2 / الطريق إلى أرض الكنانة

في خريف عام 639 م. عقد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب العدوي مؤتمر الجابية لتنظيم العمل في الأقاليم المفتوحة في بلاد الشام وأثناء ذلك عرض عليه عمرو بن العاص مرة أخرى مسألة فتح مصر (كان قد اقترح الأمر أول مرة أثناء فتح القدس ورأى عمر وقتها أن الوقت غير مناسب) وبين له أن الإقدام على ذلك فيه خير كثير من الوجهة العسكرية حيث تأمين الجبهة الغربية للجيوش الإسلامية وكذلك من الوجهة الاقتصادية بما توفره مصر من ثروة وغذاء فتكون (قوة وعونا للمسلمين) على حد تعبيره ، في البداية كان الخليفة مترددا ولا يريد فتح جبهة حربية جديدة خاصة وقد كان الحصار لا يزال مضروبا حول مدينة قيسارية آخر معاقل الروم الهامة والتي تحول بينهم وبين المتبقي من بلاد الساحل الشمالية لكنه في النهاية استجاب للغة المنطق ووافق على مسير عمرو إلى مصر في ديسمبر من نفس العام فعقد له على أربعة آلاف جندي معظمهم من قبيلتي عك وغافق وأمره بالتحرك باتجاه الساحل نحو مصر في تكتم وذلك في رسالة بعثها إليه مع شريك بن عبدة البلوي (حليف الأنصار) وأعلمه أنه سوف يمعن التفكير في الأمر ويرسل له رسالة بالتطورات اللاحقة ، ومع قدوم الليل تحرك الجيش مغذا السير باتجاه شبه جزيرة سيناء ولم يعلم بأمره إلا بعد أن عبر الصحراء عند رفح وكان عثمان بن عفان قد دخل على الخليفة فراجعه في هذه المسألة خشية وإشفاقا على المسلمين مما ظنه تهورا عند عمرو فكتب الخليفة كتابا إلى عمرو يأمره فيه بالرجوع إذا لم يكن قد دخل مصر أما إذا كان دخلها فليواصل لأن الرجوع من أرضها قد يفسر بأنه ضعف عن مواجهة ما بها من الروم.

حمل كتاب الخليفة عقبة بن عامر الجهني وأدرك الجيش وهو يتحرك من رفح إلى العريش حيث فطن عمرو بذكائه المعروف إلى فحوى الرسالة فظل يدافع الرجل ويتشاغل عنه أثناء السير حتى وصل إلى العريش فحط رحاله هناك وسأل عنها الأدلة أمام الناس جميعا فأجابوا أنها من أرض مصر وساعتها تسلم الرسالة وقرأها على الجنود وحثهم على المضي قدما تنفيذا لتوجيهات أمير المؤمنين ، إلا أن القائد اللبيب أدرك مقدار التعب الذي يعانية الجنود بعد الجهد الكبير في فتوح الشام فقرر تمضية عيد الأضحى في العريش (ذي الحجة 18 هـ.) حيث حصل الجنود على قسط وافر من الراحة في مكان آمن وبعيد عن أي تهديد من الرومان ومن ثم يكملون المسيرة باتجاه الغرب وهم في غاية النشاط ليكون موعدهم مع أول المواجهات في يناير من عام 640 م. عندما ضربوا الحصار على مدينة (بيلوز) والتي كانوا يعرفونها باسم الفرما ، لم يكن مع الجيش أية آلات للحصار وإنما كانوا يعتمدون على شجاعتهم في مهاجمة الأسوار واستمر الحصار شهرا ما بين كر وفر حيث كان الرومان يخرجون من الحصن من حين لآخر لمهاجمة الجيش وفي إحدى المرات خرجوا للهجوم لكن العرب أدركوهم أثناء فرارهم فملكوا عليهم الباب واقتحمه أسميقع بن وعلة السبائي فشد عليهم وتبعه المسلمون وقد ذكر المقريزي وابن تغري بردي أن أقباط الفرما ساعدوا العرب ضد الرومان أثناء الحصار.

كانت مدينة الفرما شديدة الأهمية لأنها تضمن سلامة طريق الإمدادات القادمة من الشام وكذلك تأمين موخرة الجيش الإسلامي بعد اجتيازه وادي النيل ولم يكن من الوارد اجتيازها دون هدم قلعتها ليمنع الرومان من إعادة استخدامها لقطع الطريق عليه لأنه لم يكن ينوي دخول الدلتا (طريق تانيس بوبسطة الذي سار فيه الفرس من قبل) وإنما قرر الانحياز يسارا باتجاه الجنوب في الصحراء إلى برزخ السويس حيث التحقت به قبائل سيناء مثل لخم وراشدة ، بعد ذلك انحدر الجيش بمحاذاة وادي الطميلات ليجد نفسه بعدها مباشرة أمام مدينة بلبيس حيث كان الجيش الروماني يرابط في انتظارهم بقيادة أرطبون (وهو القائد الذي واجه عمرو بن العاص من قبل في القدس) وقد جرت مفاوضات بينهم أسفرت عن مهلة أربع أيام تركها لهم عمرو للتشاور وتسليم المدينة لكنهم في صباح اليوم الثاني قرروا الهجوم بغتة على الجيش العربي الذي واجههم باستبسال وحقق أولى انتصاراته الكبرى في وادي النيل حيث خسر الرومان ما يقرب من ألف قتيل وثلاثة آلاف أسير ، ولم يتعجل عمرو في المسير وإنما قضى في المدينة المفتوحة شهرا كاملا يرتب أمورها ويضع فيها حامية تسيطر على طريق الإمداد وبنى في المدينة أول مسجد في قارة أفريقيا وهو المعروف اليوم باسم (مسجد سادات قريش) حيث كانت المدينة إحدى أهم نقاط تجمع قبيلة قريش في صدر الإسلام ثم سار بعد ذلك باتجاه الجنوب الغربي في الصحراء المحاذية لحافة الدلتا ليجد نفسه عند مدينة الشمس (هليوبوليس) العريقة بعد مسيرة يوم واحد.

كانت العاصمة العريقة (أون) والتي سماها العرب عين شمس قد أصبحت قرية زراعية عادية يعيش أهلها بجوار ما تبقى من آثار شاهدة على العظمة الغابرة والمجد التليد فتجاوزها الجيش لأنه كان يهدف في المقام الأول لمهاجمة المراكز العسكرية الرومانية قبل أن يبسط سلطانه على البلاد فلم يتعرض لأهلها وواصل مسيره حتى انتهى به إلى ساحل النيل عند مرفأ (تنونديس) أم دنين (وموضعها اليوم في قلب القاهرة عند ميدان رمسيس حيث كان النيل يمر من هناك وقتها) ، أرسل عمرو عيونه فعلم أن القوة الأساسية للرومان قد تجمعت في حصن بابليون تحت قيادة القائد العام للجيوش الرومانية في مصر (تيودور) وأن قوة عسكرية رومانية كبيرة قد احتلت أم دنين وهو ما يعني أنها ستكون خلفهم إذا ما قرروا حصار الحصن فلم يكم أمامهم إلا محاصرة المرفأ لإجلاء الرومان عنه لكن كانت المشكلة الكبرى أنهم بذلك صاروا في مرمى الرومان الذين يخرجون في الليل من حصن بابليون فيهاجمون المسلمين هجمات خاطفة ثم يعودون في سرعة ، مضت على هذا الحال عدة أسابيع فأرسل عمرو إلى الخليفة يعلمه حقيقة الوضع ويطلب منه مددا ليتمكن من الخروج من هذا المأزق حيث صار الجيش الإسلامي محاصرا بين قوتين يمكن أن تعرضه لخطر داهم حيث كانت حامية أم دنين تقاتل بشراسة وهي ترى الجيش المحاصر يتعرض للضربات المتتالية من الخلف.

وفي أحد الأيام رأى عمرو جماعة يخيمون في القتال فجعل يذمرهم ويحثهم فقال له رجل منهم : (إنا لم نكن حجارة أو حديدا) فقال عمرو غاضبا : (اسكت فما أنت إلا كلب) فقال الرجل : (إذن فأنت أمير الكلاب) فكان جوابه هذه باعثا على ضحك من حوله وأعرض عنه عمرو ولم يجازه على ذلك وهذه الحادثة دلالة على تأثير الأوضاع على الروح المعنوية للمقاتلين لكنهم في النهاية اقتحموا المرفأ بعد معاناة شديدة وأجلوا عنها الرومان ، وقد أدرك عمرو بثاقب فكره أن بقاءه في هذا المكان سوف يجعله مكشوفا ومعرضا لمزيد من هجمات الرومان لذلك قرر الاستفادة من السفن الموجودة وأقدم على خطوة بالغة الجرأة إذ ترك حامية صغيرة لحماية أم دنين وعبر بقواته إلى غرب النيل وذلك في أول شهر مايو 640 م. حيث سار باتجاه الجنوب بين الأهرام شرقا والنيل غربا يستكشف المنطقة حتى وصل إلى قرية أبويط (في مركز بني سويف حاليا) ، وهناك عرف عمرو أن كتيبة رومانية من حامية الفيوم تكمن له سرا في الليل لتفاجئه بالهجوم بقيادة (حنا الماروسي) فاستعد لها جيدا حيث صد الهجوم وحقق انتصارا كبيرا وأباد الكتيبة عن بكرة أبيها فدب الفزع في سائر الحاميات الرومانية في منطقة أركاديا (إقليم شمال الصعيد الذي يضم جنوب الجيزة وبني سويف والفيوم وشمال المنيا) فلم يجرؤ أحد أن يهاجمه بعد ذلك وانسحبت القوات الرومانية من منطقة تمركزها في اللاهون إلى داخل الفيوم بينما تراجعت حاميات المنطقة لتلوذ بحصن بابليون رافضة الاشتباك مع العرب.

كانت تلك المغامرة في غرب النيل ناجحة حيث حمى عمرو جيوشه من هجمات الرومان وحافظ على الروح المعنوية للجنود وألقى الرعب في قلوب الحاميات الرومانية واستطاع توفير مصدر للإمداد والتموين بالأعلاف والسلاح من الكتائب الرومانية التي هزمها في أكثر من موضع والأهم من ذلك أنه خرج من مأزق الحصار في أم دنين واستكشف منطقة الفيوم وشمال الصعيد وعرف طرقها ودروبها خلال شهر كامل ، وفي يوم 6 يونيو 640 م. وصلت الرسالة التي ينتظرها عمرو تعلمه بوصول المدد وذيلت بعبارة أمير المؤمنين : ” وقد أرسلت إليك أربعة آلاف رجل على رأس كل ألف منهم رجل بألف وهم الزبير بن العوام والمقداد بن عمرو وعبادة بن الصامت وخارجة بن حذافة ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة .. ” وكان ذلك يعني الإسراع بالعودة إلى شرق النيل حيث كانت الأمداد تتمركز تباعا في منطقة عين شمس وذلك حتى لا يقوم الرومان بالانفراد بأحد الجيشين دون الآخر ، وقد حدث ما توقعه عمرو إذ وجد الرومان قد تحركوا وأعادوا الاستيلاء على أم دنين وطردوا الحامية العربية منها ليعوقوا عودته من غرب النيل لكنه استطاع بمهارة وذكاء أن يواصل سيره شمالا والعبور من عند نقطة تفرع النيل بينما هم ينتظرونه في المرفأ حيث أصبح ماهرا بجغرافية المكان فلم يشعروا به إلا وهو يصل إلى عين شمس ويلتحم بقواته وسط حالة معنوية مرتفعة في صفوف المسلمين.

وفور اجتماع القادة استقر الرأي على استدراج الجيش الروماني لمنطقة تمركزهم قبل فيضان النيل وذلك عن طريق السيطرة على مدينة عين شمس والقرى المحيطة بها وهو ما يعني عزل حصن بابليون عن وسط الدلتا تماما ولم يكن أمام الرومان بالفعل إلا الخروج لأن عمرو أثبت قدرته على عزل الحصن عن الصعيد والإسكندرية أيضا عندما جاس بقواته في غرب النيل وهو ما يعني حرمان الحصن من الإمداد والتموين وفيه مقر القيادة العسكرية الرومانية ، وبعد أن اطلع خارجة بن حذافة ميدانيا على ساحة المعركة المرتقبة رأى أن خط سير الجيش الروماني سوف يمر بمحاذاة جبل المقطم ثم الجبل الأحمر في طريقه إلى عين شمس فاقترح على القائد العام أن تتحرك مقدمة الجيوش حتى الصحراء الواقعة بين الجبال شرقا والنيل وأم دنين غربا (منطقة العباسية حاليا) موهمة العدو أنها تتقدم نحو حصن بابليون بينما هي في الحقيقة تختار موقع المعركة ، وكانت بقية الخطة المقترحة من خارجة أن يأذن له عمرو بقيادة كمين أحدهما في الشرق في منطقة الجبال والآخر في الغرب يرابط سرا عند أم دنين دون أن يحاول اقتحامها وبالتالي يصبح جيش الروم بين شقي الرحا وتكون مؤخرة قواته ومراكز قيادته مكشوفة وهي الخطة التي لاقت قبولا كبيرا من القائد العام فأعطى أوامره سرا إلى خارجة بالتنفيذ وأعطاه كل ما يلزمه من احتياجات وندب معه أشجع الرجال.

وفي ليلة 15 يوليو 640 م. انفصل القائد خارجة بن حذافة العدوي بقواته التي بلغت 1000 مقاتل اتجه نصفهم معه إلى ثنية الجبل واتجه النصف الآخر إلى ساحل النيل بالقرب من مرفأ أم دنين وذلك في الظلام الدامس بعيدا عن أعين الرومان حيث كمن في منطقة عرفت بعد ذلك باسم (مغار بني وائل) حيث شاهد بعينه القوات الرومانية وهي تتحرك عند الفجر وتنتشر في السهل وقدر عددها بحوالي عشرين ألف مقاتل ، وفي ساعة مبكرة من الصباح التحم الجيشان في المنطقة التي حددها القادة العرب وقاتل الرومان قتال المستميت لأنهم يعلمون أنها معركة فاصلة وقد كانت كذلك بالفعل حيث لا تقل عين شمس في أهميتها التاريخية والحربية عن اليرموك والقادسية ونهاوند التي حدثت في الشام والعراق وفارس حيث حشد فيها نصف القوات الرومانية الموجودة في مصر كلها بعد أن استدعى تيودور كافة الحاميات من الدلتا والصعيد ، ولما حمي وطيس القتال وعض الناس على النواجذ أقبلت كتيبة خارجة بن حذافة من مكمنها في الجبل كأنما هي عاصفة تجتاح مؤخرة جيش الروم فظنوا أنهم قد وقعوا بين جيشين من العرب فاضطربت أحوالهم ووقع الفشل في صفوفهم واتجهوا تلقائيا يسارا ناحية الغرب فلقيهم الكمين الآخر فظنوا أنه جيش عربي ثالث فانتثر نظامهم وحلت بهم الهزيمة ففروا لا يلوون على شيء يطلبون النجاة من سيوف العرب التي تلمع كأنها وميض البرق.

أسفرت المعركة عن هزيمة مروعة للجيش الروماني فكهلت طائفة كبيرة منهم ولاذ الباقون بالفرار إلى غرب النيل بينما فر القائد تيودور وكبار ضباطه أنستاسيوس وتيودوسيوس مع قلة من الجنود وتفرقوا ما بين حصن بابليون والإسكندرية واستولى العرب على أم دنين مرة أخرى حيث قتلت حاميتها ولم ينج منها إلا ثلاثمائة جندي فروا عبر النيل في المراكب بينما أصاب الهلع عددا كبيرا من حاميات الدلتا والصعيد المتبقية فأخلت مواقعها وانسحبت باتجاه نقيوس والإسكندرية ومدن الدلتا ، وإثر ذلك ترك عمرو حامية صغيرة في عين شمس بقيادة عبد الله بن حذافة السهمي لتأمين رأس الدلتا وانتقل بمعسكر المسلمين جنوبا إلى منطقة شمال وشرق حصن بابليون (في الموضع الذي صار بعد ذلك مدينة الفسطاط) وذلك بهدف ضرب الحصار عليه ومن هناك رابطت قوات إضافية على ساحل النيل من شماله وجنوبه فلم يعد له اتصال مع العالم الخارجي إلا من خلال جزيرة الروضة ، أما النتيجة الأهم للمعركة فهي ميلاد نجم جديد بزغ في سماء الجهاد والفتوة ألا وهو خارجة بن حذافة العدوي الذي أثبت براعة في التخطيط وشجاعة في التنفيذ مما حدا بالقائد العام أن يقربه ويجعله في موقع يشبه (رئيس أركان الجيش) في زمننا الحاضر فكان ينوب عنه في كثير من المهام القتالية وغيرها ونشأت بين الرجلين علاقة طيبة قائمة على التفاهم المشترك وثبتت مكانة حذافة في مصر طوال عشرين عاما قضاها في البلاد وهي الخطوة التي حملت معه الموجة الأولى من بني عدي إلى مصر.

تغيرت خطط القيادة الإسلامية بعد معركة عين شمس حيث كان لا بد من تأمين وجود الجيش في مصر من ناحية الإمداد والتموين وكذلك حمايته من تهديد أي حامية رومانية قريبة وذلك لأن حصار حصن بابليون قد يطول ولذلك ترك عمرو المعسكر تحت قيادة خارجة بن حذافة وعبر بجزء من القوات إلى غرب النيل ليلتحق بقوات عقبة بن عامر قاصدا تأمين منطقة أركاديا (شمال الصعيد والفيوم) وكان قد خبرها خلال المدة القصيرة التي قضاها هناك ، ومن هناك أرسل جرائد الخيل تباعا فسارت كتيبة من الجند بقيادة عقبة بن عامر الجهني لترابط في غرب النيل في الطريق الذي يربط نهر النيل بكل من الصعيد والفيوم وغرب الدلتا حيث سيطرت على كافة المواقع الرومانية هناك (منطقة صحراء الأهرام محافظة الجيزة الحالية) وحتى أبويط (في مركز بني سويف) ومن هناك أرسل سريتين إحداهما إلى البهنسا (مركز بني مزار المنيا) بقيادة قيس بن الحارث المرادي والثانية إلى اللاهون (مدخل الفيوم) بقيادة ربيعة بن حبيش الصدفي ، وقد تعاونت السريتان في القضاء على قوة رومانية قرب البهنسا عاصمة الإقليم حيث سميت القرية المقابلة لها باسم (القيس) حيث دارت المعركة كما تعاونت السريتان في السيطرة على القلاع الموجودة على مدخل الفيوم وتوغلت قليلا في الإقليم وعادتا بالكثير من المعدات العسكرية التي غنموها من الرومان ولم يتيسر لهم اقتحام البهنسا أو الفيوم بسبب تمركز القوات الرومانية مرة أخرى عند أبويط فعادا للقضاء عليها.

وفي أغسطس 640 م. ترك عمرو كتائب غرب النيل تحت قيادة عقبة بن عامر الجهني وتحرك باتجاه عين شمس لمعاونة عبد الله بن حذافة السهمي في السيطرة على المنطقة المحيطة بها ثم الانطلاق شمالا للسيطرة على رأس الدلتا ومن ثم احتلال القلاع الرومانية في كل من منوف (حصن تراجان) وأتريب (بالقرب من بنها الحالية) حيث نجح في مهمته بمعاونة أقباط مصر كما يقول حنا النقيوسي في كتابه : ” وأخذ الناس يساعدون المسلمين ” ، وقد قام عدد من الحكام المحليين من الرومان بالإذعان للمسلمين بعد الانحياز الواضح الذي ظهر من الأقباط ناحيتهم فقام الأعيرج (جورج) حاكم قليوب ببناء جسر على النيل لتعبر منه القوات العربية إلى وسط الدلتا كما قام (أبي قيرس) حاكم دلاص في الصعيد (مركز بني سويف) بتوفير المراكب لعبور القوات العربية العائدة من البهنسا والفيوم عن طريق مدينته إلى شرق النيل أما من قاوم ورفض فكان مصيره الأسر شأنه شأن المحاربين ، وفي سبتمبر 640 م. قرر عمرو الاكتفاء بما حققه في الدلتا بسبب موعد قدوم الفيضان وتعذر السير بالخيول وسط فروع الدلتا وقنواته المتعدة لكنه كان قد حصد ثمار الانتصار الكبير في معركة عين شمس فصار يسيطر على الحوف الشرقي كله من الفرما إلى بلبيس ومنطقة عين شمس ورأس الدلتا حتى أتريب ومنوف وغرب النيل من الأهرام وممفيس حتى مدخل الفيوم وحدود البهنسا ومن ثم عاد بقواته للمرابطة أمام حصن بابليون.