
(بني عدي منارة الصعيد) هو عنوان الكتاب الذي كتبه المستشار مصطفى الشقيري راصدا فيه أعلام بني عدي ممن كان لهم إسهام في مجالات العلم والأدب حيث كان موفقا في اختيار العنوان الذي يدل على دور أبناء بني عدي (القرية والقبيلة) في الحياة العلمية والسياسية في تاريخ مصر الحديث والذي واكب النهضة التعليمية التي شهدتها البلاد في عصر محمد علي باشا وأسرته ، وسوف نتناول في هذا الفصل عددا من الأعلام الذين كان لهم دور بارز ومؤلفات معروفة وهم العلامة المحقق الأستاذ محمد قطة العدوي والشيخ المجاهد حسن الحمزاوي العدوي وعالم الصعيد الشيخ حسن الهواري العدوي والإمام الأكبر محمد مخلوف وكيل الجامع الأزهر والشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية والعارف بالله الشيخ حسن يوسف العدوي بالإضافة إلى الإمام محمد عبده الذي ينتسب إلى بني عدي من جهة والدته ، وقد استقينا سيرتهم الذاتية من عدة كتب منها تاريخ بني عدي تأليف محمد علي مخلوف وكتاب سلسلة أعلام بني عدي تأليف حسن علي حمزة وموقع ويكيبيديا والمواقع المعتمدة للأزهر الشريف ومشيخة الطرق الصوفية بالإضافة إلى كتب التاريخ الحديث التي أرخت للثورة العرابية وثورة 19 وكذلك كتاب الأعلام تأليف خير الدين الزركلي وغيرها من كتب التراجم والسير.
ومن أهم رجال بني عدي في ذلك الزمان أحد رواد العلم وهو العلامة الجهبذ الشيخ محمد بن الشيخ عبد الرحمن قطة العدوي عمدة المحققين في المطبعة الأميرية وجريدة الوقائع المصرية وكبير المعلمين بمدرسة الألسن وصاحب المؤلفات القيمة في النحو والشاعر والمصحح والناقد والأديب .. ولد بالقاهرة سنة 1210 هـ الموافق لعام 1795 م. وحفظ القرآن الكريم وجوده على والده ومهر في علوم اللغة العربية والأدب وكانت له مقدرة فائقة على الحفظ حيث حفظ الألفيات والمتون والأشعار .. تصدر للتدريس في الأزهر ثم اختاره رفاعة الطهطاوي مدرسا بمدرسة الألسن ومعاونا له في إدارتها .. من تلاميذه الشيخ حسن بن محمد بن داود العدوي المالكي (المتوفي سنة 1320 هـ.) والشيخ حسن بن أحمد رفاعي الهواري العدوي (المتوفي سنة 1924 م.) والشاعر صالح مجدي بك (المتوفي سنة 1880 م.) .. عمل محققا ثم كبيرا للمحققين في المطبعة الأميرية وساهم في تصحيح وتحقيق المئات من أمهات الكتب وأشهرها كتابي ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة .. عمل مصححا بجريدة الوقائع المصرية بحكم عمله بالمطبعة الأميرية وهي أول جريدة مصرية وعربية وإسلامية تصدر باللغة العربية أسسها محمد علي باشا سنة 1828 م. .. من مؤلفاته : (فتح الجليل بشرح شواهد ابن عقيل وتتميم الفوائد بشرح أبيات الشواهد) .. توفي رحمه الله سنة 1281 هـ / 1862 م. عقب حج مبرور ودفن ببستان العلماء وذلك بعد أكثر من سبعين سنة قضاها في خدمة الدين واللغة والعلم.
والده هو العلامة الكبير الشيخ عبد الرحمن قطة العدوي المالكي ولد ببني عدي القبلية فى العام 1170 هـ الموافق للعام 1756م وحفظ القرآن الكريم وجوده فى البلدة على العلماء فيها وأخذ بعض الدروس فى الفقه المالكي والتفسير والحديث والسيرة النبوية والنحو عن علماء بني عدي أيضًا من أمثال الشيخ محمد حسن الهواري المالكي العدوي المتوفى فى العام 1210هـ والشيخ سليمان طايع السباعي الحسني المالكي العدوي المتوفى فى العام 1232هـ والشيخ محمد خضر الزواوي المالكي العدوي المتوفى فى العام 1216هـ والشيخ محمد دقيلة العدوي المالكي ، ثم رحل إلى الأزهر للاستزادة من العلم وفى الأزهر لزم دروس الشيخ الإمام أبي البركات أحمد الدردير المالكي العدوي المتوفى فى العام 1201 هـ حيث أخذ عنه الفقه المالكي وعلوم التوحيد كما أخذ بالأزهر عن غيره من العلماء من أبناء بني عدي ومن غيرهم فأخذ عن الشيخ صالح السباعي الحسني العدوي المتوفى فى العام 1221 هـ والشيخ أحمد بن محمد بن موسى البيلي المالكي العدوي المتوفى فى العام 1241 هـ وغيرهم من علماء الأزهر الفضلاء فى ذلك الحين .
قال على باشا مبارك فى كتابه الشهير الخطط التوفيقية فى الجزء التاسع : ” الشيخ عبد الرحمن قطة العدوي الإمام المجتهد الشهير قرين مفتي السادة المالكية الشيخ محمد الأمير ” .. وقال الشيخ حسن بن أحمد رفاعي الهواري العدوي المالكي المتوفى فى العام 1924 الميلادى : ” الأستاذ المشهور بالزهد والورع العلامة الشيخ عبد الرحمن قطة العدوي وكان من تلاميذ الإمام الأمير ” .. وفى الغالب أنه توفى بعد العام 1250هـ وقد كان من معاصريه من علماء بني عدي والأزهر الشيخ عبد الله القاضي العدوي المتوفى عام 1258 هـ والشيخ عبدالرحمن بن أحمد الخطيب الجديمي المالكي العدوي والشيخ محمد خضاري العدوي المالكي والشيخ عبد الفتاح دقيلة العدوي السماني المالكي والشيخ علي الشاذلي الضرير العدوي المالكي المتوفى عام 1273هـ وغيرهم من العلماء الأجلاء .. وقد توفى الشيخ عبد الرحمن قطة ببني عدي القبلية ودفن فى الجبانة المعروفة الآن بالفدان والتي تقع جنوب المستشفى ببني عدي القبلية وقبره لا يزال موجودا ومعروفا وهو يقع على بعد خطوات قليلة من السور الفاصل بين الجبانة والمستشفى.
وجاء في كتاب تاريخ بني عدي ترجمة وافية للأستاذ محمد قطة العدوي : ” هو العالم الأديب اللغوي الشيخ محمد بن العلامة الشيخ عبد الرحمن قطة العدوي نسبة إلى بني عدي مركز منفلوط ، قال محمد علي مخلوف : ولد المترجم رحمه الله تعالى بالقاهرة سنة 1210هـ الموافق لعام 1795م الميلادي حيث كان أبوه العلامة : الشيخ عبد الرحمن قطة العدوي مقيما فيها ويدرس العلوم الدينية والعربية فى الجامع الأزهر وقد حفظ القرآن الكريم وجوده على أبيه وحضر دروس غيره من علماء بني عدي وسواهم الذين كانوا يقومون بالتعليم بالأزهر الشريف حينذاك ، ولم يزل يجد فى التحصيل والطلب حتى استوعب كثيرًا من العلوم ونال شهادة العالمية وأذن له بالتدريس وكانت له شهرة بين الأزهريين والاقتدار فى علوم اللغة العربية والولوع بالأدب العربى وحفظ الأشعار وتقريظها بأسلوبه الإنشائي الناصع والمشتمل على السجع غير المتكلف ونظم الشعر الجيد وكان مالكي المذهب مثل والده وغالبية العدوية الأزهريين عاكفا على القراءة والإطلاع غزير المادة متمكنا من كل فن وبخاصة الفنون الأدبية ، حكي أنه كان يقرأ للطلاب فى حاشية الجمل على تفسير الجلالين للقرآن الكريم فأخذ يتعقب العلامة الشيخ الجمل وينقد ما كتبه ويبين وجه الخطأ فى أقواله ويذكر الصواب للطلاب وبلغ صنيعه هذا الشيخ الجمل فوفد إلى درسه واستمع لما يوجهه من النقد والاعتراض لحاشيته فدارت بينهما مناظرة علمية نادرة حامية الوطيس وكانت الغلبة فيها بحق للشيخ محمد قطة العدوي ففرح المالكية العدوية والمالكية الصعايدة وعيروا الشافعية وأهل العلم من أبناء الوجه البحرى بقولهم : ” قطة الصعيد غلبت جمل الوجه البحرى أو جمل البحيرة “.
وقد عين الشيخ محمد قطة العدوي مصححا بجريدة الوقائع المصرية مدة من الزمن ووقع عليه الاختيار ليقوم بتصحيح الكتب العربية بمطبعة بولاق الأميرية فقام بمراجعة كثير من كتب التراث وبذل الجهد الكبير فى سبيل تصحيحها وإخراجها مطبوعة خالية من الأخطاء وكانت قبل ذلك لا ترى النور ولا يكاد يعرفها أحد من القراء فأكمل ما نقص وقدم فيها وأخر وحذف ما يصدم الأخلاق ويخدش الحياء من العبارات الممجوجة والكلمات النابية وكان محل ثقة العلماء لما عرفوه عنه من مقدرة فائقة على امتلاك ناصية اللغة العربية وآدابها وتوفره على استقامة المعاني فإنه كان إذا وجد عبارة قلقة فإنه يقوى ضعفها ويصحح سقمها حتى يخرج الكتاب فى ثوب بهيج لا أثر فيه لجهل الناسخ وعبث الأيدي ، قال محمد علي مخلوف وكان يكتب خواتيم الكتب ويترجم لمؤلفيها ويقرظها بأسلوب مسجوع على طريقة أهل عصره أو يقول أبياتا من الشعر فى تقريظ الكتاب ومؤلفه وهذه نماذج من نثره وشعره فى تقريظ الكتب التي قام بتصحيحها وإخراجها مطبوعة لأول مرة فقد قال عن حاشية العلامة الصبان على شرح الأشمونى للألفية : ” وبالجملة فهو كتاب لا تحصى فوائده ولا تحصر عوائده وذلك غنى عن البيان قاض به العيان كما أشرت إلى ذلك بقولي مؤرخا عام الطبع ملوحا لبعض ما فيه من المزايا والنفع وإن لم أكن من فرسان هذه الحلبة ولا أزن معهم مثقال حبة “.
وفي بحث بعنوان ” الشيخ محمد قطة العدوى – الأديب النحوى ” من إعداد الدكتور محمد حسن محمد يوسف الأستاذ المساعد فى قسم اللغويات بكلية البنات الإسلامية بأسيوط جاءت تفصيلات عن دوره العلمي الكبير حيث يقول : ” كان الشيخ محمد قطة مدرسا بمدرسة الألسن وكان منهج المدرسة فى الترجمة عمليا ومفيدا فلم يكن دروسا تكتب فى دفاتر وتهمل بل يمرن الطلبة على الترجمة فى كتب نافعة فإذا استغلقت عليهم جملة لجأوا إلى شيخهم الشيخ رفاعة الطهطاوى يذللها لهم ثم عرضوا ما ترجموا على أستاذ اللغة العربية يصحح لهم لغتهم خاصة الشيخ محمد قطة العدوى فقد كان ساعده الأيمن فى هذه المدرسة لما رزقه موهبة جليلة فى التدريس بلغة سهلة وعبارة فصيحة وقدرة فائقة على تصحيح عبارات الطلبة فيما يترجمون فإذا أتموا الكتاب أو الكتب روجعت ثم قدمت إلى المطبعة لتطبع فتكون أثرا خالدا.
هناك طائفة من العلماء غبنوا حقهم ولم يؤرخوا التاريخ الواجب لهم وهم المصححون .. قال الأستاذ أحمد أمين : ” كانوا يمتازون ـ فى عصرهم ـ بثقافة أوسع من أمثالهم واقتضاهم عملهم أن يطلعوا على كثير من الكتب فى التاريخ والأدب واللغة والفلسفة وغير ذلك مما وسعته مداركهم وآفاقهم واضطرهم عملهم أن يكتبوا خاتمة الكتب أو يكتبوا شرحا لغامض أو أن ينشئوا تقريظا لكتاب أو تعليقا عليه أو قصيدة فى مثل هذه الأغراض فجرت أقلامهم ومرنوا على الإنشاء والكتابة فى زمن عز فيه الأديب وندر فيه الكاتب وإن كان إنشاؤهم وكتابتهم مقيدة بنمط العصر من التزام السجع المكلف والاستعارة المشدودة وما إلى ذلك .. ثم قال : ” اشتهر من هذه الطبقة الشيخ نصر الهوريني ثم الشيخ محمد قطة العدوي ثم الشيخ إبراهيم الدسوقي ويظهر أنهم كانوا فى درجة علمهم وأدبهم كما كانوا حسب ترتيب زمنهم .. نشروا كثيرا من الكتب القيمة ولقوا فى تصحيحها المتاعب وأذهبوا فى مسوداتها سواد عيونهم وهم وإن لم تبلغ كتبهم منتهى الجودة من حيث الإخراج والضبط فقد بذلوا غاية جهدهم وجعلوها صالحة للاستفادة منها واستخرجوها من أصول سقيمة وخطوط عليلة ..
وطبعت المطبعة الأميرية نحو ثلاثمائة كتاب فى الرياضيات والطب وطبعت أمهات الكتب الأدبية بفضل القسم الأدبى الذى فصل عنها ووصل بدار الكتب المصرية ومنذ يومئذ اقتصرت مطبعة بولاق على طبع الوقائع المصرية والكتب المدرسية والأعمال الحكومية .. وعين الشيخ محمد قطة مصححا لجريدة الوقائع المصرية منذ مدة من الزمان وقد وقع عليه الاختيار ليقوم بتصحيح الكتب العربية بمطبعة بولاق الأميرية والتي أقامها محمد على 1821م. فقام بمراجعة كثير من كتب التراث وبذل الجهد الكبير فى سبيل تصحيحها وإخراجها مطبوعة خالية من الأخطاء فى وقت غمرت فيه الكتب وظلت حبيسة لا ترى النور ولا تقع فى يد أحد وخرجت هذه النفائس إلى النور وعملت على تغذية العقول بنتائج السلف وتهذيب اللغة وتقويمها كما كان يكتب خواتيم الكتب ويترجم لمؤلفيها ويقرظها بأسلوب مسجوع على طريقة أهل عصره يدل على قدمه الراسخة فى مجال الأدب والتعبير ” ا. هـ.
