
عبد الرحمن الرافعي (8 فبراير 1889م – 3 ديسمبر 1966م) هو مؤرخ مصري تخرج من مدرسة الحقوق الخديوية سنة 1908م. وعني بدراسة أدوار الحركة القومية في تاريخ مصر الحديث فكتبها في خمسة عشر مجلدا يؤرخ فيها منذ أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر حتى خمسينياته ، ينتمي عبد الرحمن الرافعي إلى أسرة كريمة ترجع بأصولها إلى الخليفة العادل عمر بن الخطاب وقد هاجر أجداده الأقربون من الشام إلى مصر في السنوات الأولى من حكم محمد علي واشتغل معظم أفراد هذه الأسرة بالعلم والقضاء ، وسط هذا الجو ولد عبد الرحمن الرافعي في حي الخليفة بالقاهرة ونشأ في كنف والده الشيخ عبد اللطيف بن مصطفى بن عبد القادر الرافعي الذي كان يعمل في سلك الفتيا والقضاء بعد تخرجه في الأزهر ، وعبد الرحمن الرافعي هو الثالث بين إخوة أربعة أشقاء لمع منهم أمين الرافعي أحد نوابغ الصحفيين في الثلث الأول من القرن العشرين وتوفي شاباً سنة 1927م بعد حياة مليئة بمواقف الثبات والصمود والوقوف إلى الحق مهما كان الثمن.
تلقى عبد الرحمن الرافعي تعليمه في المدارس الحكومية حيث دخل مدرسة الزقازيق الابتدائية سنة 1895م فمدرسة القربية الابتدائية بالقاهرة ثم مدرسة رأس التين الابتدائية سنة 1898م عندما انتقل والده إلى الإسكندرية حيث عمل مفتياً للمدينة وفي هذه المدينة أمضى الرافعي سني الدراسة حتى أنهى المرحلة الثانوية سنة 1904م. ، انتقلت الأسرة إلى القاهرة والتحق الرافعي بمدرسة الحقوق وكانت الحركة الوطنية تشهد نموا واضحا على يد مصطفى كامل فتأثر بأفكارها وانضم إلى الحزب الوطني بمجرد إنشائه وفي سنة 1908م أنهى الرافعي دراسة الحقوق ، انشغل بعلاقة التاريخ القومي بالوعي القومي من ناحية وبنشوء وتطور الدولة القومية الحديثة من ناحية أخرى وهو أول من دعا في مصر والعالم العربي إلى (حركة تعاونية) لتطوير الزراعة وتنمية الريف ورفع مستوي الحياة الريفية كشرط للنهوض الاقتصادي والتقدم الاجتماعي وتدعيم أسس الاستقلال السياسي وأول من دعا إلي ربط الريف بحركة التصنيع وبنظام التعليم العام في منظومة متكاملة تستهدف تنمية شاملة لا غني عنها وكذلك حماية الاستقلال الوطني وكان الرافعي قد بدأ نشاطه السياسي عام 1907 حيث انضم إلى الحزب الوطني بزعامة مصطفى كامل.
اتجه عقب تخرجه في مدرسة الحقوق إلى العمل بالمحاماة وتدرب في مكتب محمد علي علوبة بأسيوط فترة قليلة لم تتجاوز شهراً واحداً لبى بعدها دعوة محمد فريد للعمل محررا بجريدة اللواء لسان حال الحزب الوطني حيث بدأت معها حياته الصحفية وصلته الوثيقة بالأستاذ محمد فريد التي لم تنقطع حتى رحل الزعيم الكبير عن الدنيا في سنة 1919م. ، لم يستمر عمله بالصحافة طويلاً فعاد إلى المحاماة وشارك أحد زملائه في فتح مكتب للمحاماة بالزقازيق سنة 1910م ثم افتتحا مكتباً آخر بمدينة المنصورة وظل مقيماً بالمنصورة حتى سنة 1932م ثم استقر به المقام بالقاهرة ، في أثناء إقامته بالمنصورة شغل أوقات فراغه بالتأليف فأخرج كتابه الأول المسمى ” حقوق الشعب ” سنة 1912م وكان هدف الرافعي من تأليفه على حد قوله : ” التباحث في حقوق الشعب والنظريات الدستورية ونظام الحكومات الصالحة وكيف تصل الأمم إلى استرداد حقوقها وكيف تضمن تمتعها بها ” ، ثم أعقبه سنة 1914م بكتابه الثاني ” نقابات التعاون الزراعية ” بهدف تنشيط الحركة التعاونية في مصر ولم يكتف بذلك بل أسس سنة 1919م مع مجموعة من أصدقائه جمعية لنشر جمعيات التعاون الزراعية في قرى الدقهلية بهدف مساعدة الفلاح المطحون.

عندما شبت ثورة 1919م شارك فيها الرافعي بجهد كبير تجاوز حدود المنصورة وتعداها إلى القاهرة ولم يتوقف عند العمل السياسي المناهض للاحتلال بل تخطى ذلك إلى الجهاد بالسلاح ، ويذكر مصطفى أمين أن الرافعي كان عضوا مهما في الجهاز السري للثورة وإن لم يذكر ذلك الرافعي في مذكراته وليس فيما يقوله مصطفى أمين عن الرافعي غرابة في اشتراكه في المجلس الأعلى للاغتيالات لأن الرافعي نادى في أول مقالة له نشرت باللواء بوجوب تكوين الجمعيات السرية والعلنية لحماية الشعور الوطني من العبث والتبدد ودعا إلى استخدام القوة التي تجبر الاحتلال على مغادرة البلاد ، اشترك الرافعي في أول انتخابات أجريت حسب دستور 1923م حيث رشح نفسه في انتخابات مجلس النواب عن دائرة مركز المنصورة وفاز أمام مرشح حزب الوفد وشكل مع من قدر لهم الفوز من أعضاء الحزب الوطني المعارضة في مجلس النواب وتولى رئاسة المعارضة بمجلس النواب على هدي مبادئ الحزب الوطني غير أن هذا المجلس لم تطل به حياة بعد استقالة سعد زغلول من رئاسة الحكومة.
عاد الرافعي إلى المجلس مرة أخرى بعد الانتخابات التي أجريت في سنة 1925م ولم يكد المجلس الجديد يجتمع في يوم 23 من مارس 1925م حتى حُلّ في اليوم نفسه وظلت الحياة النيابية معطلة بعد هذا الحل نحو 8 أشهر حتى اجتمع المجلس النيابي من تلقاء نفسه في 21 من نوفمبر 1925م واتفقت الأحزاب على توزيع الدوائر الانتخابية فيما بينها ولم يخصص للرافعي دائرته السابقة وأصر حزب الوفد على أن تكون دائرة مركز المنصورة من الدوائر التي يسمح فيها بالمنافسة بين الوفد والحزب الوطني ونتيجة لذلك انسحب الرافعي من الترشح لمجلس النواب وظل الرافعي بعيدا عن الحياة النيابية قرابة 14 عاماً عاد بعدها نائباً في مجلس الشيوخ بالتزكية وبقي فيه حتى انتهت عضويته به سنة 1951م. ، خلال هذه الفترة تولى وزارة التموين في حكومة حسين سري الائتلافية سنة 1949م. وقد أثار توليه الوزارة لغطاً شديداً حيث إنه فعل ما كان يدين به غيره فقد تزعم يوماً الجبهة المعارضة في الحزب الوطني ضد رئيسه حافظ رمضان عندما قبل الاشتراك في الوزارة سنة 1937م باعتبار أن ذلك لا يتفق مع مبادئ الحزب الوطني التي لا تقبل الوزارة في ظل وجود الاحتلال الذي يمسك بمقدرات الحياة في مصر غير أن الرافعي برر دخوله الوزارة برغبته في كشف الأساليب الاستغلالية التي كانت تمارسها شركة السكر وأصحاب شركات الغزل والنسيج وعلى أية حال فلم يمكث في الوزارة سوى أشهر قليلة.
وكان يبدي تحفظا على فكرة الدعوة لقضية مصر في الخارج وكانت دعوته ألا تُمنِّي الأمم المهضومة الحقوق نفسها بالآمال الكبيرة إذا هي استنجدت بالعالم المتمدن وأسمعته صوت احتجاجها ودعته إلى التدخل بينها وبين غاصبها لأن الدول الآن لم تعد تصغي لصوت الضمير ولا لصوت الحق والواجب ودائما تنظر إلى مصالحها وتسير وراءها في سياستها ، ودافع الرافعي عن الدولة العثمانية صاحبة السيادة على مصر وأيد وجهه نظر حزبه في تعضيد فكرة الجامعة الإسلامية والدعوة لها والالتفاف حولها ولم يقف عند تأييد الدولة العثمانية بالقول بل تبعه بالعمل فعندما نشبت الحرب الطرابلسية بين الدولة العثمانية وإيطاليا سنة 1911م وانتهت بوقوع ليبيا في قبضة الاحتلال الإيطالي قام الرافعي مع رجال حزبه بجمع التبرعات لتدعيم قوة الدولة العثمانية والدعوة على صفحات الجرائد للتطوع إلى جانب إخوانهم في طرابلس وعندما سقطت الخلافة العثمانية عل يد أتاتورك كان الرافعي واحدا ممن اشترك في اللجان التي قامت لإحياء الخلافة الإسلامية.

اشترك الرافعي في ثورة 1919 وعدها أعظم الحوادث شأنا في تاريخ مصر الحديث وأبعدها أثرا في حياة البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهاجم أسلوب المفاوضات مع المحتل الإنجليزي وأنه لا استقلال مع وجود قوات أجنبية على أرض مصر ونادى بالمقاومة ، وعارض معاهدة 1936 التي أبرمتها الحكومة المصرية مع إنجلترا وقال بأنها تسجل الحماية البريطانية على مصر وتقرر الاحتلال وتجعله مشروعا فضلا عن أنها تضع على عاتق مصر من التكاليف والأعباء المالية لتحقيق أغراض إنجلترا الحربية ما تنوء به مواردها ورفض أن تدخل مصر الحرب العالمية الثانية وأن تحتفظ بجيشها وقواها المالية والمعنوية للدفاع عن استقلالها وكيانها ومصالحها القومية ، يذكر للرافعي أنه كان أحد الموقعين على المذكرة التي قدمتها المعارضة إلى الملك فاروق وأدانت مسلك بعض رجال الحاشية الملكية الذين كان يحقق معهم في مسألة الأسلحة الفاسدة وأوضحت أن الحكم أصبح لا يحترم الدستور وأن النظام النيابي أضحى حبرا على ورق وأن سمعة الحكم المصري في الخارج أصبحت مضغة في الأفواه وأنه يجب تصحيح الأوضاع الدستورية وأن تعاد الأمور إلى نصابها ، وشغلت قضية وحدة وادي النيل فكر الرافعي فكان يرى أن السودان جزء من مصر وأنها بالنسبة لها مثل الإسكندرية أو قنا لا يمكن فصل أي منها عن مصر وأن قضية السودان أجدر من مسألة فلسطين بجهودنا وأن مصر شغلت عن قضية السودان الحيوية بقضية فلسطين وهو ما استغلته السياسة الاستعمارية لتنفيذ برامجها الانفصالية عن السودان .. وعلى غير ما ظل الرافعي ينادي به جاءت حكومة الثورة فوقعت مع إنجلترا اتفاقية تقرير مصير السودان في سنة 1953م.
بعد قيام ثورة 1952م أفرط الرافعي في حسن الظن بالنظام الجديد الذي قربه منه وأولاه عنايته فأشركه في إعداد الدستور الذي فكر في إخراجه سنة 1953م كما تم تعيينه نقيبا للمحامين سنة 1954م بعد قرار الحكومة بحل مجلس نقابة المحامين المصرية التي اجتمعت جمعيتها العمومية في 26 من مارس 1954م وقررت مطالبة حكومة الثورة بعودة الجيش إلى ثكناته وترك السياسة للسياسيين ولقي الرافعي انتقاداً شديداً لقبوله منصب النقيب والتصاقه بالسلطة ، ولم ينس الرافعي في كل أدواره السياسية التي مر بها أنه صاحب قلم وفكر فملأ أعمدة الصحف بمقالاته التي توضح موقفه من كثير من القضايا المطروحة وكانت قضية الاحتلال من أهم القضايا التي تعرض لها وكان يدعو علنا إلى استخدام القوة في مقاومة المحتل ، وعلى الرغم من النشاط المتعدد الذي بذله الرافعى في الحركة الوطنية فإنه لم ينل شهرته إلا بسبب كتاباته التاريخية التي لقيت إقبالا على الاطلاع عليها وأسهمت في تشكيل العقلية التاريخية لأجيال من الشباب والقراء وكان لسمعة الرجل النظيفة وطهارة يده وإخلاصه السياسي أثر كبير في ذيوع مؤلفاته وانتشارها بين قطاعات عريضة من الشباب.
بدأ الرافعي تأليف سلسلة كتبه التاريخية بعد أن انسحب من الترشيح لعضوية البرلمان ونشأ عن ذلك فسحة كبيرة من الوقت استثمرها في كتابة التاريخ .. ولم تسلم كتب الرافعى التاريخية من النقد والاتهام بعدم الالتزام بالمنهج التاريخي الصارم وانحيازه للحزب الوطني الذي ينتمي له وتأريخه للأحداث من خلال هذه النظرية الحزبية وتعاطفه الشديد مع مصطفى كامل وإسباغه عليه كل مظاهر النبوغ والعبقرية والبراءة من كل سوء وكذلك فعل مع محمد فريد وإدانته الشديدة لأحمد عرابي ورفاقه واتهامه للثورة العرابية بأنها سبب كل بلاء وأنها كانت وراء الاحتلال البريطاني وهجومه على حزب الوفد وإنكاره عليه إجراء مفاوضات مع بريطانيا لأن أحد مبادئ الحزب الوطني الراسخة كانت لا مفاوضة إلا بعد الجلاء ، على الرغم من ذلك فإنه لم تحظ كتب تتناول تاريخ مصر الحديث بالذيوع والانتشار مثلما حظيت كتب الرافعى في الوقت الذي لم تكن فيه الساحة خالية للرافعي وحده بل كانت زاخرة بأساتذة التاريخ العظام من أمثال محمد شفيق غربال ومحمد صبري السربوني ومحمد فؤاد شكري وأحمد عزت عبد الكريم ولم يكن صاحب سلطان حتى يفرض كتبه على الساحة الثقافية في مصر.

قدمت مؤلفاته المعرفة التاريخية لأجيال من المصريين وبقيت مرجعا مهما لكل من يرغب في معرفة تاريخ مصر في العصر الحديث على الرغم مما وجه إليها من انتقادات .. نال الرافعي تقدير حكومة ثورة يوليو واحترامها واعتبر اللواء محمد نجيب قائد الثورة كتب الرافعي الأساس للحركة التي قام بها الجيش وأنها ذخيرة وطنية للأمة وقد منحته الدولة سنة 1961م جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية ، واتفق المؤرخون علي أنه جمع كل ما كان يمكن توفيره من مادة معرفية أتيحت له في زمنه وفي ظروفه الأمر الذي جعل عمله أساسا قويا لعلم التاريخ المنهجي في مصر والعالم العربي ومن ناحية أخرى فإن أصحاب (فلسفة التاريخ) يرونه مؤرخا أخلاقيا أحيانا ومؤرخا وطنيا في أحيان أخرى ، وتوضح هذه الأعمال فهمه للتاريخ وكتاباته باعتباره وسيلة تربوية وطنية رئيسية لتنمية مشاعر الوحدة والانتماء الوطني من ناحية وكفالة التماسك الاجتماعي من ناحية أخرى .. وفي أواخر عمره دهمه المرض وظل يعاني منه نحو عامين حتى لقي ربه في 3 من ديسمبر 1966م.
ومن أقواله عن التاريخ : ” أحببت التاريخ منذ صباي وكنت ولا أزال أراه مدرسة لتقويم أخلاق الشعب والنهوض بتربيته السياسية والقومية وزاد تعلقي به أني رأيت فيه على ضوء التجارب وسيلة ناجحة لتثقيف العقول ورفع مستوى الوطنية والوعي القومي في النفوس .. ” .. ومن مؤلفاته : حقوق الشعب (1912) .. نقابات التعاون الزراعية (1914) .. الجمعيات الوطنية (1922) .. تاريخ الحركة الوطنية وتطور نظام الحكم في مصر (1929) جزءان .. عصر محمد علي (1930) .. عصر إسماعيل (1932) جزءان .. الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي (1937) .. مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية (1939) .. محمد فريد رمز الإخلاص والتضحية (1939) .. مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال (1942) .. ثورة سنة 1919 (1946) جزءان .. في أعقاب الثورة المصرية (1947-1951) ثلاثة أجزاء .. مقدمات ثورة 23 يوليو 1952م (1957) .. ثورة 23 يوليو 1952 (1957) .. مذكراتي .. الزعيم الثائر أحمد عرابي .. شعراء الوطنية .. أربعة عشر عاماً في البرلمان.
وقد كتب عبدالرحمن الرافعي مذكراته بشكل مستقل في كتاب بعنوان ” مذكراتي 1889-1951 ” وقال في مقدمته : ” كنت معتزماً أن أخصص فصلاً من كتاب في أعقاب الثورة المصرية لتدوين خواطري ومذكراتي أتحدث فيها بشيء من التفصيل عن نفسي ثم وجدت أن هذا الفصل يمكن أن يطول وليس من حقي وأنا أؤرخ الحركة القومية أن أقحم فيها حديثاً طويلاً عن نفسي .. ” .. وكتب فيها بعنواني ” النشأة الأولى ” و” الحياة العلمية ” ، ففي عطفة أبو داوود بشارع درب الحصر قسم الخليفة ولد الرافعي في منزل جده لأمه هكذا بدأ الرافعي حديثه من منزل جده وعن أمه والتي خصص لها الصفحات الأولى من كتابه ليحكي عنها وعن خصالها ويقول عنها : ” والدتي مصرية صميمة وقد توفيت سنة 1893 غير متجاوزة 35 سنة إثر التهاب رحمي أصابها عقب الولادة وكنت لا أزال طفلاً إذ كان سني لا يزيد على 4 سنوات وبضعة أشهر ورغم صغر سني فإني أذكر صوتها جيداً وحنانها وكانت سيدة كاملة الصفات والأخلاق عرفت بطيبة القلب وصفاء النفس ولم أجد بعدها من يحبوني بحنو الأمومة .. “.

ثم انتقل للحديث عن والده فيقول : ” يرجع أصله البعيد إلى الحجاز إذ هو من سلالة عمر بن الخطاب ولذلك سمي الفاروقي وهو من علماء الأزهر وتولى مناصب القضاء الشرعي .. كان عالما تقياً تلقيت عنه نشأتي الدينية فكان يعودني وإخوتي على الصلوات والقرآن ” ، ثم تحدث عن الدراسة الابتدائية ومرحلة الثانوية بإيجاز وعن اختلافه مع والده في مكان الدراسة : ” أراد والدي أن يدخلني الأزهر ولكني اعتذرت بصغر سني وبأني تعودت على المدارسة النظامية ولم آلف نظام الدراسة في الأزهر وإذ كنت أخجل مراجعة والدي فقد وسطت لديه بعض الأقارب لإقناعه بالعدول عن فكرته ” ، أما مرحلة دراسة الحقوق فهي المرحلة التي نشأ فيها الوعي السياسي للرافعي وبدأ في قراءة الصحف وإدراك الأحداث وتم اختيار قهوة في شارع عماد الدين اسمها قهوة الحقوق لتصبح منتدى القراءة المخصص له ولزملاءه لتصفح ما ينشر في الصحف مثل اللواء والمؤيد والأهرام.
ويحكي عن لقاءه الأول بالزعيم مصطفى كامل : ” أما أول مرة قابلته فيها في فبراير 1906 أثناء إضراب طلبة الحقوق فقد تاقت نفسي إلى رؤيتهم وكان اللواء يناصر الطلبة في مطالبهم فذهبت مع لفيف من زملائي إلى دار اللواء بشارع الدواوين وقابلت الزعيم لأول مرة وسمعت حديثه وشعرت بتأثيره الروحي ينفذ إلى أعماق قلبي وصار لي بمثابة أبي الروحي في المباديء ” ، ويسجل أثناء مرحلة الشباب الأولى له حوادث مهمة مر بها ووقعت في هذه الفترة مثل إضراب سنة 1906 والذي كان الأول من نوعه في مصر وموجه ضد سياسة التعليم التي وضعها الاحتلال على حد وصفه وسجل أيضاً حادثة دنشواي ووفاة الزعيم مصطفى كامل عام 1908 ، ثم انتقل للحديث عن حياته العملية سواء في المحاماة ثم الصحافة والعودة للمحاماة مرة أخرى حيث عمل فترة تدريب قصيرة بأحد مكاتب المحاماة ثم قبل دعوة محمد فريد للعمل في الصحافة والكتابة بجريدة اللواء وقبل الدعوة وتحدث في هذا الصدد بزيادة صلته بمحمد فريد وقربه منه وعاد للمحاماة عام 1910 وظل يكتب بالتوازي معها .
ويقول عن ثورة 19 : ” كنت سنة 1919 لا أزال في الثلاثين من عمري أزاول مهنتي المحاماة في المنصورة وكانت تغلب علي نزعة الشباب وأتوق إلى أن تسلك الأمة سبيل العنف في جهادها أما الآن فإني أميل إلى مبدأ عدم العنف وبعبارة أخرى لست من دعاة الثورة “.. وأكمل : ” تتبعت منذ نوفمبر حركة تأسيس الوفد المصري وسعيت جهدي مع الساعين في التوفيق بين الوفد والحزب الوطني .. وكنت منذ اشتداد الحركة أقضي معظم الأيام بالعاصمة وشهدت وقائع الثورة الأولى وامتدادها إلى الأقاليم فرأيت بعثاً جديداً للأمة ورأيت روح الإخلاص والتضحية تعم طبقاتها بعد أن كانت من قبل محصورة في دائرة ضيقة ” .. ثم انتقل لوصف الأحداث واتساعها ومشاركة الناس فيها وردود الفعل عليها وتصرف البوليس معها ، ويقول الرافعي عن حياته النيابية : ” إن المثالية التي جعلتني أختار المعارضة في البرلمان الأول فقد شعرت أن من واجبي كنائب أن أتخذ من الحياة النيابية أداة للكفاح الوطني وأن تكون استمراراً لكفاحي الماضي وهذا يقتضي مني أن أكون على شيء من الاستقلال عن الوزارة القائمة – وزارة سعد زغلول – فأؤيدها فيما تحسن وأنتقدها فيما تخطيء فيه وأعبر عن مباديء وأفكار قد لا تدين بها الأغلبية “.
