جرجا وأجوارها

جرجا والحميدي

مركز جرجا الحالي لا يوجد فيه أي مدينة قديمة بما في ذلك مدينة جرجا نفسها التي يوحي اسمها بجذور قبطية حيث لا توجد في السجلات الرومانية ، وأول ذكر لها كان في العصر الفاطمي باسم دجرجا بوصفها المحطة الأهم في طريق الحجاج المغاربة في طريقهم إلى القصير ثم بحرا إلى الحجاز ، وفي القرن الثامن الهجري برزت على مسرح الأحداث السياسية بعد انتقال قبائل هوارة إليها بأمر السلطان برقوق بعد ثورة بدر بن سلام في البحيرة.

وبدأ ذلك في عام 783 هـ حيث نزل فريق وهو الأكثر عددا وتأثيرا بأرض جرجا وكانت الإمرة فيهم لإسماعيل بن مازن ثم لعمر بن عبد العزيز جد بني عمر ، وفريق آخر نزل بناحية دهروط بأرض البهنسا بزعامة علي بن غريب وهؤلاء عرفوا بهوارة البحرية تميزا عن أولاد بني عمر ، يقول القلقشندي في كتاب قلائد الجمان : ” ونزلوا عمل أخميم في جرجا وما حولها ثم قوي أمرهم واشتد بأسهم وكثر جمعهم حتى انتشروا في معظم الوجه القبلي فيما بين قوص إلى بحري أعمال البهنساوية وأقطعوا فيها الإقطاعات وأكثروا تواجدهم بها وزادت بطونهم “.

وظلت علاقتهم بالسلطنة تخضع للشد والجذب حيث شهدت جرجا عدة وقائع وحروب بين هوارة والمماليك وبين هوارة جرجا ضد هوارة البحرية وبين هوارة وبقية القبائل ، ويقول المقريزي في البيان والإعراب : ” وبمجرد أن تولى محمد بن عمر إمرة هوارة قام بتمكين أتباعه في إقليم جرجا معتمدا على زراعة القصب وإقامة العديد من المعاصر واستخلاص السكر منه لذلك كثرت أمواله ” ..

وفي العصر العثماني تم ضم أعمال جنوب الصعيد في ولاية جرجا حيث شهدت المدينة عصرها الذهبي في العمران والتوسع ، يقول ابن زنبل الرمال : ” خلع السلطان سليم بعد دخوله القاهرة على شيخ العرب حماد شيخ عزالة بإقليم الجيزة وجاء إليه الأمير علي بن عمر شيخ هوارة فخلع عليه بإمارة الصعيد بمدينة جرجا وخلع على علم الدين شيخ بني عدي وكتب لهم التوقيع بذلك وخلع عليهم وانصرفوا ” ..

وتأسست في أجوار جرجا قرى جديدة لقبائل هوارة وحلفائها وهي الجواهين والخلافية والزواتنة والعوامر والقرعان والمجابرة والمحاسنة والمساعيد والتبينات وأولاد بهيج وبني عيش ، ثم بعد ذلك تأسست المشاودة وبيت الخريبي وبيت خلاف وبيت داود سهل وبيت علام وكوم الصعايدة ومزاتة ونجع الغباشي والرقاقنة ، وقد اندمجت في جرجا ضاحية عثمانية عرفت باسم الحميدية أو نجع الحميدي فتوسعت المدينة حيث يذكر علي باشا مبارك أنه كان بها عشرون مسجدا تشبه جوامع القاهرة.

جاء في القاموس الجغرافي : ” وردت في قوانين ابن مماتي وفي تحفة الإرشاد وفي التحفة دجرجا من الأعمال الأخميمية ، وفي تاريخ سنة 1231 هـ دجرجا والحميدي لأنه أضيف عليها في ذاك الوقت قرية كانت تسمى الحميدي وهي اليوم من توابع جرجا هذه باسم نجع الحميدي .. الحميدية هذه الناحية ألغيت وحدتها وأضيف زمامها إلى أراضي مدينة جرجا ومكانها اليوم نجع الشيخ عبد الغني الحميدي ويجاوره حوض الحميدية رقم 2 بأراضي ناحية جرجا المذكورة “.

أولاد طوق (دار السلام)

مدينة دار السلام في محافظة سوهاج اسمها الأصلي قرية أولاد طوق شرق والتي تأسست في العصر المملوكي نسبة إلى قبيلة أولاد طوق التي تقاسمت المنطقة مع كل من أولاد يحيى وأولاد الشيخ وتأسست قرى حملت هذه الأسماء ، وكانت المنطقة في الأصل تدعى مرج بني هميم وكانت تابعة للديوان السلطاني حيث يقول ابن الجيعان في التحفة السنية : ” مرج بني هميم : عبرته 50000 دينار كان باسم الديوان السلطاني والآن كذلك “.

وقد ورد في معجم البلدان أن منطقة مرج بني هميم تقع شرق النيل بصعيد مصر ، وفي كتاب الطالع السعيد للإدفوي جاء تحديد مكانه بين جبل طوخ من الشمال وقرية الخيام في الجنوب والتي تأسست في العصر المملوكي ، وفي القاموس الجغرافي ذكر محمد رمزي أن هذا المرج يضم كلا من بلاد أولاد يحيى بحري وأولاد يحيى قبلي ومزاتة شرق وأولاد طوق وأولاد سالم والكشح والنغاميش وأولاد خلف والخيام.

وفي العصر العثماني نزحت إلى المنطقة فروع من القبائل العربية والمغربية حيث تأسست في الجنوب قرية البلابيش بحري بجوار قرية الخيام ثم توسعت ونشأت جوارها البلابيش قبلي والبلابيش المستجدة (والبلابيش من تحالف هوارة) ، وفي زمام قرية الخيام تأسست كل من الكشح والنغاميش وأولاد خلف ، وفي الشمال توسعت أولاد يحيى قبلي ونشأت في زمامها قرى أولاد يحيى بحري وأولاد يحيى الحاجر ومزاتة شرق ونجوع مازن (نسبة لقبائل مزاتة وبني مازن).

وفي الوسط توسعت أولاد طوق القديمة وتأسس في زمامها أولاد طوق غرب وأولاد سالم بحري وأولاد سالم قبلي والعقارية ونقنق والنصيرات ، وظلت أكبر قرية فيهم هي أولاد طوق شرق (مدينة دار السلام حاليا) وجاء عنها في القاموس الجغرافي : ” أولاد طوق شرق : أصلها من نواحي مرج بني هميم ثم فصلت عنها في العهد العثماني كما وردت في دفاتر الروزنامة القديمة باسم أولاد طوق شرق المرج القبلي ثم وردت في تاريخ سنة 1231 هـ باسم أولاد طوق “.

وفي العصر الحديث نشأت في أجوارهم عدة نجوع حديثة هي الضبابعة والمساعيد شرق ونجع الحمدات ونجع الدير ونجع عمار ونجوع العزبة ونجع أحمد علي ونجع البنداري ونجع برمانة ونجوع المشايخ ونجع العمايرة ونجع عمران ونجع الشيخ مبادر ونجع هاشم العسيري ونجع الشيخ شاهين ونجع جنيدي وعرب العطيات البحرية وعرب العطيات القبلية وعرب حلوان وعرب المراشدة وعرب الصبحة وعرب بلي ، وكلها تتبع مركز دار السلام.

وجاء في الخطط التوفيقية : ” أولاد يحيى : قرية من قسم جرجا فى شرقى النيل وفى شرقى البلابيش بقرب الجبل وفى شمال مزاتة بنحو ثلثى ساعة ، وهى قرية عامرة ذات مساجد ونخيل ومضايف وفيها جياد الخيل ، ولأهلها كرم وشهامة يترفعون عن سفاسف الأمور لا تخرج نساؤهم ولا يدخل الرجال بيوتهم ولو من أولادهم ويكرمون ضيفهم ويحمون نزيلهم ، ومن أهلها على أغا البهنساوى عمدة شهير كان ناظر قسم الشرق من تلك المديرية زمن العزيز محمد علي “.

العسيرات

سمي مركز العسيرات بمحافظة سوهاج بهذا الاسم نسبة إلى قبيلة العسيرات العربية التي قادت حلفا كبيرا من لخم وقيس وسليم وهوارة والأشراف وهلال في صراعها ضد دولة المماليك زمنا طويلا ، ويرجع الاسم إلى منطقة عسير المعروفة بين الحجاز واليمن حيث لا زالت توجد منهم فروع هناك والنسبة لها عسيري ويقال لهم بنو عسير وعرب العسيرات ، وقيل انها اشتقت من بني أسرات الهوارية ثم حرفت إلى عسيرات.

وقد استقرت عشائر العسيرات قرب منطقة عرفت في العصور الإسلامية باسم طوخ الجبل ، ويضم مركز العسيرات اليوم فروع القبيلة وحلفائها وهم أولاد حمزة وأولاد جبارة وأولاد بهيج والمساعيد وأولاد غازي والرشايدة وعوامر العسيرات والنويرات بالإضافة إلى الأحايوة غرب (بني يحيى) والشهدا ، ومقر المركز في مدينة العسيرات (قرية أولاد حمزة سابقا).

جاء في القاموس الجغرافي : ” وكان زمام ناحية طوخ الجبل يبلغ إحدى عشر ألف فدان كما ورد في التحفة يضاف إليه زمام جزاير الجبل وقدره ألفا فدان يكون المجموع نحو ثلاثة عشر ألف فدان ، ولسعة هذا الزمام قسم في العهد العثماني على نواحي أولاد حمزة وأولاد جبارة وأولاد بهيج والمساعيد كما ورد في دفاتر الروزنامة القديمة وبذلك اختفى اسم طوخ الجبل وظهر بدلا منه النواحي المذكورة “.

وجاء في الخطط التوفيقية : ” العسيرات – بالتصغير مع سكون التحتية – هى عبارة عن عدة قرى من قسم المنشأة بمديرية جرجا ، أعظمها أولاد حمزة وأولاد جبارة كلاهما على الشاطئ الغربي للنيل وباقيها منتشر إلى الجبل الغربى فى حدود ناحية العرابة بينها وبين جرجا نحو ساعة وربع ..

وأبنيتها كأبنية الأرياف ما خلا منازل أعيانها فإنها مشيدة ذات غرف وقصور وأكبرهم وأكثرهم شهرة بل أشهر أعيان بلاد جرجا بيت أبي فواز فإنهم عائلة موسومة بالكرم لكن لهم عتو زائد وغلظ قلب ، وكان منهم عبد الله أغا ناظر قسم زمن العزيز محمد علي وقد نزل عنده العزيز مرة وكذلك المرحوم سعيد باشا نزل عند ابنه إبراهيم.

وكان للمرحوم عبد الله منزلة عند سر عسكر إبراهيم باشا وقد رتب له أرضا يزرعها قمحا لخاصته فكل سنة يرسل منها القمح للخاصة وكانت قمحة بيضاء تعرف بقمحة الذكر اليوسفي لها عرق عظيم عند العجن يشبه عرق اللبان وكانت لا توجد إلا عنده وقد كثرت الآن فى مديرية جرجا وأسيوط.

ولهم كرم زائد بحيث يبيت عندهم المئات من الفقراء والأعيان ولهم مطبخ خارج المنزل له طباخ من الرجال ، وفى مدة إبراهيم بن عبد الله كان من اللزوم أن يبيت خروف محمر زائد عما يؤكل فى العشاء حرصا على ما عسى أن يطرقهم ليلا من الضيفان ..

ومنهم الآن شيخ العرب إسماعيل بن أبي رحاب بن عبد الله ، نشأ على مكارم الأخلاق والصلاح والتقوى وملازمة الأذكار والأوراد يحب العلماء والصالحين له سمت حسن وجمال وجلال وسماحة وفصاحة “.

البلينا وبني حميل

يضم مركز البلينا بمحافظة سوهاج موقعا أثريا هاما هو العرابة المدفونة في موضع أبيدوس القديمة كما يضم بلدتين من العصر الروماني هما تبوراني (البلينا حاليا) وبرزازا (برديس حاليا) ، وقد ذكرهما المقريزي وهو يتحدث عن قرى الصعيد فقال : ” والبلينا فى أول البر الغربي من عمل قوص ليس قبلها من العمل إلا برديس ” ، وفي العصر الفاطمي تأسست قرية الحراجية (الحرجة بحري) وفي العصر المملوكي تأسست الباسكية وبني حميل ، وفي العصر العثماني تأسست بقية قرى المركز.

وفي كتاب الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد للأدفوى أن من علماء البلينا الشيخ قاسم بن عبد الله بن مهدى بن يونس مولى الأنصار يكنى أبا الظاهر وكان من أجل أهل بلده وأهل النعم وكانت كتبه جيادا وتوفي في البلينا عام 804 هـ ، والقاضي محمد بن مهدى بن يونس البلينائى تولى الحكم بدشنا وفاو وعيذاب والمرج وأعمالها وأقام بالقاهرة مدة وتوفي عام 749 هـ ، والشاعر مسعود بن محمد بن يوسف بن صاعد الأنصارى الخزرجى البلينائي اشتغل بالفقه والأدب وله قصائد فى المدح النبوى وتوفي عام 720 هـ..

جاء في الخطط التوفيقية : ” البلينة قرية كبيرة من قسم برديس بمديرية جرجا على الشاطئ الغربى للنيل ذات أبنية متوسطة وبها جوامع أحدها بمنارة ، وهى مشهورة بكثرة النخل وكذلك القرى التابعة لها المسماة ساحل البلينا فإن عدة نخليلها تقرب من خمس وسبعين ألف نخلة ، ويزرع بأرضها قصب السكر بكثرة وبها عصارات ، وكانت سابقا فى عهدة سليم باشا السلحدار وبنى فيها دارا وعصارة وله فى غربيها بستان صغير ..

وكانت أرضها تشرق كثيرا فعملت لها ترعة الحمران سنة خمس وسبعين ومائتين وألف هجرية وجعل لها سحارة تحت ترعة الكسرة وترعة الزرزورية فصارت مأمونة الرىّ وحصل لأهلها زيادة الفائدة ، ويعمل بها قفف وزنابيل من الخوص وحصر من الحلفاء بكثرة ويجلب إلى المحروسة وغيرها ، ويقابلها فى شرقى البحر ناحية مزاتة التابعة لشرقى أولاد يحيى ..

بني حميل : قرية من قسم برديس بمديرية جرجا فى وسط حوض برديس شرقي العربات المدفونة بنحو ساعة والبحر فى شرقيها بنحو ساعة أيضا ، وفيها بستان لحميد بيك أبو ستيت فيه أنواع كثيرة من الفواكه “.

وقد ذكرها ابن الجيعان في القرن التاسع الهجري في كتاب التحفة السنية فقال : ” البلينا مساحتها 24339 فدان بها رزق 180 فدان تقصيله نقا 3036 فدلن خرس 21303 أفدنة عبرتها 20000 دينار كانت باسم سيدي محمد ولد المقام الشريف والآن باسم الأمير يشبك الأشرفي أمير دوادار ومن معه “.

وجاء في القاموس الجغرافي : ” البلينا قاعدة مركز البلينا هي من المدن القديمة ذكرها جوتييه في قاموسه باسم تبوراني وقال أميلينو في جغرافيته إن اسمها القبطي تبوران ، وردت باسم البلينا في كتاب المسالك لابن حوقل وفي أحسن التقاسيم للمقدسي ضمن مدن الصعيد بمصروذكرها الإدريسي في نزهة المشتاق فقال البلينا بالقر من أخميم وهي كثيرة العمارة وبها نخيل كثير وقصب سكر.

ووردت في معجم البلدان بلينا مدينة على شاطىء النيل من غربيه بصعيد مصر وفي قوانين ابن مماتي وتحفة الإرشاد والتحفة البلينا من أعمال القوصية ، وكان ديوان القسم في برديس وفي سنة 1886 نقل من برديس إلى البلينا فأصبحت قاعدة له ومن أول سنة 1890 سمي مركز البلينا “.

نجع أبو ستيت

قرية بمركز البلينا تعد من مراكز بني محمد الهوارية ذكرها محمد الطيب في موسوعة القبائل حيث يقول : بنو محمد : من الثابت المؤكد أن أبناء قبيلة بني محمد الهواري بمركز البلينا – محافظة سوهاج – يمثلون ثلث سكانه تقريبًا. فبلادهم عديدة وجموعهم غفيرة، وهم كما يقول الشاعر: بهم تضرب الأمثال شرقًا ومغربا … إذا قاتلوا قوما سريعُ انهزامها .. عليهم ومن هو في حماهم تحية …. من الدهر ما غنى بأيك حمامها.

وإن كانت كتب التاريخ لَمْ تحدثنا عن قبيلة بني محمد الهواري بإقليم مركز البلينا في العصور المتأخرة بالتفصيل إلَّا أن الكتب التاريخية المتقدمة جاءت مليئة بأخبار ولد محمد الهواري ، وهو موضع بحثنا هذا. فالقلقشندي في صبح الأعشى يذكر أن بني محمد هم من البطون الهوارية ، وفي كتابه قلائد الجمان عام ٨٢١ هـ يذكر ذلك أيضًا.

والدكتور عبد المجيد عابدين في تحقيقه على كتاب البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب للمقريزي  يذكر : ( … وهوارة التي ببلاد الصعيد أنزلهم الظاهر برقوق بعد وقعة بدر بن سلَّام … في سنة اثنين وثمانين وسبعمائة تخمينا. وذلك أنه أقطع إسماعيل بن مازن بن هوارة (ناحية جرجا) وكانت خرابا فعمرُوها. وأقام بها حتى قتله علي بن غريب فولى بعده عمر بن عبد العزيز الهواري حتى مات. فولي بعده ابنه محمد المعروف بأبي السنون. وفخم أمره وكثرت أمواله … حتى مات فولي بعده أخوه يوسف) اهـ.

ومن هنا يمكن القول بأن أبناء بني محمد بمركز البلينا. هم فرع من ولد محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري المستوطن ناحية جرجا وحاكمها في القرن الثامن الهجري. ، وقديما كانت البلينا جزءًا من إقليم جرجا ، ونحن نأخذ في اعتبارنا ما سبق من أن جد هذه الأسرة (محمد المعروف بأبي السنون) كان خلفًا للحكم عن والده الذي كان أيضًا خلفا في الحكم عن إسماعيل بن مازن المستوطن بناحية جرجا ، ولا شك أن موقع سكنى بني محمد بمركز البلينا الآن هو ناحية من نواحي جرجا.

كما لا نغفل أيضًا عامل الهجرة فأبناء محمد الهواري بمركز البلينا هم بطن من ولد محمد الهواري حاكلم إقليم ناحية جرجا ثم هاجروا أي بعض منهم إلى موقع سكناهم الآن بمركز البلينا  ، ومما يؤيد ذلك أن نسب المترجم عنهم يتصل بنسب أهل بندار كما يؤكد ذلك كلّ من أبناء القبيلتين أبناء قبيلة واحدة (هي بنو محمد) ومن المعلوم أن إقليم بندار من جرجا.

وبذلك يتضح أن أبناء محمد الهواري بمركز البلينا هم من هذه الدوحة العربية الأصيلة الهوارية. أقام بعضهم بنواحي جرجا والبعض الآخر بمنطقة البلينا وما جاورها من القرى والتي منها بلاد نجع أبو ستيت (أولاد عليو) وبها أسرة المجد والكرم أسرة (أبو ستيت) التي أشاد بذكرها علي مبارك باشا في خططه التوفيقية بالمدح والثناء.

ولهذه الأسرة في الماضي والحاضر أعمالا وطنية مجيدة رفعتها إلى ذروة العروبة. فمن أعمالها في الماضي أن بنيها وهم من ذوي اليسار أقاموا ببلدهم (نجع أبو ستيت) دارا لدراسة القرآن الكريم والحديث الشريف ، وكتب الفقهاء ، وأحضروا لذلك العلماء على نفقتهم الخاصة هذا فضلًا عن إيوائهم لطلاب العلم من المغتربين ، فكانت هذه الدار بمثابة جامعة إسلامية آنذاك تخرج فيها كثير ممن حملوا لواء الإسلام من أبناء المنطقة وغيرها.

ومن وطنية عميدها حميد بيك أبو ستيت – رحمه الله – أنه كان يمد الثوار – أيام ثورة عرابي باشا – بكل ما يحتاجونه من مال وغلال وغيرهما ويومها تتوج باعظم تيجان العروبة والإسلام حيث اعتقلته القوات الإنجليزية بعد احتلالها لمصر ضمن من اعتقلتهم من المواطنين الأحرار.

وجاء في الخطط التوفيقية عن حميد بك أبو ستيت : وأبو ستيت هذا فلاح ترقى فى مدة الخديوى إسماعيل حتى كان مدير جرجا ثم قنا، وبلغت مزروعاته نحو سبعة آلاف فدان ، ونخيله نحو مائة فدان فى عدة بلاد. ومنزله يشبه منازل مصر، فى كفر غربى برديس يقال له السنباط ، له فيه مضائف وجامع ومكتب وهما عامران بالمجاورين من فقراء البلدان يقرؤن القرآن ويطلبون العلم ، ولهم جراية ومرتبات يصرفها عليهم من ماله حسبة ، وبالناحية المذكورة جامع بمئذنة بناه أبو ستيت بيك المذكور، وجبانتها مشهورة بالأولياء تأتى إليها الزوار من قاصى البلدان.

المنشأة

يقول الدكتور سليم حسن : ” تعد بطليمايس أهم بلد أنشأها بطليموس الأول في عصره وهي مدينة إغريقية الصبغة أنشأها هذا العاهل لتكون مدينة إغريقية خاصة بالإغريق في مقاطعة طينة (المنشية الحالية بالقرب من جرجا) ، وفي هذه البقعة أقيمت مبانيها العامة ومعابدها ومسرحها ولا نزاع في أن كل هذه المؤسسات كانت في طرازها ونُظُمها إغريقية وكانت ثقافتها إغريقية ومواطنوها من دم إغريقي خالص “.

وتمتعت المدينة بنفس الوضع القانوني للإسكندرية حيث تنتخب حكامها وقضاتها وقسمت إلى أحياء هي برنيكوس وفيلوتريوس وكليوباتريوس ومجيستوس وهيليوس وكارانوس ودانايوس ، وفي العصر الروماني صارت إحدى عواصم الصعيد الأربعة وحرف اسمها إلى بصوي ثم إلى أبشوي ، وفي القرن الخامس الميلادي هدمت معابدها ومسارحها بدعوى الوثنية ..

وفي العصر الفاطمي تلفت مساكنها بسبب الطمي وتأسست قرية جديدة جوارها سميت المنشية وعمرت الجزر المقابلة لها والتي عرفت باسم جزر أبو العلا والكرمانية (جزيرة المنتصر) ثم تأسست بقية قرى مركز المنشأة في العصر المملوكي والعثماني بعد توطن القبائل العربية والمغربية في أجوارها مثل روافع العيساوية وكوم بدار والأحايوة غرب والحريزات والزوك.

يقول محمد رمزي : ” والحقيقة التي تبينت لي من البحث هي أن هذه القرية سميت المنشأة لأن سكانها هجروا مكانها القديم في أيام حكم الدولة الفاطمية لوقوع مساكنها على تلول سبخة جعلتها عرضة للتلف وغير صالحة للإقامة فيها ، وكانت القرية تسمى في ذلك الوقت أبشاية فانتقلوا منها وأنشأوا لهم قرية جديدة في الأرض الزراعية الواقعة على النيل شرقي البلدة القديمة عرفت من ذاك الوقت باسم المنشأة أو المنشية لحداثة مبانيها ” ..

وذكر ياقوت في معجم البلدان أن المنشية اسم لأربع قرى بمصر منها من عمل أخميم يقال لها منشية الصلعاء نسبة إلى قرية الصلعاء المجاورة ، وفي قوانين ابن مماتي وتحفة الإرشاد جاءت باسم منشية أخميم من أعمال القوصية وفي التحفة السنية منشأة أخميم وسماها ابن جبير منشأة السودان وفي وصف مصر منشأة النيدة وفي دفاتر الروزنامة القديمة منشأة أخميم البربا وفي بعص المصادر القبطية القديمة منشية النصارى من ضواحي أخميم ..

وفي الخطط التوفيقية : ” منشأة أخميم من مديرية جرجا ويقال لها المنشأة الكبرى وتسمى أيضا منشأة النيدة وكانت تسمى فى الكتب القديمة أبصاي وفى بعضها كانت تسمى بطوليماييس ، قال إسترابون : وكانت أشهر بلاد الصعيد ولم تكن أقل من منفيس وكان بها عساكر رومية مرتبة على قاعدة الروم .. والمنشأة إلى الآن مدينة متسعة فى شرقي آثار المدينة القديمة ..

وبها قصور جميلة سيما قصور الأشراف فإنهم أشهر أهلها كرما وحسبا ونسبا مع الاعتبار الزائد عند الحكام والعرب ولهم فى غربيها جنينة نضرة ، وفى بحرى المنشأة فوق البحر قرية بندار وعندها جنينة لأولاد محمد بيك أبى حمادي ومنهم عمدها وعمد بنى صبورة الواقعة بحرى المنشأة بينها وبين سوهاج ، وفى غربى المنشأة قرية الحريزات وجميع هذه القرى من قسم المنشأة تشتمل على مساجد عامرة ونخيل وأرضها جيدة “.

العرابات

العرابات هو اسم ثلاث مناطق في محافظة سوهاج نزلت فيها عشائر هوارية وقرشية وغيرها من العرب خلال العصور الإسلامية المتعاقبة ، وترجع في تسميتها إلى واحدة من بطون قبيلة هوارة التاريخية حيث يقول محمد الهاشمي في كتاب الدرر الذهبية في أصول أبناء الأمة العربية : ” بلاد العرابات  جمع عرابة كانت في عداد البطون الهوارية في القرون المتقدمة ” ، وهم كل من عرابة أبو كريشة والعرابة المدفونة وعرابة أبو دهب.

وتضم عرابة أبو كريشة قرى كثيرة منها الدويرات وهي عاصمة العرابة وأولاد علي والزارة ، والشواولة ، والعمايدة الشرقية والغربية والخنانسة الشرقية والغربية ، وأولاد سلامة والدناقلة ، وكان محمد علي باشا في بداية حكمه قد استعان ببعض العربان في عملية مسح الأراضي ، وكان من بين هؤلاء شيخ العرب أحمد أبو كريشة الذي تولى ناظر قسم في مديرية جرجا وبرديس عام 1833م ، كما جاء فى كتاب ” البدو ودورهم في الثورة العرابية “.

وبعد ولاية أحمد أبو كريشة تولى ابنه (عليوة أحمد أبو كريشة) الذى نفس المنصب نفسه ، وظل في موقعه حتى حدث خلاف في عهد الخديو توفيق وأيد الثورة العرابية فصدر قرار بنفيه إلى السودان فتوفاه الله وهو على ظهر السفينة ، وكان يمتلك حينئذٍ آلاف الأفدنة (حوالى 16 ألف فدان) ، وقد قام محمد شريف باشا رئيس النظار (الوزراء) في هذا الوقت بتأميم غالبية الأراضي التي يمتلكها (عليوة أحمد أبو كريشة) ولم يترك له سوى القليل منها.

جاء في الخطط التوفيقية : ” عرابة أبى كريشة هى عبارة عن عدة نجوع من قسم المنشأة بمديرية جرجا ، واقعة فى وسط الحوض بين البحر والجبل ، فى غربى العسيرات وجرجا إلى ناحية الشمال ، ولا يتوصل إليها من زيادة النيل إلا فى المراكب ، وبها نخيل وبستان أنشأه المرحوم عليوة أغا أبو كريشة ، وعليوة أغا المذكور ابن أحمد أغا أبى كريشة الشهير.

وولى نظارة قسم جرجا وبرديس فى زمن العزيز محمد على وفى زمن المرحوم عباس باشا ، وكان والده ناظر قسم قبله فى أول جعل نظار الأقسام من أولاد العرب سنة تسع وأربعين ومائتين وألف ، وكان له شهرة فى الكرم ، وكان إذا ركب يركب خلفه كثير من عبيده ، وبلغت زراعته نحو ستة عشر ألف فدان، ومثله فى الشهرة بل أشهر منه عبد الله أبو فواز بناحية العسيرات ، وفى تلك المديرية أيضا قرية تسمى عرابة أبى ذهب ، وهى مثل عرابة أبى كريشة ، وأصل أهلهما واحد وعوائدهم متحدة.

العربات المدفونة : هذه المدينة كانت قديما من أعظم مدن الأقاليم القبلية ، فكانت تلى فى العظم مدينة طيبة التى بقيت دهرا طويلا تختا للديار المصرية ، وكانت تسمى فى الأزمان السابقة أبيدوس .. والآن فى محل المدينة قريتان إحداهما تسمى الخربة  والأخرى الخرابة ، وهما عرضة لتسلط الرمال عليهما ، والسبب الموجب لسيلان الرمال فى هذه الجهة ، هو أن فى مقابلة أبيدوس واديا متسعا تنسف الأرياح منه الرمال ، وتنشرها على الأرض.

وعربات المدفونة الآن قرية من قسم برديس من مديرية جرجا فى شرقى تلول المدينة الأصلية ، وفى حافة الجبل وغربى بنى جميل وبحرى سمهود ، وأكثر أهلها مسلمون ، وتكسبهم من الزرع ، وفيها نخيل وأشجار ومساجد ، وقاصدها يسير إليها من البلينا فى طريق وسط أرض الزراعة ، وفى أيام النيل يركب جسر برديس المبتدأ من البحر إلى الجبل ، والمسافة ثلاث ساعات ، وفيه قناطر يقال لها قناطر يعقوب، عندها ينعطف المسافر إلى الجهة الجنوبية نحو ساعة فيصل إلى العربات ، وذكر استرابون أن ألواح الأول من الثلاث واحات التى فى صحراء الليبيا فى مواجهة مدينة أبيدوس على مسافة سبعة أيام “.

وفي كتاب السلالة البكرية الصديقية يقول الباحث الأستاذ أحمد الدعباسي : ” تتكون بلاد العرابة من ثلاث عرابات كبرى تتبعهم عدة قرى ونجوع وهم : عرابة أبو كريشة وهي العرابة الوسطى واسمها القديم عرابة بني محمد بن مطاوع نسبة لبطن من العرب القرشيين من أولاد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وتقع هذه العرابة بمركز المنشأة بمحافظة سوهاج وتنقسم لعدد من القرى والنجوع تسكنها بطون عدة من العرب وغيرهم ومن هذه القرى قرية الدناقلة وقرية أولاد سلامة ..

عرابة أبو دهب وهي العرابة الشمالية وتتبع مركز سوهاج بمحافظة سوهاج وبها بطون عدة مختلفة من بينهم بطن بكري اسمه المناصير ولهم أبناء عمومة بالعرابة المدفونة يحملون نفس الاسم ، العرابة المدفونة وهي العرابة الجنوبية وتقع بمركز البلينا بمحافظة سوهاج وبدورها تنقسم لثلاث قرى كبيرة بني منصور عرابة أبيدوس الغابات وبهذه البلدة قبائل وبطون عدة من العرب وغيرهم من بينهم بطن بكري قرشي اسمه المناصير “.

وجاء في القاموس الجغرافي : ” العرابة المدفونة هي من المدن القديمة ذكرها جوتييه في قاموسه فقال إن اسمها المصري أبدجوو والرومي أبيدوس ، وقد كانت من توابع ناحية الحرجة ثم فصلت عنها في تاريخ سنة 1231 هـ باسم العرابا ، وفي تاريخ سنة 1272 هـ العرابا المدفونة وهو اسمها الحالي في القسم المالي تمييزا لها من العرابا بسوهاج التي بمركز سوهاج وفي الخطط التوفيقية العرابات المدفونة ويقال لها عرابة أبو كريشة من مشايخ عرب هوارة.

عرابة أبو دهب هي من القرى القديمة وردت في الانتصار باسم العراب من الأعمال السيوطية لأنها كانت تابعة لها في ذلك الوقت ، ووردت في تاريخ سنة 1231 هـ العرابا بإدفا لقربها منها ، وفي تاريخ سنة 1272 هـ العرابا بسوهاج وهذا هو اسمها الحالي في جداول وزارة المالية وفي جدول سنة 1880 هـ العرابا البحرية تمييزا لها من العرابا المدفونة التي بمركز البلينا ، ومن سنة 1892 وردت في جدول الداخلية باسم عرابة أبو دهب نسبة إلى الشيخ أبي ذهب الذي كان عمدة لها في ذاك الوقت “.