الجزء الرابع

الشيخ علي الصعيدي العدوي

مؤسس رواق الصعايدة بالجامع الأزهر الإمام علـي بـن أحمـد بـن مكـرم اللـه الصعيـدي العـدوي المالكـي صاحب المؤلف المشهور في الفقه المالكي كتاب (حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني) ، عاصر كلا من الأمير عبد الرحمن كتخدا الذي ساعده في إنشاء رواق الصعايدة وكذلك علي بك الكبير الذي كان يجله ويحترمه ومحمد بك أبو الذهب الذي عينه إماما في مدرسته التي بناها مقابل الجامع الأزهر ..

ذكره محمد مخلوف في طبقات المالكية فقال : ” أبو الحسن علي بن أحمد الصعيدي العدوي الإِمام الهمّام شيخ مشايخ الإِسلام وعلم العلماء الأعلام إمام المحققين وعمدة المدققين صاحب التآليف العديدة والأنفاس العالية السعيدة .. كان شديد الشكيمة في الدين يصدع بالحق ويأمر بالمعروف .. ولم يزل مواظباً على الإقراء والإفادة حتى توفي عاشر رجب سنة 1189 هـ / 1775 م ، مولده ببني عدي سنة 1112 هـ ” ..

وذكر الجبرتي منزلته عند الأمراء المماليك فقال : ” ولما مات علي بـك واستقل محمد بك أبو الذهب بإمارة مصر كان يجل من شأنـه ويحبـه ولا يـرد شفاعتـه فـي شـيء أبـدًا وكل من تعسر عليه قضاء حاجة ذهب إلى الشيخ وأنهى إليه قصته فيكتبها مع غيرهـا فـي قائمـة حتـى تمتلـئ الورقـة ثـم يذهـب إلـى الأميـر بعـد يوميـن أو ثلاثة فعند ما يستقر في الجلوس يخرج القائمة من جيبه ويقص ما فيها من القصص والدعاوى واحدة بعد واحدة ويأمره بقضاء كل منها والأمير لا يخالفه ولا ينقبض خاطره في شيء من ذلـك‏ ..

ولمـا بنـى الأميـر المذكور مدرستـه كـان المترجـم هـو المتعيـن فـي التدريـس بهـا داخـل القبـة على الكرسـي وابتـدأ بهـا البخـاري وحضـره كبار المدرسين فيها وغيرهم ولم يترك درسه بالأزهر ولا بالبرديكيـة‏ وكـان يقـرئ قبـل ذلـك بمسجـد الغريـب عنـد بـاب البرقيـة فـي وظيفـة جعلهـا لـه الأمير عبد الرحمن كتخدا وكذلك وظيفة بعد الجمعة بجامع مرزه ببولاق‏ ..

وكان على قدم السلف في الاشتغال والقناعة وشرف النفس وعدم التصنع والتقـوى ولا يركـب إلا الحمـار ويؤاسـي أهلـه وأقاربه ويرسل إلى فقرائهم ببلده الصلات والأكسية والبز والطرح للناس والعصائب والمداسات وغير ذلك‏ ولم يـزل مواظبـًا علـى الإقـراء والإفـادة حتـى تمـرض بخـراج فـي ظهـره أيامـًا قليلـة وتوفـي فـي عاشر رجب من السنة وصلي عليه بالأزهر بمشهد عظيم ودفن بالبستان بالقرافة الكبرى رحمه الله ولم يخلف بعده مثله ” ..

الشيخ الدردير

وسر النداء ” يا عدوي “

في حارة درب الكحكيين بين الازهر والغورية يرقد في ضريحه ولي الله تعالى ابو البركات شيخ الاسلام احمد الدردير العدوي صاحب النداء الشهير لدى العوام في العصر العثماني ” يا عدوي ” .. ولم يكن هذا النداء من باب الاستغاثة بالاولياء كما عهد عند الناس وانما كان صرخة حقيقية للاستنجاد بالشيخ ضد ظلم العثمانيين والمماليك حيث عرف الرجل بقوة الشكيمة والجهر بالحق ..

وذكر الجبرتي العديد من المواقف التي قام فيها الشيخ بقيادة عوام الناس وطلبة الازهر لمواجهة ظلم الوالي العثماني وبكوات المماليك .. منها مواجهته للوالي مرتين في الازهر وفي قصره ومنها قيامه باقتحام القلعة احتجاجا على فرض السخرة على الناس في اعمال البناء ومنها اضراب عام لتحرير بعض المجاورين الذين سجنهم المماليك لخلاف بينهم على الاوقاف ..

وبلغت ذروة ذلك في عام ١٢٠٠ هجرية عندما هاجم اتباع مراد بك حي الحسينية ونهبوا بيوت الناس فضجوا بالشكوى واستنجدوا بالشيخ .. وتعالت اصوات النداء ” يا عدوي ” من فوق ماذن الجامع الازهر حيث عطلت الدراسة واغلقت الابواب واقيمت المتاريس وقرعت الطبول واعلن الشيخ انه سوف يهاجم بيوت المماليك كما يفعلون مع الناس فخافوا وذهبوا للشيخ واعادوا ما نهبوه ..

ولد الشيخ احمد بن محمد بن ابي حامد الدردير العدوي عام ١٧١٥ بقرية بني عدي مركز منفلوط .. وتتلمذ علي يد الشيخ علي الصعيدي العدوي وخلفه في مشيخة رواق الصعايدة بالازهر وفي امامة المذهب المالكي .. وتوفي عام ١٧٨٦ ودفن في مسجده وبجواره تلميذه وخليفته في مشيخة الطريقة الخلوتية الشيخ صالح السباعي العدوي .. رحمه الله واجزل له المثوبة ..

الشيخ البيلي العدوي

الشيخ العلامة أحمد بن موسى بن محمد البيلي الأزهري العدوى المالكي (1728م/ 1141هـ – 1799م/1213هـ) نشأ ببني عدي وحفظ القرآن الكريم وأتقنه ثم سافر إلي القاهرة وجاور في الأزهر ولازم الشيخ علي الصعيدي العدوي وظل ملازماً أستاذه حتى أجازة للتدريس وكان الشيخ علي يأمر الطلاب بحضور الشيخ البيلي وكان متبحراً في معظم العلوم (الفقه والنحو والحديث والمنطق).

من مؤلفاته : (مسائل كل صلاة بطلت علي الإمام .. تقرير علي ابن فرج الأشبيلي في علم الحديث .. النكات الغريبة العجاب .. تقريرات علي السبط .. فائدة الورد في النحو .. منظومة في همزة الوصل .. تذكرة الإخوان علي منظومة معاني حروف الجر .. تقرير علي شرح الهدهدي في علم الكلام) ..

ومن تلاميذه الشيخ مصطفي العقباوي والشيخ أحمد الطرابلسي والشيخ إسماعيل مصلح والشيخ محمد الخشتي) وقد توفي رحمه الله بعد مشوار حافل بالعلم والعطاء ودفن بجوار الشيخ علي الصعيدي العدوي بالقاهرة .

قال عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه عجائب الآثار عن الشيخ البيلي : ” الإمام الفقيه العلامة المحقق الفهامة المتقن المتبحر عين أعيان الفضلاء الأزهرية الشيخ أحمد بن موسى بن أحمد بن محمد البيلي العدوي المالكي ولد ببني عدي سنة إحدى وأربعين ومائة وألف 1141هجرية وبها نشأ فقرأ القرآن وقدم الجامع الأزهر ولازم الشيخ علياً الصعيدي (وهو الشيخ العدوي علي بن أحمد بن مكرم الله المنسفيسي العدوي) ملازمة كلية حتى تمهر في العلوم وبهر فضلة في الخصوص والعموم ..

وكان له قريحة جيدة وحافظة غريبة يملي تقريره خلاصة ما ذكره أرباب الحواشي مع حسن سبك والطلبة يكتبون ذلك بين يديه وقد جمع فيه تقاريره علي عدة كتب كان يقرؤها حتى صارت مجلدات وانتفع بها الطلبة انتفاعاً عاماً ودرس في حياة شيخه الصعيدي شيئاً عديدة واشتهر بالفتوح وكان الشيخ الصعيدي يأمر الطلبة بحضوره وملازمته وكان فيه إنصاف زائد وتؤده ومروءة وتوجه إلي الحق ولديه أسرار ومعارف وفوائد وتمائم وعلم بتنزيل الأوفاق والوفق المثني والعددي والحرفي وطوائف تنزيله بالتطويق والمربعات وغير ذلك ..

ولما توفي الشيخ محمد حسن جلس موضعه للتدريس بإشارة من أهل الباطن ولما توفي الشيخ الدردير ولي مشيخة رواق الصعايدة وله مؤلفات منها مسائل كل صلاة بطلت علي الإمام بطلت علي المأموم وغير ذلك ولم يزل علي حالته وإفادته وملازمة دروسه والجماعة إلي وفاته ” ..

قال الأستاذ الكبير المؤرخ محمد علي حسن مخلوف : ” والشيخ محمد حسن الذي جلس الشيخ أحمد البيلي موضوعه بعد وفاته بإشارة من أهل الباطن يغلب الظن أن يكون العالم الفاضل محمد حسن الجزايرلي المدني أحد تلاميذ الإمام الشيخ علي الصعيدي العدوي “.

الشيخ صالح السباعي العدوي

من أهم تلاميذ الشيخ الدردير خليفته من بعده الشيخ صالح السباعي العدوي .. وقد وردت ترجمته في كتاب (أضواء على الطريقة الرحمانية الخلوتية) حيث يقول مؤلفها عبد الباقي مفتاح :

أبو الفلاح صالح بن محمد بن صالح السباعي الأستاذ العمدة العارف بالله القدوة الحبر الإمام الفاضل الهمام نادرة الأيام وعمدة الأنام الزاهد الثقة الأمين مع ورع ودين متين ..

لازم الشيخ الصعيدي حتى بلغ درجة الترجيح في كل الفنون وأخذ عن الشيخ الزيات العدوي والشيخ حسن الجداوي وأخذ الخلوتية عن الشيخ الحفني وأتمها على الشيخ الدردير الوارث لسره والخليفة بعده بزاويته ..

وتصدر للتدريس وأجاد وأفاد وتخرج على يده الكثير من الفحول منهم ولده محمد السباعي ومحمد بن عبد الرسول السباعي ومحمد المغربي وعبد الله القاضي وصالح الزجاجي ويوسف الصاوي ..

له شرح على الفتوحات المكية التزم فيه الاستدلال على كل حكمة منه بآيات قرآنية وأحاديث نبوية وشرح على حكم ابن عطاء الله وشرح على منظومة أسماء الله الحسنى لشيخه الدردير وكانت له مكاشفات وكرامات ..

مولده سنة 1154 هـ وتوفي سنة 1221 هـ ودفن بزاوية شيخه الدردير بالكعاكين ” .. وعرفت أسرة السادة السباعية بالصلاح والمعرفة والعلم واشتهر منها عدد من العلماء والشيوخ منهم سليم السباعي ومحمد صالح السباعي وأحمد صالح السباعي وراغب بن محمد السباعي.

وجاء عنه في كتاب الأعلام للزركلي : ” صالح بن محمد بن صالح السباعي :

فاضل مصري. ولد ببني عديّ (من شرقية مصر) وتعلم في الأزهر. له (شرح الفتوحات المكية) و (شرح حكم السكندري) و (شرح منظومة الأسماء الحسنى، للدردير ” .

الشيخ حسن الحمزاوي العدوي

في عام 1863 قرر السلطان عبد العزيز زيارة مصر بصحبة ابناء اخيه مراد وعبد الحميد وكان الوالي اسماعيل باشا شديد الاهتمام بهذه الزيارة للحصول على فرمان الخديوية ، وكان من ضمن برنامج السلطان استقباله لعدد من شيوخ الازهر حيث تم التنبيه عليهم باتباع البروتوكول العثماني من الانحناء للسلطان والوقوف على مسافة معينة اسفل المنصة وتحية السلطان بانحناء الراس واليدين وعدم التكلم والرجوع بظهورهم عند الانصراف ..

والتزم جميع الشيوخ والاعيان بتلك التعليمات ما عدا الشيخ حسن الحمزاوي العدوي الفقيه المالكي حيث دخل مرفوع الرأس ثابت الجنان معتزا بنفسه فلم يحني راسه وسار حتى جاوز الحاجز وصعد الى المنصة ووقف الى جوار السلطان وخاطبه بقوله السلام عليك يا امير المؤمنين ثم صافحه واوصاه ان يحكم بالعدل وان يرفق بالرعية ثم استدار واعطاهم ظهره وخرج بنفس المشية واضطرب اسماعيل باشا عندما ساله السلطان من الشيخ ..

فأجابه : «هذا شيخ من أفاضل العلماء ولكنه مجذوب وأستميح جلالتكم عفوًا عن سقطته» ، فقال السلطان «كلا. بل إني لم أنشرح لمقابلة أحد انشراحي إلى مقابلته .. ما عندكم الا هذا العالم» وأمر للشيخ العدوي بخلعة سنية وألف قطعة ذهبية .. وقد عرف عن الشيخ مجاهرته بقول الحق اكثر من مرة في وجه الخديوي اسماعيل خاصة في الجامع الازهر عندما اراد ان يلوم الشيوخ على فشل حملته على الحبشة وانهم لم يدعموه بالدعاء والمؤازرة ..

انضم الشيخ العدوي الى الثورة العرابية وكان من زعمائها وهو الذي افتى بمروق الخديوي توفيق ومحاربته لاستعانته بالانجليز .. ولم ينكر ذلك اثناء محاكمته واصر على قوله فتم الحكم عليه بالسجن ثم خفف الى الاقامة الجبرية ومصادرة ممتلكاته ما عدا المسجد الذي بناه خلف مسجد الحسين وظل قيد الاقامة الجبرية حتى توفي عام 1886 وقد جاوز الثمانين عاما ودفن في المسجد .. رحمه الله رحمة واسعة وتقبله في عباده الصالحين ..