
الشيخ محمد أبو العطا العدوي هو واحد من زعماء ثورة 1919 في مركز بني سويف ومن الذين أشعلوا فتيل المواجهة المسلحة مع الاحتلال البريطاني وذلك بعد أن تم القبض على زعماء الثورة في مدينة بني سويف وقتل عدد من الشهداء مما أثار البلاد المحيطة بها وتسببت في اشتعال الأحداث ابتداءا من يوم 15 مارس (الموافق للعيد القومي للمحافظة) وحتى 24 مارس عندما وصلت الثورة إلى ذروتها .. وكانت مدينة بني سويف قد تحولت أثناء الثورة إلى ساحة حرب فعلية بعدما قام المتظاهرون بمهاجمة المحكمة التي تعقد فيها محاكمة زعماء الثورة ثم مهاجمة مديرية الأمن مما دعا القوات البريطانية لاستعمال العنف المفرط واستنفار قيادتهم في القاهرة لإرسال مدد للسيطرة على الأمور وهو ما قابله الأهالي بمزيد من العمليات المسلحة وذلك وفق رواية المؤرخ الكبير الأستاذ الدكتور عاصم الدسوقي حيث قرر الأهالي في القرى التي تقع شمالي بني سويف أن يقطعوا خطوط السكك الحديدية والمواصلات تماما مع القاهرة.
ويحكي الصحفي السويفي سلامة مدكور عن ذلك فيقول : ” الشيخ محمد أبو العطا ــ سيدنا ــ محفظ مقرءة بني عدي العظيم كان خطيبها الثائر ومخطط ثورتها فى مارس 1919 كانت القرية كلها تعرف باسم ” أبو عطا ” منشئ أول كتاب بالقرية وخطيب المسجد العتيق بها .. كان يوم بني عدي مشهوداً فقد أثار الشيخ أهلها من فوق منبره ضد الظلم والطغيان وراح يخطط لفصل الصعيد عن القاهرة عن طريق تدمير خطوط السكة الحديد من عند بني عدي وحتى قرية أشمنت المجاورة .. كانت الأخبار تؤكد وصول قطار يحمل المؤن والأسلحة والعتاد والأطعمة إلي الإنجليز في الصعيد وسبق الشيخ الأحداث وقام مع الأهالي ودمر مساحات واسعة من القضبان وحينما وصل الصيد الثمين انقض علية الأهالي يسلبون أمتعته وزواده ويدمرونها بالمطارق والفؤوس والمناشير .. بعدها أغار الإنجليز المجانين علي القرية إلا أن الشيخ افلت من أيديهم ولم تلبث الأخبار أن تصل إلي القري المجاورة بأشمنت والزيتون حتى يخرج الأهالي يدمرون قضبان السكك الحديدية كنموذجاً مؤثراً للمواجهة ” .. ثم يتابع انتقال شرارة الثورة إلى قرية أشمنت المجاورة : ” أشمنت لقد تصدي عمدتها الشجاع محمد بدوي الحميلي ومعه قايد الحميلي الذي خلفه علي العمودية للإنجليز بأسلوب المواجهة الذي خططه الشيخ محمد أبو العطا شيخ كتاب بني عدي الثائر المبارك فقد قاد الرجل الثورة في بلده وزحف مع الأهالي لتحطيم قضبان السكك الحديدية هناك وألقوا بالفلنكات في ترعه الإبراهيمية بعدها نصب له الإنجليز محاكمة عاجلة وأقتحموا بيته واستولوا علي خزانته الحديدية وحطموا (خمارة) لرجل نصراني يدعى عازل وكسروا سلم ديوان الحميلي ولا يزال هذا الاثر موجوداً حتي الأن ..
وفي ظل الشعور الوطني انطلقت الأهازيج من أشمنت وبني عدي وسجلوا للثورة موالاً كانت تغنيه كل قرى بني سويف .. تقول كلماته التي تصور الثورة ونهب قطارات الإنجليز : (يا مصر ما تحزنيش دا دين النبي منصور .. بكرة تموت الكهانه .. ونبني عليهم سور .. ويبقي كبير الإنجليز .. دايماً خاطره مكسور .. أفز في الليل .. يارب .. ياللي علي العباد منصور .. تلم شملي علي المحبوب .. وتجمعني .. وتخلي قول الملك .. علي الإنجليز منصور .. ياما كان نهار شين .. نهار دار النهب في الوابور .. دار من العصر لحد العشاء .. ياما ليلتها كانت .. قمر تجري جدعان فرحانة .. والراجل العجوز يجري ويقول .. آه يانه .. وفي يوم الثورة .. ياما طلع منك .. يا أشمنت .. نبات يكبر .. بقي اللي تشيل في بلح واللي تشيل سكر .. وفي يوم الثورة .. ياما طلع م البلد .. فلان وفلانة .. وأدي الإنجليز .. دخلوا البلد عريانه .. أول مادخلوا .. دخلوا والفانوس قايد .. أول ماراحوا .. راحوا علي بيت الفتي .. آيد .. قال بتعملوا أيه ياجدعان ؟ .. قالوا : كان شي مكتوب من الرحمن .. دول ساقوا لما بقوا .. يقلعوا صيغة النسوان ..أدي البلد دي .. صبحت في قول وقضية .. قوم جابوا الخزينة بتاع عمدة أشمنت .. علي العربية .. وعازل النصراني يزعق يقول : المحطة خربت .. والوابور لم عاد .. ماشي واللى طلع على محمود ومرضاشى .. من بعد هذا الزرابى صعبان على مشيك مع المحبوب ” يا كامل ” هدوا الزرابى ودوروا على خمارة الولد ” كامل ” أول مادخلوا لا خلوا فيها بندق ولا خشب ولا حمرة ولا بيبان حتى الكييف .. اللى زيى بقى .. بيدور على الدخان .. يامصر ماتحزنيش .. دا دين النبى منصور “.

. وتحت عنوان « بني عدي » عزلت الشمال عن الصعيد فى بنى سويف كتب الصحفي مصطفى فؤاد في الأهرام اليومي يوم 16 / 03 / 2019 يقول : ” قرية « بني عدي » ببنى سويف واحدة من القرى المصرية التى عاصرت أحداث مصر العظيمة على مر التاريخ ومن ضمنها أحداث ثوره 19 بل وشكلت ملحمة رائعة لا تنسى فى تاريخ الكفاح الوطني رواها شهود العيان ، كانت أحداث العنف الدامية والمواجهات الصعبة للقوات الانجليزية بالقطر المصرى عام 1919 قد وصلت لذروتها الخطيرة فى الصعيد لدرجة أن الجنرال « بلفن » القائد العام والقائم بأعمال المندوب السامى البريطانى فى مصر أعلن أنهم فشلوا فى استعادة الموقف وأنهم لم يتمكنوا من السيطرة على الصعيد واقترحوا التخلى عن الوجه القبلى بما فيه من أجانب ، وكان ضمن هذه المواجهات أحداث « بني عدي» تعطيلهم القطارات من القاهرة للوجه القبلي ولم تكن أحداث ثورة 19 في « بني عدي » يوم 24 مارس والتى دمرت وأتلفت خطوط السكك الحديدية وهاجمت قطار تموين الإنجليز أحداثاً مفاجئة بل سبق أن خطط لها الثوار الذى كان يرأسهم الشيخ الشاب محمد أبو العطا من ابناء القرية ونفذوها بإتقان وجدارة.
كما ترددت أنباء ثورة طالب الأزهر والجامعة من خلال الطلاب العائدين من القاهرة لبلادهم وهو ما هز وجدان أهالى بني عدي والمثقفين الأزهريين منهم على وجه الخصوص الذين كانوا يدعون للثورة ضد الإنجليز وكانت الأخبار تؤكد وصول قطار يحمل المؤن والأسلحة والعتاد والأطعمة إلى الإنجليز فى الصعيد ورغم الأوامر المشددة من الجيش الإنجليزى بحظر التجوال والذى وصل الى التهديد بحرق القرى التى يعتدى سكانها على السكك الحديدية فإن ثوار بني عدي كانوا قد عقدوا العزم على المواجهة مهما تكن التضحيات ووضع الشيخ محمد ابو العطا خطة الهجوم ، وحينما وصل القطار خرج طوفان الأهالى وانقضوا عليه وسلبوا أمتعته وزواده ودمروها بالمطارق والفئوس وانطلق الرجال وتبعهم النساء والأطفال إلى (الدريسه) وأخذوا يحلون القضبان والفلنكات وأعمدة التليفونات وحملتها النساء والشباب وألقوا بها فى ترعة الإبراهيمية المجاورة.
يقول شهود عيان إن الشيخ إسماعيل عطوة أحد شيوخ القرية قال قبل وفاته : كانت ثورة بحق وهجمنا على الوابور لنمنع التموين عن الإنجليز واستولت الأهالى على عرباته المليئة بالعدس والسكر والبلح والبصل وكنا لا نستخدمها ولا نأكلها ونرميها فى التراب وكان الحدث يشبه هول يوم القيامة ، وبعدها وصل الخبر الى الجيش الإنجليزى فى بنى سويف تحركت على الفور قوات كبيرة من جنوده وهاجموا الأهالى بأسلحتهم وأجبروا من قبضوا عليهم على إخراج القضبان والفلنكات من الترعة كما تم القبض على عمدة بني عدي وعمدة أشمنت بعد محاصرة المنطقة بقوات كثيفة بعدها انطلقت شائعة أن الإنجليز سيحضرون لتدمير بني عدي بالمدافع وخرج كل الأهالي للمواجهة حتى استقرت الأوضاع .. أهالي القرية يذكرون هذه الصفحات البيضاء من تاريخ بلادهم بنوع من الفخر وكما يقول حسين محمود بالتربية والتعليم : دائماً ما أجلس مع تلامذتي وأشرح لهم تاريخ قريتنا المجيدة فهى واحدة من أهم القرى بالصعيد التى وقفت فى وجه ظلم الإنجليز الذين كانوا يريدوننا عبيداً تحت أقدامهم .. ويضيف أحمد علاء مهندس من أبناء القرية : لا شك أن بلدتنا تميزت بموقفها السياسى المناصر لثورة 19 حيث وقفت إلى جوار ثورة الزعيم سعد زغلول وقتها “.
وقد انتقلت روح الثورة سريعا في البلاد المجاورة خاصة بين أبناء القبائل العربية .. في قمن العروس قام مشايخ العرب منصور خلاف وابن عمه عارف صقر من عرب فزارة بالمواجهة واختاروا يوم الأثنين الموافق 16 مارس وهو يوم سوق القرية لتزحف قمن العروس وبني غنيم وكفر أبجيج ورواد السوق إلى كوبرى قشيشة الذى يصل الصعيد بالعاصمة لتحطيمه واتفقوا مع بنا من زاوية المصلوب وهو المعلم ” خلف الله الأعرج ” وكان يعمل فى بناء القناطر حيث وصل الثوار وراحوا يحطمون أجناب الكوبري التاريخي ، وفي منطقة بياض العرب شرقي النيل تكونت تجمعات كثيرة للبدو أثارت قوات الأحتلال ولم تترك لهم فرصة للنوم أو الراحة وانتشروا في المساء يراقبون بمسدساتهم ورجالهم وشبابهم الموظفين الإنجليز ليطلقوا عليهم النار وذلك انتقاما لشهدائهم ، وفي كفر منصور انطلق الرصاص على المركب البخارى المار من هناك وقد ردت المركب وتبادلت مع الأهالي اطلاق النار وكانت خسارة القرية خمسة عشر قتيلاً وقد ذهب المأمور للقبض على الفلاحين وأصبحت القرية هادئة بعد اختيار عدلي باشا رئيساً للوزارة وإعلانه أنه سيسمح للوفد بالذهاب إلى أوربا لإعلان قضيته وعرضها على الرأي العام العالمى.