
طبائع الاستبداد
من المغالطات الكبرى في التاريخ المعاصر مسألة حكم العثمانيين للوطن العربي مدة 400 عام .. والحقيقة أن العثمانيين احتلوا فقط أربعة أقاليم هي مصر والحجاز والشام وشمال العراق (وهي نفس حدود السلطنة المملوكية المهزومة) بينما نجت بقية الأقاليم تباعا كما يلي :
عمان والمغرب : كانت كل منهما دولة امبراطورية كبرى ذات سيادة واستقلالية لمدة 400 عام وأجبرت العثمانيين على التعامل معهم بندية وحافظوا على استقلالهم حتى زمن الحرب العالمية الأولى.
شمال أفريقيا : ثارت كل من تونس وليبيا على الحكم العثماني مبكرا من خلال ثورة الدايات عام 1591 وثورة القرامانللي عام 1711 واكتفى العثمانيون بالسيادة الاسمية ونجت تونس وليبيا من غزوات الأوروبيين بينما كانت الجزائر خاضعة للحكم المباشر للعثمانيين فتعرضت بسهولة للغزو الفرنسي مبكرا عام 1830 م.
السودان والقرن الأفريقي : لم يتمكن العثمانيون من النزول في المنطقة واكتفوا بوجود نائب عنهم من أبناء المنطقة في الساحل ولم يدخل العثمانيون السودان إلا من خلال محمد علي باشا والي مصر في وقت متأخر.
الجزيرة العربية : تم طرد العثمانيين في وقت مبكر حيث طردوا من البصرة في عام 1596 ومن اليمن عام 1627 ومن ساحل الخليج بالكامل عام 1669 ومن نجد عام 1744 ولذا تمتعت كل هذه الأقاليم بالاستقلال الكامل حتى الحرب العالمية الأولى ما عدا ميناء عدن في الجنوب.
وعندما نتحدث عن الحكم العثماني يثار اللغط وترتفع حدة النقاش ما بين كاره للنفوذ العثماني واعتباره احتلالا أجنبيا وبين من يرحبون بتبعية مصر للعثمانيين باعتبارها دولة الخلافة .. وحتى نفض هذا الاشتباك فسوف نضع إطارا عاما نقيس عليه الأحداث ونخلص بواسطته إلى النتيجة حيث الأمر متعلق بمجموعة من العوامل : أولها البعد الديني والأخلاق والمبادىء يليها العصمة عن الدماء يليها العمران البشري يليها إقامة العدل بين الناس ..
يمكننا عمل جدول مقارنة بين كل الدول التي مرت على مصر والوطن العربي ونتابع هذه العناصر في كل هذه الدول .. مع ملاحظة أن الجميع أجانب لكن ليسوا سواء على مستوى الإنجاز .. وقد اجتهدت في قراءة تاريخ مصر في العهد العثماني وربما لم أطلع على كافة المراجع وإذا وجدت أي إنجازات للعثمانيين في مصر في أي مجال ولو صغير فسوف أضعه في موضع التقدير والاجلال .. والحقيقة أن مقارنة العثمانيين بأي دولة أخرى سوف توضح لنا هذا البون الشاسع ..
والحقيقة أن رأيي في العثمانيين لم يتغير منذ كانت تركيا تحت حكم العلمانيين .. وقناعتي الشخصية أنه ليس هناك علاقة بين العثمانيين وتركيا الحديثة لا من قريب ولا من بعيد .. تركيا دولة واعدة تحت حكم أردوغان وبدأت تستعيد وضعها الطبيعي في الشرق بدلا من محاولاتها للحاق بالغرب .. ويحكمها سياسيون من طراز فريد لا يوجد لدينا مثلهم للأسف .. وحزب العدالة والتنمية هو نتاج اجتهاد فكري مجدد خرج عن الاطار التقليدي لأربكان ..
أتفهم تماما جميع الأحداث الحالية والدوافع من ورئها خاصة ما يحدث على صعيد الدراما لكن أيضا لا أفهم سر الدفاع المستميت عن الدولة العثمانية لمجرد المكايدة وكأن العثمانيين من فرائض الاسلام رغم أنهم في عرف كثير من المذاهب مغتصبين للخلافة التي جاء النص على أنها في قريش (الأئمة في قريش) ..
وبدلا من استحضار نماذج من الماضي يجب علينا أن نصنع لأنفسنا نموذجا من الحاضر مثلما فعل أردوغان عندما اجتهد وخرج عن النمط التقليدي وتحالف مع الأحزاب القومية التركية حتى يومنا هذا عندما وجد أن الروح القومية هي التيار السائد الذي لا يمكن الغفلة عنه ولا مقاومته وفعلا استفاد منهم كثيرا وصار الحزب الأول طوال السنين الماضية ..
والعمران هو أساس الحياة .. ولولاها ما تقبلت البلاد الفتوحات الإسلامية من قبل فهي أهم داعم لاستقرار الدين في القلوب لأن الدين أساسا جاء لإصلاح أحوال الناس الروحية والمادية معا وليس الروحية فقط فمن أهمل شئون الناس واهتم بشئون الدين فقد أضاع الدنيا والدين معا .. وللأسف فإن الحقبة العثمانية في مصر لا يوجد فيها أي شيء يمكن الدفاع به عن العثمانيين (مع الاقرار بإنجازات العثمانيين في فتح أوروبا) حيث لا يوجد للعثمانيين منجز عمراني ملموس في البلاد العربية ..
ولذا فإن المصريون رحبوا باليونانيين بينما قاوموا الفرس والرومان بعنف لأن اليونانيين أضافوا للبلاد قدرا كبير من العمران والعلوم والفنون بالإضافة إلى ازدهار اقتصادي وبنوا الإسكندرية بينما الفرس والروم نهبوا ثروة البلاد وليس لهم أي إسهام في العمران .. المصريون رحبوا بالعرب الفاتحين لأنهم بنوا الفسطاط والعسكر والقطائع والجيزة والمحلة والبهنسا مئات المدن والقرى وحدث ازدهار للبلاد في عهدهم بينما قاوموا عودة الرومان لأنهم يحملون الخراب والدمار في كل مكان ..
المصريون رحبوا بالفاطميين الشيعة لأنهم بنوا القاهرة وأقاموا العمران في كل مكان بينما قاوموا تيمورلنك السني بالقوة المسلحة لأنه يحمل الخراب والدمار .. المصريون رحبوا بجيوش نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي لأنه بنى قلعة الجبل لحمايتهم ودافع عن أرزاقهم وبنى المدارس والمستشفيات وأحسن إدارة الاقتصاد بينما قاوموا العثمانيين بكل قوة عند قدومهم ثم في أكثر من سبع ثورات طوال ثلاثة قرون بسبب إهمال العثمانيين لأي نوع من العمران ..
والدليل على ذلك أن التاريخ لا يذكر في الفترة العثمانية بناء مدينة جديدة أو مسجد جامع أو حتى إنجاز كتاب مشهور أو ظهور شاعر أو كاتب أو أديب أو حفر ترعة فكان مثلهم تماما مثل الرومان .. ومقارنة العثمانيين بالفاطميين ظالمة كأننا نقارن السماء بالأرض رغم الخلاف المذهبي .. أسرة محمد علي بنت عددا كبيرا من المدن ولها إنجازات لا يمكن إغفالها فهل لدى العثمانيين على الأقل ما يشبه ما فعله محمد علي وأسرته .. يمكننا الرجوع لتاريخ الجبرتي الذي كان شاهد عيان على أواخر العصر العثماني لندرك مأساوية المشهد آنذاك ..
وأرى من واجبنا التركيز على مركزية مصر في الحضارة الإسلامية والتأكيد على عروبة المصريين وأننا مركز الثقل في الوطن العربي والتأكيد على دور الأزهر التاريخي في نشر الإسلام في العالم وريادة مصر للحركة الاسلامية طوال تاريخها ودور البلاد العسكري في العصر الحديث .. أنا من أنصار صناعة منهج متكامل يحافظ على الهوية الأصيلة لمصر ومكانتها في الدفاع عن الأمة قديما وحديثا لكن دون اضطرار للمرافعة عن قضية العثمانيين الخاسرة ..
وقد كان الشيوخ ورجال الأزهر على وعي بأهمية العمران واحتياجات الناس قبل الانتماءات الدينية فكانوا هم زعماء الثورات في العصر الحديث ضد الظلم والفساد والاستعمار (في عهد الحكم العثماني وغيره من المحتلين) .. وهذه هي حقائق التاريخ التي لا يريد البعض الاعتراف بها ويدلس على الناس بوصف الشيوخ بصفات الخنوع والنفاق لأن فئة قليلة منهم ركنت إلى السلطان لكنها مثل بقعة صغيرة في ثوب ناصع البياض إذ حفل تاريخ الثورات العربية بذكر عدد كبير من الزعامات .. على سبيل المثال :
في مصر السيد عمر مكرم نقيب الأشراف والشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الأزهر والشيخ محمد الأمير مفتي الديار المصرية والشيخ محمد أبو الأنوار السادات شيخ السجادة الوفائية وشيخ الإسلام أبو البركات أحمد الدردير العدوي وأدوراهم معروفة ومشهودة في ثورة 1795 وما قبلها ضد بكوات المماليك وضد الحملة الفرنسية وفي أحداث عام 1805 ..
ومن شيوخ الثورة العرابية الإمام محمد عبده والشيخ محمد عليش والشيخ حسن العدوي والشيخ محمد الخلفاوي .. وفي ثورة 19 كان الأزهر مركزا من مراكز الثورة بزعامة الشيوخ يوسف الدجوي ومحمد الإبياري ومحمد دراز وسليمان نوار ومحمود الغمراوي ومصطفى القاياتي وعلي الزنكلوني ومحمود أبو العيون وعبد اللطيف الصوفاني.
وفي ليبيا السيد عمر المختار ، وفي تونس الشيخ خير الدين التونسي ومحمود قبادو وعبد العزيز الثعالبي ، وفي الجزائر السيد أحمد التيجاني وابن الأحرش الدرقاوي والأمير عبد القادر الجزائري وسيدي الشيخ بن الطيب والشيخ محمد المقراني والشيخ الحداد والشيخ محمد العربي بوعمامة ، وفي المغرب السيد عبد الكريم الخطابي ..
وفي موريتانيا الشيخ سيدي الكبير والعلامة المصطفى بن محمد فاضل المعروف بلقب (ماء العينين) والشيخ محمد تقي الدين وجاهة ، وفي السودان وتشاد الشيخ عبد الله جماع والسيد عبد الكريم العباسي والإمام محمد أحمد المهدي والشيخ رابح بن فضل الله والفقيه المجاهد الشيخ عبد الله السحيني والإمام أحمد بن إبراهيم.
وفي اليمن الإمام المنصور بالله قاسم والفقيه الشافعي سعيد الدنوي العنسي والإمام أحمد بن فتيني جنيد والأمير ابن عبدات الكثيري الهمداني ، وفي عمان الإمام ناصر بن مرشد اليعربي والإمام أحمد بن سعيد ، وفي نجد الإمام محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي ، وفي الحجاز الشريف الحسين بن علي ..
وفي العراق مفتي الحنفية في بغداد الشيخ عبد الغني بن عبد الرازق آل جميل زعيم ثورة عام 1830 ، وفي الشام الشيخ الشهيد محمد مصطفى الحسيني نقيب الأشراف زعيم ثورة القدس عام 1703 والشيخ الشهيد عز الدين القسام والشيخ محمد رشيد رضا والشيخ عبد الرحمن الكواكبي مؤلف كتاب (طبائع الاستبداد).

المسألة العربية
يمكن تلخيص المسألة العربية في صراع قصير العمر بن الشعوب والطغاة بدأ مع الانقلابات العسكرية وإنشاء الجمهوريات الحديثة وانتهى على أعتاب الربيع العربي لكن فصوله لم تنته بعد ونهاية المشهد لم تكتب حتى الآن .. ومن مفارقة الأقدار أن النظم الملكية العربية كانت على قدر كبير من الذكاء وحسن التصرف في التعامل مع رياح الربيع العربي التي هبت على النظم الجمهورية التي بنت شرعيتها على مقاومة الاستعمار والسعي نحو الوحدة العربية ..
ولا أدري لماذا تصر الأبواق الإعلامية من أذناب الماضي على تذكيرنا دائما وبشكل دوري بنعمة الأمن والأمان والاستقرار التي يرفل فيها المواطنون بفضل القيادة الحكيمة والإدارة الرشيدة رغم الفشل الواضح حاليا ضاربين المثل بحالة الدول من حولنا والتي طالتها رياح الثورات التي جرت الويلات على تلك البلاد في نغمة رتيبة تذكرني ببعض المواطنين المصريين الذين رفعوا شعار (احنا آسفين يا ريس) وهم يندبون أيام مبارك السعيدة بالمقارنة بالوقت الحالي حيث كان عصره من وجهة نظرهم أفضل من كل ما جاء بعده.
وعلى نفس المنوال يترحم بعض العرب الجهلاء على صدام والقذافي وزين العابدين وعلي عبد الله صالح ويرون أن الاستقرار مع الطغاة خير من الحرية مع المجهول ، وأثناء متابعتي لتلك الآراء على وسائل التواصل الاجتماعي كانت تحضر إجباريا في مخيلتي صورة القمم العربية التي كنت أتابعها في التليفزيون وجريدة الأهرام قديما حيث كانت تنقل إلينا تجمعا لأشخاص غريبي الأطوار يحرصون أشد الحرص على المراسم الرسمية والصور التذكارية وجميعهم يحب ارتداء الناشين التي توحي للناظر أننا بصدد حفلة تنكرية تقام على مسرح من مسارح العبث واللامعقول ..
كان هؤلاء جميعا أشخاصا غير طبيعيين يحكمون كيانات غير طبيعية بحكم الأمر الواقع وقوة السلاح حيث فرضوا استقرارا ظاهريا تحته غضب مكبوت وديموقراطية شكلية تحتها قمع مستمر وهذا فقط كان العامل الوحيد المشترك بين الدول العربية الجمهورية جميعا لذلك لم تكن ثورات الربيع العربي مؤامرة خارجية وإنما هي تعبير حقيقي عن إرادة تلك الشعوب في التخلص من تلك الأنظمة المتخلفة وكل فوضى حدثت بعد ذلك كان سببها الوحيد هو تشبث النظم القديمة بالحكم وصراعها المستميت من أجل ذلك سواء كان على هيئة انتخابات تعيدهم مرة أخرى أو انقلاب عسكري صريح أوإشعال حروب أهلية أو التدخل المسلح ..
هذه الموجة الثورية كانت ستطال بالتأكيد كافة الوطن العربي بالعدوى المباشرة وشكلت خطرا على كل أعداء العرب حيث كانت موجة الربيع العربي قادرة على إعادة تشكيل المنطقة وتوزيع مراكز النفوذ وانصب تركيزهم الأكبر على مصر لأنها هي الدولة المركزية والتي يمكنها قيادة نهضة الأمة كلها في سنوات معدودة والقادرة على خلق نواة وحدة عربية حقيقية وهو الأمر الذي لا يريده الرؤساء العرب أنفسهم لأن أي واحد منهم لن يقبل التنازل إطلاقا عن الشيء الذي يعتبره ملكية خاصة له ولعائلته حيث تحولت الدولة إلى شركة استثمارية يرأسها الزعيم ويوزع إقطاعياتها على أقاربه وأنصاره ..
وبالتالي يكون الحديث عن الوحدة العربية أو التضامن العربي في ظل الأنظمة القمعية محض هراء فلا يمكن تخيل القذافي أو الأسد أو صدام أو أي حاكم عربي يتنازل طواعية عن جزء من سلطاته بل العكس هو الصحيح حيث لم يغادر أحدهم مكانه إلا بالدم ، والحقيقة أن فكرة الوحدة السياسية الكاملة لم تكن واقعية في يوم من الأيام ولم تعد مقبولة للطرح في الحاضر والمستقبل لكن فكرة التضامن الإقليمي العربي كانت ولا زالت حاجة ملحة لضمان الأمن القومي والحفاظ على استقلالية الوطن العربي من الهيمنة أو التبعية الدولية أو الإقليمية وقد أثبتت الأحداث أن المتغيرات في البلاد العربية مرتبطة بشدة بجيرانهم وأن الاستبداد هو المعوق الأكبر أمام هذا التضامن وأن الحرية هي الخطوة الأولى للسير على الطريق الصحيح.
ومثل الربيع العربي نقطة انطلاق نحو تغييرالأنظمة القمعية التي هي في جوهرها تركيبة مشوهة نشأت في ظروف تاريخية مرتبطة بمرحلة انتقالية بين العصور الوسطى والعصور الحديثة وهي الفترة التي واكبت الاستعمار الذي انتزع المنطقة تدريجيا من سلطة العثمانيين ونهب خيرات البلاد واستفاد بموقعها الجغرافي في إنماء حركة التجارة الأوروبية وتكديس الأموال في بنوك الغرب ولما انكسرت شوكته عمد إلى مغادرة البلاد بعد أن ترك فيها أنظمة موالية له أو عميلة لسياساته أو متأثرة بثقافته أو ضعيفة تحتاج دوما لحمايته.
ورغم التباين الشديد الواضح بين المستبدين إلا أنه يجمعها كلها قاسم مشترك يتمثل في الديكتاتورية المحمية بجيش ضعيف التسليح بحيث يكفي للقمع الداخلي ويفشل عند أي اختبار خارجي ، ورغم محاولة بعض الأنظمة التمرد على هذا الوضع (مثل الجمهوريات الثورية في مصر وسوريا والعراق) إلا أن النتيجة كانت واحدة حيث هزمت الجيوش العربية عام 67 أمام عصابات من شذاذ الآفاق ولم تستطع مصر بكل عتادها استعادة كامل أرضها بالقوة ولم يتمكن الجيش السوري من المحافظة على مكاسبه عام 73 واضطرت مصر إلى السلام واضطرت سوريا إلى هدنة دائمة وفي الحرب العراقية الإيرانية لم يستطع العراق حسم الحرب ضد دولة بلا جيش تقريبا فضلا عن أنه لم يستطع الصمود في كل معاركه التالية ..
لكن على الصعيد الداخلي كانت هذه الجيوش أسودا شديدة البأس ضد شعوبها سواء في داخل الدولة أو مع الأشقاء العرب حيث قتلت منهم في مذابح مختلفة أكثر مما قتلته من أعدائها والأمثلة لا تعد ولا تحصى من أول ما فعله الجيش العراقي في حلبجة والكويت وغيرها إلى ما فعله الجيش السوري في حماة ولبنان والجيش الأردني مع الفلسطينيين والجيش الجزائري ضد المعارضة الإسلامية والجيش السوداني مع الأقليات والجيش اليمني في الجنوب العربي وما فعلته ميليشيات بشار والقذافي من جرائم ..
وفي سبيل هذه المجازر يتشدق الطغاة العرب بشعارات حماية الأمن القومي وسيادة الدولة حيث يقمع مواطنيه بحجة الحفاظ على السيادة ويعبث مع جيرانه بزعم حماية الوطن مع الطنطنة الفارغة بالقومية العربية والوحدة الشاملة وهي من وجهة نظرهم تعني احتلال قطر آخر بالقوة أو إجبار أقلية ما على الخضوع وهذا النوع من التكوينات يسقط عند أول عثرة لأن الوحدة الفعالة والتضامن المفيد لا يكون إلا بين الشعوب الحرة والأمم الأبية حتى لو كانت دويلات متناهية الصغر بل ربما كان الأفضل أن يكون الاتحاد بين أقاليم صغيرة كل منها متجانس ثقافيا واجتماعيا حتى لا تكون هذه العوامل سببا في التفرقة ..
أما التضامن السياسي والاقتصادي الناجح فإنه يكون بناء على رؤية مشتركة لتحقيق المصالح لتجتمع هذه الأقاليم حول دولة مركزية تستطيع توفير الحماية للجميع ، وإذا كانت الدول العربية جميعا مثل قطع لعبة (البازل) فإن المطلوب هو إعادة تجميع القطع إلى بعضها بعد أن يتم ضبط حواف كل قطعة لتصبح قابلة للتركيب مع بقية القطع لكن لا يمكن فعل ذلك إلا إذا كان لدينا منذ البداية تلك القطعة المركزية الكبيرة التي تربط كل قطع البازل مع بعضها وفي حالتنا هذه فإن هذه القطعة الهامة غائبة عن مكانها هي مصر مما يصعب من إتمام حل (المسألة العربية) والتي لا يمكن بلوغها إلا بعد أن يتم أولا حل (المسألة المصرية).