1 / الشيخ خير الدين الرملي العدوي

في الوقت الذي كانت فيه السلطنة المملوكية قد بلغت أوج عظمتها ومجدها الذي حققته بانتصاراتها الباهرة على المغول والفرنجة كانت جماعة من المجاهدين في أقصى غرب الأناضول تحت قيادة عثمان بن أرطغرل تحرر مجموعة من المدائن المتاخمة للدولة البيزنطية وترابط عندها فى سبيل الله ، وإذ استطاع عثمان صد الحلف الصليبي الذى تجمع له عمد ابنه أورخان إلى بسط نفوذه على أجوار الدردنيل بينما أقدم خلفه (مراد الأول خدابنده) على خطوة بالغة الجرأة إذ عبر إلى الجانب الأوروبى وفتح مدينة ( أدرنة ) ثانى أكبر المدن البيزنطية بعد القسطنطينية وجعلها عاصمة لدولته وانطلق يشن الغارات منها على البلقان ووصل الإسلام إلى هذه البقعة من الأرض لأول مرة فى تاريخه ثم قام ابنه بايزيد يلدرم (الصاعقة) باتمام السيطرة على الأناضول لينهى عهد سلاجقة الروم نهائيا وكذلك التوغل فى البلقان حتى ساحل الإدرياتيكي واستطاع الانتصار على الجيوش الصليبية المتحالفة عند قوصوه وأعلن فى نشوة الظفر أنه سيطعم حصانه الشعير فى مذبح القديس بطرس بروما وأطلق على نفسه (سلطان الروم) أى حاكم أرض الروم التى لم يبق منها إلا القسطنطينية فقط وسط بحر متلاطم من الأتراك العثمانيين لكن كان عليه مواجهة المارد القادم من الشرق حيث هزم في معركة أنقرة علي يد ملك التتار الأشهر تيمورلنك ، وقد استرد العثمانيون عافيتهم سريعا بعد تلك الضربة واستطاع محمد جلبي إعادة توحيد الدولة ليخوض ابنه (مراد خوندكار) صراعاً مريرا ضد الصرب والبلغار والبيزنطيين انتهى عند منتصف القرن التاسع الهجري عندما حقق السلطان الشاب أبى الخيرات محمد الفاتح بن مراد أعظم إنجاز فى هذه الحقبة بفتح مدينة المدائن (القسطنطينية) التي بناها قسطنطين الكبير قبل ألف عام ليقضى بذلك على الدولة الرومانية الشرقية (بيزنطية الثقافة – إغريقية اللغة) ويحول كنيسة (أيا صوفيا) التى بناها جستنيان إلى مسجد جامع ويغير اسم المدينة إلى (إسلام بول) أى مدينة الإسلام وتصبح عاصمة دولته لينطلق منها بعد ذلك ويتم الإستيلاء على شبه جزيرة البلقان واليونان وتصبح حدود دولته الغربية متاخمة لبولندا والنمسا والمجر.

وحفيده سليم الأول ياوز أى القاطع هو سلطان العثمانيين الذى أوقف الفتوحات فى الجبهة الأوربية لسبب غير مفهوم وقرر الاتجاه شرقا حيث انتصر على الشاه إسماعيل الصفوى فى معركة جالديران وضم بلاد الفرس إلى دولته ثم استدار جنوبا ليطيح بالمماليك فى معركة مرج دابق حيث قتل قنصوه الغورى المملوكي تحت سنابك الخيل ثم واصل زحفه لينتصر فى معركة الريدانية ويدخل  مصر ويشنق طومان باي على باب زويلة ثم ينتزع الخلافة بالقوة من آخر الخلفاء العباسيين ويعلن نفسه خاقان البرين وخادم الحرمين ، وبذلك يصبح أول شخص يتولى الخلافة من خارج قبيلة قريش التى احتفظت بالمنصب تسعة قرون بناءا على المقولة الفقهية (الأئمة فى قريش) ، وعندما خلفه ابنه سليمان الأول القانونى الذى جلس على دست الحكم نصف قرن من الزمان كانت الدولة فى أوج عظمتها واتساعها إذ سيطرت على بقعة من الأرض لم تكن تملكها دولة من قبل فقد انتصر نصراً حاسماً على الجيوش الأوربية المجتمعة فى معركة ( موهاكس ) ويفتح مدينة ( بوادبست ) عاصمة المجر ومن ثم ضرب الحصار حول مدينة ( فيينا ) عاصمة الإمبراطورية الجرمانية المقدسة لكن ظروف الطقس حالت دون إتمام الفتح ، وقد هرول السفراء الأوروبيون إلى بلاطه لا سيما فرنسا التى استنجد ملكها بالعثمانيين ضد أعدائه التقليدين من الجرمان حتى باتت الآستانة عاصمة الدنيا بلا منازع حيث دخلت إمارات تتار القرم (الجموع الذهبية) تحت حماية الباب العالي لمقاومة دوق موسكو (إيفان الرهيب) والذي تلقب بلقب (قيصر) واعتبر نفسه وريث البيزنطيين وحامي المسيحيين الأرثوذكس ، كذلك عمدت دولة الأشراف السعديين بالمغرب الى تقديم فروض الطاعة واستعانت بالاسطول العثمانى لصد الغزاة البرتغاليين عند طنجة وكذلك ضد الأسبان (الذين اتهموا المغاربة بدعم ثورة مسلمى الاندلس الهاربين فى الجبال بزعامة محمد بن أمية والتي قمعت بوحشية).

وقد خضع الوطن العربي كله بدرجات متفاوتة للحكم العثماني تبعا للقرب والبعد من عاصمة الدولة وذلك طوال أربعة قرون كاملة ابتداءا من عام 1516 م. حيث دارت معركة مرج دابق في أعالي الشام وحتى قيام الثورة العربية الكبرى في عام 1916 م. وهي فترة زمنية ليست بالهينة إذ تقترب من ثلث التاريخ الإسلامي كما أنها لعبت دورا كبيرا في مسار الأحداث السياسية المعاصرة ، وكانت منطقة الساحل الشامي هامة للباب العالي بسبب قربها من الأناضول برا وبحرا كما كان العراق ساحة للنزاع مع الفرس بينما كان الحجاز هاما من الناحية الدينية والروحية وكانت مناطق شمال أفريقيا كلها ساحة صراع بين العثمانيين والدول الأوروبية وعندما استقل محمد علي باشا بحكم مصر ظل من الناحية الاسمية والرسمية هو وخلفاؤه تابعين للسلطنة حتى الحرب العالمية الأولى ، ومن أجل اعتبارات كثيرة أمنية وسياسية ومذهبية لجأت السلطات العثمانية إلى منح القبائل العربية سلطات الإدارة المحلية في مناطق كثيرة وذلك عن طريق التوطين في مناطق محددة لا سيما القبائل القرشية ومنها بني عدي خاصة في كل من العراق والشام والحجاز ومصر ولذلك حدث الانتشار الكثيف للقبيلة في العصر العثماني على عكس عصر المماليك الذي شهد اضطهادا للعرب ، وترصد السجلات العثمانية قدرا كبيرا من الامتيازات الممنوحة لأبناء قبيلة بني عدي في العراق والشام تحديدا حيث الإعفاء من الخدمة العسكرية ومنح الإقطاعيات وإعطاء التسهيلات والدعم المادي والمعنوي وهو ما يفسر لنا هذا الانتشار الكبير للقبيلة في ربوع الوطن العربي كما منح العثمانيون سلطات دينية وروحية للقبائل القرشية ومنها منح آل عنان في مصر مشيخة السجادة العمرية وهي واحدة من أهم المشيخات الدينية في مصر بجانب المشيخة البكرية الصديقية ومشيخة السادات الوفائية الحسنية والمشيخة الخضيرية الزبيرية وغيرها.

وممن نبغ من بني عدي في العصر العثماني الإمام الرملي (993 – 1081 هـ / 1585 – 1670 م) وهو خير الدين بن أحمد بن علي بن زين الدين بن عبد الوهاب الأيوبي العليمي الفاروقي الرملي شيخ الحنفية في عصره مفسر ومحدث وفقيه وهو من أهل مدينة الرملة  بفلسطين مولدا ووفاة وتعلم بها وبالأزهر الشريف في القاهرة وعاد إلى الرملة فاشتغل بالتدريس وأفتى وشاعت فتاواه في الآفاق ووردت إليه الأسئلة من كل جهة .. ولمكانة الرملي العلمية قصده العلماء والفقهاء والمفتون وطلاب العلم للأخذ عنه والاستفادة من مكتبته التي جمع فيها الكثير من نفائس الكتب.

وجاء في موقع النسابون العرب ترجمة وافية له .. هو شيخ الحنفية في فلسطين في القرن الحادي عشر الهجري الإمام خير الدين بن أحمد بن نور الدين العُليمي الفاروقي الإمام المفسر المحدث الفقيه اللغوي الصرفي النحوي البياني العروضي .. ينتسب خير الدين إلى علي بن عُليم من ذرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولد بالرملة في رمضان عام 993هـ/1585م ونشأ بها وتلقى فيها القرآن ومبادئ الفقه الشافعي ثم رحل إلى مصر عام 1007هـ/1598م وطلب العلم في الجامع الأزهر ست سنوات حيث تحول إلى المذهب الحنفي وتلقاه على الشيخ عبد الله بن محمد النحريري ومحمد بن محمد الحانوتي كما قرأ الأصول على محمد ابن بنت محمد والحديث على أبي النجا سالم السنهوري والقراءات على عبد الرحمن البنهي والنحو على أبي بكر الشنواني .. وبعد أن أفتى في القاهرة ونال إجازات من مشايخه في الأزهر عاد إلى الرملة في عام 1013هـ/ 1605م حيث مارس التدريس والافتاء وذاع صيته ووردت إليه الأسئلة من مختلف البلدان ولم يتخذ خير الدين العلم وسيلة لطلب الرزق بل اتجه إلى زراعة الأشجار المثمرة في بساتين الرملة مما در عليه رزقا وفيرا فاشترى أملاكا وعقارات أغنته عن السعي وراء الوظائف ولم يرد قط أنه ولي أي منصب رسمي.

وإضافة إلى ذلك نسخ بخط يده أكثر من ألف ومائتي مجلد وورد أنه جمع في بيته مكتبة ضخمة ومن مآثر خير الدين تجديد بعض مساجد الرملة على نفقته الخاصة وقال تلميذه إبراهيم بن سليمان الجنيني : (ومجلسه محفوظ من الفحش والغيبة لا تخلى أوقاته من الكتابة أو الإفادة .. وكانت أعراب البوادي إذا وصلت إليهم فتواه لا يختلفون فيها مع أنهم لا يعملون بالشرع في غالب أمورهم) .. وكان الرملي يأنف من الذهاب إلى الحكام بل كانوا يسعون إليه بأنفسهم وقد توفي في 27 رمضان 1081هـ/ الموافق لشهر شباط 1671م ودفن في حي الباشقردي في مدينة الرملة .. أجاز خير الدين كثيرا من علماء عصره أمثال ولده محيي الدين كما أجاز عددا من علماء القدس ومنهم محمد الأشعري مفتي الشافعية وعبد الرحيم بن أبي اللطف مفتي الحنفية ومحمد بن حافظ الدين السروري ويوسف بن رضي الدين اللطفي خطيب المسجد الأقصى ومن أهل غزة أجاز عمر المشرقي مفتي الحنفية والشيخ علي مفتي الشافعية .. وتلقى عليه كثير من علماء دمشق أمثال محمد بن كمال الدين النقيب ومحمد علاء الدين بن علي الحصكفي مفتي الحنفية ومحمد بن عجلان النقيب ومن علماء الحجاز تلقى عليه عيسى بن محمد الثعالبي المكي ومحمد بن سليمان السوسي المكي وإبراهيم بن عبد الرحمن الخياري المدني ومن الأتراك مصطفى باشا بن الوزير محمد باشا الكوبري ومن المغاربة يحيى بن محمد بن أبي البركات وعبد الله بن محمد العياشي ومحمد بن عبد الله العياشي سلطان المغرب.

خلف خير الدين عددا من المصنفات في علوم الشرع وعلى رأسها (الفتاوى الخيرية لنفع البرية) وكان ولده محيي الدين قد تصدى لجمع كثير من فتاوى والده ودوّنها وقال في مقدمتها : (هذا نذر يسير من جم غفير من أجوبة عن أسئلة سئل عنها سيدنا ومولانا شيخ الاسلام والمسلمين خاتمة الفقهاء والمحققين أوحد الزمان في فقه أبي حنيفة النعمان سيدي ووالدي خير الدين) وبعد وفاة محيي الدين في حياة والده تابع إبراهيم بن سليمان الجينيني جمع الفتاوى .. وتوجد نسخة من مخطوط الفتاوى الخيرية في مكتبة دار إسعاف النشاشيبي للثقافة والفنون في حي الشيخ جراح في القدس وثماني نسخ في دار الكتب الظاهرية بدمشق وقد كتبت نُسخة مكتبة دار النشاشيبي بخط فارسي واضح جميل بحبر حديدي أسود وأحمر في شعبان 1095هـ/1684م وعلى صفحاتها الأولى تذهيبات جميلة كما تمت إحاطة النص بإطار مذهب ويوجد ختم على عدة صفحات من المخطوط نصه : (وقف هذا الكتاب لوجه الله تعالى الأمير مصطفى آغاه وكيل دار السعادة سنة 1204) وتحمل الورقة الأخيرة منه رقم 400 حيث فقدت الأوراق التي تليها والغلاف .. ومن مصنفاته أيضا (لوائح على منح الغفار) وتوجد منه نسخة في دار الكتب الظاهرية وهو عبارة عن شرح على كتاب منح الغفار لشمس الدين الغزي التمرتاشي (ت 1004هـ/1596م) في الفقه الحنفي وله كذلك مسلك الإنصاف في عدم الفرق بين مسألتي السبكي والخصاف والفوز والغنم في مسألة الشرف من الأم ومظهر الحقائق الخفية من البحر الرائق ومطلب الأدب وغاية الإرب ونزهة النواظر على الأشباه والنظائر وله أيضا ديوان شعر مرتب على حروف المعجم.

وقد ورد أن خير الدين تلقى العلم في القاهرة مع أخوين له وهما شمس الدين وعبد النبي وكان أصغرهم سنا ويفيد مخطوط الفتاوى الخيرية أن ابنه محيي الدين (1020-1071هـ/1611-1660م) توفي في حياة والده وقد ترجم له المحبي في خلاصة الأثر كما ورد أن خير الدين أنجب ولدا آخر اسمه نجم الدين والذي تولى الإفتاء في القدس الشريف وقد ذكر عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني صاحب كتاب (فهرس الفهارس والأثبات) أنه التقى بحفيده في الرملة عام 1324هـ/1906م وهو يوسف بن أحمد بن عبد الرزاق بن أحمد بن نجم الدين بن خير الدين الرملي وأجاز كل منهما الآخر .. ويوجد في سجلات محكمة القدس لعام 1211هـ/1796م حجة تتعلق ببعض أحفاد خير الدين وتفيد تلك الحجة بأن سلطة قاضي القدس كانت تمتد إلى الرملة في أوائل القرن الثالث عشر للهجرة وجاء فيها : (قرر مولانا الحاكم الشرعي حامل هذا الكتاب الشرعي السيد أحمد أفندي ابن المرحوم السيد نجم الدين أفندي خير الدين مفتي القدس سابقا في ثلث وظيفة التولية على وقف المدرسة الخاصكية الكائنة بمدينة الرملة البيضاء بما لذلك من المعلوم .. عوضا عن متصرف ذلك عمه المرحوم الحاج شمس الدين أفندي خيري زاده مفتي مدينة الرملة سابقا وفي ثلث وظيفة التدريس بالمدرسة المذكورة بما لذلك من المعلوم .. عوضا عن عمه المومىء إليه بحكم وفاته إلى رحمة الله تعالى عن غير ولد ذكر الآيل إليه ذلك بموجب براءة سلطانية مؤرخة في الحادي عشر من شوال سنة أربع وتسعين وماية وألف .. حرر في أوائل شهر ربيع الأول سنة أحد عشر ومائتين والف) وتفيد حجة أخرى بأن أحمد المذكور تنازل في شعبان 1211هـ/1797م عن الوظيفتين المذكورتين لموسى بن محمد صنع الله الخالدي .. وقد ذاع صيت خير الدين في أوساط الفقهاء والقضاة خلال العهد العثماني حيث تكرر استشهادهم بفتاواه بعد وفاته كما عُرفت ذريته باسم عائلة الخيري في الرملة ويافا ثم في غيرهما من مدن فلسطين بعد النكبة.

ويقول الباحث حازم البكري في موقع النسابون العرب : ” دخلت الرملة مع غيرها من مدن القطر الشامي تحت الحكم العثماني على أثر انتصار العثمانيين على المماليك بموضع تل الفار في مرج دابق يوم الأحد 14 رجب 922هـ / 1516م. وبينما كان السلطان سليم سائرا إلى مصر تأخر من جماعته بعض أناس في الرملة فشاع الخبر أن أهل المدينة قتلوهم وبلغ ذلك السلطان فأمر بقتل أهل البلد ولم يبق منهم أحد إلا أنه عاد للرملة بعض عمرانها بالجماعات التي نزلتها ، فقد ذكر لنا التاريخ علماء اشتهروا منها في ذلك العصر عرفنا منهم : الشيخ خير الدين الرملي : هو خير الدين بن أحمد بن علي بن زين الدين بن عبد الوهاب الأيوبي العليمي الفاروقي الرملي الامام المفسر المحدث الفقيه اللغوي شيخ الحنفية في عصره والعليمي نسبة إلى علي بن عليم المتقدم ذكره والفاروقي نسبة إلى الفاروق عمر بن الخطاب والأيوبي نسبة إلى بعض أجداده دون ابن عليم ولد الشيخ خير الدين في الرملة في رمضان من عام 993هـ / 1585م. وتوفي في رمضان من سنة 1081هـ: 1671م. ودفن بحي الباشقردي أحد احياء الرملة .. تعلم القرآن الكريم ومبادىء الفقه على شيوخ بلده ثم رحل إلى مصر سنة 1007هـ فمكث في الأزهر ست سنين ثم عاد إلى الرملة فدرّس وعلّم ونصح وأفتى وشاعت فتاواه في الآفاق ووردت اليه الأسئلة من كل جهة.

وكانت عنده مكتبة جمع فيها الكثير من نفائس الكتب وقد نوه بذكرها الرحالة فولني الذي زار الرملة في القرن الثامن عشر ولمكانة الشيخ خير الدين العلمية الرفيعة قصده العلماء والمفتون والمؤلفون للأخذ عنه والاستفادة من مكتبته فانتشر طلابه في مختلف المدن الفلسطينية والسورية وفي الحجاز والمغرب والأناضول ومنهم وزراء وباشوات .. ذكره صاحب خلاصة الأثر بقوله : ” متين الدين عظيم الهيبة تهابه الحكام من القضاة وأهل السياسة وكانت الرملة في زمنه أعدل البلاد وللشرع بها ناموس عظيم وكذا في البلاد القريبة منها فانه كان إذا حكم على إنسان بغير وجه شرعي جاءه المحكوم عليه بصورة حجة القاضي فيفتيه ببطلانه فتنفذ فتواه وقل أن تقع مشكلة في دمشق أو في غيرها من المدن الكبرى إلا ويستفتى فيها مع كثرة العلماء والمفتين وكانت أعراب البوادي إذا وصلتها اليهم فتواه لا يختلفون فيها مع أنهم لا يعملون بالشرع في غالب أمورهم “.

وللشيخ خير الدين نظم ومؤلفات كثيرة أشهرها (الفتاوى الخيرية) ولم يكتف رحمه الله بدروسه وفتاواه بل أخذ يشجع أهل بلده وقراها على العناية بغرس أشجار الفواكه المختلفة كالعنب والتين والزيتون فقد باشر بنفسه بغرس ألوف الأشجار في أراضيه مما در عليه المكاسب الوفيرة التي كان يوزع قسماً منها على أهله وجيرانه وغيرهم من أهل بلده ومن أعماله الخيرية الأخرى عنايته بترميم مساجد الرملة ومدافن الأولياء ، وعائلة الخيري في الرملة ويافا وغيرها من كرام العائلات في الديار الفلسطينية هم من أعقاب هذا العالم الفذّ .. ومحي الدين بن خير الدين الرملي : ابن الشيخ خير الدين ولد سنة 1020هـ. تعلم القرآن الكريم والفقه والعربية على والده وشيوخ بلده وغيرهم ومحي الدين هذا هو الذي جمع فتاوى والده (الفتاوى الخيرية) إلا أنه توفي سنة 1071هـ / 1660م في حياة والده قبل ان يتمها فأكملها الشيخ إبراهيم بن سليمان الجنيني ..وكان محي الدين حسن الخلق والخلق كريم الطبع وقوراً عالي الهمة سامي القدر ديناً خيراً.

وذكر نجم الدين وهو ابن خير الدين الرملي في مقدمة الرسالة التي جمع فيها كتابات والده على الأشباه والنظائر والتي سماها (نزهة النواظر على الأشباه والنظائر لابن نجيم) مجموع ما كتب والده حيث قال في تقديم رسالة نزهة النواظر : ” واعلم أيها الناظر أن هذه الحاشية بالنسبة لما ألفه شيخنا الوالد رحمه الله تعالى النزر اليسير والشيء الحقير فإن له رحمه الله : حواشي على البحر الرائق ومنح الغفار وعلى شرح الكنز للعيني وعلى جامع الفصوليين وعلى جامع الفتاوى وعلى مجموعة مؤيد زاده وعلى البزازية وله كتابات على الظهيرية وعلى الوالوالجية وعلى التاتارخانية وعلى أنفع الوسائل للطرسوسي وعلى مشتمل الأحكام وعلى جواهر الفتاوى وعلى لسان الحكام وعلى الذخائر الأشرفية وعلى الإسعاف وعلى فتاوى شيخه العلامة محمد بن سراج الحانوتي وعلى فتاوى قارىء الهداية وعلى فتاوى ابن نجيم وعلى فتاوى شهاب الدين أحمد بن الحلبي وعلى الزيلعي (يقصد تبيين الحقائق) وعلى النهر وعلى الجوهرة للحدادي وعلى عشر محلات من المجتبى وعلى تسع مواضع من الدرر والغرر وعلى سبعين موضعا من صدر الشريعة وعلى سبع مواضع من الإصلاح والإيضاح لابن كمال باشا وعلى الضياء المعنوي وعلى أحد وعشرين محلا من شرح الوهبانية وعلى سبعين موضعا من شرح تحفة الأقران لمؤلف منح الغفار ولقد جردت جميع الحواشي المذكورة فكانت تزيد على المائة والخمسين كراسا في مسطرة خمسة وعشرين سطراً في قطع النصف بخط معتدل .. وله الفتاوى الخيرية التي شاع ذكرها وعلا قدرها وله ديوان شعر وديوان نثر.