
من أعلام التصوف في العصر الحديث ولي الله تعالى العارف بالله الشيخ حسن يوسف العدوي .. واسمه حسن بن محمد بن يوسف وينسب إلى الإمام الحسن بن علي بن أبى طالب رضي الله عن الجميع ولد ببني عدي القبلية فى الأول من أغسطس لعام 1880م / 1301 هـ وتلقى الطريقة البيومية عن الشيخ حسنين درويش العدوي رضي الله عنه ، وتنقل فى مختلف القرى بأسيوط وخاصة قرى شرق التابعة لمركز ومدينة أسيوط وهى قرى العدر وسلام وبهيج وأولاد رائق بخلاف العزب والنجوع حيث نشر الأمن والأمان فى نفوس أهالي هذه القرى وقام بما عجزت عنه وزارة الداخلية ، له آلاف التلاميذ على مستوى صعيد مصر وظل فى عطاء إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى يوم الجمعة الثامن من ينايرعام 1954م ودفن بساحته الشهيرة ببني عدي والتى تحمل اسمه (ساحة الشيخ حسن يوسف العدوي) ويحتفل بذكراه العطرة فى أغسطس من كل عام .. وهو ينتسب إلى القرية بحكم المولد والنشأة لكن أجداده من الأشراف الحسنيين من بني هاشم وليسوا من بني عدي بن كعب حيث قدموا من المغرب بعد زوال دولتهم (الدولة الإدريسية) وحطوا رحالهم في بلاد قريش أثناء العصر الفاطمي .. ولا زالت هناك جماعة منهم في مناطق كثيرة بالصعيد ينتهي لقبهم باسم (الشريف العدوي) وهو ما يعني الانتساب للدوحة الهاشمية نسبا والانتماء إلى بني عدي حلفا (أو نسبة لقرية بني عدي) كما قضت بذلك ضرورات التوزيع الجغرافي والإداري في العصر العثماني.
وقد جاء ذكر نسبه الشريف بنقابة الأشراف ـ تسجيل 70 حرف م جزء 11 لسنة 1968م ـ وهذا النسب أيضا موجود فى السجلات تحت رقم 7 جزء 11 بسجلات وزارة الأوقاف بالقاهرة وجاء فيه : ” الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فها هي النسبة التي تصلنا إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهي هكذا : السيد حسن بن السيد محمد بن السيد حسن بن السيد علي الشهير بحبة صاحب السبيل بن السيد يوسف بن السيد علي بن السيد صالح وهو جد الشيخ صالح المدفون بزاوية أبي البركات الشيخ الدردير بالكحكيين بمصر بن السيد عبد الله بن السيد أحمد وهو الذي ارتحل من المغرب وسكن ببني عدي من صعيد مصر بن السيد عبد الرحمن بن السيد محمد بن السيد أحمد بن السيد عبد الله بن السيد إبراهيم بن السيد عمار بن السيد حسين بن السيد حريز بن السيد محرز بن السيد عمر بن السيد عامر وهو أول من لقب بالسباعي بن السيد محمد بن السيد إدريس الأصغر بن السيد إدريس الأكبر بن السيد عبد الله الكامل بن السيد الحسن المثنى بن السيد الحسن السبط بن السيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن تبعهم إلى يوم الدين .
وقد حفظ القرآن على يد الشيخ أحمد محمد الصلاحي وهو الشيخ أحمد بن محمد أبي اليسر الصلاحي الأسيوطي العدوي المتوفى 1333هـ 1915م عن سبعين سنة وكان ضريراً عالماً معلماً للقرآن تقياً صالحاً كثير العبادة كما وصفه الشيخ محمد حافظ مؤرخ بني عدي آنذاك فى رسالة كتبها للشيخ محمد حسنين مخلوف وكيل الجامع الأزهر وذلك بمسجد الشيخ علي أبي صالح ببني عدي القبلية ، وتلقى الشيخ حسن يوسف العدوي دروسه العلمية على العلامة الشيخ مصطفى حسن العسيلي وينسب إلى الشيخ نور الدين العسيلى قاضى القضاة المتوفى 994هـ وقد ولد الشيخ مصطفى فى بني عدي القبلية عام 1279هـ الموافق 1861م وتتلمذ على يد علماء أجلاء أمثال والده الشيخ حسن الذي جاور الأزهر ومكث به ثلاث سنوات ثم تصدر للتدريس وتألق نجمه وعظمت مكانته فاستحق أن يكون أوحد زمانه وفريد عصره ونادر جيله وكانت دروسه متنوعة فى الفقه والفرائض والتوحيد والحديث والتفسير والقراءات واللغة والفلك والعروض وكلها حسبة لوجه الله تعالى وظهرت له تجليات وكرامات وتخرج على يديه علماء وعظماء كثيرون وكلهم كانت لهم مكانتهم وظل فى عطاء إلى أن توفى فى 26/3/ 1933م. ، وأخذ الشيخ حسن يوسف الطريقة عن الشيخ حسنين درويش وهو الشيخ حسنين بن عمر بن عزور الطرفي العدوي ولد ببني عدي القبلية وأخذ الطريقة البيومية الأحمدية عن الشيخ عمر بيصار وكان ملازماً للعبادة والذكر واجتمع حوله المريدون ومن تلاميذه ابنه الشيخ أحمد حسنين درويش المتوفى عام 1965م والشيخ حسن يوسف العدوي المتوفى 1954م (صاحب الترجمة) وشقيقه الشيخ يوسف محمد العدوي وغيرهم كثيرون وكانت وفاة الشيخ حسنين درويش بمدينة المنصورة المدفون بها وأغلب مريدي الشيخ حسنين كانوا من الوجه البحرى خاصة في القاهرة والدقهلية وضريحه فى مسجده المقام فى المنصورة وهو من المساجد المشهورة على مستوى الجمهورية ويتسع لأكثر من ألفي مصل وقد جدد المسجد عام 1970م إذ كان قد مر على بنائه أكثر من مائة وأربعين عاماً.
ويتبع الشيخ الطريقة البيومية الأحمدية لمؤسسها الشيخ علي نور الدين البيومي والذي قال عنه الشيخ عبد الرحمن الجبرتي في عجائب الآثار : ” هو الإمام الولي الصالح المعتقد المجذوب العالم العامل الشيخ علي بن حجازي بـن محمـد البيومي الشافعي الخلوتي ثم الأحمدي ولد تقريبًا سنة 1108هـ حفظ القرآن في صغره وطلب العلم وحضر دروس الأشياخ وسمع الحديث والروايات على عمر بن عبد السلام التطاوني وتلقـن الخلوتيـة من السيد حسين الدمرداش العادلي وسلك بها مدة ثم أخذ طريق الأحمدية عن جماعـة ثم حصل له جذب ومالت إليه القلوب وصار للناس فيه اعتقاد عظيم وانجذبت إليه الأرواح ومشى كثير من الخلق على طريقته وأذكاره وصار له أتبـاع ومريـدون وكـان يسكـن الحسينيـة ويعقـد حلـق الذكـر فـي مسجـد الظاهـر [أي الظاهر بيبرس] خـارج الحسينيـة وكان يقيم به هو وجماعته لقربه من بيته وكـان ذا واردات وفيوضـات وأحوالـه غريبـة .. وألـف كتبـًا عديـدة منهـا شـرح الجامـع الصغيـر وشـرح الحكم لابن عطاء الله السكندري وشرح الإنسان الكامل للجيلي وله مؤلف في طريق القوم خصوصًا في طريق الخلوتية الدمرداشية ألفه سنة 1144هـ وشرح الأربعين النووية ورسالـة فـي الحـدود وشـرح علـى الصيغـة الأحمديـة وشـرح علـى الصيغـة المطلسمـة ولـه كلام عال في التصوف وإذا تكلم أفصح في البيان وأتى بما يبهر الأعيان وكان يلبس قميصًا أبيض وطاقية بيضـاء ويعتـم عليهـا بقطعـة شملـة حمراء لا يزيد على ذلك شتاء ولا صيفًا وكان لا يخرج من بيته إلا في كل أسبوع مرة لزيارة المشهد الحسيني وهو على بغلة وأتباعه بين يديه وخلفه يعلنون بالتوحيد والذكر وربما جلس شهورًا لا يجتمع بأحد من الناس.

وقد جاء ذكر سند الشيخ حسن يوسف العدوي فى تلقيه الطريقة البيومية على النحو التالي : ” الحمد لله الذي أنار قلوب أولياءه الأبرار وخص بإمداداته القدسية عباده المصطفين الأخيار وأجرى على ألسنتهم ينابيع الحكم والأسرار فمنهم النقباء والأبدال ومنهم النجباء والرجال ومنهم الأقطاب والأخيار فهم رجال الحقيقة وشيوخ الطريقة طريقهم هي الطريق المستقيم والمسلك القويم فيا فوز من كان سالكا طريقهم أو مقتديا بمن يقتدي بهم رضي الله تعالى عنهم ونفعنا والمسلمين ببركتهم وبعد ، فهذا مقام العارف بالله تعالى مربي المريدين ومرشد السالكين شيخ الطريقة ومعدن السلوك والحقيقة الولي الشيخ حسن محمد يوسف العدوي المالكي البيومي تلقى الطريق والعهد عن الورع الزاهد الولي الشيخ حسنين درويش وهو عن الشيخ عمر بيصار وهو عن الشيخ علي سكر وهو عن الشيخ مصطفى صنبرية وهو عن الشيخ عبده الصغير وهو عن الشيخ محمد الصغير وهو عن الشيخ يوسف الوقاد وهو عن الشيخ بدوي وهو آخذ عن العلامة والحبر البحر الفهامة شيخ الشريعة والطريقة صاحب الكرامات الظاهرة والبراهين الباهرة والمعارف وأسرار العلوم سيدي الأستاذ الشيخ علي نور الدين البيومى الشافعي مذهباً الأحمدي خرقة تلقى الطريق عن الشيخ عبد الرحمن الحلبي عن والده الشيخ عبد الرحمن الحلبي .. إلخ “.
ونورد بعض مناقب الشيخ حسن يوسف العدوي يرويها الأستاذ الدكتور محمد علي المصري فيقول : ” لقد روى لي الشيخ عبد الحميد أحمد شحاتة وهو من العلماء الأفاضل في بني عدي قائلاً : دفعني أحد أولاد الشيخ لزيارته وكنت فى ذلك الوقت من المعترضين عليه لأنه يترآى لى أن جلوس الشيخ على السرير والمريدين على الأرض غبر مرغوب فيه ووقوف بعض المريدين على الباب وفى مقدمتهم الشيخ عبد المجيد أبو العز العالم الفاضل لا يليق بالأولياء والمشايخ وعند وصولي إلى المجلس الموجود به الشيخ المترجم له رضى الله عنه وجدته يلقى درساً دينياً وكان يجلس على السرير فلما رآنى وقف فقال : تفضل يا شيخ عبد الحميد اجلس على السرير وأنا أجلس على الأرض مع المريدين وكان هذا الكلام بداية لما حدث فى نفسي فاعتذرت وجلست مع الجالسين على الأرض وبعد أن انتهى من إلقاء درسه طلب الشيخ مِني تلاوة بعض من آي الذكر الحكيم فلم أتذكر شيئاً من القرآن وارتبكت وأصبحت فى حالة لا أستطيع أن أعبر عنها وحل عليّ البكاء وهنا قال لى الشيخ حسن رضى الله عنه : عفا الله عما سلف وبدأت القراءة فانطلقت فى القراءة انطلاقا يلفت النظر ثم اتبعت الشيخ وأصبحت من مريديه “.
وروي عن الشيخ حسن علي الصلاحي أنه قال : ” ذهب الشيخ إلى قرية بهيج مركز أسيوط وكانت هناك خلافات شديدة بين العائلات وعصابات للقتل والنهب فأصلح الشيخ بين هذه العائلات واهتدى به كثير من الناس بعد أن نشر تعاليم الدين بينهم وإقامة الأذكار والشعائر الدينية واتبعه الكثير من الناس وكان كلما ذهب إلى قرية من القرى المجاورة لبهيج مثل بني محمد وبني زيد وبلاد أخرى من مركز أبنوب هدى الله على يديه الكثير وأصلح على يديه كثير من المتخاصمين وتاب الله على كثير من المشاغبين والمجرمين وصاروا بعد ذلك من أتباعه فكانت طريقته الصلح بين الناس ، وكان الشيخ رضى الله عنه يلقى الدرس فى ساحة الشيخ إبراهيم ببني عدي القبلية بعد صلاة العصر ويحضره العامة والخاصة من الناس وفى المساء يقيم حلقات الذكر وعلى وجه الخصوص فى منزل الشيخ عبد المجيد أبو العز وكان أحيانا يلقى درساً قبل حلقات الذكر ويجيب على أسئلة السائلين وكان الشيخ رضى الله عنه يقيم بعض الأيام فى مندرة العائلة مع إلقاء الدروس على الحاضرين وإقامة الذكر عند أبناء عمومته وعند بعض المريدين وكان مجلس العلم والذكر فى منزل الشيخ بقرية بهيج وكانت له خلوة خاصة به وفى قرية بني زيد له خلوة خاصة به أيضا وفى جزيرة الخلايفة ومعظم قرى شرق أسيوط وكان يلقى الدرس بعد صلاة العصر ويقيم الذكر فى المساء وهكذا كانت مجالس الشيخ “.
ويحدثنا الأستاذ الدكتور محمد علي المصري أيضا فيقول : ” إن أول لقاء لى عند الشيخ حسن يوسف العدوي كان مع المرحوم والدي الذي كان من مريدي الشيخ رضي الله عنه وكنت طالبا بالصف الثاني الثانوي وكان الشيخ ينتقل من هجرته في بهيج كل عام أيام الصيف وكان مجلسه المحبب في النهار بجوار مقام الشيخ إبراهيم في بني عدي القبلية وفى المساء عند فضيلة المرحوم الشيخ عبد المجيد أبو العز ، وكانت له غرفة خاصة في الدار وكان الشيخ عبد المجيد أبو العز عالما متصوفاً متلقياً للطريق (العهد) بقلب خالص وتقام حلقات الذكر في رحبة الدار وتحضرني كرامة للشيخ إذ كنت ذاهبا إليه ومعي الشيخ عبد الحميد أحمد شحاتة القارئ الشهير وفى الطريق قال لي عندي سؤال يحيرني وأرجو أن آخذ رأيك فيه والسؤال : هل يعصي الولي ؟ فقلت له إنه بشر فإذا تعاملنا معه فإنه يعصي ومن حيث أنه ولي لله تعالى فإنه لا يعصي وعندما توجهنا إلى الشيخ حسن صاحب التاريخ والسيرة العطرة وجلسنا في ساحة الشيخ إبراهيم رضي الله عنه نطق الشيخ حسن يوسف العدوي وقال : ” سئل الجنيد أيعصي الولي قال يعصي الولي وكان أمر الله قدراً مقدوراً ” ، وكان الشيخ حسن يوسف العدوي محباً بل ومفتوناً بشخصية الإمام الجنيد فهو الشيخ الإمام مقتدى الإسلام مفتي الفريقين وشيخ الطائفتين أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد النهاوندي الأصل البغدادي القواريري قال السبكي : سيد الطائفة ومقدم الجماعة وإمام أهل الخرقة وشيخ طريقة التصوف وعَلم الأولياء في زمانه “.
