
ترددت كثيرا أن أكتب أي شيء في هذا الكتاب عن نفسي لكن وجدت من باب الأمانة العلمية أن أحيط القارىء بما يعينه على فهم توجهي العام والذي طغى بطبعه على الخط الأساسي للكتاب بل ربما كل ما كتبت في الماضي أو سأكتب في المستقبل إذ لازلت مؤمنا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل آراء الكاتب السياسية والاجتماعية عن تجربته الحياتية وما مر به من أحداث بل إن الترابط بينهما هو ما يعطي لهذه الأفكار حيويتها وتميزها ويضفي عليها قدرا كبيرا من المصداقية والتأثير ، الأهم من ذلك هو التداخل بين الأحداث الشخصية التي تمر على حياة الإنسان والأحداث العامة التي يشهدها في مسيرته خاصة إذا كان الكاتب من رواد العمل العام ومن الذين يحملون هموم أوطانهم ، لذلك فإن كل ما يصدر عني من كتابة لا بد أن يجمع بين التجربة والرأي وأن تحوي تداخلا بين تأريخ شخصي لسيرة ذاتية ورصد لأحداث جسام في تاريخ بلادي عاصرتها بل وشاركت في صنعها ، ويحسن بي أن أحيط القارىء علما بعالمي الذي أعيش فيه وكان له التأثير الأكبر على حياتي وكتاباتي وهو عالم مكون من أربع مسارات متمايزة عن بعضها غالبا ومتقاطعة أحيانا ، هذه المسارات هي :
ا ـ عالم الفكر الإسلامي : وهو البيئة الأولى التي نشأت فيها وشكلت أول وعي لدي بالحياة ، والدي أزهري يعمل أستاذا بجامعة الأزهر والدتي رحمها الله أزهرية من بيت أزهري حيث كان والدها شيخ المعهد الأحمدي في طنطا (المرحوم الشيخ محمد إبراهيم الحفناوي) ، دراستي الأولى في المدينة المنورة وفق منهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب في التوحيد والفقه ، تفتح عيني على مشهد الصلاة في الحرمين الشريفين ، حضور الموالد في مصر وأنا طفل صغير ومشاهدة مواكب الصوفية خاصة في مسجد السيد البدوي ، انتمائي بعد ذلك للحركة الاسلامية بأنواعها المختلفة فترة زمنية من حياتي ، الحياة الشخصية المتحفظة في فترة المراهقة ، العمل الدعوي بأنواعه مثل الخطابة في المساجد وإلقاء الدروس الدينية وحضور ندوات كبار العلماء وتنظيم دورات حفظ القرآن للأطفال والناشئة ، الجلوس إلى علماء الدين كبارا وصغارا بصحبة الوالد ، أما أعظم الآثار في نفسي فقد كان سببها مكتبة والدي العظيمة التي حوت كل ما تشتهيه النفس ولا يتخيله العقل من كتب التراث الإسلامي وعلومه المتنوعة من أول التفسير وعلوم القرآن إلى التاريخ الاسلامي والسيرة مرورا بالفقه وفروعه والحديث ومصطلحه والفلسفة الاسلامية بمذاهبها والتصوف بأقسامه واللغة العربية بنحوها وصرفها والأدب العربي بشعره ونثره والدعوة الاسلامية بمؤلفاتها التنظيرية والحركية ، جغرافية العالم الاسلامي وسكانه ، آلاف الكتب التي تزداد يوما بعد يوم ويزداد معها نهمي لعلوم الاسلام التي لم أشبع منها حتى الآن.

ب ـ عالم الأدب والثقافة : أحببت القراءة في سن مبكرة لاسيما الرواية من أول الروايات البوليسية والمغامرات والألغاز وميكي جيب وحتى روائع الأدب العالمي ومؤلفات كبار الكتاب المصرين والعرب بل إنني حتى الآن أسعى إلى قراءة أي رواية تصدر بالمكتبات حتى لو كان مؤلفها هاويا او كاتبا مجهولا ، كتب الثقافة العامة مثل دائرة المعارف الثقافية وكتب المعلومات العامة والمسابقات الثقافية المختلفة ، متابعة الدراما التليفزيونية والسينما الكلاسيكية سنوات طويلة ، الولع الشديد بعلوم الآثار والتاريخ الفرعوني وتعلم قراءة الهيروغليفية والعبرية واللاتينية ، رحلات منتظمة إلى الأماكن الأثرية ، مسابقات الشطرنج والهوس بالكتب التي تشرح هذه اللعبة التي استحوذت على اهتمامي زمنا طويلا ، نشاط ينبض بالحياة في قصور الثقافة ، عضوية اللجنة الثقافية في الثانوي والجامعة ، مصاحبة أدباء الأقاليم ، كتابة الرواية ونشر بعض المقالات في جرائد محلية ، القراءة اليومية لخمس أو ست جرائد على مدى سنوات طويلة ، مكتبة الأسرة بكل إصداراتها وتراجمها ، المؤلفات الكبرى للمفكرين المصرين على اختلافهم ، تاريخ الحضارات القديمة والفلسفة من أول ما نشأت وحتى يومنا هذا ، المساهمة في إنشاء الجمعيات المهتمة بنشر الثقافة والوعي والتردد على المنتديات الأدبية والثقافية في القاهرة والاسكندرية.
جـ ـ عالم الطب والعلم : رغم تفوقي في الرياضيات واللغة العربية والتاريخ إلا أن شغفي الأكبر في سنوات الدراسة الإعدادية والثانوية كانت المواد العلمية لاسيما الكيمياء حيث كانت الوحيدة التي يمكن تجربتها عمليا فكان لدي معمل كيميائي متكامل في غرفة فوق السطوح أقضي فيه وقتي في تجارب شيقة ، وفي كلية الطب كانت المواد التي أحبتها هي تلك المرتبطة بفكرة معمل التجارب بصورة أو بأخرى مثل الفسيولوجي (علم وظائف الأعضاء) والكيمياء الحيوية والفارماكولوجي (علم الأدوية) والميكروبيولوجي والطفيليات ، ورغم أني عملت بعد التخرج فترة في أقسام الطوارئ أثناء التكليف وكذلك في السنوات الثلاث التي قضيتها في القوات المسلحة إلا أني في النهاية عملت في مجال التحاليل الطبية حيث أصبح الميكروسكوب صديقي الوفي الذي يجعلني أرى الأشياء الدقيقة والصغيرة واضحة وكبيرة ، إلى جانب أن العمل في الطب عموما يلقي في القلب رحمة وشفقة بالناس وذلك من كثرة معايشة المرضى وتأمل المرض لكنه يجمد العاطفة الإنسانية تجاه الحياة والموت فيتعامل الطبيب مع الإنسان باعتباره (حالة) ، كما أن الأطباء عموما بمرور الوقت يصبح لهم عالمهم الخاص ولغتهم الخاصة ونظام حياتهم ودراستهم المستمرة وحبهم الشديد للمال بالإضافة إلى ميزة هامة وهي ارتباطهم بالعلم طيلة حياتهم ، إنها في النهاية مهنتي التي أتعيش منها وأكثرها بالطبع تأثيرا على أسرتي وحياتي كلها شئت أم أبيت.
د ـ عالم الواقع والسياسة : وهو عالم الحياة الواقعية الذي يضم أسرتي وعائلتي ومدينتي ووطني ، مفرداته تبدأ من أول المرتب ومصروف البيت وانتهاء بالأحوال الاقتصادية والسياسية ، العلاوة السنوية والتأمينات والمعاشات ، ركوب الميكروباص يوميا ، فواتير الماء والكهرباء ، زملاء الدراسة والعمل ، الجيران والأقارب في المدينة والأرياف ، نشرة الأخبار ، انتخابات مجلس الشعب والمجالس المحلية ، مظاهرات ومؤتمرات ، النقابة وأعمالها ، الحراك السياسي قبل ثورة يناير ، متابعة جريدة الدستور ، أيام لا تنسى أثناء ثورة يناير ، تجربة المشاركة في العمل الحزبي والحملات الرئاسية ، حضور الفعاليات السياسية والاجتماعية والثقافية المتنوعة ، التواصل مع النخبة السياسية والإعلامية في القاهرة وكذلك معايشة رجال السياسة المحليين في محافظة الغربية ، مبادرة دعم التنمية المجتمعية بالتعاون مع المحافظ ، التواصل المستمر مع شباب الثورة ، معايشة مشكلات مصر ودراستها جيدا ، الأحداث الساخنة بعد الثورة ، مشاهدة مأساة وطن وجهل شعب.
هذه هي المجالات والأفكار التي حددت مسار حياتي ورسمت خطوطها الأساسية وهي التي رافقتني طيلة هذه الرحلة الطويلة من الطفولة إلى أن بلغ المرء أشده وجاوز أربعين سنة واقترب من ساعة الحمى فحق له أن يقول : ” رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين ” ..

وقد استشعرت هذا الإحساس في رحلة لا تنساها الذاكرة ذلك أنه في شهر فبراير عام 2016 وفي الأسبوع الذي يحل فيه عيد ميلادي الثاني والأربعين قررت اصطحاب زوجتي وأولادي لأداء العمرة وانطلقت بالسيارة قاطعا مسافة هائلة تزيد على ألف كيلومتر ، سرنا وسط الجبال والصحراء وظلام الليل والبرد القارس في نفس الأجواء التي سار فيها موسى بأهله حتى آنس من جانب الطور نارا ، وقد منيت نفسي أن أرى في نهاية رحلتي تلك قبسا من النور أو أجد على الطريق هدى .. كانت ذكريات حياتي كلها تتتابع أمام مخيلتي بكل تفاصيلها وأحداثها وكنت أسأل نفسي هل من نتيجة سوف أحصل عليها في النهاية .. وعندما هلت أنوار العاصمة المقدسة شعرت برجفة عارمة وقشعريرة غامرة وقد أشرقت علي شمس المعرفة وسمعت نداء الحقيقة .. إن ما أبحث عنه ليس في نهاية الرحلة ، الكنز الحقيقي هو في الرحلة نفسها .. في مسار الحياة الماضية وعبرها ، في التجارب الإنسانية ودروسها .. كانت الطرق في مكة تتوزع يمينا ويسارا ما بين الحجون وأجياد والمسفلة والعزيزية وطريق واضح فقط يتجه إلى الأمام يحمل لافتة وحيدة كبيرة تحمل عبارة من كلمتين .. (المسجد الحرام) ، خطرت على ذهني عندها الآية ” وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ” ، وصلت إلى ساحة الحرم وصوت أذان الفجر يصدح عاليا ، سالت دموعي رغبة ورهبة وتوجهت بالشكر للعلي القدير الذي دعاني إلى بيته ولولا دعوته ما قدر لي الوجود في تلك الساعة بتلك الساحة ، وانطلق لساني بصوت مرتعش .. ” لبيك اللهم لبيك ” ..
لم تكن العاطفة الإيمانية وحدها هي المسيطرة على وجداني وإنما الأهم من ذلك أن هذه الأجواء قد أعادتني إلى ذكريات جميلة بعيدة جدا ، فقد كنت ولازلت أعتبر البقاع المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وطني الأول الذي يهفو إليه قلبي وتسعد به نفسي ، وليس ذلك نابعا فقط من مكانتهما الدينية الرفيعة عند كل مسلم وإنما لأن هذه الأرض المباركة هي التي تفتحت عيني على الدنيا فيها وشهدت طفولتي الأولى وأجمل ذكريات عمري كله ، وحتى الآن لاتزال تنطبع في ذاكرتي مشاهد الطواف بالبيت وخيام الحج وملابس الإحرام وهتاف التلبية ومنارات الحرم وجبال مكة وصوت الأذان ، وكم من ساعات طوال قضيتها ساكنا أمام نافذة البيت التي كانت تطل على جبل أحد حيث أظل متطلعا في تأمل لذلك الطود العظيم الذي يشخص أمام ناظري في شموخ يتحدى الزمن ومهابة تهز الوجدان حتى لكأن هذا الجبل الذي ” يحبنا ونحبه ” يسمع مناجاتي ويرد علي خواطري ، وقد كانت الحياة في مدينة رسول الله (ص) أحد العوامل الهامة التي جعلتني أهتم بدراسة السيرة النبوية وقراءتها من مصادرها المتعددة وأنا لازلت بعد في المرحلة الابتدائية ، ولم تكن قاصرة على المنحى النظري وإنما دعمت أيما تدعيم بتلك الشروح العظيمة للوالد الذي كان تخصصه آنذالك تدريس السيرة النبوية لطلبة الدراسات العليا وكان يتبع مع طلابه أسلوبا فريدا حيث يصحبهم لمواقع الأحداث مثل ساحة أحد وموضع الخندق ومسجد القبلتين وثنية الوداع وغيرها ..

وكثيرا ما كنت أصحبه وأنصت في تمعن شديد حتى ليخيل إلي أحيانا أن حاجز الزمن قد تلاشى وكأنني أرى المدينة في العصر النبوي رأي العين بشخوصها ومعالمها وأحداثها بل وبنفس اللغة التي كانوا يتكلمون بها وذات العبارات التي كانوا يتبادلونها في أحاديثهم اليومية وحياتهم المعيشية بل إنني لا أتجاوز الحقيقة عندما أقول إنني بعد القراءات الغزيرة في السيرة النبوية واللغة العربية والتاريخ القديم وتفسير القرآن قد امتلكت خلفية لابأس بها تمكنني من الفهم والاستيعاب لكل ما دار من أحداث كأنني أعيش في تلك الحقبة الزمنية بكل تفصيلاتها وملابساتها ، وفي فترة مبكرة من حياتي كتبت أبحاثا صغيرة في السيرة النبوية متأثرا بالطريقة التقليدية في سرد الوقائع التاريخية وكلما مرت علي الأعوام تزداد الرغبة لدي في فهم آيات القرآن كما فهمها الصحابة الأوائل عندما تتابع الوحي ليبني إيمانهم ويرسم شخصياتهم التي حركت التاريخ وصنعت الأحداث فكان همي الأول هو فقه السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي من منظور جديد يختلف عما اعتاده القراء حيث لا يهمني مسار الأحداث وإنما يعنيني في المقام الأول تتابع الأفكار والمشاعر التي غرستها آيات القرآن في عقول وقلوب المؤمنين ، وقد تجمعت لدي من المصادر والمؤلفات والمراجع ما يعيني بقوة على هذا الأمر ، وإذ عزمت على البدء في الكتابة قررت أن أشد رحالي إلى بيت الله الحرام لأستشعر الفيوضات الروحية في منازل الوحي وكان ذلك في منتصف عام 2016 حيث جلست متأملا في ساحة البيت العتيق بعد صلاة الجمعة أفكر في الأمر مليا ..
والحقيقة أنني في كل مرة أذهب فيها إلى مكة لأداء المناسك كنت أقضي وقتا طويلا في تأمل تلك الجبال الضخمة التي تحيط بالعاصمة المقدسة وكنت أشعر بقدر كبير من الخشوع والإجلال لهذا المشهد الذي بقي على حاله منذ قرون وكنت أقول في نفسي لابد أن هذا المشهد هو الذي ألهم النبي (ص) بالتحنث في الغار والبحث عن الحقيقة في ثنايا هذه الجبال التي تشع الرهبة من جنباتها ، وما بين الجبال والوديان حدثت المعجزة الكبرى وهي انبثاق نور الوحي الإلهي وذلك في غار حراء الموجود في جبل النور ثم الإعلان عن الدعوة من فوق جبل الصفا ، وهنا تنبهت إلى حقيقة هامة وهي أن القرآن الكريم يمكن أن يكون المرجع الأول لدراسة سيرة المصطفى (ص) وفق المراد الذي أرجوه والسبيل الذي آمله فكلاهما (القرآن والسيرة) هما وجهان لعملة واحدة وروايتين لقصة واحدة دارت وقائعها في هذه البقاع الطاهرة ، وهكذا اختمرت في عقلي ووجداني فكرة دراسة سور القرآن الكريم وفق ترتيب النزول حيث كانت الآيات شاهدة على الأحداث متداخلة مع الوقائع وعندما نجمع بين الآيات المنزلة وموضوعها وأحداث السيرة وتوقيتها فإننا على الفور نرى أمامنا ثمرة الوحي الإلهي المتمثلة في تلك الوصايا القرآنية التي جاءت في الكتاب تترى وكل منها مرتبط بموقف من مواقف السيرة .. ومرت شهور وأنا أستعد للكتابة نفسيا وعقليا حيث كنت ولا زلت من أنصار مذهب الرأي الذي يقدم العقل على النقل والتأويل على الأثر ولا يقتنع بخوارق العادات أو يلتفت لغوامض الإشارات لكن أحيانا تحدث في حياة المرء أشياء لا يملك تفسيرا لها ..

من ذلك هذه الرؤيا المنامية التي رأيتها عشية أحد الأيام في الأراضي المقدسة حيث وجدت نفسي جالسا على الأرض أكتب على رقعة من الجلد وأمامي شيخ مهيب الطلعة يقول بصوت واثق : ” اكتب أول سورة نزلت من القرآن ” فبدأت أكتب كلمة (اقرأ) فقال : ” لا .. هذه أول كلمة .. اكتب أول سورة .. سبح اسم ربك الأعلى ” ، فهممت بالاعتراض إلا أنه أشار إلى ركن الغرفة حيث لم أنتبه لذلك الرجل الذي يجلس على طرف الفراش وزوجته تدثره بالثياب من هول الموقف العظيم .. تطلعت إلى وجهه الوضاء مليا كأني أنظر إلى البدر ليلة التمام .. إنه هو بالفعل .. هو الذي قال : ” من رآني في المنام فقد رآني حقا ” .. مرت لحظات وأنا متسمر في مكاني لا أصدق عيني ثم استيقظت من نومي وجسدي كله يرتجف والعرق يغمر جبيني والدموع تملأ عيني وصوت يدوي في أذني قائلا : ” ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم .. ومن عنده علم الكتاب ” .. استعدت تلك الرؤيا وأنا غير مصدق لما رأيته فكتمت هذا الأمر وأنا أحاول تدبر مغزاه حتى استقر في وجداني أنه توجيه علوي بالكتابة في أمر يمس آي الذكر الحكيم ، وأثناء ذلك حل علي الموسم العظيم لأجد نفسي ألتمس العون والمدد في هذا الأمر الجلل من فوق جبل عرفات أؤدي ركن الحج الأعظم إذ لجأت إلى الملك العلام رفعا يدي إلى السماء داعيا وراجيا أن يرزقني فتحا من عنده وتوفيقا من لدنه وأن يؤيدني بروح القدس في أفكاري وكلماتي وأن يجري الحق على لساني ويدي ، فلما رجعت مغفور الذنب مجبور الخاطر من علي الله بالانتهاء من كتابة كتاب (نداء الإيمان مقالات في بلاغة الذكر الحكيم) ثم أتبعته بمسودات كتاب (السياسة النبوية) والذي كتبت مقدمته في ساحة مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وذلك ابتغاء مرضات الله وسعيا إلى الأنس بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

وعلى مدار سنوات كتبت خلاصة آرائي في الفكر والسياسة والثقافة متضمنة ستة كتب ، أولها كتاب (بداية التاريخ ونهاية الفلسفة) حيث تناولت فيه رؤيتي في قراءة التاريخ متتبعا نشأة الحضارة الإنسانية وانتشار السلالات البشرية ودور الأديان في صياغة الفكر خاصة في مصر القديمة التي كان لها السبق في إقرار التوحيد والبعث بعد الموت ، والكتاب الثاني هو (مقاصد الإسلاميين) الذي يعد دراسة مبسطة لتطور الفكر الإسلامي ونشأة المذاهب الاعتقادية والفقهية وانعكاس ذلك على واقعنا المعاصر ممثلا في التيارات الإسلامية المتعددة مع تبني فكرة الإسلام الحضاري وتجديد الخطاب الديني من خلال مبادىء العقلانية والوسطية الإسلامية ، والكتاب الثالث هو (هوية مصر الحضارية) الذي يتناول كتابات عدد من المؤرخين والمفكرين متتبعا فيه اندماج الثقافات المتنوعة التي تعاقبت على وادي النيل عبر تاريخه الطويل وتفاعل ذلك مع الحضارة الغربية الحديثة مكرسا فيه لفكرة القومية المصرية التي تستوعب في داخلها كل هذه المكونات.

والكتاب الرابع هو (الطريق إلى أرض الكنانة) وهو رصد لمشكلات مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية مع طرح حلول متعددة من أهمها ضرورة خلق تيار فكري وسياسي يكون قادرا على تشخيص الحالة المصرية وإدراك مكانة مصر السياسية ودورها الواجب عليها تجاه القضايا التي تمس الأمن القومي العربي ، أما الكتاب الخامس فهو (الطليعة المصرية .. مبادرة دعم التنمية المجتمعية) وهو بحث تفصيلي يتناول دور الإدارة المحلية في دعم التنمية وريادة الأعمال مع وضع مجموعة من الأفكار التي يمكن بها تطوير الحكم المحلي بصورة تدعم التنمية الاقتصادية والبشرية في الأقاليم المصرية عن طريق إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية المختلفة وصناعة ثقافة قومية جديدة ، أما الكتاب الأخير فهو (القومية المصرية .. هوية وطنية جامعة) والذي تناول مسألة القومية المصرية بشكل أكثر تفصيلا من ذي قبل محاولا استكشاف ملامحها وتحديد معالمها وذلك لأنها تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية حيث تتضافر هذه العوامل جميعا لصياغة شخصية مصر وطبيعة المصريين والمتأثرة حتما بتراكمات تاريخية وموقع جغرافي يحدد علاقتها بمن حولها ويرسم بالقطع الطريق إلى المستقبل وذلك في إطار الإيمان بالتعددية الثقافية والسياسية والتسليم بحتمية التسامح التعايش المشترك.