مصر والعرب

عفوا .. مصر هي التي قامت بغزو الحجاز 10 مرات

يحلو لكثير من المتثاقفين وصف الفتح الإسلامي لمصر بأنه موجة غزو جاءت من الصحراء تحمل معها رياح البداوة ويطنطنون في كل موطن نادبين مقدم القبائل العربية إلى وادي النيل رغم أنها المرة الوحيدة التي قام فيها الحجاز بغزو مصر بينما يتناسون الحقائق التاريخية التي تؤكد أن مصر عبر تاريخها الطويل هي التي دأبت على غزو الجزيرة العربية وأرسلت قواتها تباعا لاحتلال جيرانها الأقربين في الشام والسودان ، ويمكننا في الأسطر القادمة عرض سرد تاريخي مختصر لتلك الغزوات :


1 – في عصر الدولة الفرعونية القديمة قام الملك (دن) خامس ملوك الأسرة الأولى بالخروج في جيش جرار متوغلا في صحراء سيناء وجنوب الأردن وأعالي الحجاز للسيطرة على القبائل التي أطلق الفراعنة عليهم اسم (بدو الرمال) وذلك لحماية مناجم الذهب والنحاس وطرق التجارة وعندما عاد من حملته مظفرا أطلق عليه لقب (خاستي) أي سيد الصحراء ، وتكررت تلك الغزوات في عهد خلفائه من ملوك الدولة القديمة وأشهرهم الملك سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة الذي توسع في احتلال مناطق واسعة من الصحراء لتأمين تجارة الأخشاب اللازمة لبناء المعابد والملك ساحورع من الأسرة الخامسة والذي سجل تفاصيل حملاته على هيئة لوحات مرسومة في معبده الجنائزي بسقارة كما احتوت متون الأهرام على مقاطع كثيرة تمجد في الفرعون المتوفي معددة نجاحاته العديدة وأهمها من وجهة نظر النصوص قدرة الفرعون على قهر (الأقواس التسعة) ويقصد بها القبائل التي تسكن الصحراء شرقي مصر.


2 – في عهد الدولة الفرعونية الوسطى قام الملك النوبي الأصل أمنمحات الأول بغزو الصحراء على رأس جيش قوامه 10 آلاف جندي للبحث عن محاجر جديدة ثم بني سورا ضخما قرب البحيرات المرة أطلق عليه سور الأمير ليكون قاعدة خلفية لقلعة (ثارو) القنطرة الحالية والتي صارت بعد ذلك نقطة الانطلاق للجيوش المتجهة شرقا ، وفي عهد حفيده الملك سنوسرت الثالث تم حفر قناة سيزوستريس التي وصلت النيل بالبحر الأحمر ومن أجل تأمين حركة السفن قام الفرعون باحتلال الساحل الشرقي لخليج العقبة (جنوبي مدين) ووضع حاميات من الجنود ، وتسجل النقوش الأثرية في مقابر بني حسن عددا من القبائل العربية وهي تقدم الهدايا للأمير (خنوم حتب) حاكم الصعيد.


3 – في عهد الدولة الفرعونية الحديثة قام الملك تحتمس الثالث بتأسيس أول امبراطورية في العالم القديم ضمت شعوب المنطقة تحت سلطانه ومنهم (ميتاني) في أعالي الفرات و(عمورو) وهم سكان الشام و(الخابيرو) وهم بدو الآراميين شرقي الأردن و(عريبي) وهم القبائل العربية في أعالي الحجاز ، وقد استعمل خلفاؤه الشدة في التعامل مع محاولات الاستقلال والتمرد حيث ارتكب الملك أمنحتب الثاني مذابح مروعة لبث الرعب في البلاد المفتوحة وسار على نهجه كل من رمسيس الثاني ومرنبتاح حيث يمكنك مشاهدة النقوش الأثرية في معابد الكرنك والرمسيوم وأبوسمبل وهي تصور الأسرى بالآلاف وقد قطعت أياديهم وأعضاؤهم الذكرية ، وقد اكتشفت حديثا جملة من الأثار تحمل أختام الملك النوبي رمسيس الثالث في شمال الجزيرة العربية في منطقة حائل والعلا وددان ومدائن صالح مما يدل على توغل قوات الفرعون حتى قلب بلاد العرب في وقت مبكر.


4 – في العصر الفرعوني المتأخر قام الملك الليبي الأصل شيشنق الأول بالزحف على فلسطين حيث نهب كنوز هيكل سليمان وبسط سلطانه على القبائل العربية المتاخمة لمملكة يهوذا ثم قام الملك نخاو الثاني بالزحف في حملة جرارة حيث سيطر على القبائل العربية وجند بعضها كمرتزقة حيث سحق مملكة يهوذا في معركة (مجدو/ هرمجدون) حيث لقي الملك اليهودي يوشيا مصرعه بعد أن كان يتوهم أنه سيقهر الفرعون كما تنبأ له الحاخامات ، ثم توغل الفرعون حتى وصل إلى سواحل الفرات لتحدث مواجهة شرسة مع ملك بابل الآرامي الجبار (نبوخد نصر) والذي اعتبر نفسه منذ وقت مبكر ملكا لبلاد العرب وهناك تعرض الجيش المصري لهزيمة قاسية تقهقر على إثرها إلى حدوده الأولى بينما واصل ملك بابل سيطرته على الشام وأعالي الحجاز ، وفي خطوة مضادة أعاد نخاو حفر قناة سيزوستريس مرة أخرى واستأجر البحارة الفينيقيين ليقوموا بغزو الجزيرة العربية بحرا من الجنوب ليعوض حرمانه من موانئ الشمال.


5 – في العصر البطلمي قام الملك بطليموس فلادلفوس بإرسال حملة بحرية بقيادة اريستون سيطرت على الساحل الشرقي للبحر الأحمر بالكامل وأنشأت في الجزيرة العربية مستعمرة تدعى (أمبيلوني) صارت بعد ذلك الميناء الرئيسي في الحجاز كما سيطر على قبائل معين وسبأ وثمود ولحيان التي تسكن تلك المنطقة منذ القدم حيث وقفت إلى جواره ضد الأنباط الذين انحازوا إلى خصومه السلوقيين بعد أن قطع عليهم طريق التجارة إلى اليمن وحرمهم من احتكار تجارة العطور والتوابل ولم يكتف بذلك وإنما أرسل الحملة تلو الأخرى حتى أخضع الأنباط وهاجم عاصمتهم البتراء ودخل أهم مدنهم (عمون) – حاليا العاصمة الأردنية عمان – وأطلق عليها اسم (فلادلفيا) أي مدينة المحبة الأخوية.


6 – في عهد الدولة الرومانية تسببت الطبيعة الجغرافية الوعرة في شمالي الجزيرة حيث الصحراء القاحلة وبحار الرمال القاتلة في هلاك جيش روماني قوامه عشرة آلاف جندي قاده حاكم مصر الروماني ايليوس جالوس بعد أن عبرت القوات البحر الأحمر ورست على الشاطئ الشرقي بهدف مهاجمة مملكة سبأ في اليمن التي كانت تحتكر تجارة المر واللبان والبخور وقد دعمت الحملة بألف جندي من ملك الأنباط و500 من اليهود ورغم ذلك سارت 1400 كم في الصحراء الجرداء في زمن ستة أشهر دون أن تتمكن من الوصول لهدفها حيث تعرضت لهجمات الأعراب المتكررة وبعدها يأس الرومان من فكرة احتلال بلاد العرب فقاموا بعقد معاهدات مع قبائل الغساسنة في بادية الشام ليكونوا وكلاء عنهم في التعامل مع العرب وقد توغل الغساسنة في الحجاز مرات عديدة لمناصرة القبائل الموالية لها في حروبها ضد أعدائها ، وقبيل الإسلام حاول الرومان مرة أخرى احتلال اليمن عن طريق الأحباش بذريعة حادث الأخدود الذي تم فيه قتل المسيحيين في اليمن لكنه لم يدم طويلا حيث تم طردهم على يد الملك سيف بن ذي يزن.


7 – لم تدم تبعية مصر طويلا لحكومة الخلافة المركزية في بغداد إذ إنه بحلول منتصف القرن الثالث الهجري كان حاكمها الفذ أحمد بن طولون قد استقل بحكمها فعليا ومن ثم انطلق بجيوشه للسيطرة على الشام والحجاز واليمن وفي خلال سنوات معدودة أصبح يحكم نصف ممتلكات العباسيين ، وعلى نفس المنوال سار الخليفة العزيز بالله الفاطمي والذي أرسل حملة بقيادة جوهر الصقلي سيطرت على دمشق ثم هاجمت القرامطة في الحجاز وطردتهم منها وبسطت سلطان الفاطميين على الحرمين واستعادت الحجر الأسود وضمت اليمن إلى الحوزة الفاطمية ، ومنذ ذلك التاريخ صارت كل من فلسطين والحجاز واليمن وبرقة (شرق ليبيا) وشمال السودان أقاليما تابعة لمصر يتم إدارة شئونها جميعا من القاهرة لمدة ألف عام.


8 – في العهد الأيوبي قام الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي بإرسال حملة إلى اليمن أتمت السيطرة عليها ثم استولى على الحجاز سلما لكنه اضطر لإنزال قوات برية وبحرية بقيادة الأمير حسام الدين لؤلؤ في الحجاز لمواجهة الصليبيين الذين أرادوا مهاجمة المدينة ونبش قبر الرسول (ص) ، وفي العهد المملوكي كان الحجاز إحدى أهم الولايات المصرية حيث كان والي جدة في مقام نائب السلطنة وكان لا يتولاه إلا من يتمتع بثقة السلطان الشخصية لأنه المتحكم الأول في تجارة البحر الأحمر والتي كان يقوم عليها اقتصاد الدولة المملوكية طيلة ثلاثة قرون حتى بداية ظهور الكشوف الجغرافية ، وفي العهد العثماني كان والي مصر هو المشرف على الحجاز وبرقة والسودان بحكم الموقع الجغرافي وكان هو المستفيد الأول من موسم الحج حيث كان أكبر بكوات المماليك هو من يتولى مهمة (أمير حاج المحمل) ومن أشهر من تولوا هذا المنصب علي بك الكبير.


9 – عشية مذبحة القلعة أرسل محمد علي باشا حملة إلى الحجاز بقيادة ابنه طوسون ورغم نجاحها في مهمتها وهي تخليص الحرمين من الوهابيين إلا أن محمد علي سافر بنفسه إلى جدة ومن هناك أرسل حملة ثانية بقيادة ابنه إبراهيم باشا قطعت مسافة ألف كيلومتر في الصحراء حيث احتلت الرس ثم توغلت في نجد والقصيم وأخيرا دخلت الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى ومعقل الوهابيين بعد اتفاق تم مع الإمام عبدالله بن سعود ، ورغم أن ابراهيم باشا قد أعطى الأمان للأهالي إلا أنه ارتكب مذبحة بشعة عندما أعدم المئات من الأسرى ومنهم عدد كبير من آل سعود وآل الشيخ وغدر محمد علي بالإمام عبدالله بن سعود وسلمه للعثمانيين حيث شهر به في اسطنبول ثم أعدم ، واستغل محمد علي الحدث وضم الجزيرة العربية إلى أملاكه.


10 – في عهد جمال عبد الناصر تم إرسال 80 ألف جندي مصري إلى اليمن لمناصرة الثوار الجمهوريين ضد الحكم الملكي الإمامي وقد أثار وجود هذه القوات حفيظة دول الخليج واتخذت موقفا معاديا لوجود هذه القوات ورغم نجاح الثورة اليمنية في النهاية وقيام الجمهورية اليمنية إلا أن الحرب ظلت مستعرة خمس سنوات كاملة فقدت فيها مصر خمسة آلاف شهيد وكان إنهاك القوات المسلحة أحد أسباب هزيمة 67 ، لكن الموقف تغير تماما عام 90 عندما رحب الجميع بالقوات المصرية التي شاركت في تحرير الكويت حيث تمركزت في حفر الباطن قوات مصرية بلغ تعدادها 37 ألف ضابط وجندي هي قوام الفرقة الثالثة المشاة الميكانيكية والفرقة الرابعة المدرعة وهو آخر تواجد لقوات مسلحة مصرية على أرض الجزيرة العربية.


وسوف أزيدك من الشعر بيتا عندما أخبرك أنه عبر التاريخ الطويل كان النزوح السكاني يتم دوما من مصر باتجاه الجزيرة العربية والعكس في سلاسة ويسر وذلك قبل الإسلام بقرون عديدة حيث يخبرنا علم الجينات أن الجزيرة العربية كانت خالية من السكان قبل مائة ألف عام ثم بدأ الإنسان يصل إليها تباعا من ثلاث جهات مختلفة يمكننا حصرها على النحو التالي :


أولا : جاءت الموجة الأولى من السكان من قارة أفريقيا عن طريق باب المندب وشبه جزيرة سيناء وتركزت في اليمن والحجاز وجنوب الشام ثم انتشرت منها شرقا إلى بقية أجزاء الجزيرة ، وتضم مجموعة القبائل التي تعرف باسم (العرب البائدة) وهم عاد (بالأحقاف) وثمود (بالحجر) والسميدع (باليمن) وجرهم (بمكة) وعبدضخم/ العماليق (بتهامة) وجاسم (بالبحرين) ولحيان (بالعلا) وطسم (باليمامة) وجديس/قيس (بنجد) ومن سلالتهم ينحدر كل من إياد /النخع (باليمن) و ثقيف (بالطائف) والأوس والخزرج (بيثرب) والأزد (باليمن وعمان) وخولان (شمال اليمن وعسير) وشهران(شرقي اليمن) وبلي (الأردن ومصر) وقضاعة (الحجاز والشام ومصر) وخزاعة (بساحل تهامة) وفي العصر الحديث ينحدر منها أهم وأقوى قبيلة بالحجاز وهي قبيلة حرب المعروفة ، وقد وصفها الدكتور سيد القمني في كتابه (النبي موسى وآخر أيام العمارنة) بوصف (الشعوب الجنوب جزيرية) وذلك للتفرقة بينها وبين بقية العرب وهذه السلالة تشكل حاليا 20% من عرب الجزيرة و10% من سكان مصر حيث إنها دخلت وادي النيل قادمة من الجزيرة العربية ثم ساحل البحر الأحمر ثم وادي حمامات في هجرة عكسية قبل ثمانية آلاف عام حيث احتلت الصعيد وأسست المملكة الجنوبية (ذات التاج الأبيض وشعارها زهرة اللوتس وطائرالعقاب) ثم زحفت تدريجيا إلى الشمال حيث ينحدر منها ملوك الأسرات الفرعونية الستة الأولى (العصر العتيق وبناة الأهرام) ، وقد أحدثت تغييرا عظيما في اللغة والعادات والتقاليد لكنها لم تؤثر على التكوين السكاني لأن الفاتحين كانوا قلة بالنسبة إلى السكان الأصليين (الكوشيين في الجنوب وشعوب البحر المتوسط في الدلتا) على نحو ما قرره الأستاذ سليم حسن في الجزء الأول من موسوعته (مصر القديمة) وبالتالي فإن التأثير الذي أحدثه فتح مصر على يد الملك مينا يكاد يكون مشابها للفتح العربي بقيادة عمرو بن العاص وتأسيس مدينة منف يشبه تماما تأسيس مدينة الفسطاط ، ومن القرائن الدالة على ذلك أن متون الأهرام المكتوبة بالهيروغليفية القديمة قد احتوت على قواعد نحوية وإملائية سامية واضحة لكن الدليل الدامغ سوف يظهر عندما يتم الانتهاء من فحص الحمض النووي لمومياء الملك الشاب (مرن رع) أحد فراعنة الأسرة السادسة وهي أقدم مومياء فرعونية في المتحف المصري.


ثانيا : جاءت الموجة الثانية من السكان إلى جزيرة العرب من سواحل الخليج العربي ومضيق هرمز وهي تنتمي إلى سلالة جينية آسيوية تمتد من سواحل الهند الغربية وإيران حتى البحر المتوسط ومصر وتمت بصلة قوية للشعوب السومرية التي سكنت جنوب الرافدين ، وهي القبائل التي أطلق عليها ابن خلدون وصف (العرب المتعربة) وتتركز الآن في الجزء الشرقي من جزيرة العرب حيث تشكل نسبة كبيرة من عرب ربيعة (بكر وتغلب) وجزء من تحالف قبائل عنزة ومن أشهرها آل الصباح (الكويت) وآل خليفة (البحرين) وبني خالد (الإحساء) وآل معمر (العيينة) وآل هميلان وآل جبر (نجد) وأولاد علي (مصر) والعتوب والمزاريع (القصيم) والبوسعيدي والفلاحي والقبيسي وبني ياس (سواحل عمان والإمارات) ومن ضمنهم آل نهيان وآل مكتوم ، وهذه السلالة دخلت مصر قبل الفتح الإسلامي بقرون طويلة وتشكل نسبة 10 % من عرب الجزيرة و 7% من سكان مصر وتتركز في محافظة قنا والأقصر ، وفي وقت متأخر نسبيا لحقت بها هجرات متتابعة من بلاد الرافدين من سلالة البحر المتوسط إثر الحروب الآشورية التي دفعت قبائل كاملة باتجاه الجنوب ومن أهمها قبائل بني تميم وكندة وطيء (شمر الحالية) وباوزير وآل أبوعليان وعرب خفاجة ولخم وجذام وتنوخ وعاملة والأشعر ، وهذه السلالة الجينية هي التي شكلت النواة الأولى لحضارات البحر المتوسط الكبرى وهي الأكادية (في جنوب العراق) والعموريين (في بابل وآشور وأعالي الشام ومملكة الهكسوس) والفينيقية (في سوريا ولبنان) والكنعانية (في فلسطين) والآدوميين (في شرق الأردن) والمينوية (في كريت) والأيونية في (بحر ايجه) والمملكة الفرعونية الشمالية في دلتا مصر ( ذات التاج الأحمر والتي كان شعارها نبات البردي وأفعى الكوبرا) وتشكل حاليا نسبة 15% من عرب الجزيرة و12% من سكان مصر يتركزون في الوجه البحري.


ثالثا : أما الموجة الثالثة والأخيرة فهي الهجرات الآرامية التي حطت رحالها في الجزيرة العربية قادمة من موطنها الأصلي في بادية الشام وأعالي الفرات حيث اندفعت بقوة في اتجاه المناطق الحضرية بعد ضعف الامبراطورية المصرية الفرعونية وانهيار دولة الحيثيين حيث أسس الآراميون عن طريق الغزو دولة آرام دمشق وآرام حران والدولة المؤابية في شرق الأردن والدولة العبرانية جنوبي كنعان والدولة الكلدانية في بابل وتنتمي إليها ممالك بادية الشام مثل الأنباط وغسان وتدمر بينما نزحت أعداد هائلة منهم باتجاه الجنوب في نجد والحجاز حتى استقر بهم المقام في اليمن وأسسوا مملكة سبأ وتغلبوا على عرب الحجاز ليشكلوا ماعرف باسم (العرب المستعربة) والتي تضم القبائل العدنانية والقحطانية وقد صارت اللغة الآرامية هي لغة الثقافة والتجارة في عهد الفرس الأخمينيين وفي العصر الهلنستي والروماني ثم ورثتها اللغة العربية التي جمعت بين مميزات الآرامية والعربية القديمة لأنه خليط ثري بينهما ، وينتمي إلى هذه الأرومة حاليا كل من مذحج وهمدان وزهران وحمير (اليمن) وقريش (الأشراف حاليا) وغطفان (مطير الحالية) وهوازن (عتيبة الحالية) وبني حنيفة (نجد) والدواسر (جنوب الجزيرة) وجهينة (في الحجاز والأردن ومصر والسودان) وبني عامر (أعالي نجد) وبني هلال (المغرب) وبني سليم (ليبيا) والسواركة والترابين ومزينة والحويطات (سيناء والنقب) بالإضافة إلى طائفة اليهود الكوهينيم الحالية (المعروف انتسابهم للنبي هارون) ، وقد دخلت هذه السلالة مصر أول الأمر مع استيطان الجالية اليهودية في الفنتين (في أسوان) وتحفنيس (بالقرب من كفر الدوار غرب الدلتا) ثم في الاسكندرية في عهد بطليموس الثاني حيث أسكن 120 ألف يهودي في العاصمة الجديدة بعد استيلائه على القدس وفي العهد الروماني بلغ تعدادهم ربع مليون نسمة شكلوا وقتها ثلث سكان الاسكندرية ولذلك استطاع القديس مرقص التبشير بالكرازة بين أفراد هذه الجالية والذين تحولوا تدريجيا إلى المسيحية ، ثم جاء العدد الأكبرمع الفتح الإسلامي (باستثناء جهينة ومزينة حيث كان لهم وجود في وادي النيل قبل الإسلام) ويتركز معظم هذه القبائل في محافظات الشرقية والبحيرة والأقصر وقنا وسوهاج وتزيد نسبتهم في الصعيد بوجه عام ، وتشكل هذه السلالة 65% من عرب الجزيرة و20% من سكان مصر .


وهكذا نستطيع فهم العلاقة التاريخية بين مصر والحجاز وإدراك مدى التشابك بين مصر والعرب ولا يمكننا في النهاية أن نغفل عن وجود أكثر من 2 مليون مصري وأسرهم مقيمين في دول الخليج العربي ليظل التساؤل قائما .. من الذي قام بغزو من ؟

السلالات الجينية والحمض النووي

ألقت بي الأقدار للدراسة في مجال تحاليل الحمض النووي دي ان ايه ليس بسبب تطبيقاته الطبية في التشخيص كما يشتهر وانما في مجال جديد تماما يتعلق بدراسة السلالات الجينية للبشر بناء على الطفرات المحمولة على الكروموسوم الذكري واي الذي تحدد تحوراته المختلفة السلالة الجينية التي تنتمي اليها عينة الفحص وبهذا يمكن لكل رجل على سطح الارض اليوم ان يعرف سلالته الجينية بل ويتتبع سلسال اسلافه الأولين حتى أبيه الاول آدموكانت كانت عملية شاقة امام العلماء استغرقت عقدا كاملا حتى تتضح المعالم الأولية للخريطة الجينية الخاصة بشعوب الارض.

وقد حددت عشرين سلالة جينية باقية حتى الآن وتم تسمية كل سلالة بحرف لاتيني كما تم وضع مشجرة جينية توضح علاقة هذه السلالات بعضها ببعض وهذه السلالات بدورها تنقسم الى فروع اصغر وأصغر حتى صار لدينا 95 فرع رئيس ومئات الأفرع الصغيرة ذلك لأن حدوث الطفرات الصغرى يتم في المتوسط كل 210 أعوام وحدوث الطفرات الكبرى كل 4545 عام وبناء على ذلك حدث التمايز النهائي بين السلالات قبل 20 الف عام مما يعني ان هذه السلالات الرئيسة عاشت متزامنة قبيل العصر الحجري الحديث واحتفظت بخصوصياتها الجينية حتى الآن.

وطبقا لعلم السلالات الجينية فإن البشر الموجودين جميعا الآن ينحدرون من أب واحد عاش في أفريقيا قبل 140 ألف عام وهو أحد أفراد النوع المعروف باسم (الإنسان العاقل) لكن لأسباب غير معروفة فإن سلالته هي الوحيدة التي أتيح لها البقاء ربما بسبب عوامل عديدة (فيزيائية وكيميائية وجينية) أدت إلى نضج القشرة المخية (حيث يعتمد الذكاء على النسبة بين القشرة المخية وسائر أجزاء المخ وليس على حجم المخ ككل كما كان يظن وإلا كان الفيل هو الأذكى).

أما انحدار البشر من أم واحدة فهو أمر لم يتم إثباته جينيا حتى يومنا هذا لأن تتبع الكروموسوم الأنثوي (إكس) لازال صعبا حيث إن الرجل يرث هذا الكروموزوم من والدته التي ورثته بدورها إما من أبيها أو من أمها لذلك فالاحتمالات متعددة أما المرأة فهي ترثه من أبيها وأمها أي أن لديها أربع مصادر للكروموزوم أما الكروموزوم (واي) الموجود عند الذكور فهو موروث فقط من ناحية الأب الذي ورثه هو الآخر من ناحية أبيه فقط الذي ورثه عن جده لأبيه عن جد أبيه وهكذا في اتجاه واحد مما يسهل عملية الفحص.

في البداية عاشت هذه الجماعة البشرية في منطقة الهضبة الأثيوبية زمنا طويلا مع الأنواع الأخرى من (الإنسان المنتصب) وقبائل من (الإنسان العاقل) ، ثم حدثت أولى الطفرات وانقسمت هذه المجموعة إلى جزء كبير ظل في موضعه وجزء جديد (السلالة الجينية الأولى A) بدأ يتجه غربا إلى منطقة منابع النيل ثم انفصلت مجموعة أخرى (السلالة الجينية B) لتتجه إلى سط أفريقيا وهكذا توالت الانفصالات وعبرت ثلاث مجموعات منها إلى القارة الآسيوية.

وفي زمن يقدر بأكثر من مائة ألف عام مضت كانت المجموعات البشرية الأولى قد سكنت في ستة مواضع جغرافية متباعدة حيث ظلت ثلاث منها في القارة الأفريقية وغادرت الثلاث الباقية على فترات متعاقبة إلى قارة آسيا حيث تركزت إحداهم في هضبة التبت وسكنت الثانية في سهوب آسيا الوسطى واستقرت الثالثة في شمال الهند بينما توزعت المجموعات الأفريقية فسكنت إحداها منطقة منابع النيل والأخرى في الغابات الاستوائية بينما انتشرت الثالثة في ربوع القارة شمالا وجنوبا ، ويمكننا ترتيبها على النحو التالي :

أولا / المجموعة A : وهي التي استوطنت منطقة منابع نهر النيل وينحدر منها الآن قبائل النيلوتيك مثل الدينكا والنوير والشيلوك (جنوب السودان حاليا) وكذلك شعوب البوشمن والهوتنتوت التي انفصلت عنها في زمن مبكر ورحلت باتجاه الجنوب.
ثانيا / المجموعة B : وهي التي استوطنت منطقة الغابات الاستوائية وينحدر منها قبائل البيجمي والأقزام والهداسا في أفريقيا الوسطى وتنزانيا.
ثالثا / المجموعة C : وهي التي استوطنت آسيا الوسطى وينحدر منها الشعوب المغولية والأتراك الشماليين والهنود الحمر في أمريكا الشمالية وسكان أستراليا الأصليين كما تنتشر بنسب في اليابان والهند وسيريلانكا وجنوب شرق آسيا.
رابعا / المجموعة D : وهي التي استوطنت هضبة التبت وينحدر منها نسبة كبيرة من سكان كل من التبت وبورما واليابان.
خامسا / المجموعة E : وهي التي انتشرت في القارة الأفريقية حيث انقسمت إلى سلالات عديدة من أهمها الفرع الجنوبي الذي ينحدر منه معظم سكان أفريقيا جنوب الصحراء (البانتو) والفرع الشمالي الذي ينحدر منه معظم سكان شمال أفريقيا والحجاز.
سادسا / المجموعة F : وهي التي استقرت في شمال الهند حيث توجد بقايا قليلة منها في تلك البقعة حيث إنها انقسمت بعد ذلك إلى عدد من السلالات التي ينحدر منها كل شعوب الأرض الأخرى التي انتشرت في آسيا وأوروبا (من G إلى K ) وذلك في الاتجاهات الآتية :

أولا / المجموعة G : اتجهت إلى القوقاز في المنطقة المحصورة بين بحر قزوين والبحر الأسود ومنها إلى أوروبا الشرقية بعد ذلك وقد اختلطت منذ وقت مبكر بأطراف المنطقة العربية بحكم التجاور الجغرافي لكن تواجدها الكبير حاليا يرجع إلى وقت متأخر بسبب استقدام المماليك في العصور الوسطى.
ثانيا / المجموعة H : اتجهت إلى جنوب الهند وانحدرت منها نسبة كبيرة من الشعوب الدرافيدية التي شكلت الموجة الأولى من سكان شبه القارة الهندية وقد تسللت إلى المنطقة العربية عن طريق سواحل عمان وشرق الجزيرة بنسب بسيطة في زمن حديث نسبيا نتيجة الاتصال البحري الطبيعي.
ثالثا / المجموعة I : اتجهت إلى الأناضول ومنها إلى القارة الأوروبية حيث شكلت الموجة الأولى من سكان وسط وشمال أوروبا وينحدر منها الشعوب الاسكندنافية وبعض الشعوب الجرمانية والشعوب الدينارية في شمال البلقان وقد وفدت على المنطقة العربية في العصور الوسطى بسبب الحروب الصليبية.
رابعا / المجموعة J : اتجهت إلى جبال أرمينيا حيث عاشت هناك زمنا طويلا قبل أن تنقسم إلى فرعين أحدهما اتجه عبر الصحراء نحو الجنوب ليستقر في اليمن والجزيرة العربية بينما انتشر الفرع الثاني من الرافدين إلى ساحل الشام ودلتا النيل ومن غرب إيران إلى هضبة الأناضول وجنوب أوروبا ، وهذه المجموعة بفرعيها قدر لها أن تكون صاحبة التأثير الحضاري الأكبر على المنطقة العربية في العصر الحجري الحديث.
خامسا / المجموعة K : اتجهت إلى الهضبة الإيرانية لفترة من الزمن ثم انبثق عنها عدد كبير من السلالات التي تشكل حاليا النسبة الأكبر من سكان العالم (من L إلى T ) لا سيما في النصف الشمالي من الكرة الأرضية وقد انقسمت إلى أربع مجموعات :

1 ـ المجموعة الأولى : وقد انفصلت مبكرا من السلالة الإيرانية واتجهت جنوبا نحو ساحل البحر وهناك انقسمت إلى قسمين أحدهما اتجه شرقا (السلالة السندية L) إلى حوض نهر السند ليؤسس أولى حضاراته وتشكل الموجة الثانية من سكان شبه القارة الهندية ، والثانية اتجهت غربا (السلالة العيلامية ( T واستوطنت ساحل الخليج العربي وجنوب العراق ومنه إلى جنوب الجزيرة العربية والقرن الأفريقي ثم إلى مصر منذ 15 ألف عام.
2 ـ المجموعة الثانية : وقد انفصلت عن السلالة الإيرانية القديمة واتجهت عبر ساحل البحر إلى مستقرها في أقصى شرق الجزر الاندونيسية حيث نشأ عنها السلالة الميلانيزية M والسلالة البابواغينية S في كل من جزر ميلانيزيا وبولينيزيا وغينيا الجديدة وبعض الجزر الاندونيسية ، وهي مجموعات عاشت منعزلة حتى وقت قريب.
3 ـ المجموعة الثالثة : وهي المجموعة التي اتجهت شرقا ثم انقسمت إلى قسم شمالي وآخر جنوبي ، القسم الشمالي N استوطن شمال سيبيريا ومنه غربا إلى فنلندا ودول البلطيق وتعرف باسم السلالة الأوروفينية ، أما المجموعة الجنوبية O فنشأ عنها السلالة الملايوصينية والتي تضم معظم سكان الصين وجنوب شرق آسيا واليابان والهند الصينية.
4 ـ المجموعة الرابعة : وقد اتجهت شمالا إلى منطقة أوزبكستان لتكون سلالة آسيوية قديمة P والتي انبثق منها فرعان كبيران (السلالة الهندوأميركية Q) و(السلالة الهندوأوروبية R) ، الأولى اتجهت شمال شرق حيث عبرت المضيق إلى ألاسكا ثم بمحاذاة الساحل إلى أمريكا الجنوبية وينحدر منها معظم الهنود الحمر في المكسيك وأمريكا الجنوبية كما توجد فروع قليلة لها في وسط سيبيريا ، أما الثانية وهي السلالة الهندوأوروبية المعروفة بالسلالة الآرية فقد اتجهت شمال غرب إلى سهوب أوراسيا وهناك انقسمت إلى فرعين كبيرين أولهما فرع الآريين الغربيين (الأطلسي) الذي شكل الموجة الأخيرة من سكان أوروبا والشرق الأوسط ، وثانيهما فرع الآريين الشرقيين الذي يضم السلاف والهندوإيرانيين وهم أيضا الموجة الأخيرة من سكان روسيا وإيران والهند.

القبائل العربية والحمض النووي

طفرة علمية كبيرة يشهدها العالم المعاصر بعد اكتشاف الخريطة الجينية للسلالات البشرية .. وقد كانت مومياوات الفراعنة أحد أهم العوامل التي ساعدت على إكمال هذه العملية لأنها أتاحت لنا إطلالة على الزمن القديم .. لكن أهم العوامل التي ستسهم إسهاما فعالا في رسم الخريطة الجينية للمنطقة العربية هو القبائل العربية التي احتفظت بسجلات الأنساب الممتدة إلى مئات الأعوام وهو ما يعني سيالا زمنيا يصل الحاضر بالماضي وهي الميزة التي لا تتوافر لغيرهم .. وفي المقالات التالية سوف نستعرض توزيع القبائل العربية في مصر لأنها سوف تكون من أهم موضوعات الفحص الجيني في الفترة القادمة لأن القبيلة الواحدة قد تتوزع في أكثر من دولة وتعطينا فكرة عن حركة الهجرات المتعاقبة مما يسهم بشكل فعال في إعادة ترتيب كثير من الأحداث التاريخية في العصر القديم والعصر الوسيط
.
وقد رصد الدكتور جمال حمدان في كتابه العظيم (شخصية مصر) التوزيع الجغرافي لهذه القبائل ، ففي أقصى تخوم شرق الدلتا في الجفار والفرما سكنت بلي وبياضة وبني صدر والأهاريسة وفي سواحل تانيس والمنزلة حتى دمياط استقرت عذرة وكنانة وخزيمة وبني عدي ومدلج وفي الشرقية جذام (ومن بطونها سعود جذام وبني سعد) وكذلك قبائل بني وائل (من ربيعة) وبطون من جهينة وقبائل جرم وثعلبة (من طيء) بالإضافة إلى فروع من كنانة وعذرة وفي القليوبية بني سليم وفروع من بني وائل وفي الدقهلية بني بقر والحمارنة وفي وسط الدلتا توزعت اللواتة والمزاتة البربرية وسكنت فزارة في المنوفية وسنبس وبني عمر في الغربية وفي البحيرة توطنت قبائل بني عباد وبني خفاجة وبني سليم وفايد ولبيد وسنبس ومن البربر لواتة وزنارة ومزاتة وهوارة.

وفي الجيزة استقر حي من عرب العزالة ثم جماعات من اللواتة في كل من الجيزة والبهنسا وفي كلتيهما أيضا قبيلة محارب (بطن من سليم) وبني عدي (من لخم) في إطفيح وفي الفيوم استقر بعض بني سليم وبني كلاب وتمتد قبائل بني سليم إلى المنيا مع الهوارة والعكارمة وفي العثمانية تركزت قريش ومن أسيوط عبر منفلوط حتى إخميم تمتد جهينة تشاركها في الأولى ربيعة وفي الثانية بني كلب وفي الثالثة بلي وبني قرة وبني عامر وقد أقامت كل من جهينة وهوارة من أسيوط حتى قوص لكن بالتدريج تركزت جهينة في وسط الصحراء الشرقية وهوارة في قنا وفي الجنوب عند إسنا أقامت قبيلة بني عقبة وبني جميلة في أصفون ثم من قوص حتى السودان استقرت قبائل العليقات والجعافرة والكنوز (بني كنز) بالإضافة إلى بني هلال وسليم في أسوان.

وعلى جانبي الوادي انتشرت الجوازي والغوايا وأولاد علي باتجاه الغرب من أسيوط حتى السلوم وترامت قبائل الحويطات والسناري والنبعات باتجاه الشرق من أسيوط حتى العريش وفي العموم فإن قبائل شرق الدلتا والنيل قحطانية وغرب النيل والدلتا عدنانية وبربرية ووسط الدلتا خليط من الجميع ، ويزعم أبناء القبائل العربية أن أعدادهم تتجاوز عشرين مليون نسمة لكن طبقا للإحصاءات الرسمية منذ عهد محمد علي وحتى الآن فإنها جميعا تفيد بأن نسبتهم دائما تقترب من 7% من سكان مصر (يقدر حاليا بما يقارب 6 مليون نسمة) بما في ذلك القبائل ذات الأصول الأمازيغية والتي صارت ناطقة بالعربية مثل قبيلة هوارة أكبر قبائل الصعيد وعدد من قبائل مطروح وكذلك نسبة كبيرة من سكان محافظة كفر الشيخ والتي ترجع أصولهم إلى الأندلسيين المهجرين من أسبانيا من عرب وأمازيغ.

وتحاليل الحمض النووي سوف يكون لها الكلمة الأخيرة في المستقبل القريب وذلك فيما يتعلق بعلوم الأنساب والتاريخ وسوف تكون حاسمة في فض الاشتباك بين القبائل وإثبات أو نفي الانتساب لعائلات بعينها كانت تعتمد في الماضي على المخطوطات والروايات الشفوية وكذلك سوف تكون عظيمة النفع للمهتمين بمسألة الهوية .. وقد تواردت الأخبار أن وزارة البحث العلمي في مصر قد أقرت البدء في (مشروع الجينوم المرجعي للمصريين) بالتعاون مع عدد من الهيئات والمؤسسات الوطنية وهو ما سوف يعطينا فكرة إجمالية وحقيقية عن الطبيعة الجينية لعموم المصريين وأثرها على المدى البعيد ..

ومن أهم الخطوات العاملة في هذا المجال (المشروع الجيني لقبائل عرب الشمال) وهو مشروع بحثي إحصائي خاص بتجميع نتائج فحص الحمض النووي للقبائل التي سكنت البادية العربية (من النيل إلى الفرات) وأطلق عليها مجازا (عرب قحطان) مثل تنوخ ولخم وجذام وعاملة والأزد وقضاعة وطيء وما تفرع منهم خاصة وأن هذه القبائل قد سكنت مصر في زمن مبكر ومنها في دلتا مصر نسبة لا بأس بها من السكان (جذام في الشرقية وقضاعة في الدقهلية وطيء في الغربية ولخم في البحيرة والإسكندرية) فضلا عن انتشارهم الواسع في الصعيد (جهينة وبلي) ..

وقد كانت منازل العديد من القبائل العربية مرتبطة بهذه القبائل تحديدا بسبب وجود حلف كبير بينهم نشأ في العصور الإسلامية وساهمت هذه التحالفات في الأحداث السياسية المختلفة ولهذا فإن هذا المشروع سوف يعطينا دلالات أولية حول نتائج المنتسبين إلى هذه القبائل مع الوضع في الاعتبار أن القبيلة الواحدة في الزمن المعاصر هي تحالف كبير من جذور مختلفة تضم في طياتها الأبناء الأصليين والأحلاف والموالي والمستجيرين بها وهذا أمر نابع من طبيعة القبائل العربية قديما وحديثا ولذلك سوف تساعدنا نتائج المشروع على فهم التاريخ جيدا ..

الحمض النووي .. تقسيم مختلف للقبائل العربية

كل قارىء للتاريخ يعرف جيدا أن كثيرا من اجتهادات الأقدمين تحولت بمرور الزمن إلى مسلمات لا تقبل النقاش .. على سبيل المثال تقسيم التاريخ إلى عصور قديمة ووسطى وحديثة رغم أنه تم وفق النظرة الأوروبية التي لا تتوافق بالضرورة مع تاريخ الصين والهند مثلا .. ومن أمثلة ذلك أيضا تقسيم حكام مصر الفرعونية إلى ثلاثين أسرة والذي وضعه الكاهن السمنودي مانيتون في العصر البطلمي حيث يدور الجميع في فلكه حتى يومنا هذا إذ لم يجرؤ أحد على مخالفته .. ومن ذلك أيضا ما نحن بصدده في هذا المقال وهو التقسيم الشهير للعرب إلى بائدة وعاربة ومستعربة حيث الرجوع بأنساب العرب جميعا إلى جذرين هما عدنان وقحطان ..


ومع نشأة علم السلالات الجينية بدأت محاولات تفسير التحورات الجينية المحمولة على الكروموسوم الذكري (واي) طبقا لهذه القاعدة مما صنع حالة من اللبس حيث الإصرار على نسبة قضاعة إلى حمير مثلا (وهو ما يخالف بعض النسابة القدماء الذين جعلوا قضاعة جذرا مستقلا مثل عدنان وقحطان) .. ومنها أيضا نسبة الكثير من القبائل العربية الشمالية إلى كهلان بن سبأ رغم احتمالية عدم وجود علاقة لهم باليمن من الأساس (مثل المناذرة والغساسنة وغيرهم) .. ومنها أيضا البحث عن تحور يتفق مع كل من مضر وربيعة أجداد العرب العدنانية رغم أن عددا كبيرا من المؤرخين يرى أن مضر وربيعة هي تحالفات قبيلة وليست رباط دم ونسب ..


وحتى يمكننا فهم ذلك يجب أولا إلغاء ذلك التقسيم التقليدي من عقولنا حتى نتمكن من وضع فرضية جديدة قد تتفق مع نتائج الفحص ومن ثم اختبارها والتأكد من صحتها .. وهذه الفرضية ترى أن جزيرة العرب في الزمن القديم كانت بمثابة معبر بشري مؤقت وليست مستقرا دائما لتعذر أسباب الحياة فيها وأن سكانها من العرب قد وفدوا عليها من الأقطار المجاورة نتيجة ظروف طبيعية أو سياسية دفعت بهم إلى ذلك .. ويمكن استيعاب ذلك من تنوع السلالات الجينية في الجزيرة حيث تسود السلالة J1 لكن مع وجود انتشار جغرافي محدد لكل من السلالات E , T , R , J2 وهو ما يمكننا من إعادة تقسيم القبائل وفق توزيع جغرافي يختلف قليلا عن الموروث السائد ..
هذا التقسيم يعتمد على الأوضاع الجغرافية للقبائل قبل وبعد تحركها إلى خارج الجزيرة مع الفتوحات الإسلامية حيث هناك أربع طبقات جاءت الواحدة منهم تلو الأخرى يمكننا حصرها كالتالي :


أولا / طبقة عرب الحجاز : وتضم القبائل المتاخمة لساحل البحر الأحمر من حافة اليمن جنوبا وحتى بادية الشام شمالا وهي قبائل قضاعة والأزد ولخم وجذام وعاملة وتيم اللات وتنوخ ووصفتهم كتابات اليونان باسم (تانويت) أو السراسين (الشرقيين) ، وقضاعة من جماجم العرب حيث تضم قبائل كلب وجهينة وعذرة وبلي والقين ونهد والمهرة وخولان وسليح وبهراء حيث مركزهم في شمالي الحجاز وتمددوا منه إلى الجنوب وإلى الشام وسيناء ووادي النيل والساحل الغربي للبحر الأحمر والصعيد والنوبة قبل الإسلام ، والأزد من جماجم العرب حيث تضم كلا من آل جفنة في الشام والأوس والخزرج وخزاعة في الحجاز وأزد السراة (عك وقرن وألمع وبارق وشكر ودوسر) وأزد الهنوء في نجران (الحجر وحوالة وباقم) وأزد شنوءة في عسير (دوس وزهران وغامد ولهب وثمالة) وأزد عمان (آل الجلندي) ، ويضاف إليهم كل من ثقيف في الطائف وكنانة في تهامة حيث تعد كنانة من جماجم العرب وتضم قبائل النضر بن كنانة (قريش) في مكة وبني عبد مناة بن كنانة (وتضم قبائل بكر وضمرة وليث وغفار والدئل ومدلج والأحابيش وتسكن كلها في تهامة) وكذلك قبائل أسلم وهذيل ولحيان وضبة وعضل والقارة..


ثانيا / طبقة عرب الخليج : وتضم اثنين من جماجم العرب هما (بكر بن وائل وعبد القيس) بالإضافة إلى قبائل ضبيعة وعنزة بن أسد وعميرة بن أسد والنمر بن قاسط وغفيلة بن قاسط وتغلب بن وائل وعنز بن وائل وكذلك قبيلة إياد وجميعها يسكن الجزء الشرقي من الجزيرة العربية من أول ساحل عمان والبحرين وحتى تخوم الفرات ، وتضم عبد القيس قبائل (عصر بن عوف وشن بن أفصى وحداد بن ظالم وحطمة بن محارب وحوثرة بن ربيعة وصباح بن لكيز ومرة بن الحارث وثعلبة بن معاوية وعصر بن عمرو وغنم بن وديعة وعمرو بن وديعة) وتسكن جميعها ساحل الخليج العربي ، وتضم بكر بن وائل قبائل (شيبان وعجل وذهل وقيس بن ثعلبة وتيم اللات بن ثعلبة) وتنتشر منازلهم من أول اليمامة وحتى ساحل الفرات ، وتضم عنزة قبائل (هزان وجلان) وتضم تغلب قبائل جشم ومالك وعوف وعمرو ومعاوية وثعلبة .. وقد تم استثناء قبيلة بني حنيفة (من بكر بن وائل) من هذه المجموعة وإلحاقها في قبائل نجد بسبب البعد الجغرافي (وهي على الأغلب دخلت في بكر حلفا) ..


ثالثا / طبقة عرب اليمن : ويقصد بها القبائل الأساسية في اليمن والتي لم تغادره قبل الإسلام وتتكون من أربع تجمعات كبرى هي همدان ومذحج وكندة وحمير بالإضافة إلى عدد من القبائل المجاورة لها مثل الأشعر ومعافر وخثعم وبجيلة ، وتنتمي الأسر الحاكمة في سبأ إلى فرعي همدان (حاشد وبكيل) ويطلق عليهم في الكتابات اليمنية القديمة اسم (شعب سبأ) بينما كان يطلق على كل من مذحج وكندة اسم (أعراب سبأ) وذلك تمييزا لهم عن كافة العرب حيث لم تذكر الكتابات اليمنية القديمة أي أسماء لقبائل أخرى تندرج تحت اليمنيين سوى هؤلاء ، وتعد مذحج من جماجم العرب حيث تضم قبائل (عنس ومراد والحداء وسعد العشيرة والنخع وقحطان وسنحان) وتضم كندة قبائل السكاسك والسكون وبني معاوية الأكرمين ، أما قبائل حمير فهي الأقدم في البلاد ولها لغة خاصة بها وثيقة الصلة باللغة الجعزية الحبشية (العربية الجنوبية) وهي القبائل التي استطاعت توحيد اليمن كلها وأطلق على حكامها اسم (ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت) وينحدر منهم الملوك التبابعة.


رابعا / طبقة عرب نجد : وتضم ثلاثة من القبائل الكبرى التي يطلق عليها (جماجم العرب) وهي (غطفان في شمال نجد وهوازن في جنوب نجد وتميم في شرق نجد حتى ساحل الخليج) بالإضافة إلى كل من (سليم وفهم وعدوان ومزينة وباهلة وغنى وتتوزع في غرب نجد) ، وتضم غطفان قبائل بني عبد الله وعبس وأشجع وأنمار وذبيان (التي تضم ثعلبة وفزارة ومرة) ، وتضم هوازن كلا من بني سعد وبني نصر وبني جشم وعامر بن صعصعة (والتي تضم هلال ونمير وكعب وكلاب) ويطلق عليهم جميعا ما عدا تميم اسم (العرب القيسية) نسبة إلى جد جامع يقال له قيس عيلان لكن ربما كان الاسم مرتبطا بقبيلة جديس القديمة أو شعب الكاسيين الذي غزا العراق قديما .. وقد تم استثناء قبيلة ثقيف منه حيث دخلت في هوازن حلفا وتسكن وحدها في مدينة خاصة بها هي الطائف .. أما قبيلة تميم فقد انعزلت عنها قليلا ناحية المشرق حيث تضم كلا من قبائل سعد وحنظلة والرباب وعمرو .. ويضاف إلى هذه الطبقة كل من قبيلة طيء العريقة وحليفتها الدائمة بني أسد (في جبل أجا وسلمى) وقبيلة بني حنيفة في اليمامة .. وتشكل هذه الطبقة سكان البادية في وسط الجزيرة العربية ..

ربما تساعدنا هذه التقسيمة الجديدة على فهم الأمور بصورة أوضح وربما لا .. فقط هي على الأقل دعوة للتفكير ومحاولة للخروج من أسر الأطر التقليدية ولعلها تنير أمامنا الطريق نحو دراسة أكثر دقة وأعمق تفصيلا ..

الشرق القديم .. أوجه التشابه والتباين في الجينات واللغات والسمات المورفولوجية

تتبع حركة الهجرات القديمة في منطقة الشرق الأوسط وحوض المتوسط سوف يمكننا من رسم خريطة سكانية للوطن العربي في الزمن القديم ويعطينا فكرة لا بأس بها عن أوجه التشابه والتباين في الجينات واللغات والسمات المورفولجية وتأثير ذلك على العصور التالية حيث كانت الموجة الأولى من السكان الأصليين من المحيط إلى الخليج ومن البلقان إلى القرن الأفريقي تنتمي إلى السلالة الأفريقية بتنوعاتها المختلفة أي أن الأصل كان واحدا ثم تباينت مصائر الأجزاء المختلفة وفق درجة التنوع في السلالات الوافدة وذلك على النحو التالي :

أولا / جنوب أوروبا : ظل سكان منطقة البلقان وجنوب إيطاليا واليونان وجنوب الأناضول لفترة طويلة جزءا من الأرومة المكونة من سلالة البحر المتوسط الأفريقية وسلالة بلاد النهرين معا لكن الهجرات الهندوأوروبية المتتابعة كانت لها الغلبة من حيث التأثير الحضاري واللغوي رغم احتفاظ السلالات القديمة بتأثيراتها الجينية والموفولوجية حتى يومنا هذا في مناطق جنوب أوروبا ، وقد جاءت أولى هذه الموجات ممثلة في شعوب البحر (الأخيواش والشرداش والماشواش والبلست وغيرهم) في كل حوض المتوسط ثم جاء الدوريون واحتلوا اليونان لتنشأ الحضارة الإغريقية الكلاسيكية من اتحادهم مع السكان الأصليين وكذلك غزو القبائل اللاتينية القادمة من وسط أوروبا إلى شبه الجزيرة الإيطالية وتنشأ الحضارة الرومانية من اندماجهم مع السكان الأصليين ، وكان من نتيجة ذلك انفصال جنوب أوروبا عن المنطقة العربية من الناحية اللغوية لكن مع بقاء التشابهات المورفولوجية والجينية حتى يومنا هذا.

ثانيا / القرن الأفريقي : وهي المنطقة التي شهدت اختلاطا كبيرا مع قبائل البانتو القادمة من الجنوب وقبائل النيلوتيك القادمة من منابع النيل والزنوج القادمين من وسط أفريقيا بالإضافة إلى العناصر السامية الوافدة من اليمن والجزيرة العربية (الأمهريين والتيجراي) حيث اختلط الجميع مع السكان الأصليين (الكوشيين) على مدار آلاف الأجيال حيث ظلت التشابهات اللغوية موجودة مع المنطقة العربية لكن مع حدوث اختلافات جينية ومورفولوجية بسبب التأثير العددي للوافدين ، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاختلاط جعل من هذه الشعوب المتجاورة متعددة الأصول الجينية بسبب التزاوج والصراعات المتكررة والظروف المناخية والجغرافية التي ربطت بين مجموعات متباينة في نشاط اقتصادي مشترك وبالتالي فإن الشعوب المعروفة اليوم بوصف الكوشية (مثل الصوماليين والأرومو) ليسوا بالضرورة حاملين جميعا لجينات السلالة الكوشية القديمة وإن كان غالبيتهم يحملها وكذلك الشعوب السامية يحمل جزء كبير منهم جينات القبائل العربية لكن ليس جميعهم وهو ما ينطبق أيضا على النيلوتيك والسودانيين.

ثالثا / المغرب العربي : استمرت السلالة الأمازيغية هي الغالبة على المنطقة رغم الهجرات الهندوأوروبية المتتابعة والتي غيرت في الصفات المورفولوجية لبعض القبائل التي أطلق عليها الفراعنة ومن بعدهم الإغريق اسم (ليبو) وكان يقصد به سكان الساحل الشمالي للبحر المتوسط فيما يلي غرب الدلتا لذلك كان الفراعنة يفرقون بين أقوام يطلقون عليهم (تا محو) أي سكان الشمال وهؤلاء مرتبطون بالبحر وملامحم تميل إلى لون البشرة الأبيض ولون الشعر الأشقر وأقوام آخرين أطلقوا عليهم اسم (تحنو) وهم سكان الواحات الموجودة في الصحراء الغربية بما فيها الفيوم والمنطقة المحيطة بها وهم شعوب تنتمي إلى الأرومة الأفريقية وتتكلم لغة وثيقة الصلة بالأمازيغية ، ومع انتشار الفينيقيين في حوض المتوسط طرأ تغيير كبير على المغرب العربي بسبب المستعمرات الفينيقية وأبرزها قرطاجنة في تونس حيث أضافت للمنطقة عنصرا جديدا من الناحية الجينية والمورفولوجية واللغوية وربطها بقوة بالمشرق العربي منذ زمن مبكر.
رابعا / الجزيرة العربية : وقد حفلت بتنوع كبير حيث تركزت في الشرق السلالة المرتبطة بالعيلاميين والسومريين وذلك على ساحل الخليج العربي من الناحيتين العربية والإيرانية وكذلك في منطقتي الأهواز والسواد (جنوب العراق) وتركز السكان الأصليون ذوي الأصول الأفريقية في الحجاز واليمن وبادية الشام الجنوبية بينما كانت الغلبة العددية للسلالة السامية القادمة من الشمال والتي لعبت الدور الأكبر في تغيير الصفات المورفولوجية قليلا ، ويوجد حاليا قبائل بعينها تنتمي إلى سلالة محددة لكن عددا كبيرا من القبائل تكون عن طريق اتحاد بين مجموعات متباينة في الجذور الجينية وذلك بسبب مئات الأعوام من الحروب والأحلاف والسبي والتبني وكلما كانت القبائل معزولة في الصحراء مثل القبائل النجدية كانت فرصتها أكبر في تفردها بانتمائها إلى سلالة جينية واحدة بينما كلما اتجهت للأطراف في الخليج والحجاز واليمن زادت وتيرة التعدد الجيني داخل القبيلة الواحدة.

خامسا / الهلال الخصيب : وتتركز في المنطقة سلالة (الميزوبوتاميا أو ما بين النهرين) حيث أكبر نسبة لها في تلك البقعة لكنها تتداخل في الجنوب الشرقي مع سلالة العيلاميين والسومريين وفي الجنوب الغربي مع السكان الأصليين من السلالة الأفريقية بتنوعاتها المختلفة سواء الحجازية أو فرع البحر المتوسط وفي الشمال مع المجموعات الهندوأوروبية التي تشكل الحزام الجبلي المحيط بالمنطقة وانحدر منهم الفرس والأكراد والأرمن بعد ذلك ، وتنتشر السلالة أيضا في إيران وتركيا حيث تشكل نسبة كبيرة من السكان فيها حتى يومنا هذا لكن الغزوات الهندوأوروبية من الحيثيين والفرس في الزمن القديم ثم المغول والأتراك في زمن متأخر غيرت من طبيعة المنطقة المورفولوجية واللغوية مثلما حدث في البلقان لكن هذا التغيير وقف عند حدود الوطن العربي حيث تسللت عناصر هندوأوروبية كبيرة إلى الهلال الخصيب فتركت تأثيرا مورفولوجيا واضحا لكن التغيير اللغوي كان محدودا.

سادسا / وادي النيل : وفيه تواجدت كل السلالات المكونة لشعوب المنطقة بنسب متقاربة مع زيادة بسيطة في العنصر الأفريقي الذي ينتمي له السكان الأوائل لا سيما سلالة البحر المتوسط وهو ما جعل من الصعب وصف سلالة بعينها بالمصرية حيث تواجد فيها منذ وقت مبكر كل من سلالات الكوشيين والبحر المتوسط والأمازيغ وسلالة البلقان والسلالات الوافدة من الجزيرة العربية (العيلامية والسامية والأفريقية الحجازية) جنبا إلى جنب مع سلالة ما بين النهرين والسلالات الهندوأوروبية ، وبالتالي فإن مصر من الناحية الجينية تشكل عاملا مشتركا للمنطقة كلها حيث تشترك مصر مع كل منطقة على حدة في عدد من السلالات لأنها تحتل موقعا جغرافيا متوسطا بين الجميع حيث يندر وجود السلالة الأمازيغية في العراق أو السومرية في المغرب لكن كلاهما موجود في مصر ويندر أيضا وجود السلالة الكوشية في البلقان وأعالي الشام أو سلالة بلاد النهرين في الحبشة لكن كليهما موجود في مصر وهو الأمر الذي تفردت به البلاد منذ فجر التاريخ.