
الأستاذ الدكتور أحمد كمال أبو المجد (1930 – 2019) هو وزير الإعلام والشباب السابق وسياسي وقانوني ووزير مفوض سابق في الحكومة المصرية .. من مواليد القاهرة 1930 م. والده المرحوم الشيخ محمد أبو المجد العدوي الذي كان نائبًا لرئيس المحكمة العليا الشرعية وجده لأبيه المرحوم الشيخ محمد حسن العدوي من علماء بنى عدي وأسيوط وجده لأمه المرحوم الشيخ محمد حسنين مخلوف العدوى وكيل الأزهر وشيخ الجامع الأحمدي بطنطا وخاله المرحوم الشيخ حسنين مخلوف مفتى الديار المصرية الأسبق وعضو جماعة كبار العلماء ، حصل على ليسانس الحقوق من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1950 ثم دبلوم القانون العام من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1951 ودبلوم الشريعة الإسلامية عام 1952 ودكتوراه القانون عام 1958 من الجامعة نفسها ثم حصل على ماجستير في القانون المقارن من جامعة مشيجن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1959 ، وهو من مؤسسي منظمة الشباب الناصرية وركن من أركان التنظيم الطليعي الناصري قبل أن يتجه للفكر الإسلامي وتولى أبو المجد وزارة الإعلام في عهد عبد الناصر والسادات ومبارك ، عمل في عدة وظائف منها أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة وقاضي ورئيس المحكمة الإدارية للبنك الدولي بواشنطن في الفترة من عام 1980 حتى عام 2002 وكذلك محام أمام محكمة النقض ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا بمصر وكان وزير الإعلام والشباب وعمل أميناً لشباب مصر ثم نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الانسان.
وهو عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف وعضو المجمع الملكى لبحوث الحضارة الإسلامية بالمملكة الأردنية الهاشمية وعضو أكاديمية المملكة المغربية وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والتشريع ومفوض شئون حوار الحضارات بالجامعة العربية وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان ، وهو أيضا عميد كلية الحقوق والشريعة بجامعة الكويت (1977-1979م) ومستشار الشؤون القانونية والدستورية لولي العهد الكويتي (1979-1985م) ورئيس اللجنة القانونية لنظر المنازعات بين وكالة غوث اللاجئين بالأمم المتحدة والعاملين بها (1982-1985م) ورئيس مناوب للجنة القانونية للتظلمات ببنك التنمية الإفريقي (1991-1998م) ، ومن مؤلفاته : (الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة ومصر القاهرة عام 1960 .. الرقابة القضائية على أعمال الإدارة القاهرة عام 1964 .. النظام الدستورى لدولة الإمارات العربية المتحدة القاهرة عام 1978.. دراسات في المجتمع العربى القاهرة عام 1962 .. حوار لا مواجهة القاهرة 1988 .. رؤية إسلامية معاصرة القاهرة عام 1991).

ومن ضمن كتبه القيمة في مجال الفكر الإسلامي كتاب ” رؤية إسلامية معاصرة ” والمكتوب عام 1980 م وهو بيان لعدد من المفكرين الإسلاميين هم الشيخ محمد الغزالي والدكتور يوسف القرضاوي والدكتور محمد سليم العوا والمستشار طارق البشري والكاتب فهمي هويدي والدكتور أحمد كمال أبو المجد الذي تولى صياغة البيان .. كانت الفكرة المحورية أنه قد آن الأوان أن يظهر طريق وسط بين (الخائفين على الإسلام) و (الخائفين من الإسلام) مذكرا بأهمية الإدراك الحقيقي لمشاكل الأمة حيث يظن البعض أن التخلف ناتج عن ضعف الإيمان والخلق فقط وأن مشروع الإسلام السياسي وشعاراته كفيلة بتحقيق التقدم ، لكن الحقيقة هو غياب الفكر الإسلامي الرشيد القادر على التواصل مع العالم وهو ما يحتاج إلى تجديد فقهي وفكري شامل يصوغ رؤية جديدة لفهم الدين وعلاقته بالحياة بعيدا عن الموروثات الجامدة للسابقين .. كان الغرض الرئيسي من البيان محاولة لترشيد الصحوة الاسلامية إلى طريق الوسطية والاعتدال انطلاقا من فهم كلي وموضوعي للمقاصد العليا للشريعة من خلال رؤية تعتمد على اجتهاد عقلاني لفهم النصوص ومعالجة عدد كبير من القضايا الدينية والاجتماعية والسياسية فى الحياة بصورة تتوافق مع متغيرات العصر الحاضر ويرون أن الدعوة إلى الإصلاح لا تكون إلا من خلال وسائل معتدلة وسلمية تقوم على دمج الجمهور العريض للصحوة الاسلامية فى الحياة السياسية والاجتماعية وذلك فى اطار الدستور والقانون.
وفي عام 2002 أقام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية مؤتمره الثالث عشر عن التجديد في الفكر الإسلامي وقدم فيه أبو المجد ورقة بحثية بعنوان ” تجديد الفكر الإسلامي : إطار جديد ومداخل أساسية ” ضمنها أبرز أفكاره في هذا المجال الذي بحث فيه معظم سنوات عمره وقال فيها : ” يكاد مؤرخو الحضارات يجمعون على أن الحضارات الإنسانية ليست أبنية ثابتة تتحدد معالمها مرة واحدة ثم تبقى على حالها وإنما هى أشبه بالكائنات العضوية الحية لها لحظة ميلاد ولها بعد ذلك مراحل نمو وتطور تنتقل فيها تلك الحضارات بين الارتفاع والازدهار فى مرحلة من تاريخها والتراجع والانكماش فى مرحلة أخرى من ذلك التاريخ .. كذلك يسجل تاريخ الحضارات وجود تيارين متقابلين داخل كل حضارة أحدهما تيار محافظ شديد التمسك بالثوابت التى حددت – فى لحظة تاريخية قديمة – هوية تلك الحضارة وتيار آخر حريص على تجديد الحضارة وملاقاة ما يحمله اختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال من مستجدات لم تكن قائمة لحظة ميلاد تلك الحضارة وذلك بتجدد وتطور مواكبين لتلك المستجدات يكفلان للثقافة مزيدا من الحيوية ويحققان لها مزيداً من فرص الاستمرار والبقاء .. إنه على الرغم من دور ” الوحى” فى تحديد معالم الثقافة ومواقفها الأساسية من القضايا الوجودية الكبرى المتصلة بالإنسان والكون والخالق ومصير الحياة فإن دور ” العقل ” والتجربة الإنسانية فى ملء تفاصيلها وتغذية تجلياتها يظل دوراً بارزاً لا يتصور إغفاله أو إنكاره ولهذا تبقى ” الثقافة الإسلامية ” فى نهاية المطاف ثقافة إنسانية تتعرض لما تتعرض له سائر الثقافات من مد وجزر وارتفاع وانخفاض كما يظل المسلمون – عرفوا ذلك أو لم يعرفوه – جزءاً من التاريخ العام للإنسانية كما يظل سلوكهم جزءاً من تيار السلوك الإنسانى تحكمه ذات السُّنن والضوابط التى تحكم الناس فى مسيرتهم عبر التاريخ ..

لهذا كله لم يكن غريباً أن يعرف تاريخ الثقافة الإسلامية وتاريخ الفقه الإسلامى بصفة خاصة تيارين متقابلين يميل أولهما إلى المحافظة الشديدة ويخاف على الإسلام أشد الخوف من أن تضيع معالمه وتهتز ثوابته بسبب نزوع فريق من المسلمين عامتهم وخاصتهم وفقهائهم إلى ” التجديد ” وإدخالهم على ثقافة المسلمين وشريعتهم أموراً لم يكن يعرفها أهل القرن الأول للإسلام ويعتصم هذا الفريق بالنصوص القرآنية والنبوية لا يكاد يعدوها بل لا يكاد يعدو حروفها وظواهرها وذلك إيماناً بأن هذه النصوص وحدها التى تحمل الخصائص الذاتية النفيسة للإسلام وثقافته وتصوراته الأساسية فى الاعتقاد والأخلاق والسلوك الفردى والتنظيم الاجتماعى .. أما التيار الآخر فإنه يجعل للعقل دوراً بارزاً إلى جانب دور النصوص إيماناً بأن النصوص خصوصاً فى أمور التشريع والنظام السياسي والاجتماعي نصوص متناهية وأن الحوادث والنوازل وما يعرض للناس من حاجات أمور غير متناهية وأن كمال الشريعة وخلودها لا يمكن أن يتحققا إلا بأمر وراء ما فهمه الفريق الأول من النصوص ومن الشريعة وهؤلاء هم الذين يطلق المؤرخون عليهم أو يطلقون هم على أنفسهم وصف ” المجددين ” ، ويلتمس هذا الفريق أساساً لشرعية منهجه من الحديث الشريف الذى رواه أبو داود وغيره والذى يقول : ” إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ” (أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقى) ويعرف دارسو الفقه وعلماء الشريعة ومؤرخو الثقافة الإسلامية روافد هذين التيارين وعالم كل منهما ويصفون أتباع التيار الأول فى مجال العقائد وأصول الدين بوصف السلفيين كما يصفون التيار الآخر بأنه تيار ” المجددين ” ويقابلون فى خصوص الفقه وأصوله بين مدرسة ” الحديث ” التى نشأت ونمت فى مدينة النبى (ص) ومدرسة ” الرأي ” التى نشأت ونمت فى بغداد والكوفة ،
وهذا البحث لا يتوجه إلى دراسة معالم هاتين المدرستين فى ميدان ” الفقه ” وحده وإنما يتوجه إلى دراسة أمر يتجاوز ” الفقه ” ومدارسه ليمتد إلى الفكر الإسلامى فى عمومه ومجمله وإلى ” العقل المسلم ” المعاصر ومناهجه الغالبة والسائدة فى تعامله مع الواقع الموضوعي الذى يتجدد من حوله ومدى قدرته على تجديد فهمه لدور ” الدين ” فى التعامل مع هذا الواقع المتجدد ، وفى هذا الإطار نستطيع من جانبنا أن نقابل بين منهجين متقابلين اخترنا أن نسمى أولهما منهج ” الجمود على الموجود ” وأن نسمى الآخر منهج ” التجديد ” فى فهم مضامين الإسلام والتجديد فى المضامين والأولويات التى يجرى بها تعامل ” الخطاب الإسلامي ” مع جموع المسلمين من ناحية ومع سائر الأمم والشعوب من ناحية أخرى وفي الثقافة الإسلامية المعاصرة استقطاب واضح تحددت من خلاله معالم هذين المنهجين ، ولكنا نسارع فنقول إن المواجهة بين هذين المنهجين قد صارت تستهلك القدر الأكبر من طاقة المسلمين جميعاً وتستغرق الجانب الأكبر من جهود مفكريهم وخاصة علمائهم وهو استغراق يهدد مستقبل الأمة وينتقص من فرصتها فى اللحاق بالآخرين وفي التأهل لأداء دور الريادة والقيادة الذى عبرت عنه الآية القرآنية الكريمة رقم 143 من سورة البقرة : (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) البقرة 143 “.