
المقاومة الشعبية
في تاريخ مصر عدد كبير من الشخصيات التي شكلت رموزا للمقاومة الشعبية من أشهرهم العز بن عبد السلام في الزمن القديم والشيخ الدردير في العصر العثماني والشيخ حافظ سلامة في العصر الحديث وكذلك في التراث الشعبي هناك ميل لصناعة أبطال مثل علي الزيبق وأدهم الشرقاوي.
وأي فكرة سياسية تحتاج إلى سردية تاريخية خاصة بها ، وفكرة المقاومة الشعبية وتمجيدها والاستناد إليها هي الأنسب في مواجهة النظم الشمولية وتتوافق مع مسارات الإصلاح في دول عالم الجنوب وتصلح في مناخ الانسداد السياسي.
وقد شهد العصر العثماني ثورات عدة لكن ما حدث في عام 1795 م. كان مختلفا لأن الثورة انتهت بكتابة (حجة العهد) التي تعد أول نواة لدستور في مصر ووقع عليها الوالي والقاضي والأمراء المماليك مع ممثلي الشعب وهم نقيب الأشراف عمر مكرم وشيخ الأزهر عبد الله الشرقاوي وكل من الشيخ السادات والشيخ البكري والشيخ الأمير.
وقد تميز عمر مكرم عن سائر معاصرية بأنه كان صاحب مبدأ ومستعد للتضحية فكان بطلا من البداية إلى النهاية ، وهو من القلائل الذين جمعوا بين مقاومة الاستبداد والجهاد ضد الأعداء ، وهو في الأصل عالم ومثقف وكان مشرفا على الأوقاف أي كان بلغة العصر من نشطاء العمل الأهلي.
ويجب أن يقوم المجتمع بإفراز قياداته الشعبية التي طابع الاهتمام بمصالح الناس ومعايشهم (التنمية المستدامة وفرص العمل وزيادة الدخل وتقليل الأسعار وجودة الخدمات وتوفر المرافق وتشجيع الإنتاج) ثم بعد ذلك بقية الأفكار السياسية والاجتماعية والثقافية.
واستحضار (حجة العهد) تشير إلى فكرة سيادة القانون والتأكيد على السلم الاجتماعي والهوية الوطنية ، والفكرة المركزية هي استنهاض فئات الشعب للقيام بدورها الإيجابي قدر المستطاع بعد رسم النموذج التاريخي الملهم والتأكيد على قدرة الجماهير على التغيير وعدم اليأس والاستسلام للمستبد.
ونقطة الانطلاق (مرجعيتنا التاريخية) تتمثل في ثورة 1795 ، حيث كانت البداية في بلبيس بالشرقية والتي انطلقت منها شرارة العصيان ، فشملت أنحاء كثيرة من البلاد ، وكان أتباع محمد بك الألفي أحد زعامات المماليك قد فرضوا الكثير من الضرائب والإتاوات على بعض التجار والأغنياء والفلاحين ، ومن أجل تحصيلها أمر أتباعه باستخدام كل أساليب التعذيب ، كانت الضرائب فوق طاقة الأهالي ، ولم يكن باستطاعتهم سدادها ، فتجمعوا وانعقد عزمهم على الزحف إلى القاهرة للجوء إلى الزعامات الدينية في الأزهر.
كان المشهد مهيباً ، حيث سارت جموع الشعب على الأقدام من بلبيس إلى القاهرة قاصدين الجامع الأزهر ، وكان في استقبالهم كل من الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر والسيد عمر مكرم نقيب الأشراف ، وحملهما الأهالي مطالبتهم برفع الظلم الواقع عليهم ، فأمرا بإغلاق أبواب الأزهر ، وبادرا إلى عقد اجتماع موسع ضم المشايخ والعلماء ، وانتهى اجتماعهم على مخاطبة الزعيمين المملوكين مراد بك وإبراهيم بك بشأن مطالب الناس ومظالمهم ، ولكنهما لم يبديا شيئاً من الاستعداد لرفع تلك المظالم والتخفيف منها.
وثيقة المطالب : قرر المشايخ والعلماء ونقيب الأشراف تصعيد المواجهة ، فأمروا الناس بغلق الحوانيت والأسواق ، واجتمع معهم خلق كثير ، وتبعتهم الجماهير التي كانت تضيق ذرعاً بظلم المماليك ، وتوجه الجميع إلى بيت الشيخ أبى الأنوار السادات الذي كان قريباً من مقر إقامة إبراهيم بك ، والذي أرسل إليهم أيوب بك أحد أعوانه فسألهم عن مطالبهم ومقاصدهم من وراء هذا التمرد فقالوا له: ـ نريد العدل ورفع الظلم والجور وإقامة الشرع وإبطال الحوادث (يقصدون حوادث السلب والنهب من جانب عساكر المماليك) ، ونريد إلغاء المكوسات التي ابتدعتموها وأحدثتموها (الضرائب والإتاوات والفرد المفروضة على الأهالي بدون وجه حق).
لكن أيوب بك الدفتردار مندوب إبراهيم بك رد عليهم بأنه “ لا يمكن الإجابة إلى هذا كله ، لأننا إن فعلنا ذلك ضاقت علينا المعايش والنفقات ” ، فقيل له هذا ليس بعذر عند الله ، ولا عند الناس، وأنه لا يمكن أن يعيش الحاكم في بحبوحة من العيش ، ويعيش الناس في فقر وإملاق ، وقال الشيخ الشرقاوي : هل من المعقول أن تتمتعوا وغيركم يتقطعوا ؟ وتابع عمر مكرم : وإن طلبتم ما في طاقتنا لدفعنا ، ولكنكم تجبرون الناس على الثورة ، والناس في ضيق من أفعالكم. وأضاف الشيخ السادات : ويل للحاكم من شعبه ، إن كان هو وحده المستريح ، وتساءل مستنكرا : ما الباعث على الإكثار من النفقات وشراء المماليك ، وهل لا يكون الأمير أميراً إلا بكثرة ما يملكه أو بكثرة ما ينفقه ؟.
خاف أيوب من سوء العاقبة إن استمر في المجادلة والمناقشة. فقال: ما على الرسول إلا البلاغ ، وسوف أبلغ وأعود لكم ، ولكنه لم يعد ، وانفض المجلس. وتصاعدت وتيرة الاحتجاجات ، وبدأ الناس يستعدون لإقامة المتاريس ، وعمل الكور من النار وجمع النبابيت والعصي والمدى ، وبدأ الخطباء يحمسون الناس ضد الظلم والضرائب الجائرة ، وبدا أن الأوضاع على وشك الانفجار. ، شعر المماليك بالخطر، ورأوا أن المصلحة تقتضي إرضاء العامة والمشايخ وعدم مواجهة هذه الثورة، واقتنعوا بضرورة مسايرة الموقف وعدم التصدي لجموع الشعب وزعاماته ، وأرسل مراد بك بعض الرسل إلى الأزهر ليأتوا له ببعض المشايخ ليتفاهم معهم في مطالب الشعب.
ذهب مشايخ الأزهر ومعهم السيد عمر مكرم إلى منزل مراد بك بالجيزة ، وخرج العامة من ورائهم في كتل شعبية تخوفاً من أن يغدر بهم المماليك ، وطلب السيد عمر مكرم منهم الانتظار والاستعداد وقال لهم : «إن لم نعد بعد ساعتين على الأكثر فعليكم القيام بما ترونه». ، حضر الوالي العثماني إلى منزل إبراهيم بك حيث اجتمع بالأمراء هناك ، وتقابل للمرة الأولى مع كل من السيد عمر مكرم نقيب الأشراف ، والشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر والشيخ محمد البكري والشيخ أبو الأنوار السادات والشيخ محمد الأمير.
طال الحديث في اجتماع الزعامات الشعبية وأمراء المماليك والوالي العثماني، وشدد العلماء على تلبية مطالب الشعب، ولما طال بهم الوقت في الأخذ والرد أحس الناس بالمماطلة فتعالى هتافهم: الله أكبر، الله أكبر، وبدأوا يقيمون المتاريس، وعلت أصواتهم مطالبة بالعدل ورفع المظالم، واضطر المماليك للخضوع لأول مرة لإرادة الشعب ، وانتهى الاجتماع على أساس أن أمراء المماليك قد تابوا ورجعوا والتزموا بما اشترطه العلماء عليهم وتم الصلح بينهم بالشروط التالية :
أن يدفع أمراء المماليك ما كانوا قد اغتصبوه من الشعب ومقداره سبعمائة وخمسين كيساً ، وأمر المشايخ بتوزيعها على أهل بلبيس وبعض فقراء القاهرة ، استئناف إرسال غلال الحرمين التي كانوا قد امتنعوا عن إرسالها وإعادة صرف غلات الشون وأموال الرزقة التي كانوا قد استولوا عليها ، واستئناف أداء العوائد المقررة لأهل الحجاز التي كانت تتكفل مصر الإسلامية بها بشكل دائم. ، إبطال المكوس الجديدة ، وعدم فرض أي ضرائب بدون وجه حق وبدون استشارة العلماء وزعامات الشعب ، أن يكفوا أتباعهم عن امتداد أيديهم إلى أموال الناس ، أن يسيروا في الناس سيرة حسنة.
وحتى يضمنوا تنفيذ كل هذه الشروط ، طلب الزعماء من القاضي الذي كان حاضراً بالمجلس كتابة حجة عليهم تحتوي كل الشروط السابقة ، ووافق عليها الباشا ، وختم عليها إبراهيم بك بخاتمه ، ولما لم يكن مراد بك حاضراً للاجتماع فقد حرص عمر مكرم على ضرورة أن يقوم بتوقيعها وأقترح إرسالها إليه للتوقيع عليها فختمها بخاتمه وتعهد بتنفيذ ما جاء بها.
وما إن وُقِعت الحجة بخاتم إبراهيم بك ومراد بك ووقع عليها الباشا العثماني بنفسه أمام زعامات الشعب حتى رجع المشايخ ومن حولهم العامة وخرج الناس يهتفون الله أكبر ، جاء الحق وزهق الباطل ، وفتحت الأسواق من جديد وسكنت الأحوال. الوثيقة التي فرضتها ثورة سنة 1795 : حررت الوثيقة في 27 من ذي الحجة سنة 1209 هجرية الموافق 15 يوليو سنة 1795 ميلادية وهي مسجلة في سجلات الديوان العالي.

وثيقة تبين استجابة الديوان والأمراء المماليك لمطالب العلماء كمثثلين للشعب برفع المظالم الواقعة على الشعب ، مصدر الوثيقة أرشيف المحكمة الشرعية سجل الديوان رقم ص 300 مادة 473 نسختان ، أشار عبد الرحمن الجبرتي إلى هذه الوثيقة وأسباب الحوادث التي أدت إليها في تأريخه لحوادث ذي الحجة 1209 هـ يوليو 1795 م نسختان.
” هو أنه بمصر المحروسة مدينة أهل الولاية المقربين وعلامة العاملين وسنة الراشدين شرفها الله تعالى إلى يوم الدين ، بين يدي سيدنا ومولانا شيخ مشايخ الإسلام علامة الأنام قاموس البلاغة ونبراس الأفهام أشرف السادة الموالي الأعالي الأئمة الكرام الناظر في الأحكام الشرعية قاضي القضاة يومئذ بمصر المحمية ، الموقع الكريم أعلاه دام علاه آمين.
مضمونه بحضرة كل من سيدنا ومولانا الإمام الأعظم والملاذ الأفخم الأكرم قطب دايرة الزمان وفريد العصر والأوان المحفوظ من الله الرحيم الرحمن ، خاص خواص أصحاب السعادة والصلاح خلاصة أعيان أرباب التقى والفلاح قرة أعين أهل الورع والزهد واسطة أصحاب الخشوع والرشد أستاذ أهل الطريقة وملاذ أهل الحقيقة سيد السادات ومعدن الفضل والجود والسيادات من به وبأسلافه نتوسل إلى الله الملك الغفار ، السيد الشريف الطاهر العفيف الشيخ محمد أبو الأنوار شيخ السجادة الشريفة الوفوية وصاحب الكنية المنيفة المصطفوية الحميدية حالا زاده الله عزا وإجلالا آمين.
وسيدنا ومولانا فخر سادتنا بني الصديق وكوكب سما مجدهم على التحقيق فرع الشجرة الشريفة الصديقية من به وبأسلافه نتوسل إلى الله الملك الغفار الجليل ، مولانا السيد الشريف الشيخ خليل البكري الصديقي الأشعري آل الحسن شيخ سجادة أجداده بني الصديق حالا.
وسيدنا ومولانا فخر أعزة الأئمة الأشراف الفضلا العظام سلالة آل بني عبد مناف الفخام فرع الشجرة الزكية والعصابة الهاشمية الفاخرة الواثق بربه المعيد المبدي ، مولانا السيد الشريف عمر أفندي نقيب السادة الأشراف بمصر حالا زاده الله عزا وإجلالا.
وسيدنا ومولانا الشيخ العالم العلامة الهمام أوحد الأفاضل العظام مفيد الطالبين بإفهام عمدة المحققين وقدوة العلما العاملين زين الشريعة والملة والدين ، مولانا الشيخ عبد الله الشرقاوي الشافعي شيخ مشايخ أهل الإفادة والإفتى والتدريس بالجامع الأزهر حالا.
وسيدنا ومولانا الشيخ الإمام العلامة الهمام أوحد الأفاضل العظام سيبويه الزمان وفريد العصر والأوان ، مولانا الشيخ شمس الدين محمد الحريري الحنفي الأزهري مفتي السادة الحنفية بمصر حالا. ، وسيدنا ومولانا الشيخ الإمام العالم العلامة الهمام أوحد الأفاضل الكرام صدر المدرسين العظام مفيد الطالبين بإفهام ، مولانا الشيخ شمس الدين محمد الشهير نسبه الكريم بالأمير المالكي الأزهري مفتي السادة المالكية بمصر حالا.
وسيدنا ومولانا الشيخ الإمام العلامة الهمام أوحد الأفاضل العظام صدر المدرسين الكرام مفيد الطالبين بإفهام ، مولانا الشيخ زين الدين مصطفى الشهير نسبه الكريم بالصاوي الشافعي الأزهري عين أعيان أهل الإفادة والإفتى والتدريس بالجامع الأزهر حالا. ، وسيدنا ومولانا الشيخ الإمام العلامة الهمام أوحد الأفاضل العظام ، مولانا الشيخ زين الدين عبد المنعم الغماري المالكي عين أعيان أهل الإفادة والإفتى والتدريس بالجامع الأزهر حالا.
وسيدنا ومولانا الشيخ الإمام العلامة الهمام أوحد الأفاضل العظام صدر المدرسين الكرام ، مولانا الشيخ شهاب الدين أحمد العريشي الحنفي عين أعيان أهل الإفادة والإفتى والتدريس بالجامع الأزهر. ، والشيخ الإمام العلامة الهمام صدر المدرسين الكرام مولانا الشيخ برهان الدين إبراهيم السجيني الشافعي الأزهري عين أعيان أهل الإفادة والإفتى والتدريس بالجامع الأزهر حالا.
والشيخ الإمام العلامة الهمام صدر المدرسين الكرام مولانا الشيخ زين الدين حسين المنصوري الحنفي عين أعيان أهل الإفادة والإفتى والتدريس بالجامع الأزهر حالا. ، والشيخ الإمام العلامة زين الدين سالم بن مسعود الفوي المالكي الأزهري عين أعيان أهل الإفادة والتدريس وشيخ رواق السادة المغاربة المجاورين بالجامع الأزهر ، عمت بركاتهم وأدام الله النفع بوجودهم آمين.
بمنزل قدوة الأمرا العظام كبير الكبرا الفخام صاحب العز والقدر والهمة والمجد والاحترام المقر الكريم العالي حايز رتب المفاخر والمعالي ، مير اللوا السلطاني الشريف مولانا الأمير إبراهيم بيك الكبير محمد (أي تابع محمد أبو الدهب) قايمقام بمصر المحروسة سابقا وأمير الأمرا بها حالا.
وقدوة الأمرا الكرام كبير الكبرا الفخام المقر الكريم العالي حايز رتب المفاخر والمعالي مولانا الأمير أيوب بك الكبير أمير الحاج الشريف المصري سابقا (محمد). ، وقدوة الأمرا الكرام كبير الكبرا الفخام المقر الكريم العالي حايز رتب المفاخر والمعالي مولانا الأمير إبراهيم بيك مير الحاج الشريف المصري سابقا وحاكم ولاية دجرجا سابقا (محمد). ، وقدوة الأمرا الكرام صاحب العز والمجد والاحتشام مير اللوا الشريف السلطاني مولانا الأمير سليمان بيك (محمد) حاكم ولاية دجرجا سابقا.
وافتخار الأمرا الكرام عين أعيان ذوي الوقار الفخام مير اللوا الشريف السلطاني مولانا الأمير أحمد بيك (محمد) حاكم ولاية المنوفية سابقا. ، وافتخار الأمرا العظام عمدة ذوي الوقار الفخام الجانب العالي حايز رتب المفاخر والمعالي مولانا الأمير عثمان بيك (مراد) حاكم ولاية دجرجا سابقا. ، وقدوة الأمرا الكرام عمدة أولي الشأن الفخام مير اللوا الشريف السلطاني مولانا الأمير قاسم بيك (عثمان). ، والجناب العالي الأمير ذو الفقار أغا أغات مستحفظان قلعة مصر المحروسة حالا.
والجناب المكرم والمخدوم المعظم الأمير صالح أغا وكيل دار السعادة العظمى بمصر حالا (محمد) ، وفخر الأكابر وكمال الأعيان عين أعيان ذوي المفاخر والشأن الجناب الكريم الأمير علي كتخدا طايفة مستحفظان قلعة مصر المحروسة حالا ، والجناب المكرم الأمير إبراهيم كتخدا باش اختيار مناو ، والأمير عثمان كتخدا طايفة عزبان قلعة مصر حالا ، والجناب المكرم الأمير مصطفى كتخدا باش اختيار عزبان ، والجناب المكرم الأمير أحمد أغا باش اختيار طايفة المتفرقة ، والجانب المكرم الأمير مصطفى أغا باش اختيار متفرقة.
والجناب المكرم الأمير علي كتخدا الجاويشية ، والأمير علي أغا اختيار طايفة جاويشيان (سليم) ، والجناب المكرم الأمير أحمد أغا اختيار طايفة جاويشيان (غانم) ، والجناب المكرم الأمير يوسف باش جاويش جمليان ، والجناب المكرم الأمير يوسف أفندي كاتب كبير جمليان ، والجناب المكرم الأمير سليمان جوربجي باش اختيار تفكجيان (البرديسي) ، والأمير أحمد أفندي كاتب صغير تفكجيان ، والجناب المكرم الأمير حسن باش جاويش جراكسة ، والأمير محمد جوربجي باش اختيار جراكسة.
واطلاعهم وشهادتهم على ما يأتي ذكره فيه ، بعد أن توافق كل من ساداتنا أرباب السجاجيد وساداتنا علماء الإسلام مصابيح الظلام ، متع الله بوجودهم الأنام ، مع كامل الأمراء الكرام المعين أسماؤهم بأعاليه ، علي تنزيل جوامك المسلمين المطلوبة من المال الميري ، وإجرا جرايات المستحقين ، وعلوفات الفقراء والمساكين وإجراء منورية الجامع الأزهر ، ومحفل العلم الشريف الأنور ، وجراياته ، من وقفه الخاص به ولا يؤخذ له شيء من المكوس والمظالم وإجرا ملايل الحجج وتعلقاته حكم قديمها على ما هي عليه من زمن الملوك والسلاطين.
ومنع التفاريد علي البلاد والرعايا والفقراء ، ومنع ترك الكشاف الجائرة في بلاد الله التي خربوها ونهبوها ودمروها ، وإزالة العلنجية من مصر القديمة لإيذائهم المسلمين ، وأن لا يزاد على دفتر المرحوم الأمير محمد بيك أبو الدهب قايمقام مصر كان في رفع المظالم وأن جميع ما أحدثه المرحوم الأمير إسماعيل وغيره يزال من أصله بالكلية ، وأن ترفع المكوس الجارية في البنادر والموارد وما جعل علي المآكل والمشارب ، وإزالة جميع الحوادث والمظالم من جميع الأقطار المصرية.
والتزموا ألا يتعرض أحد منهم إلي السادة الأشراف القاطنين بجميع البلاد لا بشكوى ولا بأذية ، ولا بضرر ولا بوجه من الوجوه ، وأن ينتهي أمرهم في حوادثهم الخاصة بهم إلي أفنديهم ونقيبهم في سائر الأقطار والأزمان ، وألا يتعرض أحد منهم لنواب الشريعة المحمدية بوجه يضر بهم ، وأن ينتهي أمرهم في كامل حوادثهم المتعلقة بهم ، إلي أفنديهم مولانا شيخ الإسلام قاضي عسكر أفندي بمصر في جميع الأزمان ، وأن يقوموا بعمارة السواقي الموصلة المياه إلى القلعة وإدارتها بحضرة الوزرا والفقها وشرب المسلمين القاطنين بها ، وعدم إنزال الغلال من الديار المصرية إلى بلاد الكفرة والمشركين أعداء الدين ، وأن يحدث حادثة من الآن إلى ما يستقبل من الزمان.
فأجابوا حضرة الأمرا الكرام المعين أسماؤهم بعاليه بالسمع والطاعة وعدم مخالفة الجماعة ، وأن يبطلوا هذه المظالم الحادثة ، التي أضرت بالإسلام والمسلمين وأبادت أموال الفقراء والمساكين وحصل فيها الضعف والجور المبين ، وامتثلوا جميعاً ما طلب منهم ، وأشير له عليهم ، وعاهدوا الله سبحانه وتعالي علي ألا يعودوا إلي تلك الأفعال ، وكل من خالف ذلك أو توقف في دفع ما يترتب عليه ، أو سعي في إبطال شيء من ذلك، فيكون علي ساداتنا أرباب السجاجيد وعلما الإسلام والأمرا قهره واستخلاص كامل ما هو مطلوب منه لأربابه كائن من كان.
عملا في ذلك بالفرمان الشريف الواجب القبول والتشريف المكتب باللغة العربية والوارد في شأن ذلك من حضرة سيدنا ومولانا الوزير المعظم والدستور المكرم والمشير المفخم من تناه بمقصده الجميل غايات مصالح الإسلام وفاهت بمحامده السنية الأقلام صاحب السعادة مولانا الوزير الحاج صالح باشا كافل الديار المصرية حالا ، يسر الله له من الخيرات ما يريد وما شاء ، المقيد بسجل الباب العالي بمصر المحفوظ بخزينة السجلات العامرة والمؤرخ بيوم تاريخه أدناه توافقا صحيحا شرعيا عن طيب قلب وانشراح صدر لما علم كل منهم في ذلك من الحظ والمصلحة باعتراف كل منهم بذلك بحضرة شهوده ومن ذكر أعلاه في يوم تاريخه الاعتراف الشرعي.
ولما تم الحال على هذا المنوال أشهد على نفسه كل من افتخار الأمرا الكرام كبير الكبرا الفخام المقر الكريم العالي الأمير إبراهيم بيك الكبير المشار إليه ، وافتخار قدوة الأمرا الكرام كبير الكبرا الفخام صاحب العز والقدر والمجد والاحتشام المثر الكريم العالي والكوكب المنير المتلالي حايز رتب المفاخر والمعالي مير اللوا الشريف السلطاني مولانا الأمير مراد بيك (محمد) مير الحاج الشريف المصري سابقا ، شهوده الإشهاد الشرعي وهما بأكمل الأوصاف المعتبرة شرعا أن عليهما القيام في كل سنة بجريان كامل كامل ما نص وشرح بأعاليه بقدر الإمكان والاستطاعة القيام الشرعي بالطريق الشرعي.
فطوبى للذين آمنوا وعملوا الصالحات واجتهدوا في استخلاص حقوق عباد الله ودفعها لهم بما أمر الله فمن فعل ذلك مجتهدا في طاعة الله ممتثلا لأوامر الله مجتنبا للنواهي فهو من الفائزين عند الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم لقوله تعالى في كتابه العزيز : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ، وأما من أعان على مصالح ذلك وسعى في إجراء كامل ما نص وشرح بأعاليه برد الله مضجعه ولقنه حجته وجعله من الآمنين الفائزين الفرحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ولما تم ذلك على الوجه المستور حكم مولانا أفندي المشار إليه بموجب ذلك وأمر بكتابته وقيده بالسجل المحفوظ ضبطا للواقع ليراجع به عند الاحتياج إليه والاحتجاج به حكما وأمرا شرعيين وعلى ما جرى وقع التحرير ، في سلبع عشرين شهر الحجة الحرام ختام سنة تسع ومايتين وألف ، كتبه الشيخ عبد الوهاب الداودي.
(27 الحجة 1209 هـ / 15 يوليو 1795 م).