2 / منازل بني عدي في العصر العثماني

بعد دخول العثمانيين مصر أمر السلطان سليمان القانوني بعمل مساحة جديدة للأراضي المصرية في سنة 930 هـ  وتمت في ولاية سليمان باشا الخادم وبمباشرة الأمير كيوان في سنة 933 هـ وبسبب قلة المصادر المتخصصة في تلك العملية على عكس العهد المملوكي أصبح كتاب وصف مصر المصدر الوحيد المعتمد لدراسة التربيع العثماني (ويقصد به تنظيمات العثمانيين الإدارية) حيث قام علماء الحملة الفرنسية على مصر بتدوين 16 إقليمًا إداريًا (ولايات) في مصر نصفها في الوجه القبلي والنصف الآخر في الوجه البحري ، ولم يُعثر على دفاتر ترابيع سنة 933 هـ لذا لجأ باحثون مثل محمد رمزي لمقارنة ما ورد في كتاب « وصف مصر » بما جاء في كتاب « التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية » لابن الجيعان وبما ورد في كتاب « تاج العروس » للمرتضى الزبيدي الرحّالة الذي جاب القُطر المصري من أقصاه إلى أقصاه فأثبت قرى في كتابه لم ترد في الكتب التي سبقت العهد العثماني ثم قارن ذلك بمخطوط وجده في دار المحفوظات بمنطقة القلعة عنوانه « دفتر أسماء نواحي الولايات في سنة  1224» بخط رجل يدعى إبراهيم الحصاري كتبه سنة 1224هـ/1809م في أوائل عهد الوالي محمد علي باشا والذي اشتمل على القرى التي وردت في كتاب « التحفة السنية » مضافًا إليها أسماء القرى المصرية التي استجدت في ترابيع سنة 933 هـ وما بعدها حتى سنة 1224 هـ فاستنتج بذلك أسماء القرى التي استجدت في التربيع العثماني.

وكانت الترابيع قوائم من الورق مربعة الشكل تكتب فيها عملية مساحة كل قرية تم ضمها إلى بعضها البعض في دفاتر عٌرفت بدفاتر الترابيع وكان يُعوّل عليها في تقدير الأموال الأميرية وحصر أسماء القرى في العهد العثماني ، وقد تم عمل حصر جديد للأراضي الزراعية وما تجبيه من الخراج وفيه قسمت الأراضي الواسعة إلى قرى صغيرة لكل ناحية زمام خاص بها فزاد عدد القرى وعلى الأخص في الصعيد عن قرى الروك الناصري حيث ألغيت الأعمال المملوكية وأبدل بها الولايات وقسم القطر المصري إلى 13 ولاية (6 قبلي و 7 بحري) .. وذلك على النحو التالي : إنشاء ولاية جرجا وضمت أعمال الأسيوطية والأخميمية والقوصية وإنشاء ولاية الجيزة بعد فصل الأعمال الجيزية من الصعيد وإلحاقه بالوجه البحري .. فأصبح الوجه البحري يضم ولايات : القليوبية والشرقية والدقهلية والغربية والمنوفية والبحيرة والجيزة .. وأصبح الوجه القبلي يضم ولايات : الأطفيحية والفيومية والبهنساوية والأشمونين والمنفلوطية وجرجا .. هذا بخلاف 6 محافظات هي : الإسكندرية ورشيد ودمياط والعريش والسويس والقصير ، وبلغ عدد النواحي 2917 ناحية وبذلك زاد 634 قرية عن بلاد الروك الناصري منها 451 ناحية استجدت في الصعيد و183 في الوجه البحري وأصبح على رأس كل ولاية كاشف (حاكم) وعلى رأس كل محافظة محافظ ورأس القاهرة (مقر الوالي التركي) شيخ البلد وهو كبير أمراء المماليك الذي كان يحمل لقب سنجق.

وخلال العصر العثماني الممتد لثلاثة قرون بدأت تظهر بوضوح في السجلات الرسمية القرى التي تسمت باسم قبيلة بني عدي في الدلتا والصعيد سواء منها ما كان قديما وذكر في سجلات المماليك أو القرى التي نشأت حديثا بسبب استقرار العرب وانتهاء صراعاتهم الدموية مع المماليك .. وأول هذه المنازل كان في الشرقية حيث قرية بني عدي بجوار فاقوس والتي صار اسمها في عهد العثمانيين (العدوية) ومنها حدث انتشار إلى قرية أخرى بجوار ههيا أطلق عليها عدوية صبيح للتميز بينها وبين القرية الأولى حيث كانت بجوار قرية تسمى صبيح ثم حرفت الكلمة وصارت عدوة صبيح (وهي الآن العدوة مركز ههيا) ومنها حدثت هجرات أخرى متتابعة إلى عدد من القرى الصغيرة في مراكز ههيا وأبو كبير ومنيا القمح  ، وفي كتابها الهجرات العربية إلى مصر وأثرها في اللهجة المصرية وأثر ذلك على المجتمع (محافظة الشرقية بمصر نموذجا) تفصل الباحثة الدكتورة نهلة أنيس محمد مصطفى جانبا من هجرات بني عدي في الشرقية فتقول : ” ومن نافلة القول أن أذكر أننا ننتسب إلى بطن من هذه القبيلة الكريمة والتي حطت رحالها في تلك المنزلة غير أنه قد ارتحل منها بعض مشايخها وحطوا رحالهم في فراشة مركز أبو كبير شرقية وعرفت منطقتهم باسم كبيرهم وهو كفر علي عبد النبي “.

وفي الدقهلية ذكرت منازلهم في كتاب التحفة السنية باسم القرية القديم وهو الشرقانة لكن ابن الجيعان أتبعها بوصفه (وهي حصة بني عدي) والتي كانت مقطعة لهم من زمن الأيوبيين لكنها بدأت تخلو من سكانها عندما قرر العثمانيون نقل عاصمة الولاية من أشمون طناح إلى مدينة المنصورة لتوسط موقعها بين مدن وقرى الولاية فنزح إليها السكان من القرى المجاورة ومنهم عدد كبير من بني عدي حيث صارت العاصمة الجديدة إحدى المراكز التجارية الهامة في الدلتا ، وفي البرلس ذكرت قريتا العمرية وظافر لكن لم يعد هناك ذكر للاسم القديم ديار بني عدي حيث انتشرت القبيلة باتجاه البراري جنوبا وحتى نواحي الحامول وبيلا وبلقاس ونبروه مع التغيرات السكانية والجغرافية الحادثة في المنطقة وبسبب اشتغال عدد كبير من بني عدي بنشاط الرعي ، ومع انتشار فرع العنانيين في ربوع الدلتا نشأت قرى باسمهم مثل قرية كفر عنان مركز زفتى بالغربية (وهي مقابلة لمركزهم الأصلي في ميت غمر) وكذلك قرية كفر العنانية بجوار مركزهم في قرية برهمتوش بمركز السنبلاوين وكذلك قرية العنانية من أعمال دمياط حيث كانت منازل العمريين وبني عدي قد انتقلت تدريجيا من بحيرة البرلس حتى مدينة دمياط بسبب الازدهار التجاري في المدينة وتعرض البحيرة لظروف جغرافية متغيرة.

ومن منازلهم في الوجه البحري انتشرت فروع آل عنان خارج ديارهم في ربوع الدلتا كلها ومنهم عائلات عنان والعنانى ببشلا ودموه وسلامون وبرهمتوش وأجا والسنبلاوين وصهرجت الصغرى ودماص وكفر الشراقوه بالدقهلية وكفر عنان بالغربية وحفير شهاب الدين ومركز الرياض وفوه والحمراوي بكفر الشيخ وأبيس بالإسكندرية  وعائلات الشيخ والزوانية والجمل ونور وشهاب وعبدالجليل والشحات وأبوالسعود ببشلا وعائلة طعيمة المنتشرة بمحافظات الشرقية والقليوبية والجيزة وعائلات الألفى وستو وقنديل بكفر بهيده بالدقهلية وعائلة الشامى بالحمرواي ونصره بكفر الشيخ ودراج بالغربية وعائلة الديب بأجا دقهلية وعائلة الزفتاوي بدقادوس وميت غمر .. وينتسب إليهم من أولياء الله الصالحين كل من محمد أبو صبابه والشيخ إبراهيم والشيخ محمد والشيخ على الشيخ وعلى حجى ببشلا وأحمد شمس الدين وعبد القادر بن عنان ببرهمتوش بالسنبلاوين وعلي بن عنان بمدينة أجا بمحافظة الدقهلية وابن عنان بكفر الشراقوه مركز أجا دقهلية وعبدالقادر بن عنان بكفر عنان زفتى محافظة الغربية ومحمد بن عنان بالحمراوى محافظة كفر الشيخ والولي الأشهر محمد بن عنان بمسجد أولاد عنان (الفتح) بميدان رمسيس بالقاهرة (ووقف السادة العنانية المسجل بوزارة الأوقاف المصرية فى ذريته والتى كانت تتناوب على تولى مشيخة السجادة العنانية العمرية حتى يومنا هذا).

وفي ولاية الغربية ذكرت قرية (العدوية) الواقعة في جزيرة بني نصر بدلا من اسمها القديم العداوي والتي كانت مصدرا هاما لهجرات القبيلة في وسط الدلتا في عصور الفاطميين والمماليك بسبب الاضطرابات السياسية أثناء الشدة المستنصرية ثم أثناء الصراع العربي المملوكي وكذلك بسبب جغرافية المنطقة التي كانت دائمة التأثر بالفيضان ، ومن أشهر هجراتها العائلات التي خرجت منها وسكنت القرشية وطنطا والمحلة الكبرى والنحارية وكذلك ولاية البحيرة والمنوفية ثم في النهاية رحل منها سكانها بعد أن غرقت بالكامل مع جارتها قرية الزبيرية في فيضان القرن الحادي عشر الهجري كما ذكر محمد رمزي في القاموس الجغرافي للبلاد المصرية حيث أنشأت على أنقاضها بعد ذلك قريتا منشية الكردي وقصر نصر الدين ، وفي ولاية البحيرة نزحت عشائر بني عدي من منازلها القديمة في تلبانة عدي وخربتا ومحلة حفص إلى المناطق الداخلية بسبب ازدياد وتيرة هجرة القبائل المغربية فتوزعت على مدن الولاية وأشهرها في مدينة شبراخيت ودمنهور وصارت تلبانة تعرف باسم تلبانة البحرية ، وبالقرب من القاهرة تم ذكر قرية (العدوية) الواقعة بين الفسطاط وحلوان بنفس اسمها القديم المذكور في سجلات المماليك وظلت تحمل نفس الاسم طوال العصر العثماني حتى زحف إليها العمران وصارت بعد ذلك جزءا من منطقة المعادي المعروفة في القاهرة والتي استمدت اسمها من اسم بني عدي والذي عرف أيضا عند العامة بالمعداوي الذي يعبر بهم النيل.

وفي الصعيد يظهر لأول مرة اسم (بني عدي) في المنطقة الواقعة غرب النيل في ولاية الأطفيحية بالقرب من قرية أشمنت (محافظة بني سويف حاليا) وترجع لجماعات من بني عدي هاجرت من البهنسا في أواخر عصر المماليك وكان لهم دور كبير في الثورة الكبرى ضد الأمير يشبك الداوادار عام 874 هـ (وقد ذكرت أول مرة في كتاب وقف السلطان الغوري باعتبار منازل بني عدي في الحد البحري لأرض قرية الزيتون) ، وقد ظن بعض المؤرخين أن هذه القرية تتبع فرع بني عدي من قبيلة لخم وذلك لوجود عدد كبير من قبائل لخم في المنطقة مثل بني حدير وغيرها لكن الفرع اللخمي كان قد انقسم قبلها في عصر المماليك إلى قسمين هما بني موسى وبني محارب ولهم منازلهم المعروفة في المنطقة ولم يعد ينسب لهم باعتبارهم بني عدي بينما هذه القرية كانت نتاج هجرة متأخرة سمح بها الغوري في عام 911 هـ ثم تحولت إلى استقرار دائم في عصر العثمانيين ، وفي مناطق البهنسا والفيوم عرفت منازل بني عدي باسم (العدوة) وهو تحريف شائع لكلمة العدوية حيث كانت تذكر القرى بكلا الاسمين على التبادل في الكتب والإحصاءات القديمة والحديثة ومن هذه القرى العدوة الواقعة بجوار مغاغة في ولاية البهنساوية (العدوة مركز المنيا حاليا) وهي مذكورة في كتاب الانتصار لواسطة عقد الأمصار لابن دقماق وكذلك قرية العدوة في ولاية الفيومية (مركز الفيوم حاليا) والتي كانت تعرف باسم عدوية سيلة لقربها من ناحية سيلة وقد وردت في تاريخ الفيوم وبلاده.

وفي جنوب الصعيد انتشرت فروع قبيلة الإمارة العمرية العدوية في مناطق أسوان والأقصر وقنا حيث كان لقب الأمير يعدل لقب شيخ القبيلة لكنه اختص في العهد العثماني بالأشراف القرشيين على اختلاف قبائلهم ثم تسمت به أيضا شيوخ قبائل هوارة من أصحاب النفوذ .. ومن سلالة بني عدي بن كعب في الجنوب المصري عائله العنانيون وآل دنقل وأمراء القلعه وقفط والطاراوي والغيثه (الغيته) والرزيقات والإماره أو (الأمراء) وتلك من الاسماء المتعارف عليها في بعض الأقاليم وهم جميعا من أحفاد عبد الله بن عمر حيث تنسبهم بعض الوثائق إلى الأمير خلف بن نصر ويرى البعض الآخر أنهم يرجعون إلى زمن إمارة أبي عبد الرحمن العمري حيث توجد شواهد قبور لرجال ونساء من بني عدي في تلك الفترة الزمنية ، وبسبب اشتراك عدد من القبائل في لقب الإمارة أضيف لهم كلمة العمريين للتمييز حيث يندرجون تحت مسمي (الأمراء العمريون) ومنهم الأمير مبارك العمري الكبير الذي كان زعيما لعدد كبير من قبائل الصعيد في العصر العثماني .. وقد جاء في موقع النسابون العرب حصر لهم كالتالي : ” قبيلة الإمارة العمرية لها أكثر من سبعة قرون موجودة بالصعيد وإليكم بعض الأماكن ونبدأها من مدينة أسوان مملكة الجنوب فهناك في غرب النيل بقرية الكوبانية نجع الحجر نزل الأمير عجيب العمري وانتشرت ذريته بعموم مدينة أسوان وسمي نجع العجيباب بأسوان علي إسمه وهو ملاصق لنجع الخلاصاب بأبو الريش وله ذرية بها ..

ثم نبحر شمالاً إلي الجزيرة المليكية بمركز إدفو فقد سميت علي اسم الأمير مليك العمري وهو أخو الأمير عجيب وهناك أيضاً قرية السراج  وسميت بهذا الاسم علي سرج فرس الأمير علي جد الإمارة العمرية بقرية أم شلباية ثم نبحر قليلاً لنجد قرية كاملة بالكلح شرق وهي قرية الكيال وسميت أيضاً هذه القرية علي إسم أمير عمري  ثم نعبر النيل الي الكلح غرباً الي كوم الأمير الغنية عن التعريف فهي أيضاً سميت بذلك لوجود تجمع كبير للإمارة العمرية بها .. ثم نبحر قليلاً إلي شرق مدينة إسنا بمحافظة الأقصر حيث قرية الحلة ويوجد بها حوض الإمارة ودرب الإمارة وعائلة الإمارة العمرية بقرية الحلة ومازالوا يحتفظون بلقب الإمارة وأيضا بلقب الأمير في جميع شهادات الميلاد مقارنة بعائلات كثيرة سميت نفسها بأسماء والقاب مختلفة ثم نتوجه علي مقربة من قرية الحلة وهي قرية الدير ويوجد بها عدد كبير من الإمارة العمرية وكان لهم دور كبير في جميع المجالات ويوجد بقرية الدير حوض الأمير وأيضاً قصر محمود طه الوكيل ثم نبحر قليلاً إلي قرية السليمية بجوار كوبري الطود بالأقصر فقد سميت علي اسم الأمير سليم العمري ثم نتوجه شمالاً إلي حوض الإمارة البحري معقل الإمارة العمرية بقلعة قفط وسمي هذا الحوض بهذا الإسم لتمييزه عن حوض الإمارة بالحلة وأيضاً هناك حوض الأمير يونس نسبة الي الأمير يونس ثم نتوجه الي قوص وبها حوض إبراهيم باشا من آل الشيخ مبارك العمرى  وفي الخرانقة وقف أحمد خليل الحجازي العمري أيضاً من آل الشيخ مبارك العمرى “.

وفي الصعيد الأوسط تبدأ في الظهور عدة قرى لم تكن مذكورة من قبل في إحصاءات المماليك أو ما قبلها وكلها تحمل أسماء مرتبطة بقبيلة بني عدي وهي قرى (بني عدي بالقرب من منفلوط وبني رزاح بالقرب من أبنوب وعرب الجهمة بالقرب من القوصية وعواجة بالقرب من ديروط) وهو ما يعني أن الاستقرار النهائي للقبيلة في هذه المناطق تم في العهد العثماني ، ولم تذكر المراجع الأقدم أي ذكر لوجود قرية باسم بني عدي حيث كانت الكتب تذكر منفلوط وكفورها وليس من بينهم ما يشير إليها ولكن ذلك لا ينفي وجود القبيلة في المنطقة لأعمال الرعي والزراعة المؤقتة منذ أواخر عصر المماليك ثم اتخذ ذلك طابعا رسميا مع الحكم العثماني عندما تم تكليف الشيخ علم الدين العدوي شيخ بني عدي بإدارة نواحي منفلوط (وهي نواة قرية بني عديات الحالية) ، ويستثنى من ذلك عواجة التي ذكرت في بعض الإحصاءات القديمة بأسماء أخرى (مثل العواجي) مما يدل على أنها ربما كانت أول منزل تنزله القبيلة وهي قادمة من البهنسا في الشمال واسمها مشتق من أحد فرعي بني عدي وهو (بني عويج) بينما تدل قرية بني رزاح على الفرع الآخر وهو ما رجحه الدكتور أيمن زغروت في موقع النسابون العرب ردا على من يقول إنها منسوبة إلى رزاح من عذرة القضاعية لأنه نسب بعيد جدا لا توجد عليه أي دلائل ، وكانت بني رزاح ومعها أبنوب تابعة أول الأمر لزمام قرية الحمام (الخصوص) ثم انفصلت عنها في العهد العثماني بسبب طبيعتها العربية المختلفة عن جارتها القريبة أبنوب ذات الأغلبية القبطية وقسمت إلى بني رزاح البحرية وبني رزاح القبلية (حاليا صارت جزءا من أبنوب بسبب اتصال العمران).

وأحدث قرية من هذه القرى هي (عرب الجهمة) وهم ينتسبون إلى عدد من أحفاد أبي الجهم عامر بن حذيفة العدوي وهم محمد وعلي وأحمد أبناء مسعود بن أبي الجهم وذلك وفقا لما جاء في موقع النسابون العرب عن رواية الشيخ عبد العظيم محمود الجهمي أبرز مشايخ قبيلة الجهمة في ليبيا حيث يذكر أن هذا الفرع كان يسكن في مصر في القرن الرابع الهجري ثم دفعتهم الظروف السياسية لمغادرة البلاد باتجاه الغرب فيقول : ” .. إلى أن تصادم احد أبناء الجهمة مع جند كافور الإخشيدي في تلك الفترة فنزح بعض من هؤلاء الإخوة إلى صعيد مصر وآخرون منهم أيضا توجهوا إلى برقة الحمراء وثم إلى برقة البيضاء ومنهم من ملك الأرض وأصبح سيد النجع فيها وكانوا رجالا أشهر من نار على علم .. الأمر الذي دعا سيف النصر الأول إلى مصاهرة أحدهم فتزوج من إحدى بنات الجهمة وتدعى ريمه وقد أنجب منها سبعة أولاد تكونت منهم قبيلة أولاد سليمان نسبة إلى سيف النصر الأول الذي حملوا اسمه فيما بعد .. لقد كان هناك نجعان نجع أولاد سليمان ونجع الجهمة واللذان يقعان بناحية الوادي الحمر بسرت ” ، وبرقة البيضاء تعني منطقة سرت أما برقة الحمراء فهي منطقة أجدابيا وبنغازي والجبل الأخضر والتي كانت تابعة لمصر في العصور التاريخية لكنها بعيدة نسبيا عن السلطة المركزية حيث عاشت القبيلة هناك في تحالف مع أولاد سليمان (فرع من بني سليم) وكذلك مع القبائل الليبية المغاربية (فرع من المرابطين) حتى بدايات العصر العثماني.

وقد ذاع صيت القبيلة منذ عام 1622م في العهد العثماني الأول تحت حكم محمد إمام باشا حين زحفت من فزّان على منطقة سرت وكان يسيطر عليها (السوالم) الذين كان يقودهم أولاد الجبالي وذلك للاقتصاص منهم لما تكبّدوه على أيديهم من عسف وجور فقتلوا عبد القادر الجبالي أحد شيوخهم وعاثوا تخريبا في سرت بدافع الانتقام الشائع في ذلك الزمان وكان أن استعان آل الجبالي بالقوّات العثمانيّة التي ردّت الجهمة وقتلت الكثيرين منهم وتشتّت فلولهم مما أدّى بهم إلى النزوح الى مصر مع بقيّة القبائل التي خاضت حروبها آنذاك ، وكانت القبيلة قد أحست بأنها سوف تداهم بقوة عظيمة لا يمكن مقاومتها وأن الخطر بات محققا فما كان منها إلا أن استنجدت بأولاد سليمان وهي القبيلة المجاورة لها فهبت هذه القبيلة لمناصرة قبيلة الجهمي ودخلتا في معركة حامية الوطيس مع تلك القوى الهائلة وقد نتج عن ذلك سقوط أكثر من سبعمائة قتيل من القبيلتين وأفراد الجيش التركي وأما من بقى على قيد الحياة فقد رحلوا .. أما أولاد سليمان فقد توغلوا نحو الجنوب وحطوا رحالهم هناك وأما قبيلة الجهمى فقد اتجهت نحو الشرق عند طريق العبد حيث حطوا رحالهم وقد تمكنوا من اجتياز الخطر الذي كان ينتظرهم وبعد انتهاء معركة الجهمة (برقة سلوق) رحلت قبيلة الجهمة إلى مصر وبقى بعض منهم (أبناء عبد العزيز بن موسى العزاوي) ثم ورد ذكر الجهمة مرة أخرى عام 1767 في معركة بنغازي بين صفّ الغرب وصفّ الشرق والتي سُمّيت في الرواية الشعبيّة (عقل خريبيش)  أي المرتفع التي توجد به المقبرة الحالية.

ويرجع وجود فروع بني عدي في شمال أفريقيا إلى زمن أقدم حيث ذكر ابن خلدون تحركاتهم في زمن الموحدين والحفصيين والتي أدت إلى استقرار بعضهم في منازل جديدة وعودة البعض الآخر إلى مصر .. ومن هذه الفروع قبيلة بني عدي الهلالية (قالمة) قبيلة الرئيس هواري بومدين وهناك خلاف حول ما إذا كانت تنتسب إلى بني عدي القرشية ثم دخلت في بني هلال حلفا أو أنها من بني هلال منذ البداية .. وهي قبيلة عربية تسكن ولاية قالمة وهي تعتبر من القبائل الغارمة التي استقرت منذ القدم في التل وهم حسب مورثهم من العرب وتعود أصولهم إلى قبيلة بني عدي الهلالية وهي إحدى أجذام بني هلال المتناثرة والمتلاشية (ولذا يرجح أنهم كانوا حلفاء لهم) .. وذكر سعد زغلول في كتابه تاريخ المغرب العربي أن بني عدي كانت أول القبائل العربية التي اجتمعت العرب على حربها وخصوصا رياح فأجلتها العرب من إفريقية (تونس) لتخرج الى سهول بونة وما جاورها من القفر .. ويقول العلامة ابن خلدون في كتابه العبر : ” وشعوبهم لذلك العهد كما قلناه زغبة ورياح والأثبج وقرة وكلهم من هلال بن عامر وربما ذكر فيهم بنو عدي ولم نقف على أخبارهم وليس لهم لهذا العهد حيّ معروف فلعلهم دثروا وتلاشوا وافترقوا في القبائل ” .. ويرجح المؤلف أنه في عهد ابن خلدون تحولت قبائل عدي الى أوزاع بين القبائل العربية المستقرة التي تعسكر للجباية ومع أوامر السلطان وشيوخ رياح كما اشار العلامة ابن خلدون إلى مواطنهم بقوله : ” وزحف المنتصر بن خزرون مع بني عدي من قبائل هلال مجلبا على أعمال بني حماد حتى نزل المسيلة ونزل أشير” ..  ومواطن بني عدي هي شمال المسيلة والتل الموالي لها بعد ان كانت في تلول بونة كما اشار لذلك سعد زغلول في كتابه.

وأغلب الظن أن بني عدي في قالمة بالجزائر حاليا هم مهاجرون من مصر مع بني هلال وهم إما بقايا بني عدي المنحدرين نحو المسيلة أو مهاجرين مع بطون دريد من الحضنة الى التل من بلاد العناب .. وقد صنفهم الأرشيف الفرنسي كعرب ونص على أنهم يتكلمون عربية سليمة وكانوا حوالي خمس دواوير وينقسمون الى ثلاثة بطون ويحدهم غربا قبيلة كرفة من بني إبراهيم وأولاد صاري وجنوبا أولاود عيشة وشرقا أولاد حريد ويفرق بينهم وبين بني فوغال بطون من أعراش قرفة وكانت القبيلة تسكن الخيام وتمتهن الزراعة ورعي الماشية ولا نجعة لها نحو الجنوب كما تفعل العرب وذلك لقلة عددها وقليل منهم سكن الأكواخ على طريقة البربر .. حصرهم مؤرخو الاستعمار الفرنسي بحوالي 1070 نسمة الى 1100 نسمة وينتشرون فوق 4728 هكتار من أراضي القبيلة التي صودر أغلبها لصالح الاستعمار .. وفي 18 نوفمبر 1869 صدر مرسوم بتحديد أراضي القبيلة وتشكيلها في دوار واحد باسم بني عدي وهي تعرف بذلك الاسم الى اليوم وفي 1981 تم تغيير اسمها الى بلدية هواري بومدين ويعد الرئيس الراحل هواري بومدين ابن لهذه القبيلة من أبطن ولاد العباس .. أما بطونهم فهم ثلاث بطون وهم على ترتيب : (أولاد بوقديم : ولهم دوارين وعددهم 340 شخص .. أولاد هلال : وهم في دوار واحد وعددهم 316 شخص .. أولاد العباس : وهم دوار واحد وعددهم حوالي 362 شخص).