسلموا رغم أن مراد بك الذي كان يحكم مصر آنذاك كان يفر من معركة إلى أخرى ولا يصمد في قتال أبدا فمثلا عندما وصل الجيش الفرنسي إلى الفشن في بني سويف تراجع مراد بك قبل أن يدركه الجيش وظل الفرنسيون يتعقبونه ثلاثة أيام وهو ينتقل من قرية إلى قرية ، وحين تقدمت القوات الفرنسية إلى أسيوط انسحب منها المماليك وعندما وصلت إلى دنقيق وطيبة لم تلق مقاومة وعدما تتبع الجنرال فريان مراد بك إلى أرمنت بالأقصر تركها وفر إلى أقصى الجنوب وظل ينسحب أمام الجيش الفرنسي دون أن يلتقي معه في معركة فاصلة ويظهر أن الوطنيين من الفلاحين والصعايدة وأهل البلاد جميعا قد تلبستهم روح المقاومة والاستبسال رغم ضعف المماليك فلم يكن سكان القرى يتركون فرصة تمر دون أن يثوروا في وجه السلطات المحتلة ، وقد ذكر مؤرخو الحملة الفرنسية أنفسهم أن المقاومة في الوجه القبلي كانت أشد عنفا من الوجه البحري وكان الأهالي أعنف مقاومة وأكثر استبسالا مما أصاب الفرنسيين بالإنهاك الشديد فضلا عن صعوبة المواصلات وطبيعة بلاد الصعيد الصعبة الحارة حيث يكتب الجنرال ديزيه مثلا في فبراير من عام 1799 وقد أحس بخطورة الاضطرابات في الصعيد وبعنف حركة المقاومة  قائلا : ” إننا نسير بلا انقطاع وقد ساءت حالة الجنود في ملابسهم وأحذيتهم وأن دعاة الثورة مثابرون على نشر دعايتهم “.

في الصعيد حمل السلاح ضد الفرنسيين كل من شب على قدميه الرجال والنساء والأطفال خرجوا من ديارهم وحقولهم متعاونين كتلة واحدة وقلبا واحدا مما شكل خطرا حقيقيا على الفرنسيين وفي ذلك يقول الجنرال دافو : ” إننا نتعرض لأخطار كثيرة كلما أوغلنا في بلاد يحمل جميع أهلها السلاح ” ومما هو جدير بالذكر أن النساء والأطفال خاضوا غمار المعارك وأدركوا أهمية دورهم في النضال فأبوا إلا أن يسهموا في هذه المهمة وفي هذا السياق أيضا يقول الجنرال بليار يصف موقفه من حركة المقاومة الشعبية : ” رأينا النساء ينشدن أناشيد الحرب ويحثون التراب في وجوهنا ” ، ومع بداية عام 1799 سرت روح الثورة المصرية في المدن الواقعة بين أسيوط وجرجا وصارت هذه المنطقة شعلة من الهياج المستمر والصداع المزمن للفرنسيين فقد تجمع  عدد كبير من أهالي ما يقرب من أربعين بلدا بلغ سبعة آلاف وانضم إليهم بعض من أعوان مراد بك الذي استنجد بأشراف مكة وعرب ينبع وجدة وبعث برسله إلى النوبة يستفزون الناس لمقاومة الفرنسيين وتصالح مع خصمه حسن بك الجداوي الذي كان مقيما في إسنا ليوحد الجبهة ضد الفرنسيين حيث تميزت الثورة في الصعيد بنطاقها الواسع ومداها البعيد ، وفي سوهاج التقى الجنرال دافو بـ 4 آلاف فلاح و700 فارس وأطلق عليهم نيرانا حامية رفعت عدد القتلى إلى 800  وظن الفرنسيون أن الثورة ستخمد لكن الواقع أن الأهالي احتشدوا مجددا على مقربة من أسيوط وانضم إليهم مقاتلون كثيرون من المنيا وبني سويف والفيوم وكلف الجنرال دافو مواجهة هذه الجموع فوصل في 8 يناير تجاه طهطا بسوهاج حيث التقى بنحو 800 فارس إلا أن هؤلاء تقهقروا أمام القوة الفرنسية وأخلوا الطريق لها ، ثم زاد عددهم إلى نحو ألفين نتيجة للإمدادات التي وصلت إليهم وهاجموا مؤخرة الجيش الفرنسي ودارت معركة عنيفة بين الطرفين وكانت الخسائر كبيرة فى الفريقين وهكذا دارت معارك كثيرة في جرجا وفيله وقنا أنهكت الجيوش الفرنسية لمدة 3 أعوام لم ير فيها الفرنسيون يوما راحة أو هدوءا “.