4 / العلامة مجير الدين العليمي

مجير الدين العليمي هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن عيسى بن عبد الواحد بن عبد الرحيم بن محمد بن عبد المجير بن عبد السلام بن إبراهيم بن أبي الفياض بن علي بن عليل بن محمد بن يوسف بن يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي ويقال له العمري نسبة إلى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌ عنه وقد حملها عن والده مع ما حمل عنه في انتسابه ، ونسبة العليمي ارتبطت بمجير الدين عن طريق أحد أجداده يدعى عليل واشتهر مجير الدين الحنبلي بنسبته إلى المذهب الحنبلي رغم أن أجداده كانوا شافعية لأن والده عكف على دراسة المذهب الحنبلي حتى صار حنبليا مخالفا بذلك سائر أجداده ، واشتهر عبد الرحمن بلقب مجير الدين الحنبلي ونسب أحيانا إلى هذا اللقب  ودعي المجيري مجير الدين ومصدر هذه النسبة مجهول ولا ندري إن كان هذا اللقب متداولا في زمانه أم أنه جاء بعد وفاته كما لقب أيضا بالزين بن الشمس.

 ولد العليمي بالقدس في الثالث عشر من ذي القعدة سنة (٨٦٠ ه‍ / ١٤٥٦ م) وقد أشار بنفسه إلى تاريخ ولادته فقال : « فإن مولدي بالقدس الشريف في ليلة يسفر صباحها عن يوم الأحد ثالث عشري ذي القعدة  سنة ستين وثمانمائة » ونشأ في بيت عرف عنه حب العلم والعلماء فقد كان أبوه أحد العلماء الأفذاذ في زمنه  حافظا للقرآن الكريم تدرج في تحصيل العلم وارتحل في سبيله إلى الشام ومصر وبيت المقدس فأخذ الفقه الحنبلي عن علمائه والحديث عن أئمته وتمكن من علوم اللغة مما أهّله ليكون فقيها ومحدثا وخطيبا وقاضيا إلى أن انتهى به الأمر أن يصبح قاضيا للقضاة الحنابلة ، ويقول العليمي عن أبيه : « كان خيرا متواضعا حسن الشكل متبعا للسنة كثير التعظيم للأئمة الأربعة ليس عنده تعصب وكان سخيا مع قلة ماله مكرما لمن يرد عليه لا يحب الكبر ولا الخيلاء ويدخل إلى المسجد الأقصى الشريف في أوقات الصلاة بمفرده مع ما كان عليه من الهيبة والوقار وله معرفة تامة بالمصطلح في الأحكام وكتابة المستندات وباشر القضاء بالأعمال المذكورة نحو أربعين سنة وكانت أحكامه مرضية وأموره مسددة ».

وفي رحاب المسجد الأقصى وفي مدارس بيت المقدس العامرة بالعلماء والتلاميذ نشأ مجير الدين منذ نعومة أظفاره على حب العلم والعلماء وأخذ والده يستجيز له وهو في السادسة من عمره كما اهتم والده بتحفيظه القرآن الكريم برواية عاصم حتى إذا ما بلغ العاشرة من عمره أتم حفظ القرآن وأخذ بتلك الإجازة ، واستمر في طلب العلم والاجتهاد ويعود الفضل في ذلك إلى أصدقاء والده من العلماء والقراء والمحدثين الذين أولوا عبد الرحمن عنايتهم الفائقة  فحصل على إجازة في الحديث وله من العمر أحد عشر عاما وفي سن الثانية عشرة يحضر ختم « صحيح البخاري » في الصخرة الشريفة ويأخذ إجازة أخرى بذلك ، ثم واصل عبد الرحمن في الارتقاء فبعد إجازته في العربية والقرآن الكريم والحديث انتقل إلى الفقه ليأخذ أكثر من إجازة وهو في الثالثة عشرة ورغم وفاة والده سنة (٨٧٣ ه‍ / ١٤٦٨ م) إلا أن عناية الله ثم عناية أصدقاء والده به جعلت العليمي يستمر في طريقه.

وقد تتلمذ على يد عدد من علماء عصره وهم : شيخ الإسلام تقي الدين أبو بكر عبد الله بن شيخ الإسلام أبي عبد الله محمد بن الشيخ العلامة تقي الدين إسماعيل القرقشندي  (٧٨٣ ه‍ / ١٣٨١ م ـ ٨٦٧ ه‍ / ١٤٦٢ م) .. شهاب الدين أحمد بن زين الدين عمر بن خليل العميري الشافعي ويعرف بالعميري (٨٣٢ ه‍ / ١٤٢٨ م ـ ٨٩٠ ه‍ / ١٤٨٤ م) .. علاء الدين علي بن عبد الله بن محمد الغزي المغربي الحنفي المعروف بابن قماموا  (٨٢٢ ه‍ / ١٤١٦ م ـ ٨٩٠ ه‍ / ١٤٨٤ م) .. الشيخ كمال الدين  محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف (٨٢٢ ه‍ / ١٤١٦ م ـ ٩٠٦ ه‍ / ١٥٠٠ م) ..  قاضي القضاة نور الدين علي بن إبراهيم البدرشي القاهري المتوفي سنة (٨٧٨ ه‍ / ١٤٧٣ م) .. شمس الدين أبو مساعد محمد بن عبد الوهاب بن خليل بن غازي المقدسي الشافعي (٨١٩ ه‍ / ١٤١٣ م ـ ٨٧٣ ه‍ / ١٤٦٨ م) ..  الشيخ برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن الأنصاري السعدي الخليلي الشافعي (٨١٩ ه‍ / ١٤١٣ م ـ ٨٩٣ ه‍ / ١٤٨٨ م) .. الشيخ شمس الدين محمد بن عمران الغزي الحنفي (٧٩٤ ه‍ / ١٣٩١ م ـ ٨٧٣ ه‍ / ١٤٦٨ م) .. الشيخ محمد بن محمد بن أبي بكر السعدي (٨٣٦ ه‍ / ١٤٣٢ م ـ ٩٠٠ ه‍ / ١٤٩٤ م) .. القاضي شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أحمد بن منصور بن نعيم العامري الرملي المتوفي في النصف من شعبان سنة (٨٧٧ ه‍ / ١٤٧٢ م) .. الشيخ زين الدين عمر بن الشيخ عبد المؤمن الحلبي الشافعي (٧٨٩ ه‍ / ١٣٨٧ م ـ ٨٧٣ ه‍ / ١٤٦٨ م) .. الشيخ نجم الدين أبو البقاء محمد بن برهان الدين بن إبراهيم بن عبد الله بن جماعة الكناني (٨٣٣ ه‍ / ١٤٢٩ م ـ  ٩٠١ ه‍ / ١٤٩٥ م).

واستمر مجير الدين في نشاطه واستزادته من العلم والتقرب من أهله أثناء إقامته ببيت المقدس حيث كان يتردد دوما على شيخه الكمالي ويحضر مجالسه في المدرسة الصلاحية إلى أن ارتحل شيخه الكمالي إلى القاهرة ليقيم فيها ، بقي عبد الرحمن في القدس وتخلل ذلك مرافقة شيخه الكمالي في رحلة إلى القاهرة في رمضان سنة (٨٧٥ ه‍ / ١٤٧٠ م) ويبدو أن هذه الرحلة لم تأخذ الصفة العلمية لأن شيخه الكمالي كان على رأس وفد لمقابلة السلطان الأشرف قايتباي حيث حضر العليمي هذه المقابلة وسجل أحداثها في كتابه ، وبعد عودته من هذه الزيارة استمر العليمي في الإقامة بالقدس ولم يغادرها وفي سنة (٨٨٠ ه‍ / ١٤٧٥ م) انتقل إلى القاهرة للاستزادة من العلوم وأداء مهمات سياسية مرتبطة بالوضع السياسي في القدس ، وقد أقام مجير الدين في مصر قريبا من عشر سنوات وغادرها في سنة (٨٨٩ ه‍ / ١٤٨٤ م) ، وعن عودته إلى بيت المقدس يقول : « وفي العشرين من شهر رجب دخلت عين العروب إلى القدس الشريف .. وزينت المدينة ثلاثة أيام » وفي سنة (٩٠٩ ه‍ / ١٥٠٤ م) أدى فريضة الحج وأقام بمكة نحو شهر ملازما للتلاوة والعبادة.

وبعد عودته من مصر ولي قضاء الرملة سنة (٨٨٩ ه‍ / ١٤٨٤ م) وسافر إليها وأقام بها سنتين ثم توسع عمله وأصبح قاضيا في أربع مدن هي : القدس والخليل والرملة ونابلس ثم ترك قضاء نابلس باختياره بعد سنتين واستمر على الباقي ، وقد أشار ابن فهد  أن العليمي استمر في القضاء « إلى الدولة العثمانية في خامس ذي القعدة سنة (٩٢٢ ه‍ / ١٥١٦ م) وكانت مدة ولايته للقدس ٣١ سنة ونصفا غير السنتين المتقدمتين في الرملة لم يتخللها عزل » غير أن الباحث الفلسطيني فهمي الأنصاري خالفه في ذلك ونشر عدة وثائق تثبت أن مجير الدين الحنبلي بقي في القضاء إلى سنة (٩٢٧ ه‍ / ١٥١٩ م) ، وتوفي العليمي بالقدس وقد اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ وفاته  فمنهم من أرخ وفاته في أوائل القرن العاشر دون تحديد السنة أو اليوم ومنهم من قال إنه توفى سنة (٩٢٧ ه‍ / ١٥٢٠ م) ، ومنهم من ذكر أن تاريخ وفاته في سنة (٩٢٨ ه‍ / ١٥٢١ م) ودفن عبد الرحمن في مقبرة ماملا في بيت المقدس.

وقد عايش مؤلف الأنس الجليل فترة انتقال بين سقوط الدولة المملوكية وبداية الحكم العثماني ليس لمدينة القدس فقط وإنما لبلاد الشام كاملة عام ٩٢٢ ه‍ / ١٥١٦ م  وهي الفترة التي شهدت ركودا اقتصاديا شاملا بسبب الانهيار الاقتصادي الذي أصاب المورد الرئيس للاقتصاد المملوكي  وهو تحول طريق التجارة من بلاد الشام والبحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح وما رافق ذلك من قيام البرتغاليين والأسبان بمهاجمة الشواطئ الإسلامية في المحيط الهندي والبحر الأحمر وحتى في البحر المتوسط ، ومع ذلك فقد استمرت القدس المدينة التي ينظر إليها دائما بقدسية بخاصة في بلاد الشام حيث أجاد مجير الدين الحنبلي عندما كتب تاريخا محليا للقدس والمدينة المجاورة لها والمقدسة عند المسلمين وهي مدينة الخليل وحفظ لنا بذلك تراجم ومدارس وزوايا ومقابر وأعلاما وأحداثا كنا سنفقدها لولا هذا السفر العظيم ، وكان مجير الدين الحنبلي قد سن سنة حسنة عندما بدأ بالاعتماد على وثائق وسجلات عصره وحتى على اللوحات التأسيسية فأضاف بذلك عنصرا جديدا لكتابة التاريخ في عصره.

واعتمد مجير الدين أسلوبين في الكتابة : الأول واعتمد فيه على ذكر المواضيع حسب أهميتها دون إغفال التاريخ وهذا يمتد من بداية القسم الذي هو موضوع الدراسة وحتى عام ٨٧٢ ه‍ / ١٤٦٧ م فقد يذكر المواقع أو التراجم حسب أهميتها وعلاقتها ببيت المقدس والخليل وكان يرتب هذه المواقع والأحداث والتراجم وسبب وجودها الزمني في بيت المقدس والخليل ، والثاني وهو التاريخ الحولي الخالص والذي اعتمده منذ عام ٨٧٢ ه‍ / ١٤٦٧ م وهي السنة التي جلس فيها السلطان الأشرف قايتباي على سدة السلطنة وحتى عام ٩٠٠ ه‍ / ١٤٩٤ م إذ يبدأ بذكر سنة ثم الحوادث فالوفيات في كل عام بالترتيب ، وقد اهتم بالمادة التاريخية أكثر من اهتمامه بالصياغة اللغوية واهتم بالتراجم اهتماما كبيرا وخصوصا تراجم القضاة والسلاطين المماليك الذين عاصرهم وقد أفرد لهم صفحات واسعة وتحدث عن تاريخ حياتهم وعن أعمالهم ومدارسهم وإصلاحاتهم.

وفي كتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ابتدأ من فتح الناصر داود صاحب الكرك لمدينة بيت المقدس عام (٦٣٧ ه‍ / ١٢٣٩ م) ومن ثم انتقل للحديث عن مدينة القدس ووصفها وصفا ماديا لكل جزئية فيها تقريبا والذي يدل على ذلك هو ذكر بعض المواقع التي دثرت مثل برج عرب وبعض المواقع في فلسطين مثل أوتارية والتي لم يعد لهما وجود في أيامنا ووصف المسجد الأقصى وأقسامه ومساحته وقبة الصخرة والمناطق المحيطة به من تكايا ومدارس ومساجد وغير ذلك ، ثم بعد ذلك انتقل للتعريف بالمدارس الموجودة بالقدس الشريف سواء تلك الموجودة داخل السور أو التي خارجه أو التي هي قريبة منه أو بعيدة عنه ثم يتحدث عن الترب والمقابر ودور الحديث والزوايا وحتى الآبار وعدد أفواهها ثم انتقل بعد ذلك لوصف حارات وأزقة وأسواق مدينة القدس الشريف إذ يصفها وصفا ماديا دقيقا فلا يوجد أحد قبله قد اعتنى بالقدس بهذا الشكل الدقيق المميز ، وبعدها يصف مناطق بيت لحم والرملة ويافا واللد وغزة وأريحا ونابلس والأحداث التي مرت بها بشكل مختصر ثم يأتي إلى مدينة الخليل فيسهب في وصفها ذاكرا الحارات والزوايا والأربطة وعيون الماء والأضرحة ثم يفرد عنوانا خاصا لإقطاع تميم الداري ويذكر بعض المشاكل التي واجهت الورثة.

ثم ينتقل للحديث عن أحداث القدس والخليل وخصوصا في عهد المماليك فيذكر كافة سلاطينهم وبالترتيب وبخاصة أولئك الذين عاصرهم بنفسه ويذكر علاقتهم ببيت المقدس والخليل وبعدها يفرد عناوين خاصة بالقضاة والفقهاء والشيوخ من أتباع المذهب الشافعي  ويسير على النمط نفسه في ذكر قضاة الحنفية والمالكية والحنبلية ،  ثم يتحدث عن بعض رجال السلطة من نواب ونظار ممن تولوا الأمر في القدس والخليل ومما هو جدير ذكره أن القدس والخليل كانتا وباستمرار تشكلان وحدة إدارية سواء في عهد المماليك أو من سبقهم من الأيوبيين سواء في الولاية أو النظر إذ يكون والي القدس والي الخليل وناظر القدس ناظر الخليل ولا يغفل مجير الدين الحديث عن أحوال الطبيعة من الثلج وانحباس المطر والقحط والأمراض مثل الطاعون وكذلك يصف حالة الناس النفسية واستغاثتهم ودعاءهم ونفسياتهم عندما لا يستجاب لهم ولا يهمل كذلك الحديث عن علاقة السكان بعضهم ببعض وخاصة علاقة المسلمين بأهل الذمة من يهود ونصارى فيذكر وقائع وأحداثا عن مشاكل الكنيسة والقبة وقبر داود.

ثم تحول مجير الدين بعد ذلك للحديث بشكل حولي على نمط من سبقه من المؤرخين فبدأ ذلك بأحداث سنة ٨٧٢ ه‍ / ١٤٦٧ م وأنهى ذلك بأحداث سنة ٩٠٠ ه‍ / ١٤٦٤ م ، وهذه الفترة تعتبر الأهم في الكتاب لأن مجير الدين قد عاشها بنفسه ، ويبدو أن هناك ذيلا للأنس الجليل أشار مجير الدين الحنبلي عن نيته في عمله في نهاية كتاب الأنس الجليل عندما قال : « وكان ابتدائي في جمعه في خامس عشري ذي الحجة سنة تسعمائة وفرغت من جمعه وترتيبه في دون أربعة أشهر وإن فسح الله في الأجل جعلت له ذيلا أذكر فيه ما يقع من الحوادث بالقدس الشريف وبلاد سيدنا الخليل عليه السلام وغيرهما من أول سنة إحدى وتسعمائة إلى آخر وقت يريده الله تعالى فيما بقي من العمر » ، وتحدث مجير الدين عن المدارس والمعاهد العلمية في بيت المقدس فبدأ بالموجود داخل الحرم القدسي ثم ذكر دار الحديث التي أوقفها الأمير عيسى الهكاري ودار القرآن التي أوقفها أبو بكر السلامي ٧٦١ ه‍ / ١٣٥٩ م فالخانقاه التي أوقفها صلاح الدين الأيوبي واحتل هذا الباب حيزا كبيرا من هذا الكتاب ، وأفرد مجير الدين الحنبلي عناوين كبيرة لمؤسسة القضاة والخطباء في بيت المقدس والخليل وجعل لهم تصنيفا خاصا بهم حسب الأهمية والتدرج التاريخي لوجودهم في بيت المقدس وذلك حسب المذاهب الأربعة.

ورسم مجير الدين خارطة لمنطقة القدس والخليل في تلك الفترة حيث ذكر كثير من المواقع التي اندثرت في زماننا مثل برج عرب وقرية قباب الشاورية ولم يقتصر حديثه عن فلسطين وإنما تحدث عن بعض المواقع في بلاد الشام بشكل عام عندما تحدث عن قرية البويضا قرب دمشق وكذلك برصة وبلاد الشعشاع ، وبالنسبة للقدس فقد تحدث عن موقع المسجد الأقصى وقبة الصخرة وتحدث عن سور القدس وأعطاه مقياسا دقيقا من ناحية الطول والعرض بالذراع ورسم خارطة جغرافية دقيقة لكل من بيت المقدس والخليل بشوارعها وحاراتها ومرافق هذه الحارات من آبار مياه وكروم  وامتدت موسوعته الجغرافية هذه لتشمل الكثير من المواقع القريبة من بيت المقدس أو المناطق الواقعة في الطريق إليها مثل الرملة واللد وعسقلان وأريحا ونابلس وأبدى اهتماما واضحا بالرحلات وخصوصا رحلة السلطان الملك الأشرف قايتباي من القاهرة قاصدا بلاد الشام سنة ٨٨٢ ه‍ / ١٤٧٧ م ، كما اهتم بتراجم بيت المقدس اهتماما واضحا وخصوصا القضاة ورجال العلم وقد ركز في الترجمة على ذكر اللقب والكنية والمولد وحدد عمر المترجم له والسلاطين حدد فترة ولايتهم وذكر الصفات والشكل والوفاة وكيفيتها وتاريخها ومكانها ومكان الدفن لكثير مما ترجم لهم وذكر الأعمال التي قام بها صاحب الترجمة.

وقد أفرد عنوانا مستقلا لشيخه الكمالي وكأن ذلك نوع من العرفان بالجميل إذ اهتم مجير الدين الحنبلي اهتماما خاصا بالشيخ الكمالي الذي كان أحد أساتذته وأحد علماء وأعيان القدس الشريف ، وكان القاضي الكمالي بن أبي شرف قد دخل في نزاع مع المقر الأشرفي السيفي أقباي كافل نيابة غزة وطلب على أثرها إلى القاهرة وكان محبوبا جدا من قبل سكان بيت المقدس ، وبعد أن وصل إلى القاهرة وتكلم في حضرة السلطان الأشرف قايتباي حتى أعجب برجاحة عقله فأنعم عليه برئاسة المدرسة الصلاحية بالقدس فكان له دور كبير في زيادة الوازع الديني لدى سكان هذه المدينة وتقوية علاقتها بالسلطة المملوكية إذ توجه مع جماعة من أعيان القدس إلى الرملة لملاقاة الأمير أقبردي الدودار الذي حضر لزيارة المدينة المقدسة في عام ٨٧٧ ه‍ / ١٤٧٢ م وقد ذكر أن له مكانة خاصة إذ كانت تصل إليه المراسيم التي تعالج شؤون المملكة ، وانفرد مجير الدين الحنبلي بالحديث عن الأوضاع الاقتصادية في أواخر عهد دولة المماليك وتحديدا في عام ٨٩٦ ه‍ / ١٤٩٠ م عندما تم تلزيم سكان بيت المقدس والخليل والرملة وغزة بشراء الزيت من نابلس بالقوة وإجبارهم على شراء مقدار معين من الزيت سواء كانوا بحاجة إليه أم لا واتباع طرق قاسية وصلت إلى حد حبس الشخص أو أهله أو حتى جيرانه لإجباره على دفع حصته من شراء الزيت المفروض عليه ، إن سياسة الاحتكار الاقتصادي وإجبار الأهالي على شرائه بادرة تدل على مدى الظلم والجور والانتقام من أهالي القدس ويدل أيضا على اهتمام مجير الدين الحنبلي بالحديث عن التاريخ الاقتصادي في الفترة التي عاصرها وتفصيلها باهتمام كبير ويذكر في هذه الأحداث الأسعار ويقدر مدى الخسارة التي لحقت بالسكان من جراء هذه الممارسات وذكر الغلاء وارتفاع الأسعار.

 كما أفرد فصلا لمسألة الصراع حول القدس بين المسلمين والصليبيين ولذلك يعتبر كتاب الأنس الجليل موسوعة شاملة في النواحي التاريخية وخصوصا في أحداث المرحلة التي عاصرها المؤلف نفسه حيث كان شاهد عيان على أحداث تلك الفترة وكتب بصدق وصحح الأخطاء التي وقع فيها الآخرون وبحث واستنبط منها المفيد  واطلع على كل شيء أحاط به وله أهمية حتى اللوحات التذكارية وصحح حتى ما نقش عليها ، كما يعتبر كتابه موسوعة جغرافية تبين لنا بحق مواقع الأماكن المهمة الموجودة بها من مزارات ومقابر وغيرها ، وأيضا موسوعة اجتماعية حيث تحدث عن أماكن عبادة النصرانية واليهودية والعلاقة بين المسلمين والنصارى وكذلك الفتنة بين طائفة الدارية والأكراد والفتنة بين نائب القدس ونائب غزة وغير ذلك من الأمور والقضايا التي يزخر بها هذا الكتاب ، ولم يكتف المجيري بهذا الكتاب وإنما  كتب في العديد من العلوم الإسلامية في الفقه والحديث والتراجم والتاريخ وأهم هذه المؤلفات : المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد وقد نشر هذا الكتاب في مجلدين تحقيق محيي الدين عبد الحميد والتراجم مرتبة فيه حسب سنوات الوفاة .. التاريخ المعتبر في أنباء من غبر وهو تاريخ مرتب بشكل حولي من تاريخ سيدنا آدم حتى عام ٨٩٦ ه‍ / ١٤٩٠ م .. الإتحاف وهو مختصر لكتاب الإنصاف في معرفة مراجع من الخلاف للعلاء المرداوي الحنبلي .. الدر المنضد في أصحاب الإمام أحمد .. الإعلام بأعيان دولة الإسلام .. الوجيز.

المراجع : (مقدمة الأنس الجليل مجير الدين الحنبلي العليمي .. المحقق : محمود عودة الكعابنة / الأنس الجليل تحقيق عدنان أبو تبانة).