مراكز دمياط

فارسكور .. مقبرة الغزاة

يتكون اسم مدينة فارسكور من مقطعين أولهما كلمة فارس ويقصد به المقاتل والمحارب فوق صهوة جواده والثانية كلمة كور وأصلها جور الفارسية وتعني موضع أو مكان ويقابلها في العربية مصطلح معسكر الفرسان أو مربط الفرس ، وقد تأسست وازدهرت في عصر الطولونيين والإخشيديين للدفاع عن مدينة دمياط وورد اسمها في تحفة الإرشاد فارس كور وفي معجم البلدان باسم الفارسكر وفي قوانين ابن مماتي ونزهة المشتاق فارسكور.

جاء في القاموس الجغرافي : فارسكور قاعدة مركز فارسكور وهي من القرى القديمة وردت في نزهة المشتاق باسم فارسكور ووردت في نسخ أخرى منها محرفة بأسماء فارسكر وفارسكو قال وهي على الضفة الشرقية من الخليج ووردت في معجم البلدان باسم الفارسكر قال وهي من قرى مصر قرب دمياط من كورة الدقهلية وفي قوانين ابن مماتي فارسكور من أعمال الدقهلية وفي تحفة الإرشاد فارس كور وفي التحفة فارسكور من أعمال الدقهلية والمرتاحية ، ولما أنشىء قسم فارسكور في سنة 1840 أصبحت فارسكور قاعدة له ومن سنة 1870 سمي مركز فارسكور.

واستمدت شهرتها في التاريخ بسبب معركة فارسكور التي انتصرت فيها الجيوش الإسلامية بقيادة السلطان المعظم تورانشاه الأيوبي على الحملة الصليبية السابعة انتصارا ساحقا وأسر فيها لويس التاسع في يوم 8 أبريل 1250 م. ، وكانت جيوش الصليبيين قد فشلت في دخول المنصورة وتمت مهاجمة أسطولهم البحري من بحر المحلة وتدميره فانقطعت بهم السبل وقرروا الانسحاب باتجاه دمياط حتى إذا وصلوا إلى فارسكور أحاطت بهم عساكر المماليك ومتطوعة العربان وانتهت مغامرة الصليبيين الأخيرة في مصر بمذبحة مروعة أثبتت أن فارسكور عمليا هي مقبرة الغزاة.

ويروي المقريزي معركة فارسكور فيقول : ” فلما كان اليوم السابع والعشرون من ذي الحجة أحرق الفرنج أخشابهم كلها وأتلفوا مراكبهم يريدون التحصن بدمياط ، ورحلوا فى ليلة الأربعاء لثلاث مضين من المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة إلى دمياط وأخذت مراكبهم إلى الانحدار قبالتهم فركب المسلمون أقفيتهم بعد ما عدوا إلى برهم.

وطلع الفجر من يوم الأربعاء وقد أحاط المسلمون بالفرنج وقتلوا وأسروا منهم كثيرا حتى قيل إن عدد من قتل من الفرسان على فارسكور يزيد على عشرة آلاف وأسر من الخيالة والرجالة والصناع والسوقة ما يناهز مائة ألف ونهب من المال والذخائر والخيول والبغال ما لا يحصى.

وانحاز الملك روا دي فرنس وأكابر الفرنج إلى تل ووقفوا مستسلمين وسألوا الأمان فأمنهم الطواشي جمال الدين محسن الصالحي ونزلوا على أمانه وأحيط بهم وسيقوا إلى المنصورة فقيد روا دي فرنس واعتقل فى الدار التى كان ينزل فيها القاضي فخر الدين إبراهيم بن لقمان كاتب الإنشاء ووكل به الطواشي صبيح المعظمي واعتقل معه أخوه ورتب له راتب يحمل إليه فى كل يوم.

ورسم الملك المعظم لسيف الدين يوسف بن الطوري أحد من وصل صحبته من الشرق أن يتولى قتل الأسرى فكان يخرج منهم كل ليلة ثلثمائة رجل ويقتلهم ويلقيهم فى البحر حتى فنوا ، ولما قبض على الملك روّاد فرنس رحل الملك المعظم من المنصورة ونزل بالدهليز السلطاني على فارسكور وعمل له برجا من خشب وتراخى فى قصد دمياط “.

أعلام فارسكور

في كتاب الخطط التوفيقية ذكر علي باشا مبارك مدينة فارسكور في القرن التاسع عشر وذكر أشهر شخصياتها فقال : ” فارسكور : هذه القرية مركز من مراكز مديرية الدقهلية واقعة على الجانب الشرقي للبحر الشرقي وبها ضبطية ومجلس المركز والمحكمة الشرعية وحوانيت وخانات ومعاصر للزيوت وخمسة مساجد بمنارات وبناؤها بالطوب الأحمر ، وبها وابورات وأشوان للميرى ولها سوق كل يوم أحد تباع فيه المواشى والملبوسات والحبوب والعقاقير وغيرها ولأهلها شهرة فى صناعة التلي وأعبية الصوف والبشوت وتكسبهم من ذلك ومن التجارة والزرع “.

من علمائها كما فى (خلاصة الأثر) : الأستاذ الفاضل الشيخ محمد بن عمر بن محمد بن أبى بكر الملقب بتقى الدين ، قاضى القضاة الفارسكورى المصرى المولد ، نزيل قسطنطينية ، من أفضل فضلاء الزمان ، وأبلغ البلغاء نظما ونثرا وبراعة ، وكان وهو بمصر اتصل بخدمة قاضيها شيخ الاسلام يحيى بن زكريا ، وتوجه بخدمته إلى الديار الرومية ، وأقام بها ، ولازم على قاعدتهم ، ودرس هناك ، وبالجملة فكانت محاسنه كثيرة جدا، وكانت وفاته بدمشق، وهو مارّ إلى القدس فى رجب سنة سبعة وخمسين وألف ، ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من بلال الحبشى رضى الله تعالى عنه.

وذكر أيضا ترجمة والده فقال : هو عمر بن محمد بن أبى بكر المصرى الشهير بالفارسكورى ، العلامة الأديب المتفنن ، ذكره عبد البر الفيومى فى : «المنتزه» وقال فى وصفه : عالم نشرت ألوية فضله على الآفاق ، وفاضل ظهرت براعة عمله فتحلى بها فضلاء الحذاق ، له اليد الطولى فى العلوم العقلية والنقلية ، والراحة البيضاء فى تعاطى أنواع الفنون الرياضية ، وبالجملة فهو عالم متضلع ، وأستاذ قام بالإفادة وهو متولع ، وقد انتفع به كثير من العلماء ، وتصدر من طلبته بمصر جم غفير من العظماء ، وكانت وفاته يوم السبت سابع عشر شوال سنة ثمان عشرة وألف بدمياط ، وحمل إلى بلده فارسكور ودفن بها.

وقد ذكر الجبرتى فى حوادث سنة إحدى وثمانين ومائة وألف أن منها الفقيه الأصولى النحوى الشيخ محمد بن موسى العبيدى الشافعى الفارسكورى ، أخذ عن الشيخ على قايتباى ، وعن الشيخ الدفرى ، والشيخ البشبيشى والنفراوى ، وكان آية فى المعارف والزهد والورع والتصوف ، وكان يلقى دروسا بجامع قوصون على طريقه الشيخ العزيزى والدمياطى ، ثم توجه إلى الحجاز ، وجاور بالمسجد الحرام سنة واحدة ، وألقى هناك دروسا وانتفع به خلق كثير ، ومات بمكة سنة إحدى وثمانين ومائة وألف ودفن بالقرب من قبر السيدة خديجه رضي الله عنها.

وذكر أيضا محمد بن محمد بن محمد، الملقب معين الدين، الفارسكورى الأصل الدمياطى المولد والدار، أحد المتمولين من بيت تجارة ووجاهة، حتى كان أبوه على قاعدة تجار دمياط ينوب فيها عن قضاتها، ونشأ هذا فقيرا جدا، فقرأ القرآن أو بعضه، وعانى استئجار الغيطان، وترقى حتى زادت أمواله عن الوصف، بحيث قيل إنه وجد ببعض المعاصر خبيئة. وصار ضخما عظيم الشوكة، مبجلا عند الجمال ناظر الخاص.

وابتنى بدمياط مدرسة هائلة، وعمل بها شيخا وصوفية، وأكثر الحج والمجاورة، وكان يقال أنه يسبك الفضة ويبيعها على الهنود ونحوه ويقال، إنه كان فى صغره متهتكا قابتلاه الله بالبرص، ولا زال يتزايد حتى امتلأ بدنه وصار لونه الأصلى لا يعرف، ومات وهو كذلك قريبا من سنة ستين وثمانمائة، عن سن عالية، واستمرت المظالم منتشرة هناك بسبب أوقافه، وهلك بسببها غير واحد، وهو مولى جوهر المعينى، عفا الله عنه. ا. هـ

وممن لحقته العناية الربانية، وانغمس فى بحار إحسانات العائلة المحمدية ونفحات الحضرة الخديوية الأمير محمد بيك جبر، من أهالى هذه البلدة، دخل العسكرية نفرا فى زمن المرحوم عباس باشا، وفى زمن المرحوم سعيد باشا ترقى إلى رتبة اليوزباشى، وفى زمن الخديوى إسماعيل باشا ترقى فى الرتب إلى أن أنعم عليه برتبة أمير ألاى، وأحسن إليه بسرية من سرارى السراى العالية، وقد سافر فى حرب الحبشة، واستشهد هناك فى وقعة جورة سنة ١٢٩٣.

الزرقا والسرو

في القرن الخامس الهجري نزلت عشائر بني عبد الله العليقي (نسبة إلى عرب العليقات) في منطقة الساحل الشرقي لفرع دمياط في جنوب فارسكور في القرية التي تعرف اليوم باسم ميت الخولي عبد الله ، وبسبب دورهم الجهادي الكبير في الحروب الصليبية تم منحهم عدة مواضع أخرى في العصر الأيوبي لتكون موضع رباط لهم في جنوب دمياط وهي السياسة التي اتبعها صلاح الدين مع القبائل حيث يكون سكنهم هو موضع رباطهم.

هذه القرى هي الحوارني وظاهرية مسجد ميمون (الضهرة) والطرحة ومنية الشيوخ وحوض العرب (كفر العرب) ومنشية الظاهرية (كفر تقى) والبستان والسرو بالإضافة إلى المدن القديمة شرباص وشرمساح ، وفي العصر العثماني توسعت العشائر في بناء قرى إضافية جديدة لتستوعب الزيادة السكانية لهم وهي : الزرقة والرحامنة والزعاترة والخليفية والبراشية والسالمية والعبيدية والعنانية والغنيمية والغوابين والنجارين وأولاد حمام والعطوي وأولاد خلف وأبو جريدة وعزبة العزايزة وعزبة البسارطة وعزبة الحاجة (الروضة) وكفر المياسرة وعزبة سيف الدين.

جاء في القاموس الجغرافي : ” ميت الخولي عبد الله : من القرى القديمة كانت تسمى قديما منية العلوق وردت به في نزهة المشتاق واقعة على الضفة الشرقية للنيل بين شرمساح وفارسكور ثم قال : إنها قرية متحضرة لها معاصر قصب وغلات قائمة نامية ، وأقول : إنها كانت تسمى منية العلوق نسبة إلى جماعة من عرب العلوق استوطنوا بها وهؤلاء العرب ينتسبون إلى الشيخ إبراهيم العلق كبير قبيلة العلوق التي تعرف في زمننا باسم عرب العليقات ، ولاستهجان كلمة العلوق غيرت في الروك الصلاحي باسم منية بو عبد الله “.

وفي العصر العثماني توسعت ميت الخولي عبد الله ونشأت لها ضاحية جديدة في الشمال تحولت بعد ذلك إلى مدينة الزرقا والتي اشتق اسمها من زرقة المياه في المنطقة ، وجاء عنها في القاموس الجغرافي : ” الزرقة : أصلها من توابع ناحية منية الخولي عبد الله ثم فصلت عنها في العهد العثماني وردت في تاج العروس الزرقاء من أعمال الدقهلية وفي تاريخ سنة 1228 هـ برسمها الحالي ” ، وفي عام 1975 م. تحولت إلى مدينة ثم صارت مقر مركز الزرقا بعدها بثلاث سنوات وضمت الجزء الجنوبي من محافظة دمياط..

وكانت السرو تجاور ضاحية قديمة من ضواحي قرية دقهلة تدعى بججا حيث سكن العرب في منطقة عالية يقول عنها محمد رمزي : ” والسرو كلمة عربية معناها الأرض المرتفعة التي لا يعلوها ماء النيل إلا بواسطة الآلات الرافعة ولارتفاع أرضها بالنسبة لأراضي النواحي المجاورة لها عرفت بالسرو فأصبح علما عليها .. وكانت مساكن قرية دقهلة القديمة واقعة شرقي ترعة الشرقاوية ومكانها يعرف اليوم باسم عزبة الكاشف وبسبب ما أصابها من تلف السباخ انتقل منها سكانها وأنشأوا لهم قرية جديدة باسم دقهلة وهي الحالية الواقعة على النيل “.

كفر البطيخ وكفر سعد

في أوائل القرن الخامس الهجري قرر الخليفة الفاطمي الظاهر لإعزاز دين الله تعمير المنطقة المقابلة لمدينة دمياط على الشاطىء الغربي للنيل والتي كانت تعرف باسم (جيزة دمياط) من الفعل اجتاز أي عبر تشبها بجيزة الفسطاط (الجيزة حاليا) ، وكلف بذلك أحد مواليه وهو الأمير سنان الدولة أبوالفوارس معضاد الأسود الظاهري ومنحه إقطاعا من أربمائة فدان تأسست فيها قرية منية سنان الدولة والتي تعرف اليوم باسم السنانية.

ومن أجل إمداد القرية الجديدة بمياه النيل قام سنان الدولة بشق ترعة من فرع دمياط تخرج في خط مستقيم من الساحل المقابل لمدينة السرو حيث تأسست عندها قرى الظاهرية نسبة للخليفة وكفر الترعة ورأس الخليج (وجميعها حاليا تتبع مركز شربين) ، وفي مجرى الترعة جنوب غرب منية سنان الدولة ازدهرت قرية تدعى بورة السعداية نسبة لطبيعة الأرض قبل وصول الترعة لها بسبب ملوحة التربة والسعداية نسبة لسكانها من بني سعد.

وقد وردت بورة في كتاب البلدان لليعقوبي حيث حدد موضعها وأن بها مصنعا للورق حيث يقول : ” وبورة وهي حصن على ساحل البحر من عمل دمياط تعمل بها الثياب والقراطيس ” ، وقد ذكرها المقريزي وقال : ” وإليها ينسب السمك البوري وينسب إليها أيضا بنو البوري الذين كانوا بالقاهرة والإسكندرية .. وفي سنة 610 هـ وصل العدو إليها بشوانيه وسباها ” ، وعرفت المنطقة في العصور التالية باسم نواحي ثغر دمياط..

وجاء في كتاب جني الأزهار : ” هي ذات زراعات وغلات وبساتين وتبعد عن فارسكور خمسة عشر ميلا ” ، وجاء عن بورة في القاموس الجغرافي : ” ولكثرة ما يزرع من البطيخ بأراضي هذه الناحية تغلبت عليها شهرتها بهذا الصنف فعرفت من العهد العثماني باسم كفر البطيخ واختفى اسم بورة من عداد القرى المصرية وورد كفر البطيخ في كتاب وصف مصر وفي تاريخ سنة 1228 هـ “.

وفي مسار الترعة تأسست في العصر المملوكي قرى جديدة هي منية أبي غالب وخلجان سليمان (كفر سليمان البحري) والتي تأسس من زمامها في العصر العثماني عدة قرى جديدة هي كفر أبو سعد (كفر سعد حاليا) وكفر يوسف وكفر ميت أبو غالب (الزهراء) وكفر المنازلة وكفر شحاتة وكفر الوكالة وكفر الشيخ عطية وكفر الوسطاني والركابية والسوالم والعيادية وكفر أبو زاهر وكفور الغاب والمرابعين.

جاء في القاموس الجغرافي : ” كفر سعد : أصله من توابع ناحية ميت أبو غالب ثم فصل عنها في تاريخ سنة 1228 هـ ثم ألغيت وحدته وأضيف زمامه على ميت أبو غالب وفي سنة 1910 صدر قرار بإعادة تكوينه من الوجهة الإدارية باسم كفر أبو سعد وهو اسمه في جدول الداخلية وفي سنة 1916 صدر قرار بفصله من الوجهة المالية من زمام ميت أبو غالب وبذلك أصبح ناحية قائمة بذاتها باسمه الحالي “.

العدلية .. منزلة السلطان

اشتقت العادلية (العدلية) بمركز دمياط اسمها نسبة إلى السلطان الأيوبي الملك العادل أبو بكر بن نجم الدين أيوب بن شاذي وهو أخو السلطان صلاح الدين الأيوبي حيث قام بتأسيس معسكر له قبالة دمياط بعد أن نزلت بها جيوش الفرنجة في الحملة الصليبية الخامسة وعرفت باسم منزلة العادلية ، جاء عنها في القاموس الجغرافي : ” العادلية : هي من القرى القديمة أسسها الملك العادل أبو بكر بن أيوب في سنة 614 هـ عندما تتابع ورود أمداد غزاة الفرنج إلى الشرق في زمن الحروب الصليبية وتهديدهم مدينة دمياط وردت في التحفة من نواحي ثغر دمياط “.

ومنها أدار الملك الكامل معركة حصار دمياط لمدة سنة ونصف ثم انتقل منها لبناء المنصورة ثم عاد إليها ثانية ، وفي ذلك يقول المقريزي : ” فبلغ نزول الفرنج على دمياط الملك الكامل وكان يخلف أباه الملك العادل على ديار مصر فخرج بمن معه من العساكر فى ثالث يوم من وقوع الطائر بخبر نزول الفرنج ، وأمر والي الغربية بجمع العرب وسار فى جمع كبير وخرج الأسطول فأقام تحت دمياط ونزل السلطان بمن معه من العساكر بمنزلة العادلية قرب دمياط واشتدت عساكره إلى دمياط لتمنع الفرنج من السور والقتال مستمر والبرج ممتنع مدة أربعة أشهر والعادل يسير العساكر من البلاد الشامية شيئا بعد شئ حتى تكاملت عند الملك الكامل ..

وبلغ الملك الكامل موت أبيه وهو بمنزلة العادلية قرب دمياط فاستقلّ بمملكة ديار مصر واشتدّ الفرنج وألحوا في القتال حتى استولوا على برج السلسلة وقطعوا السلاسل المتصلة به لتجوز مراكبهم في بحر النيل ويتمكنوا من البلاد فنصب الملك الكامل بدل السلاسل جسرا عظيما لمنع الفرنج من عبور النيل ، فقاتلت الفرنج عليه قتالا شديدا إلى أن قطعوه وكان قد أنفق على البرج والجسر ما ينيف على سبعين ألف دينار ..

وكان الكامل يركب في كل يوم عدّة مرار من العادلية إلى دمياط لتدبير الأمور وإعمال الحيلة في مكايدة الفرنج فأمر الملك الكامل أن يفرّق عدّة من المراكب في النيل حتى تمنع الفرنج من سلوك النيل فعمد الفرنج إلى خليج هناك يعرف بالأزرق كان النيل يجري فيه قديما فحفروه وعمقوا حفره وأجروا فيه المال إلى البحر الملح وأصعدوا مراكبهم فيه إلى بورة على أرض جيزة دمياط مقابل المنزلة التي بها السلطان ليقاتلوه من هناك ..

فلما صاروا في بورة جاؤوه وقاتلوه في الماء وزحفوا إليه عدّة مرار فلم يظفروا منه بطائل ولم يتغير على أهل دمياط شيء لأنّ الميرة والإمداد متصلة إليهم والنيل يحجز بينهم بين الفرنج وأبواب المدينة مفتحة وليس عليها من الحصر ضيق ولا ضرر ، والعربان تتخطف الفرنج في كل ليلة بحيث امتنعوا من الرقاد خوفا من غاراتهم فلما قوي طمع العرب في الفرنج حتى صاروا يخطفونهم نهارا ويأخذون الخيم بمن فيها “.

شطا

في يوم 19 يوليو عام 642 م. دارت آخر معركة من معارك الفتح الإسلامي لمصر والتي جرت ضد آخر جيوب المقاومة الرومانية في قلعة تنيس بقيادة خارجة بن حذافة تعاونه قوات عمير بن وهب والمقداد بن عمرو ومعهم حاكم مدينة شطا الذي انضم بقواته إلى العرب حيث تم القضاء على الحامية الرومانية.

وقد ورد أن بلدة شطا سميت على اسم ذلك الحاكم الذي استشهد في المعركة وعرف قبره عند العامة باسم سيدي شطا أو الشيخ شطا وقيل إن العكس هو الصحيح حيث استمد القائد اسمه من القرية التي ذكرت بنفس الاسم في قائمة أبروشيات كنائس الروم الأرثوذكس الملكانيين والتي كتبها سعيد بن البطريق.

وردت في كتاب البلدان لليعقوبي : مدينة شطا وهي على ساحل البحر وبها تعمل الثياب الشروب الشطوية ، وفي كتاب أحسن التقاسيم للمقدسي : شطا قرية بين المدينتين (تنيس ودمياط) على البحيرة يسكنها القبط وإليها ينسب هذا البز (النسيج) ، ووردت في معجم البلدان بأنها بليدة بمصر علي ثلاثة اميال من دمياط علي البحر المالح (بحيرة المنزلة).

وجاء عنها في الخطط التوفيقية : ” قال ابن حوقل : إن شطا مدينة قريبة من تنيس ودمياط وفيها تعمل الثياب الشطوية ويقال إن اسمها مأخوذ من اسم شطا بن الهاموك عم المقوقس ، ومن أمره أنه بعد أن استولى عمرو بن العاص على قلعة تلك المدينة وعلى بلاد مصر ، أرسل عسكر وحاصر دمياط واستولى عليها ..

وخرج شطا مع ألفين من أصحابه وكان هو حاكمها ولحق بالمسلمين وكان قبل ذلك محبا للخير ، ولما سمع بالإسلام أحبه ودخل فيه ثم إن المسلمين بعد الاستيلاء على دمياط حصل لهم عناء شديد في محاصرة تنيس فكان من شطا أن ذهب إلى مدينة البرلس والدميرة وأشمون وطناح وحرض أهل تلك البلاد على القتال ..

واتحد بهم مع عساكر المسلمين وحاصروا جميعا تنيس ووقع من شطا جهاد عظيم وقتل اثنى عشر مقاتلا من أهلها ثم قتل فى تلك الوقعة يوم الجمعة حادي عشر شعبان سنة إحدى وعشرين من الهجرة ، ودفن خارج البلد في المحل الذى هو به الآن وبنى عليه قبة تزورها أهل البلاد المجاورة كل سنة فى خامس عشر شعبان.

وفى شطا يعمل طراز الكعبة وقال الفاكهي : رأيت واحدا منها أهداه الرشيد إلى الكعبة وكان من الأقمشة المعروفة بالقباطي ومكتوب عليه بركة من الله لعبد الله هارون أمير المؤمنين أطال الله أيامه عمل هذا الطراز بأمر فضل بن الربيع سنة إحدى وتسعين ومائة ، انتهى .. وكان بمدينة شطا أسقفية تابعة لبطريك الإسكندرية “.

شرباص

جاء في القاموس الجغرافي : شرباص هي من القرى القديمة وردت في قوانين ابن مماتي وفي تحفة الإرشاد من أعمال الدقهلية وفي التحفة من أعمال الدقهلية والمرتاحية ووردت في الانتصار محرفة شبراماص وفي قوانين الدواوين شرماص وفي الخطط التوفيقية محرفة كذلك باسم شبرى باص والصواب اسمها الحالي.

وجاء في الخطط التوفيقية : شبرى باص الدقهلية قرية من مديرية الدقهلية بمركز فارسكور على الشاطئ الشرقى لفرع دمياط فى بحرى ناحية السرو بنحو نصف ساعة وأغلب مبانيها بالآجر والمونة وبها جامع بمنارة وأكثر زراعتها صنف الأرز ، وإليها ينسب الشيخ الصالح العارف الناسك الفقيه المقرئ المحدّث المعتقد السالك نجم الدين أبو الغنائم محمد ابن الشيخ الصالح العارف زين الدين أبى بكر بن جمال الدين عبد الله المطوعى الرياضى الشافعى المشهور بغنم السعودى.

ذكره السخاوى فى كتاب «روضة الأحباب وبغية الطلاب» وقال : إن مولده بقرية من قرى فارسكور وهى شبرى باص بالوجه البحرى ونشأ بها على خير ظاهر، ومعروف متواتر، وكان والده من فقراء الشيخ الصالح منصور الباز الأشهب، فلما مات عكف هو على العبادة وحفظ القرآن، ولازم الاشتغال بالعلم، ثم بمعرفة الطريقة، وانقطع عن شواغل الدنيا وشهوات النفوس واستعد للموت، وصار يفر من الناس الفرار من الأسد، فلما دام على ذلك اشتهر بالإخلاص؛ لإقباله على الأوراد والوارد، وإرشاد الشارد، فقصده المطيع والمعاند، وانتفع به المعتقد، وخاب المنتقد.

وشاع ذكره فى الوجه البحرى، وأقبل عليه الخاص والعام، فخاف الفتنة بالظهور والشهرة، فعزم على الرحيل من بلده وتركها وقصد القاهرة، فمر على طريق تفهنا فرأى الشيخ الصالح القدوة شمس الدين داود بن مرهف التفهنى، الشهير بالأعزب، فمال إلى الشيخ داود وصحبه وأخذ عنه، وألبسه خرقة القطب العارف أبى السعود بن أبى العشائر الواسطى كما لبسها هو منه، وأقام عنده حتى أذن له بالمسير إلى القاهرة فدخل إليها ونزل بزاويته المعروفة به ظاهر باب الفتوح، فأقام مختفيا من الناس، ثم واظب على الزيارة بالقرافة، وأكثر من التردد إليها فى غالب الأوقات.

وقد اجتمع عليه جماعة وصحبوه وأحبوه، فظهر حاله بالقاهرة وأقبل عليه الفقراء والأمراء وأرباب المناصب والقضاة والأغنياء، وهو يظهر الغنى لهم، وكان يحب الغنم حبا شديدا فاتفق أنه اشترى شاة كبيرة عالية واقفة القرون، طويلة جدا وسماها مباركة، فكانت تخرج من عند الشيخ فى أول النهار فتذهب إلى المرعى من غير راع فترعى فى الأماكن المباحة، ثم ترجع فى آخر النهار فتنتفع الفقراء والأضياف والجيران بلبنها، وكثرت أولادها، ونمت حتى صار الجار والمار، والوارد والمقيم يأكل من لبنها.

فلما كان فى بعض الأيام ورد على الشيخ ضيف من الفقراء أرباب الحالات وأصحاب المقامات، فأراد يمتحن الشيخ، فلما دخل عليه صاح الشيخ للشاة الكبيرة: يا مباركة هذا يومك، فجاءت بسرعة له، فحلب له منها وقدم اللبن إلى الضيف، وقال له: يا فقير، باسم الله كل. فأكل الفقير من اللبن، ثم رفع يده، وقال: يا سيدى. أنا أشتهى أن يكون هذا اللبن عليه عسل لعله أن يعتدل، فالتفت الشيخ إلى الغنم وصاح بأمهم أيضا وقال: يا مباركة: فجاءت إليه، فأخذ الشيخ ثديها فى يده وحلب منها فى الإناء فإذا هو عسل كما اشتهى الضيف، فقدمه له فأكل منه، وأراد أن يقوم فقام وهو مسلوب، ولم يره أحد بعد ذلك.

فلما ظهرت هذه الكرامة للشيخ تغالى الناس فى محبته والإقبال عليه والزيارة له، وسموه من ذلك الوقت بغنم وأبى الغنائم، ثم إن الشيخ اشتغل بالفقه على مذهب الإمام الشافعى على جماعة من المشايخ بالقاهرة، منهم الشيخ قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن على المصرى الشهير بابن القسطلانى وغيره، مع القراءات على الشيخ الصالح كمال الدين أبى الحسن على بن شجاع بن سالم الهاشمى الضرير، وتوفى بزاويته، ودفن بها فى السابع والعشرين من شعبان سنة ثلاث وثمانين وستمائة، انتهى.

شرمساح

جاء في القاموس الجغرافي : شرمساح هي من القرى القديمة وردت في نزهة المشتاق شرمساح على الضفة الشرقية لفرع دمياط قال وهي مدينة جليلة ولكنها ليست بالكبيرة ولها سوق جامعة لضروب بيع وشراء وأخذ وعطاء ، ووردت في معجم البلدان شارمساح قرية كبيرة كالمدينة من كورة الدقهلية بمصر بينها وبين بورة (كفر البطيخ بمركز شربين) أربعة فراسخ وبينها وبين دمياط خمسة فراسخ وفي قوانين ابن مماتي وفي تحفة الإرشاد وفي التحفة شارمساح من أعمال الدقهلية وفي تاريخ سنة 1228 هـ برسمها الحالي الذي يتفق مع أقد اسم لها في نزهة المشتاق.

وجاء في الخطط التوفيقية : شار مساح هى بلدة من قسم شها بمديرية الدقهلية، على الشط الشرقى لبحر دمياط، وفى الشمال الشرقى لناحية بساط كريم الدين بنحو ألفين وستمائة متر، وفى شرقى النزل بنحو سبعة آلاف وستمائة متر، وفى الشمال الغربى لمنية تمامة، وأبنيتها باللبن على طبقة، ما خلا منازل عمدها فعلى طبقتين، وبها جامع بلا منارة، وليس لها سوق، ويزرع فى أرضها الأرز والقطن كثيرا.

وعلى هذه القرية نزل الفرنج يوم الثلاثاء غرة رمضان سنة سبعة وأربعين وستمائة، وسبب ذلك كما فى «خطط المقريزى» أنه لما علمت الفرنج بموت الملك الصالح نجم الدين بن أيوب، وكانوا قد استولوا على دمياط فخرجوا منها، فارسهم وراجلهم، وشوانيهم تحاذيهم فى البحر، حتى نزلوا فارسكور يوم الخميس لخمس بقين من شعبان، فورد فى يوم الجمعة من الغد كتاب إلى القاهرة من العسكر، أوله: ﴿اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ وفيه مواعظ بليغة بالحث على الجهاد، فقرئ على منبر جامع القاهرة، وقد جمع الناس لسماعه، فارتجت القاهرة ومصر وظواهرها بالبكاء والعويل.

وأيقن الناس باستيلاء الفرنج على البلاد لخلو الوقت من ملك يقوم بالأمر، لكنهم لم يهنوا، وخرجوا من القاهرة ومصر وسائر الأعمال فلما كان يوم الثلاثاء اقتتل المسلمون والفرنج فاستشهد العلائى أمير مجلس وجماعة، ونزل الفرنج بهذه الناحية، ثم فى يوم الاثنين نزلوا البرامون فاضطرب الناس وزلزلوا زلزالا شديدا لقربهم من العسكر، وفى يوم الأحد ثالث عشرة وصلوا تجاه المنصورة وصار بينهم وبين المسلمين بحر أشمون، ووقعت بينهم حروب كثيرة، انتهى الأمر فيها لنصرة المسلمين كما ذكرنا ذلك عند الكلام على المنصورة، وأخذ ملك الفرنسيس أسيرا مع بعض أمرائه، انتهى.

وإليها ينسب – كما فى الضوء اللامع – محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف الشمس بن الأمين بن الشمس الشارمساحى ثم القاهرى الشافعى ، ابن أخى الزين يوسف الكتبى ، أخذ عن الأبناسى ، وحضر عند البكرى ، وتكسب بالشهادة، ودرس وانتفع به كثيرون ، ثم استنابه زكريا فى ذى الحجة سنة اثنتين وتسعين ، وسافر قاضى المحمل سنه خمس وتسعين وثمانمائة.

وينسب إليها محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الله العز ابن القطب الشارمساحى ثم المصرى ، ويعرف بابن أخى طلحة ، حضر على الميدومى ، وسمع على القلانسى ، وأجاز له العز بن جماعة وباشر توقيع الحكم ، وولى شهادة ديوان طشتمر ، واعتنى أخيرا بعمل الأشياء المستظرفة من المأكول وغيره ، وصار بيته مأوى الرؤساء ، مات فى رجب سنة ثلاث وثمانمائة وكانت رغبته الإطعام وقضاء الحوائج ، مع البشاشة والوجاهة.