
دمياط وغزوات الروم
في أبريل عام 642 م. قام القائد المقداد بن عمرو الكندي بفتح مدينة دمياط ثم قضى على آخر فلول الرومان في المنطقة في 19 يوليو من نفس العام بمعاونة أهالي المدينة في آخر معارك الفتح الإسلامي لمصر ، ودمياط بلدة قديمة اسمها الأصلي تا محيت ويعني أرض الشمال واسمها الروماني تامياثيس واسمها القبطي تيميات ومنه اشتق اسمها العربي ، لكن تاريخها المعروف يبدأ مع العصور الإسلامية حيث شهدت عددا كبيرا من الحروب ضد الروم والنورمان والفرنجة لأنها كانت حائط الصد الأول ضد أعداء مصر.
في عام 90 هـ نزل عليها الروم وتصدى لهم والي البحر خالد بن كيسان وأسر لكن ملك الروم أطلق سراحه خوفا من الخليفة الوليد بن عبد الملك ، وفي عام 121 هـ أرسل الروم 360 مركبا فقتلت وأسرت من سكان دمياط ثم لاذت بالفرار بعد أن وصل الخبر إلى الخليفة هشام بن عبد الملك ، وفي عام 203 هـ هاجمها الروم مستغلين الاضطرابات التي أعقبت صراع الأمين والمأمون.
وفي عام 238 هـ نزل الروم دمياط يوم عرفة واستولوا عليها ونهبوها وقتلوا بها جمعا كثيرا من المسلمين وأسروا النساء والأطفال وأهل الذمة فنفر إليهم والي مصر عنبسة بن إسحق يوم النحر فى جيشه ومعه كثير من الناس فلم يدركوهم ، ونتيجة لذلك أمر الخليفة المتوكل في عام 239 هـ ببناء حصن دمياط وإنشاء الأسطول بمصر ، وفي عام 307 هـ أرسل الروم 200 مركب فأقاموا يعبثون فى السواحل شهرا ويقتلون ويأسرون وكان للمسلمين معهم معارك.
وفي عام 357 هـ أرسل الروم 20 مركبا مستغلين وفاة كافور الإخشيدي وقتلوا وأسروا 150 من المسلمين ، وفي عام 550 هـ في خلافة الفائز الفاطمي ووزارة طلائع بن رزيك أرسل ملك صقلية النورماندي عشرين سفينة نهبت المدينة وقتلت التجار والصيادين ، وفي عام 564 هـ قرر ملك الصليبيين في القدس غزو مصر برا يصحبه 20 سفينة كبيرة هاجمت دمياط وقتلت وأسرت ونهبت المدينة وذلك في خلافة العاضد الفاطمي ووزارة شاور بن مجير السعدي.
وفي عام 565 هـ وصلت إلى دمياط 1200 سفينة للفرنجة والنورمان والروم متحالفين وذلك في خلافة العاضد ووزارة صلاح الدين الذي استبسل في الدفاع عن المدينة وأرسل إليها خاله الأمير شهاب الدين الحارمي وابن أخيه الأمير تقي الدين عمر الأيوبي في جموع المتطوعة واستمر الحصار شهرين وانتهى بفشل الغزو وغرق 300 سفينة للغزاة وقتل عدد كبير من جنودهم واضطروا لإحراق المجانيق الثقيلة وإلقاء متعلقاتهم في البحر وانسحابهم مهزومين لكنهم عادوا بعد سنوات في حملات صليبية كبرى.

دمياط والحملات الصليبية
تحتفل محافظة دمياط بعيدها القومي يوم 8 مايو الذي يوافق ذكرى تحرير مدينة دمياط من الصليبيين عام 1250 م. حيث كانت المدينة هي المقصد الأول للحملات الصليبية الكبرى التي هاجمت مصر بعد قيام الدولة الأيوبية وتحقيق الانتصارات الكبرى في حطين وتحرير القدس والقضاء على أحلام الصليبيين في الشرق.
في عام 615 هـ نزلت دمياط الحملة الصليبية الخامسة وقوامها 70 ألف جندي قاصدة الاستيلاء على مصر وصمدت دمياط للحصار مدة سنة ونصف ثم احتلها الصليبيون وأسرفوا في القتل ونهبوا القرى المجاورة وقتلوا ألف شخص من الريف وحولوا الجامع إلى كنيسة ، وظلت بيدهم لمدة سنتين حتى تمت هزيمتهم على يد الملك الكامل حيث تحطم أسطولهم في بحر المحلة وغرق جيشهم البري في فيضان الدلتا وأعلنوا الاستسلام ودخل الملك الكامل بصحبة ملوك الإسلام إلى دمياط في يوم مشهود.
وفي عام 647 هـ نزلت دمياط الحملة الصليبية السابعة وقوامها 80 ألف فارس بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا واحتلوا دمياط وأعملوا فيها القتل والنهب وحولوا الجامع إلى كاتدرائية ونصبوا عليها أسقفا وأعلنوا دمياط مدينة صليبية وعاصمة لمملكة ما وراء البحار (أوتريميه) ، واستمر ذلك لمدة سنة حتى رحل عنها الصليبيون بعد هزيمتهم في معارك المنصورة وفارسكور حيث أبيد الجيش الفرنسي وسقط لويس في الأسر وافتدى نفسه بالرحيل عن دمياط ودفع مبلغ 400 ألف دينار تعويضا عما سببه من أضرار.
وفي عام 648 م. قرر السلطان عز الدين أيبك هدم الجزء الشمالي من قلعة دمياط ونقل السكان جنوب المدينة بعيدا عن مدخل النهر في أخصاص سميت المنشية وذلك حتى يمكن حمايتهم ، ونتيجة لما تعرضت له دمياط من هدم وإعادة بناء أكثر من مرة تغير موقعها باتجاه الجنوب وأغلق مدخل البوغاز الذي كان هدفا دائما للصليبيين حيث يقول علي باشا مبارك :
” فلما استبد الملك الظاهر بيبرس البندقدارى الصالحى بمملكة مصر بعد قتل الملك المظفر قطز أخرج من مصر عدة من الحجارين فى سنة تسع وخمسين وستمائة لردم فم بحر دمياط فمضوا وقطعوا كثيرا من القرابيص وألقوها فى بحر النيل الذى ينصب فى شمال دمياط فى البحر الملح حتى ضاق وتعذر دخول المراكب منه إلى دمياط ..
وهو إلى الآن على ذلك لا تقدر مراكب البحر الكبار أن تدخل منه وإنما ينقل ما فيها من البضائع فى مراكب نيلية تعرف عند أهل دمياط بالجروم وإحدها جرم وتصير مراكب البحر الملح واقفة بآخر البحر قريبا من ملتقى البحرين ..
وأما دمياط الآن فإنها حدثت بعد تخريب مدينة دمياط وعمل هناك أخصاص وما برحت تزداد إلى أن صارت بلدة كبيرة ذات أسواق وحمامات وجوامع ومدارس ومساجد ودورها تشرف على النيل الأعظم ومن ورائها البساتين وهى أحسن بلاد الله منظرا “.

أعلام دمياط من القرن السادس إلى الثامن
فاتح الأسمر : في تاريخ المقريزي : فاتح بن عثمان الأسمر التكرورى قدم من مراكش إلى دمياط على قدم التجريد ، وسقى بها الماء فى الأسواق احتسابا من غير أن يتناول من أحد شيئا ، ونزل فى ظاهر الثغر ولزم الصلاة مع الجماعة وترك الناس جميعا ، ثم أقام بناحية تونة من بحيرة تنيس وهى خراب نحو سبع سنين ورمّ مسجدها ، ثم انتقل من تونة إلى جامع دمياط وأقام فى وكر فى أسفل المنارة من غير أن يخالط أحدا إلا إذا أقيمت الصلاة خرج وصلى.
ولم يصحب قط أميرا ولا وزيرا ، بل كان فى سلوكه وطريقه يرفع فى تواضع ، ويعزز مع مسكنة ، وقرب فى ابتعاد ، واتصال فى انفصال ، وزهد فى الدنيا وأهلها .. ومن دعائه لنفسه ولمن يسأل له الدعاء : « اللهم بعدنا عن الدنيا وأهلها وبعدها عنا » ، وما زال على ذلك إلى أن مات آخر ليلة أسفر صباحها عن الثامن من شهر ربيع الآخر سنة خمس وتسعين وستمائة ، ودفن بجوار الجامع وقبره يزار إلى يومنا هذا.
ابن شاس المالكى : جاء في كتاب حسن المحاضرة للسيوطي أن في دمياط قبر شيخ المالكية الإمام جلال الدين أبى محمد عبد الله بن محمد بن شاس بن قرار الجذامىّ السّعدى ، صاحب كتاب الجواهر الثمينة فى المذهب ، كان من كبار الأئمة العاملين ، حج آخر عمره ورجع فامتنع من الفتيا إلى أن مات بدمياط مجاهدا سنة ست عشرة وستمائة والإفرنج محاصرون لها، وكان جده شاس من الأمراء.
ابن الخراط : فى حسن المحاضرة للسيوطى : الشيخ عبد السلام بن على بن منصور الدمياطى الشافعى المعروف بابن الخراط ، ولد بدمياط ورحل إلى بغداد فتفقه بها ، وتميز فى الفقه والخلاف ، ورجع إلى بلده فأقام بها قاضيا مدرسا ، ولى قضاء مصر والوجه القبلى ، ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة ، ومات سنة تسع عشرة وستمائة.
ابن المرحل : الشيخ صدر الدين محمد بن المرحل الشافعى ، كان إماما جامعا للعلوم الشرعية والعقلية واللغوية ، ولد بدمياط فى شوّال سنة خمس وستين وستمائة ، وتفقه على أبيه وغيره ، ودرس بالخشابية والمشهد الحسينى والناصرية ، وجمع كتاب الأشباه والنظائر ، ومات قبل تحريره فحرره وزاد عليه ابن أخيه ، مات بالقاهرة فى ذى الحجة سنة ست عشرة وسبعمائة.
وابن أخيه هو زين الدين محمد بن عبد الله ابن الشيخ زين الدين عمر ، كان عالما فاضلا فى الفقه والأصلين ، ولد بدمياط وتفقه على عمه وغيره ، مات فى رجب سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة.
الكمال الدمياطي : في كتاب الضوء اللامع : محمد بن صدقة بن عمرو الكمال الدمياطى ثم المصرى ، القاهرى الشافعى المجذوب ، وكان على طريقة حسنة ثم انجذب وحكيت عنه الكرامات وهرع الأكابر لزيارته وطلب الدعاء منه ، مات وقد قارب السبعين سنة أربع وخمسين وثمانمائة ، ودفن بجوار قبر الشيخ أبى العباس أحمد الحراز بالقرافة الكبرى.
معين الدين الفارسكوري : في كتاب الضوء اللامع : محمد بن محمد بن محمد الملقب معين الدين الفارسكورى الأصل الدمياطى المولد والدار ، أحد المتمولين من بيت تجارة ووجاهة ، وابتنى بدمياط مدرسة هائلة ، وعمل بها شيخا وصوفية ، وأكثر الحج والمجاورة ، ومات قريبا من سنة ستين وثمانمائة عن سن عالية.

أعلام دمياط من القرن التاسع إلى الثاني عشر
زين الدين الدمياطي : جاء في كتاب الضوء اللامع : عبد السلام بن موسى بن عبد الله بن محمد الزين بن الشرف البهوتى الدمياطى الشافعى ، ولد سنة خمس وثلاثين وثمانمائة تقريبا بدمياط ، أمّ بالجامع البدرى بعد أبيه ، وقرأ على العامة فى المواعظ والرقائق ونحوهما ، وكتب بخطة شيئا كثيرا حبس جميعه على بنيه ، ولم يزل على طريقته فى الخير والبركة واعتقاد الناس فيه حتى مات فى أواخر صفر سنة ست وتسعين وثمانمائة بدمياط ، ودفن بجوار الشيخ فاتح بتربة الشرفاء بنى عجلان.
ابن إبراهيم القرشي : فى الضوء اللامع للسخاوى خليل بن إبراهيم بن عبد الرحمن القرشى الأسدى البهوتى الدمياطى ، يعرف بالمنهاجى ، ولد بدمياط سنة ست وثلاثين وثمانمائة ، سافر إلى طرابلس وبيروت وغيرهما ، ثم ترقى لأمير المؤمنين المتوكل على الله العز عبد العزيز ، ودخل فى أشياء كالوصية على بنى أبى الفضل بن أسد ، ووصف بالعدل والديانة.
شمس الدين الدمياطي : فى ذيل طبقات الشعرانى : الشيخ الصالح العالم شمس الدين الدمياطى ، المقيم بخانقاه سعيد السعداء ، كان محققا للعلوم كثير البكاء من خشية الله تعالى ، زاهدا ورعا عابدا لا يكاد ينام من الليل إلا قليلا ، وكان سمته سمت الصالحين ، وأعماله أعمال المتقين صحبته نحو خمس سنين ثم مات.
ابن يوسف الدمياطي : فى خلاصة الأثر : محمد بن يوسف بن عبد القادر الدمياطى المصرى الحنفى ، المفتى الإمام المقدم على أقرانه ، البارع فى أهل زمانه ، مفتى مذهب النعمان بالقاهرة ، والمبدى من تحريراته التحقيقات الباهرة ، فاق فى الفضائل جميعها ، وبهر فى تأصيل المسائل وتفريعها ، وتكلم فى المجالس وأظهر من درر بحره النفائس ، وجمع وألف وكتب وأفاد ، وأرسل فتاويه طائرة بأجنحة ورقها إلى سائر البلاد. وكانت وفاته بمصر يوم الجمعة السابع عشر من ربيع الثانى سنة أربع عشرة وألف.
أبو حامد البديري : في تاريخ الجبرتى ، الإمام العالم العلامة مفرد الزمان ووحيد الأوان محمد بن محمد بن محمد بن الولى شهاب الدين أحمد ابن العلامة حسن ابن العارف بالله تعالى على ابن الولى الصالح بدير بن محمد بن يوسف شمس الدين ، أبو حامد البديرى الحسينى الشافعى الدمياطى ، رحل إلى القاهرة والحرمين وتوفى بدمياط سنة أربعين ومائة وألف.
ابن عبد الغني البناء : فى الجبرتى : الأستاذ العلامة أحمد بن محمد بن أحمد ابن عبد الغنى الدمياطى الشافعى الشهير بالبناء ، خاتمة من قام بأعباء الطريقة النقشبندية بالديار المصرية ، ورئيس من قصد لرواية الأحاديث النبوية ، صنف كتاب « اتحاف البشر بالقراءات الأربعة عشر » وأقام مرابطا بعزبة البرج ، توفي وهو عائد من الحج فى المحرم سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بالبقيع.
مصطفى اللقيمي : فى الجبرتى : أفضل النبلاء وأنبل الفضلاء الماجد الأكرم الشيخ مصطفى أسعد اللقيمى الدمياطى ، وهو رابع الأخوة الثلاثة عمر وعثمان ومحمد ، أولاد المرحوم أحمد بن محمد بن أحمد بن صلاح الدين اللقيمى الدمياطى الشافعى ، سبط العنبوسى ، وكلهم شعراء بلغاء ، ومن محاسن كلامه وبديع نظامه «مداميته الأرجوانية فى المقامة الرضوانية» التى مدح بها الأمير رضوان كتخدا عزبان الجلفى.

عزبة البرج
في عام 238 هـ تعرضت دمياط لهجوم من سفن الروم الذين نزلوا البلدة ونهبوها وقتلوا المدافعين عنها ثم أسرعوا بالهروب قبل أن يدركهم والي مصر عنبسة بن إسحاق ، لذلك أمر الخليفة المتوكل العباسي ببناء حصون برية وبحرية شمال مدينة دمياط وتأسيس مراكز للأسطول بجواره وذلك في عام 239 هـ ، وعبر العصور المختلفة تمت الزيادة فيه وتقويته وعرف عند العوام باسم برج السلسلة حيث توضع سلاسل حديدية في المجرى الملاحي لمنع دخول السفن من البوغاز وتمتد من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي.
وقد وصفه الذهبي في تاريخ الإسلام فيقول : ” وفي جمادى الأول أخذت الفرنج من دمياط برج السلسلة فبعث الكامل يستصرخ بأبيه فدق أبوه لما بلغه الخبر بيده ومرض مرضة الموت ، قال أبو شامة : وضرب شيخنا علم الدين السخاوي بيد على يد ورأيته يعظم أمر البرج وقال : هو قفل الديار المصرية ، وقد رأيته وهو برج عال في وسط النيل ودمياط بحذائه من شرقيه والجيزة بحذائه على حافة النيل من غربيه وفي ناحيتيه سلسلتان تمتد إحداهما على النيل إلى دمياط والأخرى على النيل إلى الجيزة تمنعان عبور المراكب من البحر المالح “.
وكانت المنطقة الواقعة شرق فرع دمياط تعرف في الدولة الفاطمية باسم كورة الإبوانية وتضم عدة قرى وجزر وشواطىء ملاصقة لبحيرة تنيس (بحيرة المنزلة حاليا) نسبة إلى قرية إبوان التي طغت عليها مياه البحيرة في القرن الثامن الهجري ومعها قرية نبلوهة ودبيق التي كانت مشهورة بالثياب الدبيقية وبقيت منها قرية شطا التي كانت في أقصى الجنوب مع مساحة صغيرة محصورة بين البحيرة وفرع دمياط تمتد حتى البرج في الشمال وتم ضمها في العصر المملوكي إلى أعمال ضواحي دمياط.
وبعد انتهاء الحروب الصليبية عرفت المنطقة باسم أكبر قرية ناشئة فيها وهي منية بو سليم نسبة لإحدى العشائر العربية والتي تغير اسمها في العصر العثماني إلى الشعرا وعرفت المنطقة باسم شط الشعرا ، وأطلق على الساحل كله شطوط دمياط والممتدة حتى عزبة البرج في الشمال والتي سميت نسبة إلى برج السلسلة والذي طمست معالمه ولم يبق منه إلا جزيرة ضحلة ثم في العصر الحديث تحولت عزبة البرج إلى مدينة.
وفي ذلك يقول محمد رمزي في القاموس الجغرافي : ” إن هذا الاسم وهو شطوط دمياط كان يطلق على ناحية مالية ذات زمام من سنة 1236 هـ وكانت هذه الناحية تتكون من عدة عزب قسمت من الوجهة الإدارية في سنة 1872 إلى تسع نواح : وهي شط الشعرا وشط الخياطة وشط الشيخ درغام وشط جريبة وشط عزبة اللحم وشط غيط النصارى وشط محب والسيالة وشطا ثم عزبة البرج “.

ثورة دمياط ضد الفرنسيين
جاء في الخطط التوفيقية : وفى كتاب سيرة نابليون الأول : أنه حين دخل أمير الجيوش الفرنساوية بونابرت إلى القاهرة ورتب أمورها وقلد الجنرالات أحكام الديار المصرية، أرسل الجنرال بيال إلى مدينة دمياط -وكان ذا مكر واحتيال-فلما استقر فى مدينة دمياط أحضر سبعة من كبار تجارها وأقامهم لتدبير البلد وأعمالها، ثم رتب أغا إنكشارية، وأقام بالبلد واليا ومحتسبا، ورتب الترتيب القديم، وأحضر شيخ قرية الشعراء-وهى بالقرب من مدينة دمياط -وألبسه فروة وقلده سيفا، وأحضر شيخ اقليم المنزلة، المعروف بالشيخ حسن طوبار، وقلده سيفا مذهبا وجعله ملتزما.
وكانت أهالى تلك الأقاليم تمتثل رأى هذا الشيخ وتقتدى به، وبعد ما تقلد الألتزام أتت إليه الكتابات مع أحمد باشا الجزار وإبراهيم بيك، وفيها يحثانه على أن لا يقبل الفرنسيس، وأن يستنهض أهالى الإقليم عليهم، ويكون مجتهدا فى حربهم وواعداه فى المكاتيب بسرعة الوصول إليه بالعساكر الوافرة. فاشتهر هذا الشيخ بضدية الفرنسيس وخبث النية عليهم، واستنهض أهل القرى التى حوله وعقدوا رأيهم على أن يجتمعوا فى قرية الشعراء- بالقرب من دمياط -يهجموا على الفرنساوية ليلا، وأوصلوا الخبر إلى أهل دمياط.
وفى شهر ربيع الثانى هجمت الرجال على البلد ليلا، وكان الفرنساوية مقيمين بالوكائل التى على البحر فهجموا بضجيج عظيم وهم ينادون: «اليوم يوم المغازاة فى هؤلاء الكفار، ومن يتبعهم من النصارى، اليوم ننصر الدين ونقتل هؤلاء الملاعين». فانتبه الفرنساوية من المنام واستعدوا للحرب، والتقوا مع هؤلاء الأمم وضربوهم بالرصاص والسيوف ومنعوهم من الدخول وكانت الهزيمة على أهل البلاد، مع أنهم أضعاف الفرنساوية، وقبل أن يطلع النهار أخرجوهم من البلد راجعين إلى قرية الشعراء حائرين فى أمرهم.
وكانت قد وصلت الأخبار عند طلوع الشمس إلى أهالى العزبة (بضم العين كما فى مراصد الاطلاع)، وهى قرية صغيرة عند بوغاز البحر الملح، أن المسلمين كبسوا دمياط، وقتلوا أولئك الكفار من الفرنسيس ونصارى البلد. وكان فى قرية العزبة خمسة أنفار من الفرنساوية فهجموا عليهم وقتلوهم، وقدم مركب فيه ثلاثة أنفار فقتلوهم، ثم هجموا على قلعة العزبة، وكان بها عشرون من الفرنساوية، فأغلقوا الأبواب ورموهم بالرصاص فرجعوا عنهم خاسرين.
وعند نصف النهار تحقق أن المسلمين رجعوا منكسرين والفرنساوية مقيمون بدمياط. فندم أهل العزبة على ما فعلوا وخافوا على حريمهم وعيالهم، فجمعوا حريمهم وأموالهم وانحدروا فى المراكب هاربين إلى نواحى عكا. ووصل الخبر إلى دمياط بما صار من أهل العزبة، فركب الجنرال إليها، فلم يجد بها أحدا فنهب ما وجده فيها وأحرقها بالنار، ورجع إلى دمياط.
وأخذ الفرنساوية فى ابتناء حصون فى العزبة، ثم عزم الجنرال على المسير إلى لم المسلمين فى قرية الشعراء، وأمر بأن المجاريح من الفرنساوية ينزلون فى المراكب خوفا من مسلمى البلد. ولما رأى النصارى ذلك ذهبوا إليه، وقالوا له: لا يحل لك أن تذهب وتلقينا فى أيدى هؤلاء الأشرار، لأنا سمعناهم يقولون اقتلوا النصارى قبل الفرنساوية، فثنى عزمه عن المسير إليهم.
وكتب إلى حاكم المنصورة يطلب منه الإسعاف، فوجه إليه مائة وخمسين عسكريا، فعند حضورهم إليه سار بهم إلى قرية الشعراء وترك جنوده فى دمياط، فانهزمت منه الجموع التى بها فأحرقها وقتل من وجد بها، ورجع إلى دمياط، وصنع شنكا عظيما ونشر بيارق الانتصار ونكس البيرق العثمانى، الذى كان أمر أمير الجيوش أن ينشر فى كل مكان توجد فيه الفرنساوية.

دمياط في العهد الخديوي
جاء في الخطط التوفيقية : وطول المدينة من الشمال إلى الجنوب، ألف وستمائة وخمسون مترا، وعرضها ستمائة وخمسون مترا، ومسطح سقفها ألف ألف وثمانون ألف متر، وبها من المنازل نحو خمسة آلاف وثمانمائة منزل، وأبنيتها بالآجر والمونة والبعض بالحجر الآلة، وكثير منها على ثلاث طبقات أو أربعة، وعدد أهلها خمس وثلاثون ألف نفس، طباعهم تميل إلى الرقة والرفاهية وحسن المعاشرة سيما للأجانب، ولانخفاض موقعها وتسلط الرطوبة عليها يغلب عليهم أمراض الصدر وداء الفيل، وأغلب مأكولهم أنواع السمك مصحوبة بالأرز.
وبها نحو خمسة وأربعين مسجدا أشهرها: جامع الشيخ شطا بن الهاموك، وهو على شاطئ بحيرة المنزلة فى شرقى البلد بنحو أربعة آلاف متر. ثم جامع أبى المعاطى فى جهتها الشرقية بلا فاصل، وله شبه بجامع سيدنا عمرو ابن العاص الذى بالفسطاط. ثم جامع المتبولى، وهو المدرسة المتبولية التى أنشأها قايتباى لسيدى إبراهيم المتبولى، بعد الستمائة من الهجرة.
وبها مكاتب أهلية، وأربع كنائس لأديان مختلفة، وبها ديوان المحافظة مستوفى، ودواوين صغيرة للجمرك ولرياسة الليمان وللتنظيم، وللأوقاف وللصحة، واسبتالية ملكية لمعالجة مرضى الأهالى، ومجلس تجارى وآخر مدنى، ومحكمة شرعية مأذونة بتحرير الحج وسماع الدعاوى، كغيرها من محاكم المحافظات كمحكمة الإسكندرية ورشيد وبورت سعيد والاسماعيلية والعريش والسويس.
وبها، أشوان للميرى، وأسواق عامرة دائمة، وخانات وقهاو وخمارات، وأربع حمامات ماؤها من النيل، ومعمل دجاج، وعدة أحجار لعصر الشيرج وبزر الكتان ونحوه، وست وابورات بخارية، منها ما قوته خمسة وثلاثون حصانا، لضرب الأرز وهو تعلق الميرى من إنشاء العزيز محمد على، كما أنشأ بها جملة فوريقات، ومنها ما قوته أربعة عشر حصانا، لطحن الغلال، والأربعة الآخر لضرب الأرز، قوتها من سبعة خيول إلى عشرة، وبها دوائر لضرب الأرز تديرها الخيل والمواشى تعلق الأهالى، بعضها بأربع طالات وبعضها بطالتين.
ومن متاجرها، أصناف الأرز المتحصل من مزروعات ما جاورها من البلاد، وأصناف الدخان الواردة إليها من بلاد الشام، والحطب والفحم، والخشب المستعمل فى العمارات الوارد إليها من بلاد الأناضول. وبها، أنواع العقاقير بكثرة، ويوجد بها طاقات المقصب، وثياب الحرير الشامى والبلدى، وأنواع البز، وينسج بها أصناف الكريشة والبرنجك، وثياب القطن والكتان، والمحازم وملايات الفرش، وقلوع المراكب ونحوها.
وبها، فاخورات للأوانى، وحجارة الدخان ونحوها. وقشلاق للعساكر، وجبخانة ومدرسة حربية، ببر السنانية. ولها غير السوق الدائم، سوقان حافلان، كل أسبوع يوم الخميس والجمعة، يباع بهما أنواع الحيوانات حتى السمك والطير، وأصناف الغلال وغير ذلك.
وفى شمالها أرض المزارع تمتد إلى جزء من ساحل البحر الأبيض المتوسط، وفى شرقيها بساتين ومزارع تمتد إلى بحيرة المنزلة، وكذا فى جنوبها إلى ترعة العنانية- وتلك الجهات الثلاث بحدودها ومشتملاتها هى المسماة بشطوط دمياط، التابعة لضبطية مركز فارسكور من مديرية الدقهلية. ويمر فى خلال المدينة عرضا خليج يروى بعض أراضى تلك الشطوط وينصب فى بحيرة المنزلة.
وفى شمال دمياط بنحو أربعة آلاف متر بقرب بحيرة المنزلة ملاحات، يستخرج منها كل سنة نحو ستين ألف أردب ملحا، توجه إلى أشوان القاهرة والمديريات. وبين دمياط وبوغازها-وهو مصب النيل فى البحر المالح-مسافة نحو أربعة عشر ألف متر.
هذا فقد علمت أن مدينة دمياط من أعظم الثغور الإسلامية بديار مصر، فلذا تتوطنها وتقيم بها، الأكابر والأعيان والأشراف والعلماء والصلحاء ومشايخ الطرق والسجادات والقراء، المتقنون للتجويد والألحان الذين لا يفوقهم أحد من قراء الدنيا. وفيها مقامات كثير من أولياء الله تعالى المرابطين وغيرهم.

قلاع دمياط واستحكماتها
جاء في الخطط التوفيقية : وقد أنشأ المرحوم عباس باشا سكة عسكرية من المدينة إلى البوغاز عرضها اثنا عشر مترا، فى طول ستة عشر ألف متر، تمرّ فى وسط المزارع على جملة قرى منها: عزبة الخياطة، وعزبة اللحم، والحملة، وعزبة الشيخ ضرغام، حتى تصل إلى قلعة البوغاز الكبرى، التى أنشئت زمن دخول الفرنساوية أرض مصر فى القرية القديمة، المسماة بقرية البرج، التى هدمها بنوبرت سر عسكر الفرنساوية، لقيام أهلها ليلا على عساكره وذبحوا منهم جملة، وبنى بانقاضها تلك القلعة، ولم يبق من آثارها إلا الجامع الذى بوسطها، ومنزل صغير الآن به حكمدارها.
ومن إنشاء المرحوم عباس باشا أيضا، القشلاق الكبير الذى هناك على شاطئ النيل، وجملة مخازن للبارود والمهمات العسكرية، وصهريج كاف لشرب العساكر المرابطين بتلك القلعة مع أهل عزب البرج الجديدة التى فى شمال القلعة. ومن إنشائه أيضا، عمارة الكرنتينة، ومحل الجمرك فى جنوب القلعة على شاطئ النيل. وفى جهتى البوغاز شرقا وغربا قلعتان أنشئتا فى زمن الفرنساوية بصورة الاستحكامات الدائمة الموافقة لأسلحة ذلك الوقت، القريبة الرمى الضعيفة التأثير.
وكانت قلعة العزب مبنية بشكل سور مستدير محيط بالبرج القديم المستدير، الذى به مقام الشيخ يوسف فى محل يعرف برأس البر، ثم إن ساحل البر من بوغاز دمياط إلى بورت سعيد لم يكن به قلاع سوى قلعة الديبة القديمة التى بنيت زمن الفرنساوية، بشكل بلانقة مربعة وفى وسطها برج مربع شاهق يرى من مسافة بعيدة، وبينها وبين بوغاز دمياط اثنان وثلاثون ألف متر، وكانت على شريط الساحل القليل العرض الفاصل بين المالح وبحيرة المنزلة للحماية من دخول المراكب من أشتوم الديبة القديم.
وكذا الساحل الغربى من بوغاز دمياط لبوغاز بحيرة البرلس، لم يكن به قلاع سوى قلعة بوغار البرلس الغربية المحاذية لسراية طبوز أغلى، حاكم البرلس سابقا، وهى أيضا أنشئت فى زمن الفرنساوية بشكل بلانقة مربعة ذات أبراج مستديرة، وكان انشاؤها بمعرفة الأمير مينو الذى تقلد إمارة مصر بعد موت الأمير كليبر، كما دلت عليه النقوش التى وجدت على بابها، وقد حفظ مع أنقاضها التى وضعت فى بناء القلعة الجديدة.
وكانت أماكن تلك القلاع قبل دخول الفرنساوية، مراكز للمرابطين للمدافعة، فلما رأوا أن مواقعها هى أعظم النقط اللائقة للاستحكامات، بنوا فيها تلك القلاع، فمحيت معالمها القديمة، ما عدا برج ولىّ الله الشيخ يوسف المرابط فإنه لم يزل إلى الآن. وفى زمن المرحوم محمد على باشا، قد رممت تلك القلاع وأجرى فيها بعض عمارات.
وكذلك فى زمن المرحوم عباس باشا، فإنه أنشأ أربعة أبراج فى غربى بوغاز دمياط بينه وبين أشتوم الجمعة، وهو مصب بحر شبين، وأنشأ أيضا برجا فوق أشتوم الجميل، فى شرقى قلعة الديبة، وجميع ذلك كان بمعرفة جليس بيك، مدير عموم الاستحكامات المصرية ، وفى زمن الخديوى إسماعيل باشا، قد أوصلت السكة الحديد والتلغراف إلى السنانية، وأنشأ بها جملة مبان عسكرية منها: قشلاق الفوريقة الجديدة، المنشأة مع جملة فوريقات فى زمن العزيز محمد على باشا. جعل لإقامة آلآى بيادة بعد ما أضاف إليه جملة مبان كافية للوازمه.
ثم أنشأ قشلاقا آخر بجهة السنانية، قريبا من محطة السكة الحديد، وأنشأ فى غربيه اسبتالية للعسكر تسع خمسمائة سرير، وأوصل خط التلغراف إلى قلعة العزبة الكبرى، وإلى قلاع البوغاز، وأجرى بقلعة العزبة الكبرى جملة عمارات وترميمات بداخلها وخارجها، مع تجديد استرات خنادقها، وبناء خطوط نيرانها القديمة، وتسميك درواتها حسب أصلها، حتى صارت تقاوم مقذوفات العدّو، وعمّر الجامع القديم الذى فى وسطها، والمنزل الذى هناك.
وأنشأ حول كل من القلاع القديمة والأبراج، قلاعا حصينة أقوى من تلك القلاع القديمة بأوضاع مغايرة لها، كما أنشأ جملة قلاع من هذا القبيل على عموم السواحل وجعلها من أعظم القلاع الحصينة، لأجل مقاومة الأسلحة الجديدة البعيدة المرمى الشديدة التأثير، وجعل لها قشلاقات لإقامة العساكر المرابطين بها، ومخازن عظيمة للبارود والجلل والمهمات، ولزيادة تحصينها جعلها فى أسفل الدراوى السميكة بحيث تأمن من تأثير مقذوفات العدّو، كما أنه وضع فى جميع هذه القلاع المدافع العظيمة الكافية كما وكيفا، ذات العيار الكبير والمرمى البعيد، المعروفة باسم مخترعها أرمسترنج الإنكليزى. وجميع هذه الاستحكامات والعمائر جار على حسب التصميمات المعمولة بمعرفة أمير اللواء محمد باشا المرعشلى باشمهندس عموم الاستحكامات وقتئذ.