
1 / كتاب التبيين
في إضافة قيمة للمكتبة الإسلامية صدر في نهاية عام 2019 عن دار علم توزيع دار الصالح الجزء الأول من كتاب (التبيين فيمن وطىء أرض مصر من العمريين) من تأليف الأستاذ خالد عنان العمري عضو نقابة السادة الأشراف بجمهورية مصر العربية ورئيس اللجنة العلمية لبحوث التاريخ والأنساب وأمين عام مشيخة السجادة العنانية العمرية والأستاذ أحمد عبد النبي الدعباسي رئيس لجنة تحقيق الأنساب بالمشيخة البكرية الصديقية والباحث بوزارة الثقافة المصرية ..
ويتناول تاريخ العمريين من بني عدي بن كعب في الفترة من بداية الفتوحات الإسلامية وحتى نهاية عصر الأيوبيين متبعا مناهج البحث التاريخي المرتكزة على الوثائق المعتمدة والمخطوطات الأصلية لذا جاء في ألف صفحة ليلقي الضوء على كثير مما غاب عن المؤرخين المعاصرين .. وقد أسعدني الحظ بالحصول على نسخة من الكتاب بفضل الصديق العزيز محمد فتحي العدوي حيث قضيت مع الكتاب ساعات طويلة لتلقي ما فيه من علم وفائدة لا يدركها إلا عشاق التاريخ ..
وبعد أن وفقت في اجتلاء الكتاب ومعانيه وتتبع سرده وشروحه تنبهت عين القريحة مني أنه ليس كتابا عاديا وإنما هو في مصاف المراجع الكبرى إذ لا توجد عبارة فيه إلا ولها مرجع مأخوذة منه ولا معلومة واحدة إلا ولها مصدر واضح في كتب التاريخ المعتمدة .. ولم يكتف المؤلفان بالوقائع التاريخية وذكر الأعلام وإنما تجاوز ذلك إلى دراسة وافية لاثنين من مؤرخي العصور الإسلامية وهما الجواني والمقريزي حيث وضعت كتاباتهما قيد النقد في الميزان ..
ولم تقتصر المراجع على كتب التاريخ المشهورة فقط وإنما شملت كتب الحديث والتصوف والأنساب والأعلام بالإضافة إلى تحقيق المخطوطات الأهلية ومشجرات الأنساب حتى صار الكتاب شاملا وافيا يستحق تهنئة المؤلفين على الجهد الكبير حيث صار منهج كتابة الكتاب علامة فارقة من علامات كتابة التاريخ بل لا أتجاوز التعبير عندما أقرر أنه باكورة مدرسة فريدة سوف أسعى جاهدا حتى أكون واحدا من تلامذتها والله المستعان ..

2 / هرميتكا .. رواية من الخيال العلمي الملحمي
” ألا تعلم يا اسكلابيوس أن مصر هي صورة كل ما في السماوات أو بوصف أدق على أرض مصر أسقطت أسرار الكون وكل القوى التي تدير السماوات .. بلى يجب علينا أن نقول إن سر الكون يسكن في ربوعها المقدسة .. فإن كان الحكيم يرى بعينه الأحداث قبل أوانها فإنه ينبغي علي إذا ألا أتركك في جهل عما هو آت .. ” .. بهذه العبارات استهل هيرمس نبوءاته المستقبلية حول مصر مخبرا تلميذه عما سوف تلاقيه هذه البلد من معاناة في مستقبلها البعيد ..
ولا شك أننا جميعا نحب لبلادنا أن يعود لها مجدها الغابر وأن ترجع إليها عظمتها المفقودة .. ماذا لو أن أرواح الأجداد غضبت لما نحن فيه وقررت التجلي يوما ما في جيل جديد من الشباب مليء بالحماسة والذكاء وأعطته قوة لا محدودة أجبرت بها الحكومة على الإصلاح الفعال والرقي الحقيقي بلا ثورات ولا مظاهرات .. ماذا لو أغضب ذلك القوى العظمى التي تريدنا على حالنا من الضعف فسيرت جيوشها وأساطيلها لتجهض تلك المحاولة ..
هذا ما يحكيه لنا نائل فخري في الجزء الأول من ملحمة هرميتكا (سفر الرجوع) حيث يرصد ذلك الصراع المستقبلي بين الكائنات النورانية (النيثرو) التي رجعت من الماضي ضد حكام البلاد الأجنبية (حقا خاسوت) في صورتهم الجديدة .. لكن الصراع هذه المرة يتم في مستوى لا يمكن إدراكه لأنه كامن في علاقة متشابكة بين الذكاء الصناعي والطفرات الجينية .. كلهم جاءوا .. آتوم ونوت وجب وتفنوت وشو وحت حور وتحوت ثم خنتي أمنتي الفادي الأعظم ..
وخلال هذا العرض الشيق يناقش الأبطال مفهوم السعادة من خلال الفلسفة الرواقية التي تجنح نحو البساطة وهو ما يعني رفض بعض منتجات العلم الحديث التي تخترق حاجز الخصوصية .. وعندما يتلاشى ذلك الحاجز بين الأحياء والجماد يمكننا إعادة تأويل لما قصده قدماء المصريين في وصفهم للنفس ومكوناتها حيث تكون (كا) مثل شحن الكهرباء وتكون (با) مثل السوفت وير بينما تكون (آخ) هي القوة الفعالة .. الماضي والحاضر والمستقبل معا في عمل ملحمي جبار ..

3 / رواية (الطاغوت)
لست من المقتنعين بنظرية المؤامرة لكني أحب الأعمال الأدبية التي تتناولها وأستمتع بقراءتها لأنها تمسك بذلك الخيط الرفيع الواصل بين الحقيقة والخيال .. ومن هذه الأعمال القيمة رواية الطاغوت .. وهي رحلة طويلة عبر المكان والزمان تتجاوز حاجز التاريخ والجغرافيا حيث تتوالى الأحداث على هيئة مشاهد متقطعة كأنه فيلم سينمائي يرويها أكاديمي مصري مقيم في أمريكا لتلاميذه الذين يستمعون إليه في انبهار وشغف حتى تتضح أمامهم وأمامنا حقيقة الأشياء بشكل تدريجي .. ولذا يقول عنها مؤلفها الأستاذ تامر أبو عميرة : ” ليست مجرد رواية واقعية ولكنها رواية تحكي حكاية الواقع ” ..
الخروج العظيم ثم الملك سليمان الحكيم حيث تبدأ الأحداث المثيرة ثم نبوخد نصر والسبي البابلي ثم الإمبراطورية الرومانية بكل قوتها وجبروتها في زمن المسيح ثم عصر قسطنطين الكبير والمجامع المسكونية ومنها إلى الفتنة الكبرى في الدولة الإسلامية الناشئة ثم بلاط ملك انجلترا في العصور الوسطى وبعد ذلك الحروب الصليبية وما فيها من أسرار خفية ثم بلاد الأندلس في عصور الازدهار ثم الاضمحلال وبعدها مفاجآت العالم الجديد مع الكشوف الجغرافية ثم أوروبا في عصر التنوير والبلاط العثماني في الباب العالي والتقلبات المصاحبة له وأخيرا القاهرة في زمن الحملة الفرنسية ثم أمريكا من جديد ..
سوف نجد في الرواية كل مفردات نظرية المؤامرة حيث لا يخفى على أحد ذلك الارتباط الواضح بين الماسونية وأمريكا .. البناءون الأحرار .. الهرم الماسوني والمسيح الدجال .. السبط الثالث عشر وسحر الكابالا .. العصر الألفي السعيد .. عبادة الشيطان والنجمة السداسية .. مهندس الكون الأعظم .. الكاثاريين والمتنورين والأخويات .. فرسان المعبد وفرسان مالطة .. البومة ليليث والوحش .. رب النور ورب الظلمات .. بروتوكولات حكماء صهيون .. سوف نجد أنفسنا في رحلة مبهرة وشيقة حيث الإبحار في بحر من الخيال الذي يحاول تلمس الواقع من خلال البحث عن الحقيقة ..

4 / كتاب (المنفى الاختياري أمريكا الحلم والوهم) ..
قديما قالت العرب : ” أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ” .. وهو مثل يضرب عند وجود فارق كبير بين الرؤية والسمع في أي أمر مشهور .. وهكذا نسمع جميعا عن أمريكا حيث رسمت لنا هوليود صورة الجنة الموعودة في الأرض لكن ربما كانت الحياة الواقعية فيها مختلفة كثيرا عن تلك الصورة الجذابة .. هذا ما قدمته لنا الكاتبة الأستاذة سامية صادق نائب رئيس تحرير روزاليوسف في كتابها الشيق (المنفى الاختياري أمريكا الحلم والوهم) والذي يشمل خلاصة تجربة شخصية من الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية بضع سنوات رصدت فيها الكثير من المشاهد للحياة هناك سواء في المجتمع الأمريكي أو مجتمع المهاجرين ..
والكتاب يجمع بين أدب الرحلات والمذكرات الشخصية وهذا ما يعطيه اللمحة الإنسانية المميزة خاصة قصص الكفاح المتنوعة وأيضا طبيعة العلاقات الاجتماعية للمصريين في أمريكا حيث يفند الكتاب بروية فكرة الحلم الامريكي الذي يراودنا جميعا بسبب تأثيرات السينما الأمريكية وقصص المهاجرين وحديثهم المبالغ فيه عن نفسهم ونجاحاتهم (وهذا يدفعني أيضا للتفكير في فكرة الحلم الخليجي حيث هناك تشابه كبير في نمط المعيشة الاستهلاكية بين الخليج وأمريكا) .. وأهم ما في الكتاب هو متابعة الاحداث السياسية المعاصرة عن قرب حيث يمكن أن يكون الكتاب مدخلا للمشاركة في كتابة تاريخ الفترة الحالية بوضوح وحيادية ..
كما ألقى الكتاب الضوء على نقطة هامة وهي العلاقة بين المهاجر ومصر وهي نقطة تسمح لنا بعملية تشريح لمجتمعنا ودراسة ما طرأ عليه من تغيرات وهذا يرجعنا إلى سؤال حول ما اذا كانت خصوصيتنا الثقافية والاجتماعية تعني التخلف وهل هناك علاقة بين التقدم ونزع الهوية .. كل ذلك تم من خلال سرد منظم لمشاهدات الكاتبة في أمريكا بالعين الصحفية التي ترصد ما قد يغفل عن المتابع العادي حتى كأننا نرى نيويورك ونيوجيرسي رأي العين حيث المنازل والشوارع ووسائل المواصلات والبشر المتنوعين في كل شيء والحياة القاسية التي تجعل من الإنسان يعيش باستمرار داخل دوامة لا تنتهي .. هذا هو الحلم أو ربما الوهم ..

5 / نقوش على الحجر .. سيرة ومسيرة
على منصة جرير الإلكترونية أسعدني الحظ بقراءة مقتطفات من كتاب نقوش على الحجر سيرة ومسيرة للأستاذ رضا عبد السلام كبير المذيعين بإذاعة القرآن الكريم يروي فيها جانبا من حياته الشخصية والمهنية حيث تحدي الإعاقة مع إرادة النجاح .. وقد حمل الكتاب عنوان أشهر برنامج إذاعي للمؤلف الذي شكل صوته جزءا كبيرا من وجداننا نحن مستمعي إذاعة القرآن الكريم حيث تعرفنا من خلاله على الكثير من رجال العلم والدعوة .. وطالما سمعت من والدي الكثير عن صاحب هذا الصوت الرخيم وقصة كفاحه وشخصيته المتميزة لكن المعرفة تكون أجمل عندما تأتي على لسان صاحبها من خلال ما خطته يده من كلمات يروي بها الذكريات والآلام فيضفي على تلك الرواية ملمحا إنسانيا رائعا ..
والكتاب ضخم الحجم إذ يتجاوز ستمائة صفحة يروي فيها المؤلف تفاصيل شخصية حول أسرته وما حدث في طفولته من مواقف عدة شحذت همته وأوقدت عزيمته ليكسر حاجز المعاناة وينطلق إلى سلم النجاح كما يروي لنا في شغف سر تسميته باسم (رضا) .. يحكي كل ذلك في بساطة وأريحية لا يملك القارىء معها إلا أن ينحني إجلالا وإكبارا لهذه الروح الوثابة والإرادة التي لا تلين .. ولا زلت أقرأ في الكتاب حتى هذه اللحظة مستمتعا بالسرد الرائع وتتابع الأحداث ومسيرة المؤلف التي تقاطعت مع الكثير من الشخصيات المعاصرة في مجال الإعلام واللغة العربية والعلوم الإسلامية حتى كأن الكتاب يروي لنا أيضا جزءا من تاريخنا المعاصر وكذلك جانبا من مسيرة إذاعة القرآن الكريم التي تعيش في وجداننا جميعا ..

6 / نقد الاقتصاد السياسي
مرة تلو أخرى أعيد قراءة كتاب نقد الاقتصاد السياسي من تأليف الأستاذ محمد عادل زكي وأعترف أنني لم أستطع الإلمام بالكثير مما ورد فيه وربما كان ذلك بسبب أنه مجال جديد تماما بالنسبة لي لكن الأمر الذي شد انتباهي ولفت نظري كان الفصل السادس وعنوانه (تسرب القيمة الزائدة .. مصر والعالم العربي) حيث سرد المؤلف باختصار التاريخ العام لاقتصاد مصر مع تحليل واف لطبيعة النظام الاجتماعي والاقتصادي في مراحل التاريخ المختلفة وعلاقة ذلك بالتغيرات السياسية والثقافية التي تعاقبت على البلاد ..
وتوقفت عند عدة عبارات شديدة الأهمية جاءت في الكتاب ترصد هذا المعنى وتوضحه منها أن الحملة الفرنسية مثلت بدايات إدماج مصر في الاقتصاد الرأسمالي الصناعي العالمي في العصر الحديث وأن تجربة محمد علي باشا ابتغت بناء الاقتصاد السلعي المستقل في إطار السوق الرأسمالية العالمية وهو أقرب ما يكون إلى إعادة ضخ للقيمة الزائدة المنتجة بفضل سواعد المصريين في عروق الاقتصاد المصري وأن تغلغل الرأسمال المالي الدولي في الاقتصاد المصري حدث بعد اتجاه الدولة إليه كمقترضة في عهدي سعيد وإسماعيل ..
والحقيقة أن قراءة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي هام جدا على صعيد فهم التحولات الحادثة في الزمن المعاصر بعد أن تبدلت السياسة الاقتصادية للدولة في العقود الأخيرة ومدى تأثير صندوق النقد والبنك الدولي على مسار الاقتصاد وما يحدثه من متغيرات حيث يمكنه إعادة تشكيل ثقافة المجتمع بأسره .. ربما حاولت أن أستشف صورة بانورامية تربط بين عمل المصريين في الخليج وسيطرة رأس المال على الاقتصاد لكني الآن أعتقد جازما أن الإلمام بهذا العلم أصبح واجبا لما له من دور كبير في فهم كل ما يؤثر على حياتنا ومستقبلنا ..

7 / رسائل من التاريخ
خمس رسائل من التاريخ المصري القديم يرسلها لنا المؤلف هشام نادي لتكون جسرا بين الماضي والحاضر حيث يحكي لنا الكثير من أسرار الحضارة الفرعونية في أسلوب جذاب لا يخلو من الفخر بالأجداد والاعتزاز الشديد بهم حتى أنه أطلق عليهم في كتابه الثاني اسم (السلف الصالح) وأطلق على نفسه ذلك اللقب الجميل الذي ارتبط بشخصه وهو (سليل الفراعنة) وهو وصف يتفق مع العزيمة المتقدة لواحد من أصحاب الهمم الذين تحدوا الظروف ولم يسمحوا للإعاقة أن تكون حاجزا بينهم وبين النجاح فكان اسما على مسمى ووصفا يطابق الموصوف ..
يتجول بنا المؤلف في الكتابين بين موضوعات عدة من تلك التي تثير الجدل لدى المشتغلين بالتاريخ القديم وتثير فيهم الشغف من أول سر بناء الأهرام وحتى علاقة رمسيس الثاني بفرعون موسى مرورا بقصص نضال الأجداد فى حربهم ضد الهكسوس وتناول العديد من الشخصيات التاريخية مثل الملك بسماتيك والفيلسوفة هيباتيا وأفلوطين وبتاح حتب وسنوحي مع إطلالة على قصة مقدم الخليل إبراهيم إلى مصر والإشارة إلى صحف النبي إدريس وذلك في محاولة جادة لإزالة كثير من المغالطات التاريخية وإعادة كتابة تاريخ مصر القديم ..
ويشرح المؤلف منهجه في الكتابة قائلا إن لديه حلما للوصول بالمجتمع إلى مستوى من الوعي في كل مجال وذلك من خلال بلوغ الحد الأدنى من المعرفة وعليه فقد وضع خطة متوسطة الأمد بها عدد من الكتب التي سوف تكمل للقارىء الإلمام ببعض جوانب المعرفة بالتاريخ المصري والهوية .. وخلال السرد المتتابع نرى إيمان الكاتب بمكانة مصر قديما وحديثا ودورها المحوري في كافة العصور التاريخية وموقعها الجغرافي الذي فرض عليها أن تكون دولة رائدة في المنطقة لها مشروعها الخاص الذي يرتبط بالمكانة الثقافية والإرث الحضاري ..

8 / كتاب (ثورة بني عدي على الفرنسيين)
سوف يصاب القارىء بالدهشة البالغة عندما يرى هذا الكم الكبير من المعلومات عن تلك الثورة المجيدة التي قامت في صعيد مصر ضد الحملة الفرنسية والتي رصد وقائعها ويومياتها الكاتب والباحث الأستاذ حسن علي حمزة المعروف بلقب (جامع تراث بني عدي) حيث نقل كافة الروايات المذكورة في كتب التاريخ خاصة كتاب محمد علي مخلوف بما في ذلك ما كتبه رجال الحملة الفرنسية في مذكراتهم وإفاداتهم خاصة ما دار في يوم 18 أبريل عام 1799 م. عندما دارت معركة بني عدي المشهورة والتي حفلت بمظاهر التضحية والبطولة من رجال القرية ونسائها في مواجهة العدو المحتل وهو اليوم الذي صار بعد ذلك العيد القومي لمحافظة أسيوط ..
وقد أطلق المؤلف على هذه الأحداث اسم (الربيع الأحمر) وهو مقتبس من عنوان رواية للكاتب عبد الحميد النخيلي العدوي حيث وصف حسن حمزة فيها أحداث الثورة وروى قصة المذابح التي ارتكبها الفرنسيون في القرية وتتبع المصادر الفرنسية والتي قدرت أعداد الشهداء بأكثر من ثلاثة آلاف شهيد من الرجال والنساء والأطفال كما رصد الكاتب دور قبائل الجهمة الليبية والمتطوعين من دارفور في مساندة الثورة وكذلك الدور الكبير الذي قام به عرب الحجاز تحت قيادة السيد محمد الجيلاني المغربي والذي عبر البحر الأحمر على رأس المتطوعين واستشهد في بني عدي ودفن إلى جانب إخوانه المصريين ..
ولا شك أن تلك الإطلالة المتميزة على هذه الفترة من تاريخنا الحديث جديرة بالاحتفاء والاهتمام لأنها خطوة على طريق بناء الوعي القومي كما أنها أزاحت الستار عن بطولات منسية في تاريخنا القريب تشكل حلقة واصلة بين النضال في العصور الوسطى والزمن المعاصر .. ولا ينس الكاتب أن يحكي لنا كيف تم اختيار هذه الذكرى لتكون عيدا قوميا للمحافظة عام 1966 م. وكيف تم إنشاء النصب التذكاري للشهداء كما يشرح لنا باستفاضة كافة الروايات الشعبية التي لا زالت تحكى في القرية نقلا عن الآباء والأجداد ويرصد لنا في النهاية عددا من الآثار الباقية من تلك المعركة خاصة شواهد القبور التي بقيت لتخلد ذكرى ثورة مجيدة ..

9 / تاريخ حي ويوميات رحالة ..
جولة شيقة تسير بنا في الماضي حيث عدد من المحطات التاريخية ينقلها لنا الكاتب الأستاذ أحمد حسني بأسلوب سينمائي ساخر يجمع بين الفصحى والعامية في كتابه (تاريخ حي) حيث نعيش في صفحاته مع حكايات مثيرة للعجب عن أمراء السلطنة المملوكية وبكوات العصر العثماني .. سوف تسمع هتاف ” ايش تاخد من تفليسي يا برديسي ” وسوف تعرف قصة بيت زينب خاتون وحكاية السيدة نفيسة هانم المرادية وصعود الزيني بركات ونهاية علي بك الكبير وقدوم محمد علي باشا ..
وخلال السرد المتقن للكثير من الأحداث التاريخية المعروفة والموثقة نجد كثير من الإسقاطات على الواقع المعاصر حتى يخيل إلينا لأول وهلة أن مصر لم تتغير عبر تاريخها الطويل وأن هناك دورة تاريخية للأحداث والشخصيات تتكرر كل بضعة قرون .. وأهم ما في الكتاب هو رصد العلاقة الملتبسة دوما بين السلطة السياسية وبين طبقات المجتمع المختلفة حيث نجد تعليقات ساخرة من الكاتب تربط الماضي بالحاضر وترصد ملامح وسلوكيات العوام في كل عصر ..
وفي كتابه (يوميات رحالة) يحكي الكاتب عن رحلاته الخارجية حيث يقول عن نفسه : ” أنا أحمد حسني .. رحالة مصري .. سافرت نص العالم تقريبا بحاول بقوة أكمل النص التانى رغم ضغوط الحياة .. كمان بحاول أكون كاتب يقدم خبرته المتواضعة فى السفر لأي حد يقدر يستفيد منها .. مجنون بالتاريخ المصرى .. عاشق للسينما وتفاصيلها .. عندى وجهة نظر فى بعض الأمور .. تحت سماء الله الواسعة هناك متسع لكل البشر .. نقدر نعيش كلنا فى سعادة و نقدر نموت كلنا بسرعة ” ..

10 / كتاب رؤية لنظام حكم سياسي وبناء سياق فكري إصلاحي
هناك فارق كبير بين الأفكار النظرية والواقع العملي عند الحديث عن التنمية الاقتصادية والإصلاح السياسي ، ومن هنا تأتي أهمية الكتاب القيم للباحث المجتهد وائل شاهين وهو بعنوان : (رؤية لنظام حكم سياسي وبناء سياق فكري إصلاحي) والذي يعتمد على قراءة دقيقة للواقع المصري المعاصر ودراسة وافية لأهم المشكلات الثقافية والاجتماعية التي تؤثر على المجال السياسي والاقتصادي في المستقبل ..
والكتاب يعد رؤية شاملة متكاملة يمكن لها أن تتحول إلى برنامج عملي قابل للتنفيذ لأنه يقدم حلولا عملية وليس آراء مجردة ، من أهمها الوضعية القانونية للأجهزة الرقابية جميعا والتي يجب أن تتمتع باستقلالية تامة (سماها الباحث مجازا السلطة الرابعة) لأنه من غير المنطقي أن تكون الأجهزة الرقابية تابعة للسلطة التنفيذية التي من المفروض أن متابعة أعمال مؤسساتها هي من صلب المهمة الرقابية ..
ويركز الكتاب على المصالح المباشرة للمواطن مثل تقديم حلول عملية لمشكلة ارتفاع أسعار السلع والخدمات ضمن خطة إنتاجية وتصور نموذجي للمدن وطبيعة تكوينها العمراني والسكاني بما يخدم عملية التنمية المستدامة (الوحدات السكانية الصغيرة) ، وفي القلب من ذلك الأمن الغذائي من خلال ما سماه الباحث (استيراتيجية نظام غذائي مصري يواجه تحديات الزيادة السكانية والتغير المناخي) ..
ويركز الكتاب على علاقة التعليم بسوق العمل وما يتبع ذلك من التوسع في التعليم الفني والذي أطلق عليه الباحث وصف : (التعليم الحرفي المزدوج) في إطار استيراتيجية حلول مبتكرة لأزمة الفصول الدراسية والمدارس في مصر ومرفق معها دراسة وافية حول تكلفة الفصل الدراسي وكيفية التوسع الأفقي والرأسي للفصول ، وبالتوازي مع ذلك وضع سياسات للزراعة بوصفها قاطرة الاقتصاد المصري ..
ويتناول الباحث موضوع الضرائب بالتفصيل بوصفها المصدر الأول للموازنة العامة للدولة سواء الموظفين أو رواد الأعمال أو المؤسسات المختلفة لضمان العدالة الاجتماعية حيث يتبنى الباحث فكرة تطبيق ضريبة الدخل المتدرجة مع مراعاة الحد الأدنى للأجور ، ويرى الباحث أهمية مساهمة القطاع الأهلي في المحاسبة والرقابة والمتابعة وذلك في فصل بعنوان : (دور اللجان الشعبية في مكافحة الفساد) ..
ومن خلال استعراض فصول الكتاب نلحظ القراءة الواعية للتاريخ والاستفادة من فترات النهضة الاقتصادية في العصور القديمة والوسطى ليس من أجل تكرار التجربة وإنما للاستفادة من الخبرات المتراكمة لكل من سبقنا في العيش على وادي النيل ، ويصحب ذلك تصالح تلقائي مع التراث الثقافي والاجتماعي لبلادنا حيث لا يوجد تعارض بين الأصالة والمعاصرة للباحث الجاد والمحايد والموضوعي ..
أما أسلوب الكتابة فهو سهل وشيق وينتقل بسلاسة من موضوع إلى آخر .. ما بين العبارات التراثية في عالم السياسة والاقتصاد إلى مصطلحات العصر الحديث .. ما بين قضية الزي المصري الوطني إلى ملف الأقليات وحقوق الإنسان ، ولا يفوت الكاتب الفرصة دون أن يذكر لنا تجربته في عالم النشر والكتابة وما فيها من آلام وآمال حيث تختلط الرؤية الإصلاحية بالأفكار الشخصية في ترادف وتناغم ..

11 / البدايات والنهايات .. الجزء الأول
في هذه الأيام المباركة بذكرى التنزيل يطيب لي أن أكتب عن أفضل ما قرأت خلال الشهر الكريم وهو كتاب يتناول رؤية مختلفة حول القصص القرآني وما فيه من روح أدبية عالية يحدثنا فيه الكاتب والمفكر الأستاذ محمد القلاوي في سفر ضخم وموسوعي بعنوان : ” البدايات والنهايات قراءة أخرى للقصص القرآني والنبوءات الكتابية عن آخر الزمان ” وذلك على مدى ألف ومائتي صفحة تغوص في أعماق القصص القرآني وتبحث في دلالاته الرمزية وأبعاده الخفية ..
وهو يحاول الإجابة عن أسئلة شغلتني زمنا طويلا .. لماذا جاء القرآن الكريم على هيئة بلاغية مغرقة في التشبيهات والصور والأمثال والقصص ولماذا لم يأت بصورة مباشرة فيبدأ مثلا بالعقيدة ثم العبادات ثم الشرائع على هيئة أبواب متتابعة مثل كتب الفقه خاصة وهناك في القرآن آيات جاءت بهذه الصيغة مثل قوله تعالى : ” فاستقم كما أمرت .. اسجد واقترب .. أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل .. ورتل القرآن ترتيلا .. واذكر اسم ربك .. سبح اسم ربك الأعلى ” ..
ربما كان ذلك لأن الإنسان لا يحيا بالعقل وحده وإنما يحتل الوجدان والعاطفة ركنا أساسيا في حياته وأحيانا تحتاج النفس إلى مخاطبة ذات طابع متفرد حتى تستجيب لنداء الإيمان ، ولعل ذلك هو السبب في أن القرآن الكريم قد حفل بقدر كبير من القصص الذي يروي عن السابقين بأسلوب أدبي رفيع في المعاني والتراكيب وبيان وبديع اللغة العربية التي هي مختلفة قطعا عن اللغات التي تكلم بها الأنبياء وأقوامهم حيث تمت ترجمة وإعادة صياغة القصة والحوار بين الشخصيات ..
ويبدأ الكتاب بعبارة أثيرة للمتصوف الكبير النفري وهو يقول : ” ما أنت قريب ولا بعيد ولا غائب ولا حاضر ولا أنت حي ولا ميت فاسمع وصيتي .. ” ، ثم ينتقل الكاتب إلى البدايات الأولى للقبائل في الجزيرة العربية عندما وجدوا ضالتهم في (الروح الملهمة) التي جاءت في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم والتي غيرت كافة معتقداتهم وتصوراتهم ونقلتهم إلى السيادة العالمية وجعلتهم ورثة الأنبياء السابقين واستعرض الكاتب معها مفهومه الخاص لمعاني الوحي والنبوة ..
والخط الأساسي لتحليل نصوص القصص القرآني في الكتاب يعتمد على مقارنة السرد القصصي للقرآن مع ما ورد في الكتب السابقة (العهد القديم والعهد الجديد) وكذلك الروايات الشعبية الدينية المتداولة عند اليهود والمسيحين في زمن البعثة النبوية وأقوال الحكماء الدارجة وبيان مدى التشابه والاختلاف بينهم مع الإشارة إلى معالم العقيدة ومبادىء التوحيد وفكرة التوازن والوسطية والمسئولية الشخصية وصفات الله في القرآن وفهم وظيفة النبي ومهمته في حمل الرسالة ..
يلي ذلك خط آخر وهو المقارنة بين القصص الديني كله وتاريخ الجماعات البشرية وفك الاشتباك بين ما هو تاريخي وما هو رمزي في هذه القصص حيث إن الهدف الأساسي للقصص كان ذكر الموعظة والاعتبار وليس سرد الوقائع والأحداث ، والقرآن الكريم ليس كتابا في التاريخ بل إن كثيرا من قصصه جاءت مسبوقة بقوله تعالى : ” واضرب لهم مثلا .. ” وهو ما يحتمل كونها رواية حدثت بالفعل وأيضا يحتمل أنها مجرد مثال تخيلي لتقريب الأفهام ..
وفي ثنايا العرض الشيق تأتي الإشارة إلى التراث العربي القديم من خلال قبائل عاد وثمود وفق المتعارف عليه وقتها وكذلك أسماء آلهة قوم نوح العربية والمقصود بصحف إبراهيم وموسى وحكمة لقمان ومنازل قوم لوط ومؤمن آل فرعون ، ويستطرد الكاتب في تفنيد الحجج والجدالات بين الأنبياء وأقوامهم والإنكار الشديد على مشركي مكة طلبهم الدائم إثبات النبوة عن طريق المعجزات الحسية وهو ما جاءت قصص السابقين لتحذر من عواقبه المؤدية إلى الهلاك ..
واختص الكاتب سورة يوسف بفصل كامل ودراسة مفصلة حيث إنها القصة الوحيدة التي جاءت متصلة من بدايتها إلى نهايتها (من البئر إلى الملك ومن الأسر إلى الغواية ومن السجن إلى القصر ومن الرؤيا إلى التأويل) مع استعراض لمفهوم القدر والاختيار ودور مصر الفرعونية في الأحداث ، بعد ذلك ينقلنا الكاتب إلى عالم الجن والسحر في العالم القديم مع بيان آراء المعتزلة في التأويل العقلاني للنصوص ودور المجاز في البلاغة الأدبية للنص الديني القصصي ..
ومقال واحد لا يفي الكتاب حقه من الدراسة والتحليل لأنه حافل بعدد كبير من القضايا الإشكالية والموضوعات الخلافية ويحمل رؤية ذاتية للكاتب في فهمه للدين وطبيعة مكوناته ونظرته إلى تأويل النصوص القصصية من خلال العلاقة المتشابكة بين الوحي واللغة ومعنى الرسالة النبوية ودورها في الهداية والإرشاد ، وقد كنت مستمتعا بقراءة الكتاب لأنه يثير في العقل التساؤل ويدفع باتجاه البحث ولا يقف عند الموروثات الجامدة وإنما يسعى حثيثا لبناء فكر جديد ..

12 / البدايات والنهايات .. الجزء الثاني
عندما تمر الأمم والشعوب بأوقات عصيبة تظهر فيها النبوءات والتوهمات المتعلقة بنهاية العالم وفناء البشر خاصة إذا كانت الخلفية الدينية هي المسيطرة على الوجدان الجمعي للأفراد ، وتتمثل خطورة الأمر في تحول ذلك إلى فكر اتكالي يعفي الإنسان من مسئوليته التاريخية ويزيح عبء ذلك عن كاهله في انتظار المخلص الذي سوف يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا أو قيام الحجر والشجر بالقتال نيابة عنه وهو مستسلم للواقع مخدر الضمير.
من هنا جاءت أهمية الطرح الذي رسم معالمه المؤلف الأستاذ محمد القلاوي في هذا السفر القيم حيث يشرح لنا ارتباط النبوءات المستقبلية في الثقافة الإسلامية بالمرحلة الزمنية التي ظهرت فيها دولة الإسلام الأولى سواء ما كان منها متعلقا بتوقع أحداث سياسية قريبة تحمل بشارات الانتصار والتمكين أو إشارات بعيدة تصف ما سوف يحدث في نهاية الزمان من خوارق أو نوازل في إطار رؤية ملحمية تضع نهاية للصراع بين الخير والشر.
وفي البداية يلفت المؤلف النظر إلى قدم فكرة النبوءات الأخروية لأنها من جملة الأحلام البشرية التي ولدها العقل الواعي لتعطيه الأمل وتسكن خاطر الإنسان وتقضي على مخاوفه المستمرة من المستقبل الغامض وتهدىء من روعه عندما يفكر في نهاية الحياة ، وستظل هذه المخاوف باقية مع العقل البشري حتى مع التقدم العلمي في العصر الحديث حيث يمكن لكوكب الأرض أن يتعرض للفناء إذا اصطدم به كويكب شارد أو نيزك قادم من المجهول.
وفي ثنايا الكتاب سوف نغوص في الماضي البعيد حيث النبوءات الأخروية في اليهودية وكيف تطورت هذه الرؤى الغيبية مع مسار التاريخ بسبب المآسي والآلام والانتكاسات المتكررة التي تعرض لها اليهود فمهدت لفكرة المسيا (الماشيح) ، وتبرز لنا نبوءات دانيال لتفسر لنا الدوافع الخفية لذلك فهي تحمل طابعا سياسيا واضحا حيث تأثرت بالصراعات بين الممالك الكبرى آنذاك وتحاول أن ترسم طريق الخلاص من كل ذلك من خلال خطة إلهية محكمة.
ويستعرض المؤلف جانبا شديد الأهمية ألا وهو تأثير جماعات الأسينيين على فكرة النبوءات الأخروية ، وهم طائفة يهودية انعزلت مبكرا عن غيرها وعاشت في مغارات وادي قمران بجوار البحر الميت حيث عثر على كتاباتهم الدينية هناك في لفائف عرفت باسم كتب جماعة قمران أو وثائق البحر الميت حيث التأثير الكبير للزرادشتية في رؤيتها الفلسفية للعالم وعلاقة الروح بالجسد وانتظار المخلص المنقذ والتي تسللت أفكارها إلى كل من جاء بعدها.
وفي المسيحية اختلط التراث العبراني بالفلسفة اليونانية حيث البشارة بقدوم زمن الملكوت حيث الانفصال والالتقاء بين عالم الدنيا الأرضية والعالم السماوي الطوباوي في انتظار المجيء الثاني والقيامة المرتقبة والدينونة ، ويرصد المؤلف طبيعة الفترة الزمنية التي صاحبت كتابة سفر الرؤيا في ذروة الاضطهاد الروماني ودور النبوءات في جمع شتات الجماعات المسيحية المشردة والتمهيد لفكرة الألفية السعيدة التي انتشرت لاحقا.
ويرى المؤلف أن النبوءات الأخروية في الثقافة الإسلامية كان لها ارتباط وثيق بما سبقها من مثيلاتها في اليهودية والمسيحية لكنها جاءت متماشية مع ظروف الدعوة وتطورها وتشابكها مع الواقع السياسي ، في مكة كان صوت النذير بهلاك المشركين ونجاة المؤمنين وفي المدينة كان صوت البشير بالنصر والفتوحات والأمل المرتقب ، وفيها استشراف للمستقبل لكن مع التشديد على أن علم الغيب لا يدركه البشر إلا من خلال الوحي لأهداف محددة.
ويأتي الخلط من عدم إدراك مفهوم النبوة ومقامها لأنها مرتبة بشرية حظيت بالبصيرة النافذة التي تمكنها من توصيل الرسالة على أفضل صورة وليست مرتبة كهانة وتنبوء بالغيب كما عرفها العرب وقتها ، وبالتالي فإن عدم حدوث النبوءات لا يتعارض مع مفهوم النبوة وفق المنظور التفسيري للنبوءات المحمدية عند المؤلف وعلينا ألا ننتظر تحقق نبوءات كانت من قبيل التوقع البشري وجاءت في سياق البلاغة النبوية للحرص على مستقبل الدعوة.
ورغم شيوع الروايات اللاحقة التي توسعت في النبوءات الأخروية والفتن والملاحم وقرب قيام الساعة وأشراطها وعلاماتها وفناء الزمن والدجال والمهدي إلا أنها جميعا ليست من أصول العقيدة الإسلامية التي لها محددات واضحة معروفة عند أهل السنة والجماعة ، لكن اللجوء إلى هذه المرويات ناتج من الظروف السياسية التي صاحبت الحروب الأهلية والمذهبية بين الدول الإسلامية المتعاقبة ثم تعاظمت مع الواقع الأليم وتعدد الهزائم والانتكاسات.
وفي النهاية يرصد المؤلف حالة النزوع إلى النبوءات الأخروية في زمننا المعاصر رغم الحداثة والتقدم العلمي حيث تتبنى طوائف دينية يهودية ومسيحية هذه الرؤى من منطلق سياسي وتبعهم في ذلك عامة المسلمين الذين يستمدون منها دعما نفسيا يرفعهم ولو آنيا عن خيبات الواقع وآلامه ، وهو ما يحذر منه المؤلف وأتفق معه في ذلك لأننا في حاجة لمن يزيح راية الخرافة والوهم ويرفع راية العقل والحكمة حتى نسير على الطريق الصحيح.

13 / صالون تفكير
دائما ما كنت مؤمنا بفكرة التنوع الفكري والثقافي وأن الأصل في البشر الاختلاف فلا يمكن أن يكون الجميع قالبا واحدا بل يصعب جدا أن يملك الكل نفس الرؤية في المجال العام أو نفس الآراء حول القضية الواحدة أو يتشابه الناس في الذائقة الأدبية والفنية وهو الأمر الواقع في مجتمعاتنا ، وطالما كنت مؤمنا أيضا أن الهدف ليس إجبار الآخر على تغيير قناعاته وفق تصوراتي وإنما النجاح الحقيقي هو في التعايش رغم هذا الاختلاف ..
وطالما كنت أبحث عن تحقيق ذلك في أرض الواقع لذلك تابعت في صمت مختلف المنتديات الثقافية والأدبية ومنها تجربة صالون تفكير على مدار العامين الماضيين حيث اعتقدت أنه منتدى أدبي يشبه ما اعتدنا عليه ، لكن بمرور الوقت لاحظت أنه شيء مختلف تماما وأنه يشبه نقطة نور وسط الظلام لأنه بالفعل حقق النموذج العملي ليس فقط في فكرة التعايش لكن تعداها إلى القدرة على التعاون المشترك لإنتاج شيء مميز بالفعل ..
ولم يكن الأمر سهلا بالطبع لكن التفاني والاجتهاد واستدامة العمل لدى أعضاء الصالون تعاملت مع العقبات التقليدية في أي عمل مؤسسي وتطورت الأنشطة لتشمل تنوعا هائلا في مجالات متعددة .. ندوات ومحاضرات وأكاديمية تفكير ونادي الكتاب ومركز دراسات وقناة وراديو ومسرح ومجلة قيمة بالإضافة إلى صالون نيويورك والقاهرة والمنصورة بالإضافة إلى كتابات الأعضاء وإصداراتهم المنشورة على صفحة الفيسبوك ..
وبالأمس تشرفت بحضور الجلسة العامة لمؤتمر صالون تفكير الأول بدعوة كريمة من إدارة الصالون حيث استمعت إلى كافة الكلمات والتي تم فيها استعراض وتقييم أوجه النشاط المختلفة فيما مضى وكذلك المقترحات لمزيد من التطوير في المستقبل وكذلك مداخلات الضيوف التي حملت أفكارا قادرة على نقل صالون تفكير ليكون مؤسسة ثقافية متفردة وواعدة لتستكمل مسيرتها في جذب العقول النابهة والمواهب اللامعة في عالم الفكر ..
خالص التمنيات لصالون تفكير بالتوفيق والسداد ودوام النجاح والتألق لأنه بالفعل قادر على أن يتحول في المستقبل القريب إلى (وزارة ثقافة غير رسمية) في الوطن العربي ..

14 / عندما تكون صديقا لشاعر
الشعر ليس مجرد نظم كلمات وانما هو تعبير راق عما تموج به النفس الإنسانية من مشاعر واحاسيس ناتجة عن انفعالات متباينة وتجارب حياتية .. وقليل من الشعراء من استطاع أن يوظف هذه الموهبة ليعبر بالكلمات البليغة عن مكنون النفس الإنسانية فيحاول سبر اغوارها وكشف أسرارها ..
واذا كان الشاعر متمكنا من اللغة بارعا في كل فنونها فإنه يمتلك ناصية البيان ويحكم الكلمات فتخرج لنا قصائد في غاية الابداع .. واذا كان الشاعر في نفس الوقت طبيبا متخصصا في الطب النفسي فسوف تجد روحا أخرى تسري بين الكلمات والعبارات لتنقلك الى عالم اخر ..
واذا كان الشاعر صديقك منذ ثلاثين عاما فسوف تدرك على الفور روعة ما كتب في إصداراته ” كتاب الحكايات ” و ” الرقص على أطراف الاصابع ” حيث التعبير عن الذكريات والمواقف المختلفة التي ربما عشناها سويا وشهدت ميلاد تلك الابيات الشعرية التي وجدت نفسي فيها ..

15 / المجتمع المصري وأخلاق الزحام
” المجتمع في مصر يعاني من تأثير اخلاقيات الزحام ” .. سمعت هذه العبارة لأول مرة منذ عشر سنوات من الصديق العزيز الدكتور محمد عبد الحكيم سليم الكاتب والروائي واستاذ الطب النفسي وذلك في حوار ممتع بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية .. وقد كانت رؤيته وقتها أن مصر تشبه سفينة في عرض البحر تحمل حمولة من البشر فوق طاقتها وان الزحام سوف يضطر الجميع الى البحث عن الامان في وسط السفينة في أنانية قد تدفع بالاخرين ناحية الاطراف وربما الغرق .. وكان يرى أن أحد الحلول الممكنة أن يغادر بعضهم السفينة ويسافر الى مكان افضل فتتحسن معيشته وفي نفس الوقت يخفف الحمولة فيتيح للباقين في السفينة قدرا من السعة تنقذهم من الغرق ..
وقد كنت وقتها معترضا بشدة على هذا التحليل اعتقادا مني أنه يجنح الى أجواء التشاؤم المعتادة في روايات الدكتور محمد مثل قناص بغداد والرايات السود .. لكن مع مرور الوقت تبين لي أنها قد تكون نظرة واقعية بعيدة المدى بل وسابقة لأوانها حيث يبدو أن المجتمع قد تجاوز هذه المرحلة إلى مرحلة اخطر توحي بانعدام القيم الإنسانية بالكلية وسيادة منطق البلطجة وتفشي روح السادية في التعامل بين الناس وبعضهم البعض حتى وصل الحال إلى الاستهتار بالروح البشرية والاستهانة بكرامة الإنسان .. ولعلها كانت صرخة نذير تساعد على التشخيص السليم لما يعاني منه المجتمع وتنير الطريق أمام مؤسسات المجتمع المدني للقيام بدورها الاصلي في التوعية والإصلاح ..